مفهوم العولمة وصراع الحضارات

أحمد صقر

مفهوم العولمة : Globalization
شاع منذ العقد السابع من القرن العشرين استخدام العديد من المصطلحات التى أثارت اهتمام الدارسين والمتخصصين حتى العامة من الناس أثار اهتماماتهم المحدودة تداول بعض المصطلحات التى أصبح من الطبيعى ومن اللازم أن تستخدم فى وسائل الإعلام المختلفة، الأمر الذى دفع الناس إلى استخدام مثل هذه المصطلحات كنوع من التقليد أو الوجاهة أو كنوع من التشبه بالآخرين وهكذا ترددت بعض هذه المصطلحات التى أصبحت من كثرة استخدامها مصطلحات يعرفها ويعرف تاريخها وأسباب ظهورها وأهدافها وتوجهاتها الجميع، غير أن إعادة النظر والبحث والنقاش أراه مفيداً فى حالة دراسة العولمة والهوية الثقافية من خلال المسرح أحد وسائل الاتصال الجماهيرى إن لم تكن أكثر هذه الوسائل أهمية جنباً إلى جنب مع التلفزيون ثم الكمبيوتر الذى أضحى ينافس هو والتلفزيون المسرح الذى كان أبو الفنون طوال رحلة الفنون.
صادف ظهور مصطلح العولمة مصطلحات أخرى مثل:-
الكوكبة، والعالمية، والقرية الكونية، والغزو الثقافى، والقطبية، والنظام العالمى الجديد، وصراع الحضارات، وحوار الحضارات وغيرهم كثير. غير أن مصطلح العولمة – موضوع حديثنا- من أكثرها تردداً، وأوسعها انتشاراً بين المصطلحات والمفاهيم الأخرى.
ربط الكثير من المهتمين بين مصطلح العولمة وبين التيارات والتحولات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وأخيراً الثقافية دون أن يركزوا جل اهتماماتهم على الجوانب الثقافية والاجتماعية والأخلاقية التى تعد جميعاً أكثر الجوانب أهمية فى تشكيل أبعاد العملية الإبداعية والفنية. ذلك أن الكثير من المفكرين والمنظرين على يقين أن الجوانب السياسية والاقتصادية هى وحدها أساس التغير والتحول فى أى مجتمع وأن باقى الجوانب ستأتى تحولات طبيعية لاحقة لما سلف ذكره، وعليه قدمت الكثير من الدراسات حول مفهوم العولمة من قبل الكثير من رجال السياسة والاقتصاد ونسوا أو تناسوا أن وسائل الاتصال الجماهيرى المتحققة والموصلة والراصدة للإبداع فى أى مجتمع هى القنوات الأكثر توصيلاً وهى نفسها الوسائل التى اعتمد عليها فن المسرح منذ مراحله الأولى فى توصيل الإبداع الأول البكر لمبدعى المسرح الإغريقى، وهو السبيل نفسه الذى أدركته الكنيسة فى العصور الوسطى فى مرحلة لاحقة لتحقق عن طريقة- اقصد المسرح- رسالتها الدينية بنشر تعاليم المسيحية الجديدة أمام طغيان وسيطرة الوثنية.
من هنا أدرك الكثير من المبدعين أن اقصر السبل لتوصيل رسالة العولمة هى الجوانب الفنية والثقافية فعن طريق الكمبيوتر "الانترنت" وعن طريق فن السينما وعن طريق المسرح وعن طريق الأغنية يمكن تحقيق رسالة العولمة فى مخاطبة العالم خطاباً يفهم، بل وتتوحد الرؤى وتتلاقى الأهداف وتمحى الاختلافات وتتقارب الأذواق، وإن تحقق ذلك على حساب الجنسيات أو اللغات أو حتى على مستوى الموقع الجغرافى كلها أصبحت أو لابد أن تصبح من ذكريات الماضى وعلينا أن نتلاقى فى حوار يجمع بيننا ولا يغرقنا وتصبح الصورة بدلالاتها ومفاهيمها أقدر على التأثير من اللغة بمحدوديتها أو بمعنى أدق وأوضح تصبح اللغة المرئية قادرة على توصيل الرسالة من اللغة المسموعة المقروءة وبذا تراجعت لغة الصورة الأدبية المكتوبة وتراجعت الإبداعات المكتوبة وحل محلها لغة جديدة لا تلتزم بضيق افق اللغة التقليدية وتتجاوز عن محدودية اللغة الأدبية المكتوبة المقعرة ليحل محلها لغة مقروءة تتجاوز كثيراً عن دقة اللفظة وصحة حروفها المعهودة وهى مرحلة سابقة لمرحلة الصورة المرئية التى شاهدناها فى مهرجانات المسارح التجريبية بعد موت المؤلف المسرحى وانتشار فكرة الورش المسرحية والتأليف الجماعى.
مصطلح العولمة:
يشير مفهوم العولمة Globalization إلى " سيادة ظواهر وسياسات مرتبطة بجوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية فى جميع أنحاء العالم، وتكون هذه السيادة للفئة الأقوى فى العالم، وتأخذ شكل السيطرة سواء أكانت هذه السيطرة جزئية أو كلية".
وعليه تعنى العولمة إلغاء الحدود الفاصلة بين دول العالم وتمكن وصول كل نتاجات دول العالم بين بعضها البعض وإن ركز التعريف السابق على سيطرة وسيادة الأقوى، غير أن هذا التعريف يعنى سعى أصحاب ومؤيدى العولمة نحو التقارب بين شعوب العالم على كافة المستويات من أجل تحقيق نظام عالمى جديد يرون فيه أنه الأقدر على تحقيق إنسانية أفضل وضمان حقوق هذا الإنسان بعد هدم كل العوائق السابقة.
مما سبق يؤكد صاحب التعريف السابق أننا سوف نقرأ الكثير من التعريفات حول مصطلح العولمة وأنه من الصعوبة بمكان الوصول إلى تعريف جامع مانع كما كان يفعل من قبل المناطقه القدامىْ، وعليه سنعرض لكثير من التعريفات التى قد تجعلنا نفهم أننا فى عصر ما بعد الوضعية وما بعد الحداثة لم يعد هناك ما يدعونا إلى قبول تعريف واحد يسير عليه أهل الفكر والعلم والفن، بل سيصبح " التعريف جزءاً من سياق لغوى تتناوله مجموعة لغوية معينة .
يؤكد د. طاحون أن العولمة الثقافية تختلف عن العولمة الاقتصادية التى أضحت واقعاً فمن خلال دول آسيا وأفريقيا وجنوب أمريكا نرى أن توافر الأيدى العاملة وتوافر الأسواق المستهلكة يعد هذا مناخاً ملائما لتحقيق العولمة الاقتصادية عندما تتحرك الشركات الكبرى وأغنياء العالم نحو فرض هيمنة اقتصادية الإنسان بحاجة إليها غير أن الأمر يختلف عن العولمة الثقافية التى لا تنتظر من المعولم إلا استقبال هذه الثقافة الوافدة وهى التى " تحاول القضاء على التفرد والتميز للأمم، لأن أصل السياسة العولمية، أن يتم غزو الفرد عن طريق الثقافة فهى لا تريد من الفرد سوى أن يحاكيها وعندما يحاكيها تتوحد معه، وعندما تتوحد معه فلن يبق بالنسبة لهذا الفرد غريب أو عدو، وهذه هى فلسفتها. فهى تريد أن تعولم الناس (أى تقولبهم) أى تدخلهم فى هذا القالب من السلوك حيث يختفى عنهم الاغتراب ويزول عنهم الصراع .
على الرغم من هذا الرأى قد يبدو صحيحاً فى جانب منه إلا أنه لا يعد نهائياً على طول الخط ذلك أن موجه المدنية أو الحداثة أو غيرها من المصطلحات التى ظهرت فى كافة أرجاء العالم لم تغير بحق صورة الإنسان الذى لا يزال يعيش فى الكثير من دول العالم بنمط الحياة لعقود بل وفى بعض الأحيان بنمط الحياة لقرون سابقة ولنعطِ مثالاً على ريف مصر وصعيد مصر أو بعض أماكن فى أفريقيا أو أسيا لا تعد هذه شواهد تؤكد قدرة العولمة الثقافية على اختراق الآخر وتملكه وصبغة بصبغة واحدة تصبح متكررة.
لا يختلف التعريف السابق عن تعريف " عبد الله راشد" عن العولمة الثقافية إذ يؤكد فكرة تعميم نموذج ثقافى على المجتمعات الأخرى، مؤكداً على فكرة الاختراق الثقافى واستعمار العقول واحتواء الخبراء وربط المثقفين بدائرة محدودة تلغى فيها الذات وتتحقق متطلبات الآخر.
يحدثنا " على حرب " عن فهمه للحداثة والعالمية وصولاً إلى العولمة بقوله " إن الحداثة ليست نفياً للتراث، بقدر ما هى قراءته قراءة حية وعصرية، وكما أن العالمية ليست نفياً للخصوصيات بل ممارسة المرء لخصوصية بصورة خلاقة وخارقة لحدود اللغات والثقافات، كذلك فإن العولمة لا تعنى ذوبان الهوية إلا عند ذوى الثقافة الضعيفة، وأصحاب الدفاعات الفاشلة، فمن يلقون بأسلحتهم أمام الحدث، فيما هم يرفعون شعار المقاومة والمحافظة ".
يؤكد التعريف السابق ويبصر الساعين إلى العولمة إلى أنها لا تعنى فى المطلق إلغاء الآخرين وإن الآخرين إذا أصبحوا بهذا الوهن فليس أمامهم خيارا إلا أن يجدوا من يشكل لهم منهج حياتهم وفكرهم بل وحتى أذواقهم، ذلك أن فكرة الرفض أو الخوف أو حتى أصحاب النعرات القومية والمرتزقين وحملة مشاعل الفكر والتنوير أصحاب التوجهات الرجعية هم الذين ينهزمون أمام تيار العولمة. ذلك أن دولاً كثيرة فى آسيا وأوروبا لا تزال بثقافتها وهويتها محل تقدير ولم ولن تذوب هويتهم الثقافية ولن يصبحوا تابعين بهذه السهولة التى يشهدها مجتمعنا العربى. ذلك أن " الدينامية الصاعدة للثقافة الآسيوية المستندة على قاعدة ارتكاز اقتصادية وتقنية مبحث القلق فى الدوائر الأمريكية والأوروبية والفرنسية على وجه الخصوص، معتبرة ذاتها (فرانكونونية) هى أم الثقافات الإنسانية الحية ودائمة الحركة الرسمية وغير الرسمية وبالعديد من دول العالم وتمثل رأس الحربة الصدامى مع العولمة الثقافية الأمريكية والآسيوية على حد سواء .
إن الرأى السابق يوضح أن مصطلح العولمة ليس بهذا الأفق الضيق الذى يراه البعض وليس فرض الأنا على الآخرين ولكن هناك ثقافات وحضارات وأمم محل قلق لمن يفكر بمنهجية النموذج الثقافى الواحد فى تعريف العولمة فعلى سبيل المثال ليس من المنطقى فرض نموذج ثقافى واحد على العالم بل كما يقول جابر على خطاب " أن العولمة أكبر من مجرد كونها ظاهرة إعلامية تعبر عن حالة الانفتاح المعرفى الهائلة التى تعيشها مجتمعات عالم اليوم ... فهى من زاوية أخرى تعبر عن محاولات فرض وتسيير النمط بمعنى محاولة تشكيل وإعادة تنظيم العالم بما فيه من مجتمعات وبلدان على أسس جديدة تخدم ثقافة ما بعينها بهدف الإعلاء من شأنها وتقديمها على بقية الثقافات الأخرى كنموذج يحتذى به لأنه (كما يتصور أنصاره) الأجدر والأحق بالذيوع والانتشار بين بقية المجتمعات الأخرى " .
إن ما سبق ذكره يذكرنا برحلة الإنسان عبر الحضارات الفرعونية واليونانية والرومانية والفرانكونوينة والانجلوسكونية وغيرها من الحضارات أو عبر رحلة الإنسان مع ثقافات هذه الحضارات فالناظر إلى مدينة الإسكندرية وإلى منطقة " ماريا " بالساحل الشمالى يكتشف مزيج من الثقافات الأثرية المهارية ما بين الفرعونى والقبطى والبطلمى وهو ما يؤكد بقاء ثقافات هذه الحضارات رغم تداخلها وامتزاجها فى مكان واحد والأبقى لمن ينجح فى أن يحتذى من قبل الآخرين.
أثار عبد الإله بلقزيز فى تعريفه للعولمة نقطة هامة تمثلت فى قوله "يتلازم معنى العولمة Mondialisation فى مضمار الإنتاج والتبادل المادى والرمزى – مع معنى الانتقال من المجال الوطنى، أو القومى، إلى المجال الكونى" .
مما سبق يؤكد التعريف السابق على عدم إقليمية معنى العولمة وعدم ارتباطه بحدود قومية ضيقة فهو يؤكد على انفتاح معنى العولمة مثلما تنفتح أمام أعيننا المجالات الكونية الواسعة حين نشير إليها دون أن ترتبط بمعنى أو مفهوم أو شكل محلى.
وعليه تتقارب التعريفات كلها لتؤكد على معنى يكاد يتكرر وهو أن العولمة رافضة للتغير إلا أنها مع ذلك لا ترفض القائم فى هذا المجتمع أو ذاك بل هى تتخطاه وصولاً إلى الغير مما يجعل الغير محل تقبل وليس رفض ولعلنا هنا نقول أن قوة المجتمع وثبات معطياته لن يخشى بأس العولمة حينها ولعل فى تجارب آسيا وأوروبا سواء اليابان، الصين ، الهند، وغيرها من الدول الأخرى لخير دليل على بقائها وثباتها أمام ما يسمى بالعولمة.
يحدثنا برهان غليون عن مفهوم العولمة بقوله " إن المضمون الرئيسى للعولمة كما نعرفها اليوم هو أن المجتمعات البشرية التى كانت تعيش كل واحدة فى تاريخيتها الخاصة، وحسب تراثها الخاص ووتيرة تطورها ونموها المستقلة نسبياً، على الرغم من ارتباطها بالتاريخ العالمى، قد أصبحت تعيش فى تاريخية واحدة وليس فى تاريخ امراً قدرياً لابد أن يتحقق لأنه بات من الصعب عدم تحقق العولمة خاصة إذا فهمنا كما يرى التعريف السابق أن العالم أصبح عليه أن يعيش فى تاريخية واحدة تجمع بين كافة شعوب العالم متناسية ما يسمى بالخصوصية التراثية والنمو المستقبلى إلا أننا أمة واحدة علينا أن ننمو معاً وننسى ما يسمى بخصوصية كل أمة أو حضارة.
غير أن أسعد السحمرانى فى دراسته عن " ويلات العولمة" وكما جاء فى مقدمة الناشر يؤكد ويشير إلى ما أشار إليه المؤلف وهو أن " العولمة مصطلح غير واضح المعالم والسمات، دخل القاموس السياسمورينا" لمصطلح "النظام العالمى الجديد" الذى ظهر بعد سقوط الأنظمة الشيوعية فى شرقى أوروبا. ولعل هذا التعريف السابق إنما يؤكد على ما قاله أسعد السحمرانى من أن العولمة " التى لم يصوغوا لها تعريفاً ولا تحديداً بل تركوها ملتبسة كى تنطلى مؤامراتهم على البسطاء، يريدون من خلالها توسيع مساحة نفوذهم وسيطرتهم على الاقتصاد والسياسة، والفن، والثقافة وسائر وجوه الحياة وميادينها لا بل يريدون من خلالها، ضرب الهويات والخصائص فى كل أمة إن استطاعوا ذلك متذرعين بتجاوز الحدود القومية والوطنية أو أن العالم حسب زعمهم بات " قرية كونية صغيرة " وهذا تعبير فيه تجاوز للحقيقة، فالعالم متنوع متعدد الانتماءات والعقائد والثقافات ولن يكون غير ذلك ".
يؤكد السحمرانى على كون مفهوم العولمة إنما يتمثل فى سعى القطب الواحد على السيطرة على العالم كله وإلغاء الخصوص لكل أمة وفرض نظام عالمى واحد على السياسة والاقتصاد والثقافة والفنون وكل مناحى الحياة حينها فقط يتحقق مفهوم العولمة على أننا فى سياق تعريفنا للعولمة نسأل سؤالاً هل بالفعل تعد الموجة المنظمة من قبل أمريكا فيما يتعلق بالنظام السياسى وفرض نظام سياسى راديكالى واحد أو نظام اقتصادى واحد تتراجع أمامه كافة الأنظمة الاقتصادية والترويج لثقافة حرية الأديان والعقائد حتى وصل الأمر إلى الدعوة لعبادة الشيطان، أو التشجيع على إقامة المطاعم التى تقدم الوجبات السريعة وتحطيم النظم الأسرية التى اعتدنا على أن نتمسك بها ونجتمع عند تناول وجباتنا سواء الغذاء أو العشاء والإسهام فى انتشار نظام التليفون المحمول الذى جعل نظام العزلة الفردية وتراجع نظام الأسرة الواحدة التى كانت تحقق قيمة إيجابية من خلال الاتصال الواحد.
كل هذا يسهم بشكل أو بأخر فى تقديم مفاهيم عدة للعولمة يجعلها تأتى بخلاف مفهوم العالمية، ذلك أن " العالمية انفتاح وحوار وسعى لتبادل المعارف والخبرات من أجل تحقيق سعادة الإنسان، بينما العولمة مشروع للهيمنة وإلغاء الآخرين من خلال اختراق منظومتهم الحضارية، لذا نقول نعم للعالمية لا للعولمة.
ولعل إشارتنا إلى تجارب الحضارات السابقة مثل الحضارات الإغريقية فى مرحلتها الهلينستية (حضارة الاسكندر الأكبر إن جاز هذا التعبير) إنما هى تطلع نحو العالمية ونشر للخبرات من أجل تحقيق سعادة الإنسان وإن بدت فى ظاهرها حملة عسكرية إلا أن الاسكندر الأكبر أو نابليون أو العثمانيين لم يسع أياً منهم إلى إلغاء الغير فقد بقيت الثقافة الوطنية جنباً إلى جنب مع ثقافة الغير.

المصدر: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=245775

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك