الحياة الزجاجية والحياة الطبيعية

 

هناك أناس يعيشون وكأنهم في غرف زجاجية لا يتنفسون الهواء الطبيعي ولعل وراء ذلك أسباب كثيرة منها أن يكون لديهم مرض يمنعهم من ذلك وهذا المرض قد يكون عضويا أو نفسيا حيث ينظرون إلى الكون بما فيه من بشر على أنهم دونهم في الفهم والإدراك، وعندما يجتمع أصحاب الغرف الزجاجية فالغالب أنهم لا يتفق بعضهم مع بعض إلا إذا وجد أمامهم من يتفقون على مهاجمته أو مواجهته، أما إذا كانت الساحة خالية فإن النزاع بينهم أشد من نزاعهم مع من يواجهونه مجتمعين.

إن أصحاب هذا المنهج لا يرى كل أحد إلا نفسه ولا يرى فهما صحيحا إلا إدراكه خلال مكثه في غرفته، فمصدر المعرفة، وأسلوب التفكير، والقناعات، والنظرة إلى الغير، والحكم على الأعمال والتصرفات كل هذا من خلال الأسلوب الزجاجي، كما يربط الكثير منهم مصالح خاصة.

سيطر على ذهني هذا التشبيه وأنا أنظر إلى واقع عدد غير قليل من القنوات التليفزيونية ذات الاتجاهات المعلومة والتي أصبحت تتقارب لمصالح معينة وعلى أفكار محدده، حتى إذا انتشر أمر وذاع رأيتهم جميعا يتكلمون بلغة واحدة في وقت واحد، ثم سرعان ما يتكلمون في أمر أخر وكأن المحرك لهم جهة واحدة، إنه تقارب أصحاب اتجاهات مختلفة ليكونوا جبهة واحدة في محاولة لإيجاد رأيا عاما، وكذلك الصحف التابعة لهم، وهم في هذا كله نسوا أنهم يعيشون في غرف زجاجية ليس لهم واقع في المجتمع حتى الأسماء التي اختاروها لأنفسهم فيها من الاستعلاء ما هو ظاهر ..

فنسمع النخبة، الصفوة، المحللين، الخبراء، ...... وهكذا في حين واقعهم في الشارع بين الناس لا تكاد تشعر به، وقد أعجبني أحدهم يوما وهو يتكلم فيقول نحن نحدث أنفسنا ولا نحدث الناس.

وأحيانا أشعر أن هؤلاء يعيشون عيشة إكليكنية التي يعيش فيها الإنسان طالما أن الأجهزة مركبة تحرك القلب وتوجد إحساس النبض، ولكن إذا أبعدت عنه هذه الأجهزة فالنهاية معلومة للجميع، كذلك لولا المال الذي لدى هؤلاء والفرص السابقة في حصولهم على قنوات فضائية وجرائد لو أبعدت عنهم فهل سيسمع عنهم أحد أم أنهم سيذهبون وتذهب أسماؤهم وأفكارهم.

في الوقت الذي نرى المعيشة الطبيعية والسلوك الإنساني العادي الذي يعيشه الإسلاميون مع المجتمع، فإن هذا الفرد المنتشر في كل قرية أو كفر أو حارة أو حي أو شارع أو عمارة، هو الذي يخالط الناس يعيش معهم ويناقشهم ويصلي معهم أو بهم يحضر أفراحهم ويشاركهم في ألآمهم، يذكر الغني بحق الفقير، تجده طبيب في مستشفاه أو عيادته يشارك وهو يحمل المسئولية الطبية والعلمية والإنسانية مع مستقبل الأمة وما تواجهه، وما يقال عن الطبيب يقال عن غيره من محاسب أو مهندس أو فلاح أو نجار أو غيرهم إنهم الإخوان يعيشون واقع الأمة، يحمل أحدهم العون للفقير وبالليل كان زوار الفجر يأتونه إلى المعتقل فلا يضيع الفقير بل يجد آخر يقوم على أمره هذه هي الحياة الطبيعية التي يعيشها الإخوان وأمثالهم فوثق الناس بهم،  فهم ضحوا من أجل المبادئ التي يثقون بها فوثق بهم المجتمع.

والعجب أن أصحاب الغرف الزجاجية كان لهم من الحرية ما ليس لغيرهم ومن المحطات الفضائية والجرائد ما ليس لهم، وكان الكثير منهم منزلقين مع النظام الحاكم السابق ولم يجدوا لأنفسهم مكانا في المجتمع.

واليوم نراهم لا يحبون الاستقرار لهذا المجتمع فقد أصبحوا يثيرون الفتن ويصنعون الدراما ليدخل فيها المجتمع في نقاش جدلي، إنهم يريدون أن تعود العجلة إلى الوراء فإن الحرية لا تعني لهم بشيء لأنهم في غرفهم الزجاجية يعيشون.  

وللإخوان همسة وبسمة وكلمة. ضاعفوا من جهدكم، واصلوا العمل بالليل والنهار، وليكن لكم ركعات بالليل ودعاء بالسحر، المجتمع في حاجة إلى كثر من العمل وقليل من الكلام، عرفوا الناس بربهم، وذكروا الناس بنعم الله وفضل الله، أيقظوا مفهوم الربانية في النفوس، والحساب بين يدي الله في الآخرة فإن ذلك يزيد الإحساس بمراقبة الله وبالتالي إلى العمل الصالح عرفوهم أن الله يطالبهم بعمار الأرض، أحيوا الأخلاق في النفوس وبينوا لهم أن قيمة المجتمع في أخلاقه، فإن الشمس لا يستطيع مبصر إنكار وجودها.



المصدر:  http://www.islamtoday.net/nawafeth/artshow-48-152874.htm

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك