التعايش مع الأزمات
كاظم الحسن
في مجال الطب يُنصح المصاب بمرض مزمن (كالضغط والسكر) بالتعايش معه، وهو اقرار بان المرض في الوقت الحالي لا علاج له، ويخضع لما يسمى بالاحتواء وادارة الازمة، وتتم السيطرة عليه في حدود معينة، واهماله قد يؤدي الى تفاقم المرض وزيادة خطورته وتهديده لحياة المريض.
والتعايش مع الازمات لم يقتصر على الطب، بل انتقل الى مجال السياسة، فأصبح الفساد والارهاب مستشريا في العالم الى الحد الذي اخذ العالم يتقبل وجوده ويتعامل معه على اساس التعايش ومحاولة تحجيمه لا القضاء عليه.
وعندما يصنف العراق على انه دولة فاشلة، وهو مصطلح اطلق على العراق في زمن نظام البعث وما زال ساريا بامتياز، فان التساؤلات التي تثار هي كيف يصبح العراق الدولة الثانية في احتياط البترول، والدولة الثالثة في مراتب الفشل على مستوى العالم؟.
ولكن حين يجتمع الفساد والبترول فان الفقر ثالثهما، وهكذا علينا ان نتعايش معهم وكذلك مع الارهاب.
وكان الله في عون من هو مصاب باحد الامراض المزمنة لانه والحال هذه، عليه التعايش مع الاعداء الخمسة!.
ان توطين النفس على تقبل المحن والكوارث والازمات والتعايش معها على انها قدر تاريخي، والتسلح بآليات دفاعية لتفادي حدوث انفجار اجتماعي محتمل بسبب تلاحق هذه المصائب الحبلى بعجائب الزمن، يعطي شرعية للفساد والظلم والاستغلال وكل ما هو خارج طاقة الانسان واحتماله ويجعله متماهيا مع الحالات البالغة السوء ما يؤثر على مجمل نشاط حياته ويجعله ريشة في مهب الريح.
ويذهب البعض في تجميل الحرب ويعتبر ان لها دورا ايجابيا ولولاها لاصبح العراق في كنف السبات والركود واصابه الذبول والاضمحلال، ويصل الشطط لدى البعض مداه وذلك من خلال الاعتقاد بأن للحرب وظيفة لا يمكن نكرانها بالنسبة للعراق بوصفها اختبارا لقدرة المجتمع على التكتل والتضامن لان الوضع الجغرافي ترك بصماته على التكوين النفسي للعراقيين.
وهكذا تتفق النخبة واصحاب النظريات والشعارات الكبرى وعامة الناس على ضرورة الحروب واهميتها ولكن الفرق ما بين الاثنين، في النتيجة كالمسافة بين الماء والارض ف (انتجسيا) الحروب يصبحون من ضيوف المهرجانات والفضائيات والفنادق الفخمة وهي اوسمة الحروب لهم أما امتحان اولئك الفقراء فانهم وقود للضرورة والقائد الضرورة.
وهذا الانسان، اخذ يبحث عن الامثال والحكم للتعاطي مع البيئة المعادية للحياة والآمال من نوع (اخذ الامور على علاتها) اي التعايش معها، توقع اسوأ الاشياء، الشين الذين تعرفه خير من الزين الذي لا تعرفه، وهكذا اغلقت الحياة على ما يسمى اخف الضررين واهون الشرين.
في زمن الحروب كانت الخيارات اما الموت في الجبهة او التخلف والموت بانتظارك واما الاسر في ايران، ومدة الاسر لا يعلمها الا الله.
والان السؤال ايهما افضل زمن الدكتاتورية ام زمن الفوضى؟ نقول زمن الطغيان عقيم ولكن الفوضى قد تلد الحرية.
وعموم الناس ترى ما يحدث لها من ازمات عاصفة لم تهدأ يوما ما، امتحانا لقدراتها على الصبر والمطاولة والايمان.
والبعض الاخر يرى حتى في الامتحانات، توجد عطلة رأس السنة، نصف السنة، وفي مباريات كرة القدم استراحة ما بين الشوطين، وفي الازمات التي تحدث بين العشائر هنالك ما يسمى بـ(العطوة)، وحتى الحروب توجد فيها فترات من الهدنة.
فلماذا نحن نشذ عن ذلك والمصائب تتوالى علينا وكمال يقال في الكلام الدارج (فوكَه فوكَه)!
وقد تكون ابيات الشعر في قصيدة كاظم الحجاج جدارية النهرين اقرب في توصيف المشهد العراقي:
اقسم بالزيتون والتين اني لا عجب من عمري
رغم ثلاث حروب
كيف تعديت الستين