مع جولدتسيهر في الاستشراق وتاريخيّة التفسير القرآني
مدخل:
كثرت الدراسات المتّصلة بالاستشراق ونتاجات المستشرقين، وتنوّعت المواقف والآراء إزاءهم، بين أيديولوجي وآخر غير ايديولوجي، وانقسم الدارسون المسلمون (وغيرهم) لحركة الاستشراق إلى اتجاهات، رأى بعضهم فيه مؤامرةً استعماريّة تهدف الى التوسّع والسيطرة الغربية على العالم الإسلامي، ومن ثَم يجب اتخاذ موقف دفاعي إزاء هذه الحركة دون تمييز، مع اعتراف خجول بقدرها ودورها المعرفي على الصعيد الإسلامي، بل بلغ الامر حدّ اعتقاد مفكّر كبير من امثال مالك بن نبي أن الاستشراق قام بمؤامرته عن طريق تبجيل المسلمين أكثر.
أما الاتجاه الآخر فأفرط في التقديس والتبجيل إلى حدّ الحديث عن نتاج معرفي لموضوعات إسلامية لم يكن ليرقى إليه المسلمون أنفسهم، وأخذ الاستشراق شيئاً فشيئاً بالتحوّل إلى مرجعية طبعت بصماتها فيما بعد على تيارات ثقافية بكاملها داخل العالم الإسلامي، وبدت هذه التيارات ترجمةً شبه حرفية لكلمات المستشرقين([1]).
ويبدو أن البحث حول ظاهرة الاستشراق، وتعريفها، ومتى نشأت، هل في القرن التاسع الميلادي أو الثاني عشر أو الثامن عشر أو … وكذلك السياق السياسي الحضاري الذي نما فيه… كل ذلك يبدو خارجاً عن إطار بحثنا، ولكن كمقدمة لتحديد مناخ دراستنا هذه، يجدر التنبيه على أمر هو:
أ ـ الشيء المؤكّد أن الاستشراق ولد تحت تأثير سياق حضاري ـ ديني ـ سياسي في الغرب، أي تحت تأثير نمطيات القرون الوسطى عن الاسلام في العالم الغربي، وهي صور نمطية بالغة البعد عن الواقع في بعض الاحيان، ومشحونة بموقف عدائي أحياناً أخرى.
على خط آخر بدأ الاستشراق نشاطه في الغالب بدافع ديني بغية التبشير بالمسيحية في آسيا والعالم الإسلامي، وهو ما تؤكّده الدراسات التاريخية ـ الدينية ايضاً.
&nbs