التعايش في مجتمعات الاختلاف ليس ممكنا فقط بل ضرورياً
عواد أحمد صالح
يتكون المجتمع العراقي من نسيج اجتماعي تتعدد فية المكونات العرقية والدينية والقومية والطائفية وهو ما بات معروفا للجميع . ولم يحدث طيلة عصور مديدة ان حدث صراع دموي واختلاف بين المكونات العراقية كما هو حاصل اليوم . فالصراع بين السنة والشيعة حصد الألوف من الأبرياء من الطرفين اولئك الذين ليس لهم ذنب سوى انهم ولدوا في البيئات التي وجدوا انفسهم فيها ينتمون دون ارادة منهم لهذا المذهب الديني او ذاك . وقد امتد لهب الصراع ليطال مكونا ت اجتماعية اخرى ،المسيحيون الأشوريين والكلدانيون واتباع الديانات الأخرى كالصابئة المندائيين وغيرهم . ان ايديولوجيات التطرف والحقد الديني والتعصب والتدمير لم تستثني احد من مكونات المجتمع العراقي الا ومسته بنارها الحارقة . ومنذ 2003 اثر سقوط نظام صدام الفاشي الديكتاتوري شهد المجتمع العراقي ويشهد اشكالا فريدة ومتنوعة من العنف المدمر والحرب الطائفية لم سبق لها مثيل بلغت اعلى مستوياتها من الحدة والاتساع عام 2006 حيث ان الأحتلال وسياسة القوة وعدم تقدير الامور بشكل صحيح خلقت وضعا بائسا في العراق، واوصلت البلد الى هاوية الفوضى والحرب الطائفية وعمقت صراع القوى الدينية والقومية الموالية للأحتلال والمناوئة له كما ادت الى تحطيم ركائز الحياة المدنية وهيأت الأرضية لنمو اكثر القوى رجعية وتخلفا وتسلطها على حياة الناس ومقدراتهم ومصادرة حريتهم وزرع الخوف والقلق وعدم الشعور بالامن في كل مكان .
وخلال عام 2006 المنصرم شهد العراق موجة عارمة من الأقتتال والعنف والتطهير الطائفي والقتل على الهوية من قبل المليشيلت الطائفية والقوى الأرهابية ، ادت الى تمزيق وحدة المجتمع العراقي وتعايش مكوناته الأجتماعية وشل الحركة الأقتصادية والأجتماعية وتكريس حالة من الأنقسام والفرقة الحادة بين السكان لم يسبق لها مثيل في تاريخ العراق الحديث .
لقد كان من نتائج الصراع الطائفي انحدار المجتمع العراقي الى مرحلة وحالة من اللاتعايش بين السنة والشيعة وهيمنة اجواء من الشك والريبة وعدم اطمئنان المكونات القومية والعرقية والدينية لبعضها البعض .. ان المسؤول الأول عما آلت اليه الاوضاع هو الأحتلال وسياسة التقسيم الطائفي والقومي التي زرعها وكرسها منذ تموز 2003 عند تشكيل مجلس الحكم على اساس التقسيمات الطائفية والعرقية . كما ان التخلف الشديد وسيادة "ثقافة الأستبداد" في اوساط المجتمع العراقي وهيمنة الدين والعشائرية قد ساعد كثيرا على توسيع هوة الشق الحاصل والأختلاف بين مكونات المجتمع العراقي .
ان النظام العالمي الجديد الذي خلقته امريكا بعد انهيار الكتله السوفييتية وحروب البلقان القومية والدينية وتجزئة يوغسلافيا قد تم وفق الشعار الاستماري القديم "فرق تسد " وكما يقول منصور حكمت " كانت يوغسلافيا مجتمع عصري، صناعي، مجتمعاً متمدناً وفق كل معيار معاصر. اذ يتحدثون عن يوغسلافيا كيف كان الناس، قبل تلك الاحداث، لايتذكروا اثنيتهم وقوميتهم ". وقد حدث نفس الشيء في العراق ايضا بشكل مختلف وحسب متطلبات الوضع الأجتماعي والسياسي للبلد ولمنطقة الشرق الأوسط عموما . فقد كان اغلب الناس لايحسبون أي حساب ولا يقيمون اعتبار لقوميتهم وانتمائهم الديني والطائفي والاثني ، وبعد الاحتلال الأمريكي البريطاني ودخول قوى التطرف الاصولية الى العراق من كل مكان .. تحول الصراع الديني الى سعار ومرض اجتماعي وسادت المفاهيم المتطرفة المغالية في الحقد والكراهية بين سكان العراق وخصوصا السنة والشيعة وضربت كنائس المسيحيين وقتل وهجر الكثير من الصائبة الى خارج البلد ، لقد اضحت صورة البلد قاتمة ، لم يعد العراق مكانا للعيش المناسب لكل الشرائح الاجتماعية المتمدنة والحضارية والنخب المثقفة والتقدمية .
لم تثني هذه الصورة القاتمة والسوداوية القوى اليسارية والعلمانية والتقدمية في الدعوة الدائمة الى نبذ التعصب والانغلاق الفئوي والديني والقومي والى تحقيق وحدة وتعايش بين السكان من جميع المكونات .. ومن هذه الدعوات المخلصة والصادقة ما اعلنه مؤتمر حرية العراق " ان مؤتمر حرية العراق يدعو جماهير العراق الالتفاف حول رايته ويحذر بالسماح للعصابات الطائفية والقومية في جرها الى مستنقع الحقد القومي والطائفي وتحويلهم الى وقود لحربها من اجل مصالحها الخاصة. " وهذا يعني ان لابديل عن التعايش الانساني والأخاء غير العنف والدمار والقتل وهو ماحصل ويحصل اليوم بكل اسف .
ان الحرب الطائفية والصراع الديني والسياسي القائم بين مختلف أطراف البرجوازية والبرجوازية الصغيرة للأسلام السياسي سواء في السلطة او المعارضة قائم على اساس السباق من اجل اقتسام السلطة والنفوذ والأمتيازات ولا يمت بصلة الى مصالح جماهير العراق المضطهدة الباحثة عن الأستقرار والأمان والرفاه . ويتم تسويق هذا الصراع وفق مفاهيم رجعية متخلفة وايديولوجيات متعصبة مغرقة في الظلامية لا يربطها بواقع العالم المعاصر واسس المدنية أي رابط انها ايديولوجيات نكوصية تستخدم الدين كغطاء لتمرير وتنفيذ مصالح سياسية ورغبة شرائح اجتماعية متنافرة للوصول الى سدة الحكم ، بكل الوسائل بما فيها تدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية وهذا يعني تدمير البلد كله من اجل الحكم ولو على الاطلال والخرائب والأشلاء .
لقد اوصلت جميع الأطراف التي ساهمت في خلق التوتر والعنف الطائفي والفوضى والأقتتال البلد الى نهاية سوداء ولم يعد ثمة طريق امام جماهير العراق سوى البحث عن البديل الانساني القائم على اساس هوية المواطنة المشتركة وجعله امرا واقعا وممكنا وحتمية لابد منها من اجل تحقيق الامن والاستقرار وهذا لن يتم بدون اعتماد المباديء التالية التي يمكن ان تكون قواسم مشتركة لجميع المكونات العرقية والدينية والمذهبية في المجتمع العراقي
1. العمل بمختلف الوسائل والسبل لأنهاء الاحتلال وخروج القوات الأجنبية من العراق لأن وجودها هو الأساس والمصدر للعنف وعدم الأستقرار والنزيف اليومي وتدمير ركائز الحياة المدنية للمجتمع .
2. الأقرار بحقوق المواطنة المتساوية بغض النظر عن القومية ، الدين ، المذهب ، العرق ، الطائفة .
3. فصل الدين عن السياسة والتربية والتعليم وجعله شأنا خاصا بالافراد .
4. قيام حكومة علمانية واسعة التمثيل غير دينية وغير قومية قائمة على اساس التدخل المباشر للجماهير في شؤون الحكم .
5. اقرار دستور مدني علماني وتشريع قوانين تحد من تلك الأفكار والتقاليد والاخلاقيات الرجعية القائمة على التمييز والتحقير .وفسح المجال لترسيخ الثقافة والقيم والعلاقات الأنسانية المتحررة .
6. الحريات السياسية والفكرية غير المشروطة : حرية المعتقد ، والفكر والتعبير والنشر ، والاجتماع والتظاهر والتنظيم والتحزب والإضراب .
7. إلغاء جميع أشكال الأمتياز والألقاب التي تدل على الانقسام الطبقي او التمييز العرقي او الاجتماعي او الديني او المذهبي بين سكان العراق .
8. منع الأكراه الديني وضمان الحرية التامة لغير المتدينين
9. حق جميع المواطنين في التمتع المتساوي بالخدمات الاجتماعية والصحية والأمن والسلامة والتمتع بثروات البلد بشكل عادل .
10. حرية السفر والتنقل واختيار مكان الإقامة لجميع العراقيين دون قيد أو شرط .
11. تحريم جميع اشكال الإرهاب والقمع السياسي والمسلح بجميع مظاهرة الدينية والسياسية الرسمية وغير الرسمية .
12. حل جميع المليشيات و الجماعات المسلحة و الشبه مسلحة التابعة للمجموعات الطائفية الإسلامية وغيرها وتجريدها من اسلحتها ومصادرتها .
ان مسألة التعايش بين المكونات العراقية هي مسألة سياسية بالدرجة الاولى وان الزعم والأدعاء القائل بوجود فوارق "ثقافية" ناجمة عن البيئة والسلوك الاجتماعي والموروث الديني بين الطوائف والاثنيات العراقية لن تكون حائلا دون تحقيق التعايش اذا حلت المسائل السياسية . وان تحقيق المبادئ المذكورة اعلاه لن يتم بصورة جذرية وقاطعة الا في ظل نظام اشتراكي يجتث الاساس الاقتصادي – الاجتماعي للفوارق بين البشر ويقضي على الأستغلال والتمييز القائم وعلى التباين الموجود في "الثقافات " الاجتماعية ويدمج بالتالي جميع الاعراق البشرية في وحدة شاملة لا تعرف البشر الا بهويته الانسانية .