العنف الإرهابي، شكل من أشكال العنف عند الإنسان، ومستوى من مستوياته، التي يلقي كلّ أحد منه الضّوء على الأشكال الأخرى عندما درسنا في السّابق الشّروط النفسيّة للعنف في إطار علم النّفس العام، ثمّ في إطار علم النّفس الجماعي، فإنّنا كنّا نبحث عن التهيّؤات التي يمكن أن تقود الشّخص نحو الانخراط في عمل العنف الجماعي والمنظم، وهو العنف الإرهابي بمعناه الخاص والمتميّز، ولم تغب الشّروط النفسيّة، ولا الشّروط النفسيّة الجماعيّة في تحليلنا للظاهرة العنف التي تظهر في شكل جماعي ومنظّم
- الإرهاب فعل عنف مفكّر فيه، منظّم ومخطّط له قبل تنفيذه. ويختلف بذلك عن العنف الذي يكون مصدره الفرد، ويكون متّجها إلى إلحاق الأذى بذات فرديّة أخرى.
- يتداخل الفعل الإرهابي مع الجريمة إذا أخذناه على صعيد الذّات الفرديّة، التي قد تنفّذه، وذلك من حيث هو فعل تتحكّم فيه شروط نفسيّة ومجتمعيّة، ولكنّه يتميّز عن الجريمة على صعيد غاياته وعلى صعيد التّخطيط له والوسائل المستخدمة فيه، وكذلك على صعيد الأشخاص أو الجماعات التي تتشكّل منها الضّحايا المقصودة منه كفعل.
- الإرهاب ظاهرة معقّدة ذات مستويات متعدّدة، وقابلة لإرجاعها لأسباب متنوّعة حسب تمظهراتها. فهو ظاهرة نفسيّة لأنّ هناك ذاتا فرديّة تقوم به لها شروطها، أو تنخرط فيه، لها شرروطها النفسيّة الخاصّة. وحتّى إذا اشترك في تنفيذ العمل الإرهابي جماعة من النّاس، فإنّ الشّروط النفسيّة الدّافعة لكلّ واحد منهم قد تختلف نسبيّا. والإرهاب من ناحية أخرى ظاهرة مجتمعيّة لأنّ شروطها تكمن في جانب منها في المجتمع الذي تقع فيه أو تصدر عنه. وهوكذلك ظاهرة سياسيّة بالنّظر إلى الأسباب، التي قد يعلن عنها القائمون به تخطيطا وتنفيذا، إذ قد يتمّ تبريره بمكافحة نظام جائر،أو احتلال غير مشروع لأرض الغير، أو بصفة خاصّة لمواجهة خصم ظالم له قدرة على الهيمنة والاغتصاب لا يمكن مواجهتها في إطار حرب مباشرة.
- يتداخل الإرهاب مع جملة من الأفعال التي تكون دفاعا عن النّفس أو عن مبدأ. وإذا كانت هذه الأفعال متّسمة بالعنف مثل الفعل الإرهابي، وإذا كانت مؤدّية إلى إلحاق الأذى بالغير سواء كان فردا أو جماعة، فإنّ القائمين بها لا يعتبرونها إرهابا، بل ردّ فعل ضدّ عنف قد يتّخذ هو ذاته شكل الفعل الإرهابي. وغالبا ما يوسم ردّ الفعل بأنّه مقاومة، أو يصفه القائمون به إذا كانوا منتمين لبعض الحركات الإسلاميّة بكونه جهادا، وهو مفهوم يجد أصوله حقّا في التّفكير الإسلامي. وإذا ما اتّخذ عمل العنف الصّورة التي يقضي فيها الفاعل على حياته في نفس اللّحظة التي يقضي فيها على حياة آخرين، فإنّ البعض يسم هذه العمليات بالانتحاريّة ويدينها، بينما يدمجها البعض الآخر ضمن مفهوم الجهاد الإسلامي ويصفها في هذه الحالة بكونها عمليّات استشهاديّة يقوم فيها الفاعل بالتّضحية بحياته، أي بطلب الشّهادة، في سبيل الوصول إلى غاية إلحاق الضّرر بعدوّ أقوى لا يمكن مواجهته إلى بهذه الطريقة. ومن الواضح أنّ الاختلاف في الحكم على عدد من العمليّات التي ذكرناها يكون على أساس التّباين في الموقع الذي يكون فيه من يصدر الحكم، كما يكون على أسا س التّباين في الانتماء العقدي أو الإيديولوجي. وقد خاض عدد من الباحثين في هذا الأمر محاولين البحث في المعايير التي تظهر بفضلها الفوارق بين العمليات الجهاديّة أو الاستشهاديّة وبين الإرهاب.(1)
- إذا كان الإرهاب شكلا أقصى من العنف المنظّم، الذي يتم التّحديد القبلي لغاياته ووسائل بلوغها، وإذا كان الإرهاب من حيث هو فعل عنف مقصود يهدف إلى إلحاق الأذى الجسمي والنّفسي بالغير المقصود لذاته أو من حيث هو رمز لقوّة أو لفئة، أو إلحاق الأذى ببنيات ومؤسّسات مجتمعيّة بهدف خلق الذّعر وإرباك الحكّام أو قوّة غاشمة ما، فإنّ هناك مستويين ظاهرين في العالم المعاصر. هناك الإرهاب الذي يكون داخليّا لأنّه صادر عن جماعات من نفس المجتمع الذي تتعلق به غايات. وهناك، من جهة أخرى، ما أصبح معروفا بالإرهاب الدّولي، وهو الفعل الذي تخطط له وتقوم به جماعة تختلف انتماءاتها فتكون لأكثر من بلد واحد، ويكون في بلدان أخرى قد لا ينتمي إليها أي أحد من المنفّذين، وذلك باعتبار البلد الذي يتمّ التّنفيذ فيه عدوا ألحق الضّرر ببلدان أخرى. وإذا ما فكرنا في وقائع السّادس عشر من ماي2003، فإنّنا نرى فيها في نفس الوقت معالم إرهاب داخلي، بالنّظر إلى انتماء منفذيها للمغرب، ومعالم إرهاب دولي، بالنّظر إلى علاقة الفاعلين فيها بمنظّمات لها امتداد خارج البلاد، ثمّ كذلك بالنّظر إلى العلاقات التي توضّحت لاحقا بأحداث أخرى مثل التي وقعت في العاصمة الإسبانيّة في اليوم الحادي عشر من مارس 2004.
- يصدر الإرهاب من حيث هو عنف عن الفرد الذي قد ينفّذه، كما يصدر عن جماعة، ولكنّه يصدر أيضا عن الدّولة.يتحدّث كثير من المحللين، الذين تتبّعوا الظاهرة الإرهابيّة عن إرهاب الدّولة، وهو مجموع مظاهر العنف، التي تصدر عن السّلطة في اتّجاه المجتمع. بدا نوع من هذا الإرهاب في البلاد، التي كانت نظم الحكم فيها لا تقبل التعدديّة السياسيّة وتعمل لذلك على مواجهة كل معارضة باللجوء إلى العنف، الذي تستخدم فيه القوة العسكريّة والأمنيّة لممارسة الإرهاب على معارضيها. وظهر هذا النّوع من الإرهاب في عدد كبير من البلدان المتخلفة حيث كانت تنعدم شروط المجتمع الدّيمقراطي وتسود أنظمة حكم استبداديّة تستند في الغالب إلى حكم عسكري. وقد أدّى هذا الإرهاب في الغالب إلى ردود فعل عنيفة كانت تقصد بدورها إرهاب السّلطة القائمة ومؤسّساتها. وتقوم بردّ الفعل هذا جماعات تعارض النّظام السّياسي القائم وتسعى إلى الإطاحة به. وهكذا يتمّ تبادل تهمة الإرهاب بين طرفين متنازعين.
- عندما بحثنا في شروط الإرهاب وجدنا أنّه يمكن إرجاع العنف، الذي تقوم به ذوات فرديّة أو جماعيّة إلى بعض الشّروط النفسيّة مثبتين في الوقت ذاته حدود التفسير الذي يستند إليها وحدها. وقد رأينا كذلك أنّ شروط التّوازن المجتمعي أو ضعفه أو انعدامه من دوافع التوجّه نحو استخدام العنف في المجتمع بين فئاته أو بين مكوّناته المجتمعيّة والثقافيّة والدينيّة والسياسيّة. وأضفنا إلى هذه العوامل تعريفنا للإرهاب من بين ظواهر العنف الأخرى بكونه ظاهرة سياسيّة، حيث يكون نتيجة للسّياسة القائمة وامتدادا لها، كما يكون شكلا من التعبير عن مواقف سياسيّة لم تجد وسيلة أخرى للتّعبير عن ذاتها داخل المجتمع. واعتبرنا هذا الأمر صادقا على المجتمع الواحد مثلما هو صادق بالنسبة إلى المجتمع الدّولي في حالة تجاوز الإرهاب لحدود البلد الواحد من حيث تكوين الجماعة التي تنفّذه، أو من حيث بعد البلد الذي يتمّ فيه تنفيذ العمل الإرهابي والذي قد يفصله بعد جغرافي كبير عن البلدان الأصليّة للمنفّذ ين والمخطّطين لذلك العمل.
تبيّن لنا من خلال بحثنا عن عناصر تعريف الفعل الإرهابي أنّ هناك صعوبة في الحصول على تعريف، وهوالأمر الذي وجدنا تعبيرا عنه لدى عدد من الباحثين الذين تناولوا هذا الموضوع. وهناك، في نظرنا، أسباب موضوعيّة متفاوتة التّأثير في صعوبة تعريف الإرهاب.
- هناك صعوبات مصدرها تعقّد الظاهرة الإرهابيّة وتداخل عوامل كثيرة في تكوينها وتطورها في العالم المعاصر.
-هناك تنوّع في الأفعال التي يمكن أن ندرجها ضمن الظّاهرة الإرهابيّة، التي قد لا تتميز جميعها بنفس المكوّنات والخصائص ولا تكون لها نفس الغايات.
- إذا كان الإرهاب أحد الظواهر السلبيّة في العالم المعاصر، وإذا كان الجميع ينادي بالتّعاون عبر المنظمات الدوليّة وخارج إطارها من أجل مكافحته، فإنّ هناك نقصا في التّوافق العالمي حول المعايير التي يمكن اعتمادها لتحديد الظّاهرة الإرهابيّة ولطرق مكافحتها ووسائل ذلك.
- ليست هناك إرادة عالميّة موحّدة لتوحيد تعريف الإرهاب والحكم على نفس الظواهر بنفس الحكم. وقد يصدر عن المصدر الواحد حكم على بعض الأفعال بوصفها بالإرهابيّة، في حين يقع الامتناع عن وصف مثيلاتها بنفس الوصف. ونعطي مثالا واضحا على ذلك الحكم على ما يقوم به الفلسطينيون وعلى ما يقوم به الإسرائيليون كل طرف منهما ضد الآخر. والواقع، إن مصالح القوى الكبرى في العالم تساهم حين يتم الارتكاز إليها في خلق مثل هذا الالتباس. فإن عنصر المصالح الحيويّة والإستراتيجيّة السياسة الخاصة ببلد ما، مثل الولايات المتحدة الأمريكيّة، قد يقود إلى نوع من الالتباس في الحكم على كثير من أفعال العنف بكونها إرهابيّة أو بعدم ذلك.
نقترح للخروج من ذلك الالتباس عرض جملة من أفعال العنف والتفكير فيها لاستخلاص معايير موضوعيّة للحكم عليها بالصّفة الإرهابيّة أو للامتناع عن إصدار مثل هذا الحكم في حقّها. وتحتاج الأمثلة المختلفة إلى دراسة مقارنة خاصة ليست الدّراسة الحالية محلا له
لم تكن نتيجة العنف والعنف المضاد في العالم المعاصر متمثلة في العواقب الوخيمة التي مسّت الأطراف التي كانت ضحيّة له بل والتي صدر عنها في الوقت ذاته فحسب، بل إن استمرار أشكال العنف التي يكون المقصود منها إرهاب طرف آخر، ثم قبول كل طرف لما يقوم به بوصفه مشروعا ووصفه لما يصدر عن الآخر فقط بأنّه عمل إرهابي، قد أدّى إلى التباس في مفهوم الإرهاب يصعب معه التّشارك دوليّا في محاربة هذه الظاهرة الخطيرة على أمن العالم واستقراره. لا بد من التّوافق على تحديد موضوعي للإرهاب، ولابد من إدانة كل فعل يندرج ضمن ذلك التّحليل صدر عمّن صدر ومهما تكن وجهة عواقبه.
نعود، كذلك، إلى استراتيجيّة البلدان العربيّة والإسلاميّة على صعيد المساهمة في مكافحة الإرهاب. فعلى تلك البلدان أن تحرص على المساهمة الإيجابيّة في تحديد ما يمكن اعتباره إرهابا على الصّعيد الدّولي، وعليها تبعا لذلك أن تساهم في تحقيق كل الشّروط، التي تسمح بمكافحة هذه الظاهرة البالغة الخطر بالنّسبة إلى نظام العالم بأكمله. فأمام تلك البلدان أن تفرض شروط التّمييز بين المقاومة والإرهاب لمنع استفادة جهة أخرى من الخلط بين المفهومين، ولكن عليها أيضا أن تحارب ضمن شروطها الداخليّة أيضا ما يساعد على انبثاق تنظيمات إرهابيّة من داخل مجتمعاتها. وهكذا، فإنّ غاية هذا السلوك المزدوج ستكون حماية حركة المقاومة في فلسطين بصفة خاصة من كل خلط بينها وبين التنظيمات الإرهابيّة، ثم إبعاد الحالة التي يكون فيها الإرهاب المنبثق من داخل المجتمعات العربيّة والإسلاميّة ذريعة للهجوم عليها واحتلال أراضيها وفرض عقوبات دوليّة عليها باسم محاربة الإرهاب. وليس هذا الطّريق سهلا لأنّه يقتضي قوّة في العلاقة مع الخارج، ووضوحا أكثر في التّعامل مع المكوّنات الداخليّة.