مطالب بتركيز الحوار العالمي الإسلامي على المشترك الإنساني لتحقيق التعايش السلمي
السناتور الأميركي لاري شو لـ «الشرق الأوسط»: الأميركيون لا يكرهون الإسلام.. ولكنهم يجهلونه
|
مكة المكرمة: إمام محمد إمام
شهد المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وذلك في الفترة من 4 ـ 6 يونيو (حزيران) الحالي، نقاشاً وجدلاً تأصيلياً حول الحوار باعتباره عاملاً أساسياً للفهم والتعامل مع الآخر سواء كان هذا الآخر من المسلمين أو غيرهم. وأن الحوار منهج قرآني وسنة استنها الله لانبيائه ورسله في مخاطبة أقوامهم لدعوة الحق. وشارك في فعاليات هذا المؤتمر أكثر من 700 من علماء الأمة الإسلامية ومفكريها من داخل العالم الإسلامي وخارجه، حيث قدموا أفكارهم ورؤاهم في أهمية الحوار، من خلال البحوث والتعليقات والمداخلات، التي شهدتها أروقة قاعة الاجتماعات في قصر الصفا بمكة المكرمة. وأكد هؤلاء العلماء والمفكرون على حرصهم وقناعتهم بضرورة التعايش في إطار القيم الإنسانية المشتركة بين شعوب العالم على مختلف أجناسهم واختلاف دياناتهم ومعتقداتهم، وذلك لن يتأتى إلا من خلال الحوار العقلاني الرشيد والجدال بالتي هي أحسن، لأن ديننا الإسلامي الحنيف يحثنا على ذلك، لقول الله تعالى: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين».
ناقشت البحوث المقدمة في المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار، مشروعية الحوار ودعوة الإسلام إليه ومسوغاته والنصوص الشرعية التي تدعو إليه وترسم آدابه وتعالج طرقه وأساليبه. وأجمع المشاركون على تأكيد أهمية تركيز الحوار في المشترك الإنساني لتحقيق التعايش السلمي، والإقرار بأن الاختلاف بين الأمم والشعوب وتمايزهم في معتقداتهم وثقافاتهم واقع بإرادة الله ووفق حكمته البالغة، مما يقتضي تعارفهم وتعاونهم على ما يحقق مصالحهم، ويحل مشاكلهم في ضوء القيم المشتركة، ويؤدي إلى تعايشهم بالحسنى وتنافسهم في عمارة الأرض وعمل الخيرات «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا».
وأقر المؤتمر من خلال الأوراق العلمية المقدمة ومداولات المشاركين بأن الإسلام يمتلك الحلول لأزمات الإنسان اليوم، والأمة المسلمة بما تملك من تجربة حضارية رائدة قادرة على التعايش مع المدنية المعاصرة، وحراسة تطورها بأخلاقيات الإسلام وشرائعه، مع الإقرار بأن لدى أتباع الديانات الأخرى رؤى وأفكارا لا يمكن تجاهلها تجاه التحديات المعاصرة، فهي تشترك مع المسلمين في تقديم الحلول لأزمات الإنسان والتحديات التي تواجهه، وهي تتقارب مع التشريعات الإسلامية أو تتباعد عنها، بقدر ما لديها من آثار الحق الذي آتاه الله من سبق من الأنبياء.. عليهم الصلاة والسلام ـ وأنزله في كتبه. وكذلك الفلسفات الوضعية تمتلك بعض المشترك الإنساني، حين تنادى مؤسسوها إلى فضائل الأخلاق واجتناب الرذائل والمشين من السلوك. ولقد أكد المشاركون على ضرورة إدراك أن هذه القواسم المشتركة من العوامل المهمة في تحقيق التعايش السلمي بين الشعوب.
وبالحوار المعمق يمكن للمسلمين أن يقفوا على كثير من المشتركات الإنسانية، وبالحوار يمكنهم أن يطوروا نقاط التقاطع مع هؤلاء وأولئك، لصياغة برامج عمل لا غنى للبشرية عنها، ولتقترب البشرية أكثر فأكثر من الهدي الرباني الذي يقدمه الإسلام حلولا لهذه المشكلات، والذي يمتاز بالشمولية والواقعية، وبالتسامي على الهوى والأنانية والنزعات الاستعلائية بصورها العرقية والاقليمية. والحوار مع اتباع الديانات الأخرى والفلسفات الوضعية لا يعني بأية حال تنازل المسلمين عن أحكام الشريعة الإسلامية. وبالحوار والتعاون مع الآخرين يمكن للمسلمين مواجهة التحديات المعاصرة وافرازات العولمة الوافدة بقوة إلى المجتمعات المسلمة، ولن يكون بوسع المسلمين وحدهم مواجهة طوفانها، ولا تحصين مجتمعاتهم من شررها المتطاير حولها.
وينبغي أن نقر أن حوارنا مع الآخر أفيد بكثير من تجاهله أو الإقلال من شأنه ورفض محاورته، بحجة اختلاف دينه أو عرقه، وعلينا ان نتذكر في هذا الصدد قول الله تعالى: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين».
وكان هذا المؤتمر فاتحة خير لسلسلة من المؤتمرات والندوات التي ستنظمها رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة عن الحوار من خلال الهيئة العالمية للحوار، التي أوصى المؤتمرون الرابطة بإنشائها، لتضم الجهات الرئيسة المعنية بالحوار في الأمة الاسلامية، وذلك لوضع استراتيجية موحدة للحوار ومتابعة شؤونه وتنشيطه والتنسيق والتعاون في ذلك مع الجهات المعنية به. كل ذلك بهدف جعل ثقافة الحوار ثقافة أصيلة لدى المسلمين، لتحقيق التعايش السلمي بين شعوب العالم جميعا.
وقال الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي وعضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية لـ«الشرق الأوسط» عقب اختتام أعمال المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار، الذي نظمته الرابطة في مكة المكرمة، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز: «إن الحوار منهج قرآني أصيل وهدي نبوي، سار عليه الأنبياء والرسل مع أقوامهم عند دعوتهم إلى الحق وعبادة الله الواحد الأحد، ونبذ الشرك. فالحوار ثقافة راسخة في ذاكرة الأمة اصطبغت بها العلاقة بين المسلمين وغيرهم، منذ فجر الإسلام وعبر تاريخه الحضاري الطويل، انطلاقا من سماحة الإسلام وجوهر الشريعة الإسلامية، التي يستمد منها المسلمون نهجهم».
وأضاف الدكتور التركي ان اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بموضوع الحوار ودعوته إليه، وتجاوبا مع هذه المبادرة الكريمة حرصت رابطة العالم الإسلامي، باعتبارها منظمة إسلامية عالمية شعبية، على عقد المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار في رحاب الكعبة المشرفة وتحت رعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين، وبحضور ومشاركة أكثر من 700 من العلماء والمفكرين المسلمين، ليتدارسوا تجارب الحوار السابقة ويقدموها، وليؤسسوا لمرحلة حوارية جديدة، وفق رؤية متكاملة لمشروع الأمة الإسلامية في القرن الواحد والعشرين، مشيرا إلى ان حاجة المسلمين إلى الحوار مع الآخرين لا تقل عن حاجتهم إلى حوار بعضهم بعضا، فالحوار بالنسبة للأمة المسلمة امتثال لأمر إلهي «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن». فبالحوار يمكن تعريف العالم بالإسلام وحضارته فلكم سمع العالم عنه من أقلام وأفواه أساءت للإسلام عمدا وآن أوان سماعه للمسلمين، فالحوار فرصة للتعريف والبلاغ الذي هو مهمة الأنبياء والمرسلين. وبالحوار يمكن مواجهة القوى التي ما فتئت تحرض على الإسلام وتعتبره عدوا للحضارة المعاصرة تستعدي عليه القوى المختلفة، فتنال تارة من مقدساته ورموزه، وتشكك أخرى في إنجازاته التاريخية وتجربته الحضارية الفريدة عبر الدعوة إلى صراع الحضارات من بعض المفكرين مدفوعين بعقد الكراهية والتشاؤم والأنانية والاستعلاء على الآخر.
وأشار الأمين العام لرابطة العالم الاسلامي، الى ان الاسلام يمتلك حلولا ناجعة للأزمات التي تعاني منها البشرية اليوم، وان الأمة المسلمة مدعوة للإسهام مع غيرها في مواجهة هذه التحديات بما تملك من رصيد حضاري، لا غنى للبشرية عنه «قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين. يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلم ويخرجهم من الظلمات الى النور بإذنه ويهديهم الى صراط مستقيم».
وقال الدكتور التركي ان الحضارات الأخرى تمتلك رؤى تجاه هذه التحديات التي تعصف بالجنس البشري، وتشترك مع المسلمين في مسعاها لتقديم الحلول الناجعة لأزماته وتجاوز التحديات التي تواجهه بما تمتلك من التجربة الانسانية. وينبغي الاشارة الى ان الرسالات الإلهية والفلسفات الوضعية تمتلك من المشترك الانساني، ما يدعو الى الالتزام بفضائل الاخلاق، ويرفض مظاهر الظلم والعدوان والانحلال الأخلاقي والتفكك الأسري والإضرار البالغ بالبيئة البشرية والإخلال بالتوازن المناخي.
وأوضح الدكتور التركي ان هذا المؤتمر يجيء كفاتحة خير لسلسلة من مؤتمرات الحوار التي ستنظمها رابطة العالم الاسلامي داخل السعودية وخارجها، لذلك حرصنا على ان يكون هذا المؤتمر بمثابة حوار بين المسلمين، لتوحيد رؤية مشتركة ووضع استراتيجية موحدة للحوار مع الآخر مستقبلا. ودعا الى حوار معمق لاستثمار المشتركات الانسانية، مشيرا الى ضرورة التعاون من خلال برامج عمل مشتركة تطوق المشكلات المعاصرة وتحمي البشرية من أضرارها.
وقال الأمين العام لرابطة العالم الاسلامي ان المؤتمر حدد ضمن توصياته ومقرراته، الموجهات العامة للحوار، ووضع الضوابط الشرعية للمحاور المسلم المؤهل للخوض في هذا الموضوع، مبينا ان هناك اتجاها لعقد سلسلة من مؤتمرات وندوات للحوار تنظمها الرابطة في عدد من العواصم المؤثرة، بمشاركة الجامعات ومؤسسات الثقافة والمعرفة ومراكز البحوث والدراسات، تستمد خططها ومضامينها مما تم التوصل اليه في المؤتمر الاسلامي العالمي للحوار من توصيات ورؤى حددت أسس الحوار وقواعده وآلياته.
وقال السناتور الأميركي لاري شو عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية نورث كارولينا، وهو سناتور مسلم، لـ«الشرق الأوسط»: إن المؤتمر الاسلامي العالمي للحوار في رحاب البيت الحرام بمكة المكرمة، يأتي استجابة لدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار مع أتباع الديانات والمعتقدات الأخرى، لتحقيق التفاهم مع الحضارات والثقافات الانسانية، والتأكيد على القواسم الانسانية المشتركة من اجل التعايش السلمي والعيش في أمن وسلام بين شعوب العالم. والتأكيد على ضرورة انخراط المسلمين ضمن التعددية الحضارية لبني الانسان، وتوظيف هذا التفاهم من أجل تحقيق السلام العالمي وحمايته، والاسهام بفاعلية في التعايش الانساني السلمي.
وأضاف السناتور شو ان الحوار من الضروري أن يفضي الى التفاهم المشترك، مما يخفف من الصراع العالمي، ويعمق قيم التعاون والتسامح والوسطية في حياة الناس، ويصون الانسانية من دعوات الحروب والشرور. وبالحوار يمكن تحقيق السلم والتعايش الانساني بين شعوب العالم جميعا.
وأوضح السناتور شو ان هناك فهما خاطئا بين بعض المسلمين وهو ان الاميركيين يكرهون الاسلام والمسلمين، فهذا غير صحيح، فالأميركيون لا يكرهون الاسلام ولا يكرهون المسلمين، لكنهم يجهلون الاسلام، فبالحوار يمكننا التعريف بالاسلام الصحيح وشرائعه ومبادئه الانسانية وارسائه لقيم العدل والبر والاحسان وغيرها من القيم الانسانية النبيلة. وتصحيح الصورة الخاطئة عن الاسلام، وذلك بالرد على الافتراءات المثارة عنه، وابراز دوره في الاسهام الفاعل في مسيرة الحضارة الانسانية.
وقال المشير عبد الرحمن سوار الدهب الرئيس السوداني الأسبق ورئيس منظمة الدعوة الاسلامية في السودان لـ«الشرق الأوسط»: ان المؤتمر الاسلامي العالمي للحوار، يعتبر من المؤتمرات المهمة التي تناقش قضايا الحوار، سواء كان حوارا بين المسلمين أنفسهم أو بين المسلمين وأتباع الديانات والمعتقدات الأخرى. ويجيء هذا المؤتمر تجاوبا صادقا مع دعوة خادم الحرمين الشريفين للحوار، لذلك اعتبر المشاركون كلمة خادم الحرمين الشريفين في افتتاح اعمال المؤتمر وثيقة مهمة من وثائق المؤتمر، ومرتكزا أساسيا في انطلاقة الحوار لما تضمنته من رؤى مهمة وتصور واضح ومعالم محددة، لتحقيق السلم والتعايش الانساني بين شعوب العالم. وأضاف المشير سوار الدهب ان المؤتمر انعقد في وقت يواجه العالم تحديات كثيرة ومصاعب جمة، تهدد بتداعياتها مستقبل الإنسانية، وتنذر بالشر المستطير، ولا يمكن مواجهة كل هذه التحديات من دون حوار يعمق قيم العدل والانسانية ويحقق التعايش المشترك بين بني الانسان.
http://www.aawsat.com/details.asp?issueno=10626&article=475180#.UVsDXkrxLWY