الحوار من أجل التعايش داخل المجتمع الإسلامي
مقدمة
1 - منذ أن انطلق الصوت الإسلامي من القمة الإسلامية الثامنة في طهران، ثم القمة الإسلامية التاسعة في الدوحة، بالدعوة إلى (حوار الحضارات)، تعبيراً عن رسالة الإسلام السمحة في التعارف، والتعاون على البر والتقوى، والجنوح إلى السلام، وتصحيحاً للتوجه الذي ذاع في الغرب تحت شعار (صراع الحضارات) - والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، لا تألو جهداً في تجسيد هذا التوجه الإسلامي الإنساني بصفة رسمية نيابة عن منظمة المؤتمر الإسلامي.
2 - هذه الورقة تحاول أن توجه الأنظار إلى أهمية التعايش الداخلي في المجتمع الإسلامي ذاته، أي داخل أقطارنا، وفيما بين أهلينا. فغني عن البيان أن العالم الإسلامي في مسيرته الطويلة خلال أربعة عشر قرناً، قد استوعب حضارات، وضم أعراقاً وأجناساً من البشر، وتعامل مع عدد من اللغات، وظهرت فيه مدارس ومذاهب واتجاهات، وما زالت تجد عليه أفكار وأيديولوجيات. ومع أن عبقرية الإسلام والحضارة الإسلامية قد صهرت كل هذه المكونات في بوتقة واحدة، وأنتجت منها هذا النسيج الذي يتصف بالتكامل والتشابه والتعاطف، وإلى حد غير قليل من التوحيد - فإن هذا لا يعني إلغاء هذه المكونات، لأن أحداً لم يسع إلى ذلك أو يقدر عليه، ورضي العالم الإسلامي بصفة (التعددية داخل إطار الوحدة)، وصدق الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة)(2) وصدق رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم إذ قال: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»(2).
3 - والاهتمام بشؤون بيتنا الإسلامي من داخله، ليس إنكفاء على الذات، وابتعاداً عن مسار العالمية في حوار الحضارات، وإنما هو استجابة ضرورية لاعتبارات ثلاثة:
أولها: أنه إذا لم ننجح في تحقيق التعايش السمح داخل أقطارنا، فإننا نفقد مصداقية الدعوة إليه على الصعيد العالمي، ونكون ممن يقولون ما لاَ يفعلون.
وثانيها: أن التوجه نحو التعايش الداخلي يقودنا سريعاً إلى وضع البرامج والآليات للتنفيذ، ويحتم علينا إيجاد الحلول والاجتهادات الشرعية والإجراءات الواقعية، لتحقيق هذا التعايش، ونكون بذلك قد ضربنا المثل الحسن لغيرنا، وشجعنا على تحقيق التعايش الحضاري الشامل في عالمنا.
وثالثها: