الحضارة بين العنف والتسامح
حميد المصباحي
قديما,كانت الصراعات تحسم بالعنف بين الشعوب والأمم,وقد استغرق دلك زمنا طويلا,قدمت فيه البشرية تضحيات جسام,ليس من حيث الأرواح فقط,بل خلفت تراثا لازال حافزا للكثير من الأمم أو جماعاتها على العنف وإدكاء الصراعات الدامية ضد المختلفين عنها حضاريا وساياسيا,لكن هدا الصراع مع التطورات الحضارية اللاحقة اتخد أشكالا جديدة,إد لم تعد القوة تخلق المجد,وبدلك فإن الإحتكام إليها,ليس إلا حلا مؤلما,تفرضه عثرات الحضارة البشرية في مساراتها المتراوحة بين التقدم والتقهقر,لكن العقل الإنساني سرعان ما يستعيد عافيته وفعاليته في مواجهة النزوعات العدوانية.هكدا صارت المجتمعات البشرية تتنافس من أجل الرفاهية والإزدهار,هدا هو مقياس القوة الجديد,أي قوة الحضارة بدل حضارة القوة,لكن هل انمحى العداء بانتشار قيم التسامح؟هل انتهت فترة المواجهات بين القوميات والثقافات والديانات؟
لا يمكن أن تنمحي الفروقات الثقافية والقومية,إد لم يحدث تاريخيا أن وجدت ثقافة واحدة,أو ديانة واحدة حكمت العالم,أي بعبارة أوضح لم يوجد قطب واحد هو المسيطر والحاكم للعالم أجمع,دائما كانت هناك حضارات,على الأقل تهيمن واحدة منهم وتتراجع باقي الحضارات الأخرى,دون أتفقد وجودها نهائيا,إد يخفت التنافس بينها ويشتد حسب التقلبات التاريخية التي تعيشها الأمم المتصارعة,وبدلك تخلق الحضارة في صيرورتها ولدى أفرادها والمنتمين لها صورة لخصومها,تحدد من خلالها كيفية التعامل معهم,والرد عليهم ,وتحدد درجة القبول بالآخر كثقافة وديانة وقومية وعقلية أيضا,من هنا تؤثر في نظرة أفرادها إلى أنفسهم وهويتهم الثقافية والحضارية,التي عليهم الحفاظ بوضع مسافة مع الآخرين عليها,إن هده الدينامية,حاضرة في كل المجتمعات البشرية,لكن درجتها تتفاوت وتختلف باختلاف الحضارات والتاريخ السياسي لكل مجتمع بشري,وقد أدركت العديد من الدول خصوصا المتقدمة منها,أن عليها أن تخلق نمودجا حضاريا يمثل كل الحضارات باعتباره نتاجا بشريا,ساهمت فيه كل الثقافات والأعراق,كل هدا من أجل انصهار المجتمعات الإنسانية في بوثقة واحدة ليفكر الناس بطريقة متقاربة أو على الأقل غير معادية لبعضها,لكن هدا الخيار اصطدم,رغم جديته,بآليات الرفض التي ولدت غكرا مختلفا بدعوته للحفاط على خصوصية الحضارات والثقافات,لأن البشر لايمكنه التفكير بطرق متشابهة حتى داخل المجتمع الواحد,وقد كشف هدا الإتجاه,على أن السعي لنشر ثقافة واحدة الغاية منه ليست هي نشر التسامح,بل تبرير هيمنة حضارة على حضارات أخرى,تريد فرض نفسها بطريقة جديدة,بعد أن فشلت الأساليب العنيفة في القضاء على الثقافات والحضارات المختلفة تحت دريعة التقدم,لكن هل الإقرار بالخصوصية يعني رفض التسامح؟؟
إن البشر لايمكنهم إلا التفكير بشكل مختلف,هده هي طبيعة التفكير,ولدلك لايمكن لأنماط عيشهم أن تتشابه,حتى إن ضاقت الحدود الجغرافية وتقلصت المسافات,يحدث التفاعل بين المجموعات بشكل مختلف,وبدلك تنتج ثقافة توحدها وتميزها عن الجماعات الأخرى المتصارعة فيما بينها,هدا هو المشترك بين الحضارات التي تتعرف على داتها بمميزاتها,فالتفاعل يفرض نفسه ,لأن التجديد لايظهر اعتباطا,بل يبدأ بإدراك الحاجات التي تفرض وجودها وينبغي تلبيتها بالجديد أينما وجد,هنا يحدث التفاعل ضرورة لااختيار,إد تسد الحضارة تغراتها بتمثل كيفي لإنتاجات الحضارات الأخرى دون ضيق أو شعور بالنقص,لأنها تقدم هي الأخرى لباقي الحضارات ثقافتها إن أثبتت فعاليتها في مجالات محددة,وعندما تكتمل الدائرة,فإن الفكر البشري يحاول داخل حضارة ما تسجيل سبقه لتكسير هده الدائرة,وفتح أفق جديد وأصيل لتطور الحضارة البشرية,هنا تتكامل الحضارات وتختلف فيما بينها,حتى عندما تتنافس,فإنها تخلق دينامية دافعة للتطور,ومحفزة على التسارع نحو الأحسن في جل المجالات ,سواء كانت علمية أ, ثقافية,إن هده الدينامية تتغدى على الإختلافات الثقافية والجضارية التي ليمكن إلغاؤها باسم العولمة وغيرها من الدعوات الداعية لفرض التشابه على الثقافات بغية صهرها قسرا في قالب محدد الشكل والألوان.