من التعايش الى تحالف الحضارات

رحيم العراقي

بمزيد من القلق، نشهد التصعيد الحالي في موجة التوتر المخيفة التي أشعلها قيام صحف أوروبية بنشر صور كاريكاتورية للنبي الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) اعتبرها المسلمون مسيئة إلى حد كبير. سوف نكون جميعاً خاسرين إذا فشلنا في نزع فتيل هذا الوضع، والذي لن يفعل شيئاً سوى خلق أجواء من سوء الظن وسوء التفاهم بين الطرفين ولذلك فمن الضروري ان نناشد الجميع الاحترام والهدوء والإصغاء إلى صوت العقل. والسنة الماضية ترأس رئيسا حكومتي تركيا واسبانيا مبادرة إطلاق العمل على تحالف مشروع الحضارات، انطلاقاً من إيمان راسخ بأن الغرب بحاجة إلى مبادرات وأدوات لوقف دوامة الكراهية والتشويش التي تشكل بحد ذاتها تهديداً للسلام والأمن الدوليين. والحوادث المؤسفة التي نشهدها اليوم انما تؤكد مجدداً على تشخيصنا للعلّة والتزامنا بالسعي لحشد المزيد من الدعم لهذه القضية. لطالما كانت اسبانيا وتركيا منذ القدم على مفترق طرق بين الشرق والغرب، ولذلك فنحن ندرك تماماً ان الطريقة التي يتم فيها معالجة مظاهر التماس المباشر بين الثقافات المختلفة يمكن ان تكون عامل إثراء كبير، لكن يمكن أيضاً ان تكون عامل نزاع هدّام. وفي عالمنا المعولم، الذي يتضاعف فيه باستمرار حجم العلاقات والتبادلات بين الحضارات المختلفة، والذي يمكن فيه ان تكون لحادثة محلية ارتدادات قوية في أنحاء العالم، فمن الضروري ان نكّرس قيم الاحترام والتسامح والتعايش السلمي .. إن حرية التعبير ركيزة أساسية من ركائز أنظمة الغرب الديمقراطية، ولن يتخلون عنها أبداً. لكن ليس هناك حقوق من دون إظهار المسؤولية والاحترام لمشاعر الآخرين، وقد يكون نشر هذه الرسوم الكاريكاتورية قانونياً مئة بالمئة، لكنه ليس حيادياً ولذا يجب رفضه من منظور أخلاقي وسياسي. وفي النهاية فإن كل هذا يعزى إلى سوء الفهم وسوء أظهار الثقافات المختلفة والمنسجمة كلياً مع القيم المشتركة، وتجاهل هذه الحقيقة يمهد الطريق لسوء الظن والنفور والغضب، وهذه كلها عوامل قد تؤدي إلى عواقب غير مرغوب فيها، علينا جميعاً العمل بجدّ لتفاديها. والطريقة الوحيدة لبناء نظام دولي أكثر عدالة هي من خلال إظهار القدر الأقصى من الاحترام لمعتقدات الثقافات الأخرى. نحن ملتزمون بشكل كامل باحترام معايير القانون الدولي والمنظمات الدولية التي تجسده. لكن لا المؤسسات ولا القوانين كافية لضمان السلام في العالم. علينا ان نرسخ مفهوم التعايش السلمي، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا إذا كان كل طرف مهتماً بفهم وجهة نظر الطرف الآخر وقام بإظهار الاحترام لمقدساته. هذه هي الأسس المنطقية والأهداف الرئيسية لمبادرة تحالف الحضارات التي تروج لها اسبانيا وتركيا..

المصدر: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=58262

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك