الصحافة العلمية العربية.. بين الوجود والعدم
د.وحيد محمد مفضل
ليس غريبا ما نراه في دراسات وتقارير التنمية الانسانية العربية التي تشير الى نقص المعرفة في العالم العربي، فحسبما تشير تلك الدراسات فإن المعرفة تكاد تكون "الفريضة الغائبة" حاليا في الأمة العربية.
ولا نستطيع أن نعفي الصحافة العلمية العربية تحديدا والإعلام العلمي العربي عموما من المسئولية في تفحش الفجوة المعرفية لا سيما فيما يخص قضايا التنوير العلمي ونشر الثقافة العلمية.
وبالاقتراب أكثر من هذه الصحافة التي نعدها من أكثر الوسائل فعالية وأكثرها تأثيرا في فكر أبناء المنطقة العربية، نجد أن بها الكثير من مواضع القصور، ننسبه للأسباب الآتية:
1. ضعف الإقبال على القراءة مع ضحالة العقلية الثقافية العلمية العربية: فتوزيع الصحف العربية الذي لا يزيد عن 53 صحيفة لكل ألف شخص (أي بنسبة 5.3%) في نفس الوقت الذي تتضاعف هذه النسبة لأكثر من 5 مرات في الدول المتقدمة، كذلك نسبة مستخدمي الإنترنت في المنطقة وهي لا تتجاوز 2% بينما تقترب هذه النسبة من 70% في المتوسط في دول العالم الأخرى، يؤكد تلك الحقيقة.
ونسوق المثل بنسبة توزيع أحد أرقى المجلات العربية وأكثرها شعبية وهي مجلة العربي (الكويتية) مقارنة بالعدد الإجمالي للسكان العرب (250 مليون)، حيث لا تزيد نسبة التوزيع عن 0.1% (توزع المجلة 250 ألف نسخة شهريا).
2. ضعف أدوات النشر ونقص الإنتاج المعرفي وضحالة حركة الترجمة: في هذا الصدد يشير التقرير إلى أن متوسط الكتب المترجمة في المنطقة العربية لم يتعد كتابا واحدا في السنة، بينما بلغت هذه النسبة 519 كتابا في المجر، و920 كتابا في أسبانيا. وإذا وضعنا في الاعتبار عدم ربحية المطبوعات والمنشورات العلمية مقارنة بغيرها من المطبوعات الأخرى مع عدم الإقبال عليها، سوف يكون وضع النشر العلمي الحالي هو نتيجة طبيعة ومنطقية لهذه المعطيات والظروف.
3. ندرة الكتاب العلميين أو المتخصصين في الإعلام العلمي: وقد تكون هذه نتيجة طبيعية لقلة عدد الباحثين والعلماء في المنطقة. فنسبة الباحثين والعلماء في البلدان العربية لا تزيد عن 371 في المليون، أي ما يقرب من 0.04% من جملة السكان، وهي نسبة أقل بثلاثة أضعاف تقريبا من المتوسط العالمي المعروف. وإذا أضفنا إلى ذلك صعوبة الكتابة العلمية وطول الوقت الذي تستلزمه كتابة موضوع علمي ما، نظير البحث والترجمة والصياغة؛ وهو ما يعني عدم الإقبال على تلك النوعية من الكتابة، فتكون المحصلة افتقار مصادر النشر العلمي على قلتها للكتاب والمتخصصين العلميين.
أهم المجلات والجرائد المهتمة
وبمراجعة سريعة للمجلات العلمية الصادرة من الوطن العربي أو ميول الصحف العربية ومحتواها سوف تكشف عن حقائق مريرة لكنها ذات مغزى ودلالة كبيرة وكلها تصب في خانة ضعف الطالب والمطلوب.
فرغم المساحة الهائلة للوطن العربي وامتداده من المحيط للخليج واحتلال رقعته الشاسعة تلك 22 دولة تمثل جموع الدول العربية، رغم كل هذا لا يزيد في الحقيقة ما يصدر منها عن 15 مجلة علمية عامة على أكثر تقدير تم رصدها وتحديد بلد الصدور وفترته ومجال الاهتمام بكل منها، هذا فضلا عن بضعة مجلات أخرى متنوعة المحتوى تخصص على مضض فصلا أو بابا للعلوم، وحفنة إضافية تصدر في تخصصات دقيقة ومحددة وهي بالتالي تتسم بالخصوصية الشديدة؛ ومن ثم لا تناسب إلا ثلة من المهتمين دون الغالبية.
ولا عجب إذا علمنا أن نصف هذه الإصدارات -على الأقل- يتعثر ويتأخر في الصدور أكثر مما ينتظم، كما أن نسبة كبيرة منها تعاني مصاعب مالية جمة؛ وهو ما قد يودي بمصيرها إلى التوقف والنسيان. أما أكثر ما يثير العجب فهو غياب تلك النوعية من الإصدارات العلمية في أكثر من بلد عربي!.
أما عن الاهتمامات العلمية للصحف العربية فحدث ولا حرج. فبرغم أن الصحافة العربية عموما قد شهدت في الفترة الأخيرة تطورا واضحا وطفرة محمودة من حيث الشكل والمضمون فإن التطور في الصحافة العلمية بالذات لم يكن مواكبا لتلك المسيرة، ولم يكن على نفس المستوى، اللهم إلا بعض الاستثناءات في بعض الصحف ليس إلا.
فمن بين أكثر من 120 جريدة عربية موجهة للعقلية والفكر العربي، لا يزيد عدد الصحف (الجادة) منها في إصدار صفحة متخصصة أو باب يوميا أو أسبوعيا للحديث عن العلوم أو التكنولوجيا عن 20 جريدة لا أكثر، تم رصدها وتحديد بلد الصدور وفترته. أما البقية فهي للأسف مغيبة ولا يعد العلم أو أي من فروعه من أولويات اهتمامها.
وفيما يتعلق بحال ومستوى الصفحات العلمية المشار إليها، فاللافت للنظر أن معظمها أو قل كثيرا منها ما زال غارقا في الكلاسيكية والنمطية. معظم أخبارها وتحقيقاتها وموضوعاتها تتسم بالسطحية والتجرد من أية رسوم بيانية أو أشكال توضيحية أو بيانات موثقة يمكن أن تجذب القارئ أو تسهل مهمته في استيعاب المعلومة أو الإلمام بالموضوع.
كما أن كثيرا منها يهتم بالشكليات والمسميات أكثر مما يهتم بالمضمون والهدف، لذا فإننا كثيرا ما نفاجأ بتقلص حجم كثير من تلك الصفحات إلى عمود متواضع أو ربع صفحة بدلا من صفحة كاملة.
النتائج والتداعيات
لا تعني الأرقام والإحصاءات المشار إليها سابقا سوى أن كلا من الطالب والمطلوب في هذه القضية ضعيف وليس له فعالية أو وجود يذكر، فلا القارئ يقرأ، ولا أدوات النشر كافية أو مرضية من حيث الشكل أو المضمون.
وبهذه الطريقة يُغيب الوعي العلمي ودور العلم وتطبيقاته عن إدراك الشخصية العربية فهي في الأصل لا تقرأ، وإن قرئت لا تجد عادة ما يروي ظمأها للمعرفة والعلم، وإن وجدته يعتريها عادة مصاعب جمة في فهم محتوى المقالات والمواضيع العلمية المطروحة؛ نظرا لجفاء أسلوب بعضها أو سوء ترجمة بعضها الآخر أو أحيانا عدم استيعاب الكاتب للموضوع مع افتقار المادة المكتوبة للإحصاءات أو الرسوم التوضيحية. لذا فإن كثيرا من الموضوعات العلمية المنشورة في تلك الصفحات تثير في الواقع غموضا ولغطا أكثر مما تقدم حقيقة أو معلومة. من هنا تبدو حالة الصحافة العلمية العربية أقرب حاليا للعدم منها للوجود (الحقيقي).
مطلب عادل.. وأمل قائم
إن القضايا العلمية الملحة والمستجدات والاختراعات الحديثة قد فرضت نفسها وبقوة على مراسم حياتنا بل وعلى أجندة أحاديثنا اليومية. فغزو المريخ ووصول "سبريت" وأخواته مثلا إلى ذلك الكوكب الغامض قد فرض نفسه على اهتمام العامة والخاصة في العالم أجمع، كما أن مشاكل التلوث الهوائي والسحب السوداء وغيرها قد كتمت أنفاسنا، وتوغلت آثارها في جميع شعاب أجهزتنا التنفسية؛ وهو ما اضطر الجميع للتساؤل ما السبب؟ وكيف تحدث؟ وما سبيل الخلاص منها؟! وليست هذه إلا بعض الأمثلة على أهمية التثقيف العلمي لسلامتنا وحياتنا اليومية.
من هنا فإن الصحافة العربية العلمية والإعلام العربي العلمي على وجه العموم مطالب بتفعيل دوره في إثراء جوانب المعرفة لدى المواطن العربي، والذي هو مطالب أيضا بإعطاء العلم وتطبيقاته مزيدا من الاهتمام، ولن يتحقق هذا إلا عن طريق تحسين الأداء شكلا ومضمونا.
وفي الحقيقة فإن الاهتمام بالتنوير العلمي، وتغذية روافد الثقافة العلمية ليس اختيارا بقدر ما هو طريق حتمي ينبغي المضي فيه تفرضه المتغيرات العالمية ومفرداتها الذائعة من عولمة وعسكرة وغيرها.. وإلا فمصيرنا سيكون مزيدا من الضحالة والتسطح العلمي والفكري.
المصدر: http://www.google.com/imgres?imgurl=http://eqraa.com/html/images/article...