الحوار والصراع الفكري (المضمون والغاية)

صاحب الربيعي

هناك أختلاف كبير بين الحوار والصراع الفكري، فآليات الحوار سلمية يسفر عن رؤى جديدة تصلح كمبادئ لفكر جديد، فكر جامع ورافض للفرقة، فكر يهدف للسلم الاجتماعي، فكر للتسامح والعيش المشترك. وغاية القائمين عليه الإنسان وليس السلطة، فهم صفوات ثقافية وعلمية لايؤطرهم كيان حزبي ورافضين للأجندة السياسية.
أما آليات الصراع فعنفية، والقائمين عليه ذوات مؤدلجة، أهدافهم غير إنسانية، غايتهم الأساس هدم المشتركات بين أفراد المجتمع لإحكام السيطرة وتوظيف آليات السلطة العنفية لإخضاع المخالفين. لذلك تعَّوق الفكر مقابل تطور آليات الردع والعنف والإلغاء لإخضاع الآخر وتعددت الأجندة الخفية وشخوصها لتدجين المجتمعات الحرة.
يعتقد (( الياس مرقص ))" أننا ندور ولا نتقدم، نعيش في خطابات متوازية، لا إنصات، لاتناصت، لاتفاعل حقيقياً، لا تقدم. ندور بأسوأ معنى، نعيش في (ثروة) هي الخواء، الاختلاط، تحت أسم ترابط جميع الأمور، العلاقات، الجدلانية التي هي أسماء تعيش في ( العودة الأزلية )، في التكرار العقيم. بدون الدائرية والخطية معاً. أطالب الفصل، أقترح الفك، وأقترح أن يكون لعلمنا الفكري السجالي بداية ونهاية ليكون ثمة مسار وحركة وخط، وأقترح بداية هي: العالم، الإنسان، والفكر...".
إن الساعين لجعل الفكر عقيدة تصلح لكافة الأزمنة وشخوصها مقدسين ليسوا إلا جهلة وأميين بماهية الفكر، سذج تقودهم العاطفة لا العقل، ذوات مُسيرة وغير مخيرة، قطعان تائهة تبحث عن راعي مجهول الهوية يقودها إلى النجاة أو الهاوية لا فرق!. ذوات مأجورة، منصاعة لأجندة خارجية، ساعية لطمس قيم وتقاليد وحضارات مجتمعاتها ومن ثم سلخها عن منابتها الأساس لتصبح مجتمعات عديمة الأصل، لاتعرف سلسلة تاريخها الحضاري ويغرز تاريخ جديد في لاوعيها، يقزم مجدها، ويصورها على أنها بقايا لمجتمعات متدنية، لم تكن سوى جزءً من حضارة الآخرين.
التاريخ الحضاري للبشرية يرعب المجتمعات الطارئة، فما كان لها أن تصبح حضارة متطورة دون أن تنهل من الحضارات الغابرة. وما كان لإنسان الحاضر وجود، دون تاريخ، وسجل، ورفد معرفي، ومعالم، وشواخص على الأرض تؤشر المساهمات الإنسانية السابقة. الفكر الإنساني، فكر تراكمي، تلاقحي، حواري، متجدد، فكر يؤرخ لوجود وشغل الإنسان على الأرض.
أما الصراع الفكري فلم ينتج سوى العنف والدم، لم يساهم في البناء وإنما بهدم الشواخص والمعالم الحضارية، فكر هدام، حرق سجلات التاريخ الإنساني، مسعاه السلطة لفرض التوجهات المشبوهة، يسعى لبث الفرقة ويعتاش على التوترات والأزمات الاجتماعية.
يقول (( الياس مرقص ))" لايمكن لأية عقيدة جوهرية أن تحرك أي شيء جدي، أن تقيم أي صير حقيقي. إنها ليست أيدولوجية تقيم بناء. فالبناء تركيب، تشكيل، إنشاء، إصطفاء بين مختلفين. إذاً نقض لعقيدة الهوية الجوهرية المتوحدة، لأنها تنمو تعويضياً في مجتمع فقد السيطرة على ذاته. الإنسان-الفرد الفاقد للسيطرة يبحث عن جوهر-صخرة في الملموس، عن محور مادي، روحي يطغى، عن جزيرة آمان في بحر خضم، الأمم كذلك".
لايمكن بناء حضارة لأمة دون حوار فكري متواصل، دون إيجاد قواسم مشتركة بين فئاتها، دون مساهمة أبناءها في عملية البناء، دون وجود إرادة على التواصل. وبخلافه فإن الصراع الفكري، إصرار على الهدم، على التغييب، على فك الإرتباط، على مسخ وسلخ المجتمعات عن تاريخها، على رفض تلاقح الأفكار بين المجتمعات المتباينة، بين الحضارات المختلفة، بين التاريخ والحاضر.
الموقع الشخصي للكاتب: http://www.watersexpert.se/

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك