المفهوم الحديث للتسامح
حسين علي الحمداني
ثقافة المصالحة والتسامح ليست هياكل جاهزة، وليست هي بكساء نرتديه متى ما رغبنا، لأن هناك أزمة للديمقراطية نشأ القصور الديمقراطي منذ عقود تراكم من تخلف واستبداد وقسوة الحكام وعدم وضوح الرؤية الديمقراطية الحقيقية لدى القوى السياسية وعدم الاعتراف بالآخر
ان الاختلاف أمر طبيعي بل حتمي في هذا الكون وهذه سنة إلهية وان الحق لا يرتبط بالأشخاص ولا بالدول ولا بالمؤسسات والحق أصيل وقديم وهو الغالب بالكلمة والحجة والبرهان وأن الحق لا يحتاج إلى أشخاص يجيدون الشتائم والسباب وأن الحق لا يريد إقصاء الآخر ولا إلغاء شخصه ولا الانتقام منه وقهره وازدرائه بل الحوار معه,في جو يكفل المساواة في الفرص والامكانات. وكما ان الحق ظاهر فانه لا يزال في صراع حتى يرث الله الأرض ومن عليها ان الحوار في معناه الصحيح لا يقوم ولا يوصل إلى الهدف المنشود إلا إذا كان هناك احترام متبادل بين أطراف الحوار واحترام كل جانب لوجهة نظر الجانب الآخر وبهذا المعنى فان الحوار يعني التسامح واحترام الرأي الآخر والاعتراف بالآخر وليس الهدف من الحوار مجرد فك الاشتباك بين الآراء المختلفة أو تحييد كل طرف إزاء الطرف الآخر وإنما هدفه الأكبر هو ترسيخ قيمة التسامح وتمهيد الطريق للتعاون المثمر فيما يعود على جميع الأطراف بالخير. التسامح هو قيمة جوهرية في العلاقات والاتصال بالآخر وهو اسلوب تفكير ونظرة إلى الآخر تقوم على الاحترام وإقرار وتقدير التنوع للمفاهيم والآراء وطريق ممارستها. والتسامح هو انسجام في الاختلاف القائم على العدل ونبذ الظلم. ان قيم التسامح والانفتاح وقبول الآخر واحترام الاختلاف لا تنشأ بمقتضى أمر أو طلب ولكنها تنبع من عقلية وأسلوب تفكير ذاتي وتتمظهر في سلوكيات الفرد أو المجموعة ذات الخصائص الحضارية المشتركة هذا يفترض ان يبدأ ترسيخها في البداية أي منذ فترة تكون الشخصية الفردية ثم الشخصية الجماعية وكذلك يكتسب التعليم والتربية الأهمية الأكبر في زرع قيم التسامح والانفتاح واحترام الآخر والوعي بذلك كله أمر ضروري يجب ان نعلمه للأجيال الجديدة وبصفة خاصة عن طريق القدوة وليس عن طريق التلقين ولا جدل في أن التسامح قد أصبح في فضائنا العراقي أكثر إلحاحا من اي وقت مضى بل أصبح ضرورة الواقع. ان التسامح والحوار والتواصل بنية نفسية واجتماعية وسياسية وثقافية إنسانية منطلقها الفرد وهدفها مصلحة المجموعة المحلية أو الإنسانية عامة والقدرة على إقامة الحوار وبناء علاقة تتواصل مع الآخر موهبة فردية وقيمة إنسانية. وإذا كانت حاجة الفرد ضرورة لاستخدام قدراته على الحوار والتواصل والتسامح مع الآخر سواء كان فردا داخل عائلته أو مواطنا يشاركه الفضاء الجغرافي والثقافي والسياسي والاقتصادي أو كان إنساناً يشاركه الانتماء إلى نفس الكينونة فان حاجة المجتمعات والدول والثقافات لإقامة حوار مع غيرها أكثر إلحاحا. لان انعكاسات انغلاق الفرد وتصلبه مهما اتسعت لا يمكن ان تمس من هم خارج محيطه الضيق أما انعكاسات انغلاق المجتمعات والثقافات وتصلب العقليات فتنتشر بسرعة ويتسع تأثيرها إلى حد اندلاع الحروب والصدمات والنزعات القبلية والعرقية. وان الحوار لا يمكن ان يكتب له النجاح إلا إذا ساد التسامح بين المتحاورين ان المجتمع الذي لا تقوم ثقافته على التسامح مع المخالفين لا يمكن ان يفلح، لا يعني التسامح انتهازية تعايشية (بمعنى إعطاء فرصة للآخرين لإدراك الموقف الجديد والتكيف معه). لا توجد عوائق في ثقافتنا وأعراف مجتمعنا تؤول دون التفاعل بروح التسامح بمفهومه الحديث الذي أولا وأخيرا الاعتراف بالآخر والتعايش معه على أساس بأن للناس حقوقاً إنسانية متساوية حيث هم بشر ليس إلا. وهذا يعني ان العلاقة الإنسانية بين أفراد البشر هي علاقة موجودات حرة يتنازل كل منها عن قدر من حريته في سبيل قيام مجتمع يحقق الخير للجميع وهذا يعني بعبارة أخرى أن هذا المجتمع المنشود لن يتحقق على النحو الصحيح إلا إذا ساد التسامح وزوال الظلم بين أفراده بمعنى ان يحب كل فرد فيه للآخرين ما يحب لنفسه. مما لا شك فيه ان مبدأ التسامح عظيم , لأننا كلنا أهل خطأ والحقيقة التي نراها ونعيشها عندما يرى المخالف ان خصمه يراه شريرا أو رجعيا وخائنا وظلاميا فانه تلقائيا يستبد بهذا الرأي ويستبدل لسانه وقلمه بمدفع رشاش يصوبه نحو خصمه. وعندما يرى كلمات التسامح والصفح والمحبة من خصمه عندها يحس بعظمة التسامح والإحسان والصفح تتملكه، هذا هو لسان كل إنسان. الجميع يخطئ والجميع يتجاوز والذي يبقى في النهاية بكل تأكيد هو التفاهم و التسامح. والحقيقة التي لا جدال فيها أن التسامح متى ما كان أقوالا لا تدعمها السلوكيات, ومواعظ وكلمات وخطباً ومؤتمرات لا تبرهن عليها الأفعال, كان التسامح ضربا من ضروب الخيال انه من السهل أن ننمق الكلمات والعبارات ونرصفها على الأوراق لكنها في النهاية تبقى حبيسة الإطار ومسجونة الألفاظ ان الواقع الحقيقي لكلمة التسامح هو. الثمرة السلوكية العملية في الحياة نعم من ثمارهم تعرفها, هل تجنى من الشوك عنبا أو تينا.ما أسهل التبشير باسم التسامح والعدل لكن الثمار الشوكية سرعان ما تبدد حلم التسامح والعدل. فلنبدأ بأنفسنا ونفتح باب التسامح والحوار مع محيطنا القريب عبر الحوار المباشر والمفتوح ولنشغل مواهبنا وقدراتنا على الحوار والتسامح لنفتح أبواب التواصل مع الآخر البعيد من خلال كل الوسائل المتاحة لنا ونتحاور معا لإيجاد قواسم مشتركة ولنتبادل الأفكار والآراء والمفاهيم. والحاجة اليوم ملحة إلى تبني مواقف تتطابق مع المشاعر الإنسانية وإشاعة ثقافة التسامح بين أبناء الوطن الواحد مهما اختلفت أيديلوجياتهم وتفعيل دور الحوار والتسامح يشكل مطلبا وحاجة وطنية ينبغي التمسك بها كعامل مساند لعملية استقرار البلد واذكر في هذا المقام بما يحضرنى من شروط التسامح: - يجب ان يعلو الحوار فوق كل تعصبات أو أية أفكار مسبقة على الآخر . - الاستعداد لممارسة التسامح مع الآخر وقبول الآراء المضادة بشرط التجنب الصارم لان يتدهور ذلك التسامح إلى علاقات مهينة بين متسامح يعتقد انه الأعلى والأفضل وآخر تفرض عليه المكانة الأدنى ويشار إليه بأصابع الاتهام والريبة. إن فكر المصالحة إذا تأصل واستوطن العقول، وأصبح سلوكا مبدئيا يتجاوز سطور البرامج، ويدخل الأسواق والمنتديات، ويرفع الشعار ويلتزم الموقف، لا يرجه زلزال الواقع ولا تقتلعه عاصفة التحديات، من شأنه أن يسحب البساط من الطرف المقابل، ويعري المصداقيات الكاذبة، والشرعيات المهزوزة، وتكتمل الصورة، ويفقد اللون الرمادي أساس وجوده، ويجعل الأمة رقيبا وحكما ورقما فاعلا. ويجعل من حاملي المشروع ضحايا واضحي المعالم والرؤى والمواقف، لا يمكن نعتهم بالازدواجية والانتهازية والتسرع والتطرف والصراع. بل إن شرعية التواجد ومصداقية المشروع، يصبحان مسؤولية أمة، وليس هموم طائفة وجماعة ينالها الضيم والجور والناس في غفلة عن مصيرهم. وأخيراً إن ولوج باب المصالحة يمثل بداية الطريق في مسار التغيير في المناهج والعلاقات والآليات، ويشكل الإطار الصائب للدفع بالمشروع الديمقراطي نحو اللقاء والتعدد والتعارف والتدافع الحضاري. ورغم أن الطريق ما زالت وعرة وشائكة في بعض ثناياها، فإن تهيئة العقل الجديد يجب أن يمر من هذه الشعاب على صعوبتها وطول مسافاتها، حتى ينال رضا مجتمعاته ويكون مشروعه مشروع هداية ورفاهية بالأساس.