الحوار من منظور إسلامي - والإسلام السياسي كعقيدة جديدة!

مختار العربي

الحوار! هذه الكلمة هي أقوى منطق ورؤية وموضوعة يلتف حولها الإنسان العقلي الحضاري، فبديل هذه الكلمة هو عدد ضخم من الألفاظ والأشكال التي قادت وتقود العالم كل ساعة إلى رفض الإنسان كأسمى عقيدة لتحوله إلى ما يسمونه جسد يرتجى زوال! لو بحثنا في الضد لكلمة حوار وجدنا قاموسنا اللغوي يزخر بألف وألف كلمة يتجمل بها المتحدثون وأهل الكلام مثل:
صراع ، نزاع ، خداع ، ضياع ، ولو تسأل المرء ما فائدة أن الإنسان يستخدم لغة ويطورها ويطوعها بمتقضى حاجاته المادية والحسية والعقلية؟ فالقيمة الحقيقية للغة تمكن في أنها لغة حوار مع النفس أولاً كي تستطيع أن تعبر عن الشيء الذي تريده ثم لغة اتصال لمن تود إخباره بحاجتك، لكن الآن أصبحت اللغة هي متاع لأصحاب الفراغ الذهني الذين يمارسون طقوس الضباب ويمتهنون أعمال السفر لمدائن الوحوش! فكم نسمع متكلم يلتحي ويلتحف عباءة ليشابه أهل القرون التي ظلمتنا!يتحدث عن أن الإنسان قد كرمه الله! ولكن لا تتكلم! كيف؟ أن الإنسان خليفة لله في الأرض! فقط اسمع ولا تقاطع وحي! لماذا؟ هذا جنس نعلمه ونتعذب بمشاهدته ليل نهار، جنس أخر: السياسي الإسلامي! يتحدث عن الديمقراطية الإسلامية التي يدعو إليها بمفاهيمه هو! ولكن يلغي جانب المناقشة والحوار إذا كان الطرح يتناول التاريخ والتراث الإسلامي المنزه من كل عيب! كيف يمكننا أن نخلق حوار يتصل بنا نحو حوارات داخلية تتعمق لتتعقب مكامن الفوضى الفكرية التي نعاني منها! ومالنا لو سلمنا بأن الحوار الإسلامي عند المعتدلين يحمل ثلاث مستويات بحسب رأي الأستاذ خالد خميس فراج إذ يقول:
مستويات الحوار :
§ المستوى الأول : حوار داخلي مع النفس بمحاسبتها وحملها على الحق.ويكون بين النفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة حتى يصل الإنسان للاطمئنان.
§ المستوى الثاني: حوار بين أفراد المجتمع الإسلامي وفق اجتهاداته المختلفة عملا بمبدأ:" نصف رأيك عند أخيك" ومبدأ المحافظة على وحدة الصف الإسلامي: نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا عليه، " محمد رسول الله
§ المستوى الثالث : حوار بين المسلم وغيره المسلم، وهو حوار يجري وفق مبدأ المدافعة الذي يمنع الفساد وينمي الخير لأعمار الكون، " وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ" البقرة 251.
المستوى الأول للحوار يشبه ما نرمي إليه حوار داخلي مع النفس يحاسبها ويحملها على الحق حتى لو كان الحق في دين آخر، أما حديثه على النفس اللوامة ومحاولة الاطمئنان التي يسعي إليها الإنسان ففي رأي ومع احترامي لاعتدال الأستاذ خالد مسألة مثالية! فالإنسان كيان للقلق ولا يستطيع أن يصل إلى الاطمئنان إلا بالمعرفة الشاملة لما يدور داخله وحوله! فكيف له هذا؟
المستوى الثاني الحوار بين أفراد المجتمع الإسلامي وفق اجتهاداته المختلفة! مصيبة المصائب هي اجتهاداته الخاصة به فكلنا يعلم كيف تلعب عقيدة الإسلام السياسي المستحدثة وتعزف على أوتار هذا نص لا يرقي إليه الشك وكلها محاولات لاستخدام وتطويع النص لم يخدم مصلحة جماعة ضد جماعة أخرى تشترك في نفس المرجع وتتقاسم ذات النصوص ! فكيف يكون نصف رأيك عند أخيك؟ لا يمكن فأخي في الدين الجديد (الإسلام السياسي!) يحتاج إلى ليفرغ شكوكه التي تساوره نحو أصلانية ما كتب ويكتب! والجدال يدور حول أصل النصوص وتاريخ كتابتها وعلماء الإسلام السياسي لا يتورعون عن نشر مبادئ النقلية لا العقلية في أوساط المتجمع المسلم! هذه أزمة!
المستوى الثالث: ولي أن أقول أنه من أصعب المستويات، وهو الحوار بين المسلم وغير المسلم لمنع الفساد واستناد أستاذنا خالد للآية " وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ" من سورة البقرة 251. ففي نفس السورة تحمل آية فسرها ابن كثير في كتابه تفسيراً يجافي المنطق واللغة والعقل: تقول الآية ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ... إلى تقول لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) تشير هذه الآية إلى سماحة ربانية وسعة أفق إلاهية كبيرة فالدين والإيمان واحد ولا يفيد بأن يكون عيسى شبه لهم أو محمد خاتم الأنبياء أو أن يشتري دين ما ويحتكر وصية الرب في خلقه عنده ويحرم الآخرين منها! والآيات كثيرة منها ما يقرر أن من يتخذ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه كيف تقرأ هاتين الآيتين؟ وأيهما يتقدم على الآخر؟ وأبواب للاجتهاد والفتوى في مسألة الزواج والأكل من كتابية ! كتابية هذه كلمة عنصرية ! نعم عنصرية!
الحوار الإسلامي في عهد الرسول :-
لقد اهتم الإسلام بالحوار اهتماماً كبيراً، وذلك لأن الإسلام يرى بأن الطبيعة الإنسانية ميالة بطبعها وفطرتها إلى الحوار أو الجدال كما يطلق عليه القرآن الكريم في وصفه للإنسان {وَكَانَ الإنْسَانُ أكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا}، بل إن صفة الحوار أوالجدال لدى الإنسان في نظر الإسلام تمتد حتى إلى ما بعد الموت، إلى يوم الحساب كما يخبرنا القرآن الكريم في قوله تعالى: {يَوْمَ تأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا".
من خلال ذلك نرى أن الحوار لدى الإنسان في نظر الإسلام صفة متلازمة معه تلازم العقل به؛ ولهذا فقد حدد الإسلام المنطلق أو الهدف الحقيقي الصادق الذي ينطلق منه المسلم في حواره مع الآخرين، فالإسلام يرى بأن المنطلق الحقيقي للحوار هو (ضرورة البحث عن الحق ولزوم أتباعه)، {فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إلا الضَّلال}، {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا اْتَّبِعْهُ إْنْ كُنْتُم صَادِقِين"، وهذه إحدى القواعد الأساسية في الحوار الإسلامي. المرجع للأستاذ خالد خميس.
إذا كانت الدعوة الإسلامية في بدايتها تدعو للحوار كلغة ولكن في الإسلام السياسي الدعوة هي نفي الآخر كلغة حوار وقطع لسان المتحدثين المتطاولين الزارعين الشك في نفوس الأتقياء وذبح كل صاحب رأي وتجويع للعقول وإرهاب يستهدف الإنسان أينما كان فلا يخفي أنهم يعتمدون على النص أيضاً، فكلهم يعتمدون على النص والنص يعتمد على روح التأويل والتفسير إذاً أين هي المشكلة في النص أم في تأويله؟ المشكلة في رأي ليست في النص ولا تأويله المشكلة في إنسان النص ذاته!

المصدر: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=22134

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك