ثقافة الاعتذار والتسامح في العرف السياسي
سامي فريدي
أشتهر عبد الكريم قاسم - أول رئيس جمهورية في العراق- بمقولة أثيرة هي (عفا الله عما سلف!)، وذلك في بادرة منه لرأب التصدعات الشخصية بينه وبين زمرة من رفاق الطريق ممن أغوتهم خلافات المناصب واجتهادات القيادة والتوجه الوطني. بيد أنه، لا تلك المقولة ولا روح شهامته العالية، نفعت في إثناء رفاقه المشمولين بالعفو الرئاسي عن تنفيذ عقوبة الاعدام به - لاحقا- ورميه بالرصاص في غرفة الاذاعة في شباط 1963. لقد تسببت تصفية قاسم بتلك الطريقة الوحشية باستئثار تعاطف الكثير من العراقيين. مع ما اندفع منه من تصديق ورواج لمقولة دينية وقبلية قديمة (بلغ القاتل بالقتل!)، وهذا يعني في جانب تحميل رئيس الجمهورية مسؤولية المجازر والتصفيات التي رافقت فترة حكمه القصيرة. وفي مقدمة تلك المجازر، هي مجزرة الباكورة أو الاستهلال الجمهوري الدموي، ممثلة بتصفية أفراد العائلة الملكية في صبيحة الانقلاب بدون وجه حق أو وجه مسؤولية. ورغم كثرة الكتابات والتبريرات وتبادل الاتهامات بين مسؤولي تلك المرحلة، فأن حكام العراق الجدد، لم يخطر لهم، الالتفات إلى دماء باكورة ضحاياهم أو إبداء مشاعر الأسف والاعتذار أمام الشعب عن دماء المهرقة باعتبارهم رأسا لبناء جديد، يفترض أنه ينقل البلاد إلى عهد أفضل من السابق. لم يعتذر عبد الكريم قاسم للدماء الملكية أو دماء أقطاب الحكم السابق وقادتهم السابقين عن المعاملة الوحشية التي طبعت مشاهدها في شوارع بغداد (مدينة السلام) وجسورها على دجلة، ولم تتراجع أمام مرأى عيون الأطفال والنساء والشيوخ. أقول اليوم، وقد جرى ما جرى ويجري في عراق اليوم في أعقاب استهلال دموي قديم لا يندمل..
- ماذا لو اعتذر عبد الكريم قاسم للشعب العراقي عن دماء العائلة الملكية والمحسوبين عليها؟..
- ماذا لو اعتذر عبد السلام عارف للشعب العراقي عن دماء العائلة الملكية والمحسوبين عليها؟..
- ماذا لو اعتذر أحمد حسن البكر للشعب العراقي عن دماء عبد الكريم قاسم والمحسوبين على الحكم السابق له؟..
- ماذا لو اعتذر صدام حسين للشعب العراقي عن كل الدماء التي أريقت على مذابح حكمه وحروبه ونزواته إضافة للضحايا والمتضررين وذويهم؟..
- ماذا لو اعتذر جورج بوش الأب والأبن وبيل كلينتون للشعب العراقي عن جرائم الحربين والحصار الوحشي ما بينهما وجرائم الغزو وما ترتب عليه؟..
- ماذا لو اعتذر الشاطر توني بلير للشعب العراقي عن جرائم الحربين والحصار الوحشي ما بينهما، وجرائم الغزو وما ترتب عليه؟..
- ماذا لو اعتذر قادة الأحزاب والتنظيمات والطوائف والمآفيات المسلحة للشعب العراقي عن كل ما اقترفوه وما تسببوا فيه حتى الآن من خراب وفساد في البلاد والسواد؟..
ان ثقافة التسامح تصنع الحياة، أما ثقافة الثأر والشر فلا تنتج غير المزيد من الشر والمزيد من الموت.. ان العراق يريد أن يعيش.. ويريد أن يزرع الحياة ويبتسم للأمام..
إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلا بدّ أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي.. ولابدّ للقيد أن ينكسر
لقد جنى الكثير من القادة السابقين ثمار ثقافة الانتقام وعدم التسامح التي زرعوها.. فهل من صحوة قريبة تغير تاريخ الأيام المقبلة..
هذه دعوة للاستذكار والتأمل والتسامح قبل شهر من استعادة ذكرى تموز الدموية في العراق..