صورة العرب والمسلمين في المناهج الأوربية

الحرب تندلع في العقول قبل أن تصير واقعا على الأرض. من ثم فإن فض الصراعات والمنازعات يبدأ بالثقافة والتعليم. ومثلما كان علينا أن نصحح رؤيتنا للآخر كان علينا أيضا أن نطالب هذا "الآخر" بأن يعيد النظر في رؤيته لنا، خاصة إذا باتت ترسم لنا صورة بالغة التشوه والسوء.

 

وربما كان هذا ما سعى إليه مؤتمر "صورة الثقافة العربية الإسلامية في كتب التاريخ المدرسية في أوربا" الذي عقد مؤخرا في خطوة مبدئية نحو التغيير في العلاقات الإسلامية الأوربية، هذا التغيير الذي يعتمد على قاعدة أساسية مفادها أن الثقافات تستطيع أن تتعايش وتتكامل وليس بينها تعارض أو صراعات.

 

امتد المؤتمر على مدار ثلاثة أيام (من الأحد 12/12/2004 إلى الثلاثاء 14/12/2004) وقامت بتنظيمه جامعة الدول العربية ممثلة في إدارة حوار الحضارات مع كل من اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة) والاتحاد الأوربي ومنظمة الإيسيسكو (المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة). وذلك بغرض تصحيح صورة الإسلام في الغرب؛ سعيا إلى توضيح المفاهيم ودحض الآراء الجائرة المسيئة للثقافة العربية والإسلامية، وبناء جسور التواصل والتلاقي على قاعدة للتفاهم وتقبل الآخر لتأمين السلام والتعاون والتنمية بين شعوب العالم.

 

وكان الحوار العربي الأوربي قد بدأ حول موضوع "تعلم كيفية العيش معا" عقب مؤتمر اليونسكو الدولي للتربية الذي عُقد في جنيف في شهر سبتمبر 2001، وقد تم تشكيل فريق عمل من ممثلي تسع لجان وطنية عربية وتسع لجان وطنية أوربية عملت على وضع إستراتيجية مشتركة بين المنطقتين ووضع مشروع لعقد مؤتمر لمناقشة "صورة الثقافة الإسلامية في كتب التاريخ في الدول الأوربية"؛ وذلك للتأكيد على أهمية الدور المدرسي في تشكيل وعي الأجيال القادمة، والتي سترث ما تركته الأجيال السابقة من إرث مشوه قد يؤدي إلى صدام حقيقي على أرض الواقع بين المنتمين إلى مختلف الحضارات والأديان؛ وهو ما يجعل من هذا المؤتمر فرصة لتجنيب الأجيال القادمة الوقوع في تلك المشكلة، وإقامة علاقة صحيحة تعتمد على الحوار وليس الصراع.

 

وقد تبين للباحثين من أساتذة الكليات المختلفة على المستوى الأوربي والعربي بعد مراجعة الكتب المهتمة بالتاريخ والأدب المقارن في عدد من الدول الأوربية أن هناك حقائق مغفلة أو مفاهيم مغلوطة تقدم الحضارة العربية والإسلامية في صورة سلبية؛ مما يؤدي إلى تكوين صورة مشوهة لبعض المفاهيم عن الإسلام والشريعة والخلافة والقرآن ووضع المرأة في الإسلام وتصور الجهاد في الإسلام على أنه حرب مقدسة لنشر الإسلام بالقوة المسلحة كما تربط هذه الكتب الإسلام بالإرهاب.

 

وأكدت المناقشات ضرورة توفير الكتب التي ترسم الصورة الصحيحة للإسلام، وهو ما يتطلب بذل الجهد من الشعوب العربية والأوربية وحكوماتها ومنظماتها غير الحكومية، والاعتراف بأن الحوار هو عملية تربوية وتعليمية لمحاولة إزالة المسلمات وتجارب العداء التاريخية بين الشعوب العربية والإسلامية والشعوب الأوربية لنشر ثقافة احترام الهويات التي تقوم على التسامح والاعتراف بالآخر.

 

وقد عبر ممثلو المؤسسات المشاركة في هذا المؤتمر عن أهمية الحوار بين الغرب والإسلام، وضرورة أن يبدأ ذلك من المدارس لأن المدرسة يتم فيها تشكيل الصورة النمطية لكل طرف عن الآخر، مؤكدين على أن هذا المؤتمر يمثل خطوة عملية في مسألة الحوار بين الحضارات، كما حرصوا على ضرورة خروج هذا المؤتمر ولو بخطوات عملية صغيرة لتحقيق الحوار بدلا من الاقتصار على إطلاق عناوين براقة لـ"مانشتات" الصحف التي تتحدث عن ضرورة الحوار بين الحضارات.

 

ألقى الأستاذ الدكتور عمرو عزت سلامة "وزير التعليم العالي والدولة للبحث العلمي كلمته كرئيس للجنة الوطنية المصرية لليونسكو، ومثل منظمة الإيسسكو الدكتور محمد شتاتو، كما ألقى الدكتور "جوزيف هوبر" كلمته كمسئول عن قسم التعليم العالي والبحوث بالمجلس الأوربي، والدكتور جان هينجسون مدير المعهد السويدي بالإسكندرية، والدكتور محمد عبد الرازق ممثلا لمنظمة اليونسكو، واختتمت الجلسة الافتتاحية بكلمة السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية ، والذي نبه إلى خطورة تطور الوضع، وظهور ما سمي بالإسلاموفوبيا.

المصدر: إسلام أون لاين. نت.

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك