الفلسفة السياسية ومسألة العنف

العلمي الإدريسي رشيد

 

إن الفلسفة السياسية, حسب ليوستروس, تهدف إلى الإمساك “بالأشياء السياسية”(1) وإلى فهم معانيها, بحثا عن ماهيتها وحقيقتها, وهي كذلك تفكير وتأمل في القيم الإنسانية, وهي قيم سياسية وأخلاقية, كالمساواة والعدالة والحرية والوحدة الخ…(2) وبالتالي تتمحور الفلسفة السياسية حول الغايات المتوخاة من السلطة بصفتها الأداة الضرورية لتحقيق القيم(3). فما هي مكونات هذه السلطة وما هي طبيعتها؟ إن تحديد هذا التساؤل يبدو ضروريا منذ الوهلة الأولى حيث أن القيم السياسية والأخلاقية, تبقى رهينة بطبيعة السلطة التي يتعين عليها ترجمتها على مستوى الواقع. ولما نحاول معاينة السلطة والإحاطة بها انطلاقا من التاريخ ومساره نصطدم، بصفة تكاد تكون حتمية، بظاهرة العنف.

 

ذلك أن العنف يبدو كأنه يحوم حول السلطة بل مرتبط بها، ولعله كان كامنا فيها. ونراه يهدد وجودها واستمراريتها في ذات الوقت. وهنا تتمثل المفارقة الأولى!

 

وإذا أخذنا بالفكرة القائلة بأن العنف يمثل إحدى مكونات السلطة وهو لصيق بها, فكل القيم الأخلاقية والسياسية تبقى مرتبطة بشكل أو بآخر بالعنف. فبناء “المدينة الفاضلة” بمعنى آخر, يوجب نظريا اللجوء إلى العنف ما دام العنف محايثا للسلطة, أيا كانت هذه السلطة. العنف إذن من أجل الحكمة والفضيلة! وهنا تكمن المفارقة الثانية!

 

هذا المأزق النظري يدعونا إلى التساؤل عن حقيقة العنف. هل هو بالفعل ملازم للسلطة، لصيق بالعمل السياسي ومرتبط بكل اجتماع بشري؟ كما ذهب إلى ذلك عدد كبير من المفكرين المحدثين كماكس فيبر وكارل سميت وجوليان فروند وغيرهم… أم هو ظاهرة تاريخية, متغيرة وعارضة مرتبطة بطبيعة السلطة وبأهدافها وببنية التركيب الاجتماعي؟

 

تبعا لما سبق سنقوم بتقسيم هذه الدراسة إلى شقين:

 

القسم الأول يحمل العنوان الآتي: التعارض الأنطولوجي بين العنف والسياسة.

 

أما القسم الثاني فيحمل العنوان الآتي: التلازم العضوي بين العنف والسياسة.

 

I – التعارض الأنطولوجي بين العنف والسياسة

 

1 – الفلسفة السياسية الكلاسيكية:

 

أ – أفلاطون: الوحدة والانسجام

 

مما يلفت النظر أن العنف لم يتعرض له الفلاسفة الإغريق بصفة مباشرة. فإذا كانت أغلب حوارات أفلاطون تدور حول العدالة والمساواة والفضيلة والسعادة والعلم الخ… فلا نصادف حوارا يدور حول العنف بهدف الكشف عن حقيقته وماهيته. يمكن القول إن القيم الإنسانية تستوجب التفكير والتأمل، أما العنف فيبدو وكأنه يحيل إلى ظاهرة اجتماعية لا تثير الخلاف والجدل. على أن العنف, وإن لم يفكر فيه كمفهوم أو كظاهرة, فإن كتابات أفلاطون وأرسطو تبقى في عمقها مناقضة لأي شكل من أشكال العنف.

 

فأفلاطون كان شديد الاهتمام بالاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي كانت تعرفها أغلب الأنظمة السياسية, سواء كانت أوليغارشية, أو طغيانية أو ديمقراطية(4) ونقد أفلاطون للديمقراطية يدل على مدى اهتمامه بالاضطراب والعنف. فالديمقراطية تقترن, بنظره, بفوضى القيم والمعتقدات وتقترن كذلك بالتجزئة وانعدام الانسجام, وهي نظام يرتكز على “سلطة الدهماء” وخطاب الديماغوجية(5). إن القادة الديمقراطيين في أثينا ليسوا قادة سياسيين بالمعنى الصحيح, وإن كان الشعب في أغلبيته يميل إلى تمجيد حنكتهم ومهارتهم. ذلك أن الزعيم السياسي الحقيقي لا يساير الشعب في آرائه, بل يسعى جاهدا إلى تهذيب الأخلاق وترسيخ القيم المثلى وإن كانت سياسته لا تروق جميع الناس(6).

 

إن الديمقراطيين سعوا إلى نهج سياسة إمبريالية معادية لعديد من الدول, وقاموا بتحالفات وبمناورات, والحال, كان عليهم بالأحرى أن يهتموا بمواطنيهم. فالسياسة لا تقاس بالقوة أو بالأسلحة والحصون, بل تقاس بمدى تمسكها بالحكمة والفضيلة. إن غاية الدولة تكمن في إسعاد الناس لا في الدفع بهم إلى القتل والحرب. ولما أعدمت الديمقراطية سقراط فإنها برهنت على تعارضها مع الفكر والفلسفة. وبات الفيلسوف إنسانا غريبا ومتشردا, غير مرغوب في وجوده, قد يعدم أو يحكم عليه بالنفي (Ostracisme). وإذا كانت المدينة البدائية تعرف صراعات لا متناهية, فالديمقراطية لا تحظى بأية شرعية سياسية حيث أنها فضلا عن مساوئها الأخرى لم تتمكن من تحقيق الانسجام وإقرار السلم الاجتماعي(7).

 

لذا ذهب أفلاطون إلى أن كل تفكير يطمح إلى الوصول إلى ماهية السياسة, يجب أن يتعالى على الواقع المتعين, أن يتعالى على التاريخ. ويمكن الكشف عن حقيقة السياسة عن طريق الجدل الصاعد لا عن طريق تجارب التاريخ والأمم. ميز أفلاطون بين الوجود الحقيقي الذي يقترن بعالم المثل, عالم الماهيات, والوجود الواقعي والمشوه الذي لا يمكن الاقتداء به. والجمهورية العادلة هي الدولة الفاضلة التي تتحقق فيها المثل العليا, والسياسة الحق هي التي تتميز بالمساواة والانسجام الفردي والجماعي والوحدة والتضامن, وتغيب فيها جميع مظاهر العنف والصراع.

ب – أرسطو: تحصيل السعادة

 

أما أرسطو فذهب إلى أن نظرية أفلاطون لها طابع إكراهي, لأن شيوعية المال لا تساير الطبيعة البشرية. إن كل سياسة حكيمة يجب أن توفق بين طبيعة الإنسان والقيم التي يجب ترسيخها في المدينة المثلى. واعتبر كذلك أن الإنسان الفاضل هو وليد المدينة الفاضلة. فالقيم المثلى ليست متعالية على الإنسان الواقعي كما ظن ذلك أفلاطون بل هي باطنية فيه.

 

فالنزعات الخيرة الكامنة في الإنسان سوف تنجلي في المدينة الفاضلة. إن الغاية الطبيعية المرتبطة بوجود الإنسان هي تحقيق الفضيلة(8). وفلسفة أرسطو تدعو إلى التسوية والتوفيق بين مبادئ الديمقراطية (القانون, التناوب, التداول, التحاور) ومبادئ الأرستقراطية (الكفاءة, الاستحقاق). ذلك أن كل سياسة ترتكز على نظام واحدي (Moniste) فقد تفضي إلى الاضطراب وانعدام الاستقرار والعنف.

 

على أن هناك اتفاقا بين أفلاطون وأرسطو حول الطغيان حيث اعتبراه “عنفا خالصا” و”سيطرة قاهرة”و ذلك أن ما يتوخاه الطاغي هو إخضاع الناس واستعبادهم بغية تحقيق مصالح خاصة(9).

 

واعتبر أرسطو –وهو يلتقي مع أفلاطون في هذا كذلك- أن السياسة القومية ليست مستوحاة من تجارب الماضي بل يمكن الكشف عنها عن طريق التأمل الفلسفي وهي تقترن لديه بالتعقل وبالتبصر (Phronesis)(10). وبالتالي يمكن القول إن السياسة الحق عند كل من أفلاطون وأرسطو لا يمكن الكشف عنها على ضوء التاريخ بل يمكن الوصول إلى ماهيتها عن طريق التأمل. فالغاية الأسمى المتوخاة من السياسة هي إسعاد الناس بتوثيق العلاقات بينهم وتمتينها وبتحقيق الانسجام والوئام بينهم, وإبعاد مظاهر الصراع والعنف.

ج – الفارابي: المدينة الفاضلة

 

اعتبر الفارابي في كتابه آراء أهل المدينة الفاضلة أن الغلبة والقهر هما من خاصيات المدينة الضالة, وفي ذلك يقول “مدينة التغلب, وهي التي قصد أهلها أن يكونوا القاهرين لغيرهم, الممتنعين أن يقهرهم غيرهم, ويكون كدهم اللذة التي تنالهم من الغلبة فقط”(11).

 

فالسياسة لا تقترن بالضرورة بالعسف والعنف, ففي المدينة الفاضلة يسود العقل الكامل والقيم المثلى. وتكون السياسة فيها حكيمة وقويمة حيث تهدف إلى إسعاد الإنسان. فمن خصال رئيس هذه المدينة: “أن يكون بالطبع محبا للعدل وأهله ومبغضا للجور والظلم وأهله يعطي النصفة من أهله ومن غيره ويحث عليه, ويؤثر من حل به الجور مؤاتيا لكل من يراه حسنا وجميلا, ثم أن يكون عدلا غير صعب القياد, ولا جموحا ولا لجوجا إذا دعي إلى العدل بل صعب القياد إذا دعي إلى الجور وإلى القبيحة”(12).

 

2 – في الفلسفة السياسية المعاصرة:

 

أ – حنا أراندت: التفاعل والتواصل

 

ترى حنا أراندت أن السياسة يصعب تحديدها أنطولوجيا لأنها ليست كامنة في ذات الإنسان كما ظن ذلك أرسطو, بل تتجلى في العلاقات بين الناس وتتموضع في فضاء خارج الإنسان-الفرد. إن السياسة بحكم أنها نظام من العلاقات, فإنها ترتقي باختلاف البشر وتمايزهم, وبالاعتراف بتساوي البشر رغم اختلافهم, وكل تغييب للاختلاف والتمايز يقود حتما إلى تفقير السياسة وانحدارها(13).

 

وكثيرا ما تقترن السياسة عند المفكرين بالسيطرة والغلبة والعنف, على أن هذه النظرة السلبية للسياسة هي ناتجة عن “أحكام مسبقة” (Des Préjugés) وهي مرتبطة بالوضع المأزوم للإنسانية(14). على أن هذا الوضع ليس قدرا محتوما على الإنسانية ولا يمكن على أساسه استخلاص ماهية السياسة. وبالفعل عرفت الإنسانية أوضاعا سليمة نسبيا في عصور قديمة وفي عصر الثورات الليبرالية والاشتراكية, وحينذاك برزت السياسة في معناها الحقيقي (أي, التحاور والتواصل والتداول). إن النظرة السلبية تجاه السياسة دفعت بالبعض إلى التفكير في إسناد السلطة للبيروقراطية لتفادي شخصانية الحكم وعسفه. على أن البيروقراطية قد تتحول إلى أخطر حكم سياسي على الإطلاق, لأن السلطة فيها “مجهولة وغير مرئية”.

 

وترى حنا أراندت عند تحليلها للنظم الكليانية, أن العنف يتعارض جوهريا مع السياسة بل يقصيها ويغيبها تماما. إن العنف يرتبط بأفعال غير سياسية في عمقها: التحايل, الضبط أو التطويع الاجتماعي, التخدير الإيديولوجي. فتذهب في كتابها في العنف إلى القول: “إن السلطة والعنف يتعارضان: فحين يحكم أحدهما حكما مطلقا يكون الآخر غائبا. ويظهر العنف لما تكون السلطة مهددة. لكنه إن ترك على سجيته سينتهي الأمر باختفاء السلطة”(15).

 

إن العنف لا يمثل إلا مسلكا من المسالك التي تلجأ إليها السلطة, وهي لما تقوم بذلك تحاول تبريره. إن الأفعال السياسية الحق لا تحتاج إلى تبرير، أما العنف فيوجب في أغلب الأحيان التبرير. وتقول حنا أراندت: “لا يمكن للعنف أن ينحدر من نقيضه الذي هو السلطة, وأنه يتعين علينا, لكي نفهم العنف على حقيقته أن نتفحص جذوره وطبيعته”(16).

 

وتبعا لمقاربتها الظاهراتية (= الفينومنولوجية), ترى هذه الفيلسوفة أن العنف يعبر في كثير من الأحيان عن مشاعر لا ترتبط بالضرورة بالسياسة: كالخوف من الموت والفناء, والبحث عن الخلود عن طريق استمرارية الجماعة. ويظهر العنف المضاد للسلطة عند غياب الحرية. فالحرية تعني “القدرة على الفعل” أو “القدرة على التأثير”. إن الديمقراطيات الحديثة لها طابع بيروقراطي بشكل رئيسي وبالتالي فهي تجنح إلى التقليص من فضاء الحرية, بل تسعى إلى جعلها بدون جدوى وفعالية وبدون معنى, سيما وأن البيروقراطية تبدو وكأنها “سلطة بدون هوية سياسية”. إن المثقفين في الشرق ينشدون الحرية ويطالبون بها, أما المثقفون في الغرب فيرون أن حريتهم ليست لها معنى, وهذا ما أفضى في النهاية إلى أعمال العنف. إن المفكرين المحدثين الذين مجدوا العنف إنما انطلقوا من أساطير وأوهام سياسية, فاعتبروا أن العنف قد يكون خلاقا ومنقذا للجماعة كما هو الشأن عند جورج سوريل, أو أنه باعثا على الحياة كما هو الشأن عند فرانز فانون.

ب – هانس كلسن: القانون ضد العنف

 

يذهب كثير من المنظرين في فلسفة القانون الذين ينتمون إلى المدرسة الوضعية إلى أن العنف لا يرتبط بالضرورة بالعمل السياسي بل يخضع لضوابط قانونية في غاية من التحديد والدقة. فهانس كلسن (HANS KELSEN) يرى أن الدولة تتماهى مع نظامها القانوني. إن النظام القانوني عند كلسن يحدد طبيعة السلطة وهوية الشعب ويحدد القيم السياسية كما يحدد العنف الشرعي الذي يجوز للدولة أن تلجأ إليه إذا اقتضت الضرورة ذلك. فالقانون ينظم مجال الحرية ويقيد اللجوء إلى العنف بشروط متعددة(17). وبالتالي فالعنف لا يمثل ظاهرة يستحيل التحكم فيها وضبطها.

 

 

ويرى أليكساندر باسران دانتريف (Alexandre Passerin d’Entreve) في كتابه مفهوم الدولة أن مصطلح الدولة يعود في نشأته إلى العصر الحديث. ففي العصر الإغريقي كان المجتمع السياسي يسمى “Polis”, وفي العصر الروماني “Civitas” أو “Respublica”, أما في العصر الوسيط فنجد كذلك “Civitas” وأحيانا “Status”, الذي استخدمه في البداية الإمبراطور جوستنيان (Justinien). ويعد مكيافلي أول مفكر استعمل بصفة متواصلة مصطلح الدولة بالمعنى الحديث وإن ظل في الواقع متذبذبا في تشخيصه وتعريفه للدولة. على أن التعريف الذي خلص إليه في نهاية التحليل هو الآتي: إن الدولة تحيل إلى تنظيم سياسي يتحكم في العنف الذي يمارسه على الشعب في إطار إقليمي محدد(18). واعتبر دانتريف أن هذا التحول ليس لغويا أو اصطلاحيا فقط,بل هو يدل على تغير عميق في المفاهيم والقيم المرتبطة بالاجتماع السياسي.

 

II – التلازم العضوي بين العنف والسياسة:

 

1 – الفلسفة السياسية الكلاسيكية:

أ – الحركة السفسطائية: الواقعية السياسية

 

كانت أثينا في عهد بريكلس تعرف اتجاهات فكرية ذات منطلقات وأبعاد متباينة. من ضمنها, كانت الحركة السفسطائية تحمل أفكارا وآراء تنفرد بها عن باقي الاتجاهات الأخرى. مما يثير الانتباه في فكر السفسطائيين, منذ الوهلة الأولى, هو اهتمامهم بالتاريخ وبتأثيره على تطور المجتمعات البشرية. واعتبر السفسطائيون أن المعرفة البشرية تبقى, في كل الأحوال, جد محدودة لأن الإنسان لا يمكنه إدراك الأشياء إلا بحسه(19). أما القيم الأخلاقية فهي نسبية وتتغير حسب ظروف الزمان والمكان. إن الصيرورة التاريخية تتحكم في الوجود وتضفي على القيم والتمثلات الفكرية معاني ودلالات مختلفة. إن الأنظمة السياسية ما هي إلا إفرازات تاريخية وتعبر عن صراعات اجتماعية. وبالتالي فالقوة هي المتحكمة في المجال السياسي. لذا يجب تعليم الشباب الطامح للسلطة فن الخطابة وفن السياسة. وليست هناك قوانين عادلة في ذاتها بل إنها تعبر عن مصالح “الأقوياء” في المجتمع. ولكل نظام سياسي قوانينه التي تتفق مع أهدافه ومصالحه. وذهب السفسطائي كليكلس (Callicles) إلى أن هناك قانونا طبيعيا يمنح الغلبة والسيطرة “للأقوياء” ولذوي الخبرة والكفاءة(20). وكان للسفسطائيين بالغ الأثر على فلاسفة محدثين وتحديدا على الفيلسوف الألماني نيتشه.

 

ب – ابن خلدون وقانون العصبيات:

 

يرى ابن خلدون أن الدولة هي ضرورية للحد من نزوات الإنسان الأنانية ومن نزوعه إلى التظلم على الآخرين سعيا وراء مصالحه ومنافعه الخاصة. على أن الحكم لا يكون عادلا بالضرورة بل إنه في كثير من الأحيان يجنح إلى العسف والقهر لأنه يعود في جذوره الاجتماعية إلى القوة والصراع ويعبر بالتالي عن سيطرة قبيلة تحظى بعصبية أقوى من القبائل الأخرى. إن السياسة تقترن عند ابن خلدون بالقوة والعنف إذ يتعذر إخضاع الناس واستمالتهم بالطرق السلمية. يقول ابن خلدون: “وذلك أننا قررنا في الفصل الأول أن المغالبة والممانعة إنما تكون بالعصبية لما فيها من النعرة والتذامر واستماتة كل واحد منهم دون صاحبه. ثم إن الملك منصب شريف ملذوذ يشتمل على جميع الخيرات الدنيوية والشهوات البدنية والملاذ النفسانية فيقع فيه التنافس غالبا وقل أن يسلمه أحد لصاحبه إلا إذا غلب عليه فتقع المنازعة وتفضي إلى الحرب والقتال والمغالبة(…)(21).

 

2 – الفلسفة السياسية الحديثة:

 

أ – مكيافلي وهوبز: الفعالية والاستمرارية

 

اعتبر ماكيافلي أن المجال السياسي له قواعده وقوانينه الخاصة به ولا علاقة له بالقيم السائدة في المجال الديني والأخلاقي. فمن القواعد السياسية التي يجب أن يتمسك بها الفاعل السياسي, أي الأمير, هي ضرورة اللجوء إلى العنف. فالعنف يعد من المكونات الأساسية لكل عمل سياسي يتوخى النجاعة والفعالية. وكل المسالك السياسية تبقى مشرعة لديه للحفاظ على السلطة ودعمها.

 

أما توماس هوبز فيرى أن العنف يمثل عنصرا أساسيا في العلاقات الاجتماعية ذلك أن الباعث الأساسي لسلوك الإنسان هو حب البقاء والحفاظ على الذات. وبالتالي فكل إنسان بحكم أنانيته الطبيعية يمثل خطرا بالنسبة لكل إنسان آخر. ففي الحالة الطبيعية السابقة على وجود الدولة يكون “الجميع في حرب ضد الجميع”. لذا يتحتم تأسيس دولة قاهرة ومستبدة لإيقاف الحرب ولضمان الحياة واستمرارية المجتمع.

 

3 – الفلسفة السياسية المعاصرة:

 

أ – باريتو ودور النخب:

 

إن النظريات السياسية والاجتماعية التي ظهرت في بداية القرن العشرين كانت جد متأثرة بالخلافات الفكرية حول المعرفة العلمية ومقاييسها, حول الإبستمولوجيا. فهل هناك منهجية واحدة تنطبق على كافة العلوم أم أن هناك منهجية خاصة بالعلوم الإنسانية؟ كان المفكر الإيطالي باريتو من دعاة وحدة المناهج وكان يرى أن العلوم الإنسانية تخضع لنفس المقاييس السائدة في العلوم الطبيعية. لذا نراه يسعى إلى محاكاة المناهج العلمية الدقيقة في دراسته للمجتمع وللاقتصاد. إن القوة والعنف بنظره يمثلان ظاهرتين طبيعيتين نصادفهما في كل الموجودات الحية, لذا يجب معاينتهما بهذه الصفة لما نقوم بدراسة المجتمع البشري. اعتبر باريتو أن النخب السياسية تمثل العامل المحرك للتاريخ, ففي كل مجتمع سياسي تبرز نخب سياسية بعد أن تكون قد قضت, بعد صراع طويل وعنيف, على نخب أخرى كانت تطمح هي كذلك إلى الزعامة السياسية. فالسياسة إذا هي صراع دائم حول القيادة والزعامة. إن التاريخ في مساره الطويل يدل على تعاقب لا متناه لنخب متعددة على الحكم. فدورية النخب تمثل أداة ضرورية لتحقيق التوازن الاجتماعي. وبما أن النخبة هي امتداد سياسي لطبقة اجتماعية فهي تعمل كلما في وسعها للحصول على سند شعبي متين. ويجب لهذه الغاية ترويج أفكار وأساطير قد يقتنع بها الشعب.

 

فالجمهور تثيره العواطف والأفكار البسيطة والساذجة أكثر مما تثيره الأفكار ذات المنحى العقلاني(22). ويرى باريتو أن العنف هو الشرط الأساسي الكفيل بتحقيق التوازن الاجتماعي, حيث يحافظ على كيان المجتمع بل ينقذه في الحالات المتأزمة وذهب إلى أن النظام الديمقراطي البرلماني هو آخذ في التداعي, وأن الحياة البورجوازية تتسم بنزعة إنسانوية “جوفاء” وهي في تفسخ دائم وبالتالي فالعنف سيبعث دينامية وحيوية في مجتمع آخذ في التداعي والتلاشي. ويبدو باريتو جد متأثر بفكر هربت سبنسر (Herbert Spenser) وبفكر كابريال موسكا (G.Mosca)(23).

ب – كارل سميت: جدلية الصديق والعدو

 

يرى كارل سميت في كتابه مفهوم السياسة أن السياسة تتموضع في فضاء صراعي وكأنها حرب داخلية، فتخضع لتحالفات واستراتيجيات. وإذا كان كل مجال يخضع لمعيار محدد له, فالسياسة تقوم على معيار الصديق والعدو كما أن مجال الأخلاق يقوم على معيار الخير والشر ومجال الجماليات على معيار الجميل والقبيح(24). وينتقد كارل سميت نظرية هانس كلسن التي تذهب إلى أن كل نظام قانوني يستمد شرعيته من ذاته, من اتساقه وانسجامه مع القاعدة أو القيمة الرئيسية (la norme principale) التي تحدد منطقه. فيعتبر كارل سميت أن كل نظام قانوني يخضع في البدء لإرادة سياسية ولقرار سياسي وبالتالي يتعين تحليل هذا القرار لمعرفة طبيعة النظام القانوني ومدى شرعيته(25).

 

ذهب جوليان فروند على نهج كارل سميت واعتبر أن السياسة هي مرتبطة بجدلية القيادة والطاعة حيث أنها صراعية في ماهيتها(26).

ج – ميشال فوكو: التجليات المتعددة للعنف

 

إن كتابات ميشال فوكو, تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي, تاريخ الجنس, المراقبة والعقاب, الكلمات والأشياء الخ… تدل على أن العنف متواجد في عدة مستويات وله مظاهر مختلفة, وكثيرا ما يرتبط بالسلطة (أيا كان نوعها) وبالسياسة وبالظروف التاريخية: فهناك عنف في المعرفة والخطاب, وعنف في القوانين, وعنف في المؤسسات الطبية والملاجئ, وعنف في السجون, على أن العنف الذي يحمل دلالة خاصة بالنسبة للمجتمع الحديث هو ذلك الذي يتجلى في مؤسسات السجون. فيتعرض الإنسان في السجن لأفظع أشكال التعذيب الجسدي والنفسي(27).

 

أما الغاية المتوخاة من شراسة هذا العقاب، فهي تطويع الأجساد وتذويب العقول وغرس الرعب في النفوس, قصد إقبار كل نزوع إلى العصيان والتمرد والقضاء بصفة نهائية على كل روح نقدية. ولما يفرج عن الإنسان يكون فاقدا لذاته ولوعيه الاجتماعي, وفي اغتراب تام.

 

على أن عزل “المجانين” في الملاجئ كانت له أهداف أخرى تتمثل في إبعاد العناصر المنحرفة, أو غير المرغوب فيها, وترحيل هذه “النفايات الاجتماعية” إلى المستعمرات الجديدة. ولعب العزل دورا هاما في حل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية سيما فيما يتعلق بالبطالة في البوادي.

د – الماركسية, سوريل, فانون: العنف الثوري

 

يرى ماركس أن العنف هو إفراز تاريخي نتج عن تعارض المصالح لما ظهرت الملكية الفردية. في كتابه دور العنف في التاريخ يربط إنجلز بين الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وظهور الأسرة والسلطة والعنف. والملاحظ أن العنف عند إنجلز هو سابق على وجود الدولة حيث أنه ينتج عن تصارع المصالح المترتب على ملكية الأراضي. وبالتالي فالعنف لا يمثل أحد المكونات الطبيعية للسلطة بل هو ناتج عن الواقع الاجتماعي(28). ويمكن القول إن السلطة ذاتها ليست من المكونات الطبيعية للاجتماع البشري ولا ترتبط وجوديا بالإنسان بل هي مترتبة على صيرورة تاريخية معينة. وبالتالي فإن الدولة والعنف قابلان للتغير وللاختفاء في ظروف تاريخية مغايرة.

 

ولما تعرض ماركس إلى طرق الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية اعتبر أن ذلك يستدعي تنظيم الطبقة العاملة في إطار نقابات وأحزاب سياسية, وأكد على ضرورة اللجوء إلى العنف وإلى ديكتاتورية البروليتاريا ولو في حقبة زمنية قصيرة ومحددة.

 

إن العنف ضرورة تاريخية لكن يجب القضاء على كل مظاهره بعد المرحلة الانتقالية المتمثلة في ديكتاتورية البروليتاريا. يتعين بالتالي تهييء وتنظيم الثورة وتأطير العنف الجماهيري. وهذا ما انتقدته روزا لوكسامبورغ التي كانت تؤمن بالعفوية الثورية وبالنزوع الطبيعي للطبقة العاملة لتنظيم ذاتها. وأيا كان الأمر, فالعنف الثوري يولد تاريخا آخر, ومجتمعا آخر, تغيب فيه السياسة وكل ما يرتبط بها من عنف وقهر واغتراب.

 

وإذا كان العنف ضرورة تاريخية بالنسبة لمعظم المفكرين الثوريين, فإننا نصادف أحيانا مديحا للعنف في ذاته عند مفكرين آخرين, ونخص بالذكر جورج سوريل وفرانز فانون.

 

ففي كتابه تأملات في العنف الصادر سنة 1908 اعتبر جورج سوريل أنه يجب تحريك الجماهير وتفعيلها وذلك بترويج أفكار وأساطير سياسية من شأنها أن تثيرها وتعبئها. إن الجماهير عند سوريل تؤمن بالأساطير السياسية (على سبيل المثال, تحقيق المساواة المطلقة, تحقيق الوحدة العمالية على الصعيد العالمي…) أكثر مما تؤمن بالأفكار الواقعية. على أن الأساطير السياسية وإن كانت غير قابلة للتحقيق الكلي على مستوى الواقع, فهي تختزن بنظره “طاقة تفجيرية”, ومن شأنها أن تقود الجماهير إلى الثورة ضد النظام القائم(29). فجورج سوريل وإن كان متذبذبا في أفكاره ومواقفه السياسية فإنه اعتبر أن المجتمع البورجوازي متهاو ومتداع, وقد أبانت الطبقات البورجوازية عن عجزها وقصورها السياسي في المجالس البرلمانية والحكومية, وعن تفسخ قيمها(30). فعن طريق العنف يمكن إحياء المجتمع من جديد وإيقاظه والنهوض به. ونصادف نوعا من القرابة الفكرية بين جورج سوريل وباريتو في هذا الموضوع بالذات. وليس من عابر الصدف إذا كان تأثير سوريل على الحركات الفاشية في إيطاليا أكثر قوة وفعالية من تأثيره على الحركات اليسارية.

 

ويعد فرانز فانون من المفكرين القلائل الذين قاموا بتحليل عميق للمجتمع الكلونيالي في عقدي الخمسينات والستينات, موظفا مفاهيم مستوحاة من حقول معرفية مختلفة (الاقتصاد والتاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس).

 

يقول فرانز فانون في كتابه المعذبون في الأرض: “إن العالم الكلونيالي عالم مقسم إلى مجتمعين: مجتمع المستعمرين ومجتمع المستعمرين, والحدود الفاصلة بينهما تتمثل في الجيش والشرطة. إن الناطق الرسمي للدولة الكولونيالية والذي يمثل الوسيط الوحيد بين المجتمعين هو رجل السلطة(31)”. في المجتمعات الرأسمالية تخفي الدولة حقيقتها الطبقية وراء ستار المؤسسات الاجتماعية التعليمية ووراء ستار إيديولوجيات ذات مسحة إنسانية. أما في المجتمع الكلونيالي، فتبدو الدولة مجردة من كل قناع على حقيقتها التامة, وكمجموعة من المؤسسات والأجهزة المهيأة للجوء إلى العنف المطلق في كل آن. وقام فانون بتشخيص الحالة النفسية للإنسان الذي يعيش تحت قهر الاستعمار وأبرز كل مظاهر الاغتراب والعذاب النفسي الذي يعانيه. إن الدولة الكلونيالية تخفي إنسانية الإنسان المقهور والمستعمر وتلجأ إلى شتى الوسائل لإهانته واستعباده وبالتالي فلا يمكن القضاء على هذه الدولة إلا عن طريق العنف. إن الوسيلة الوحيدة التي تبقى لدى الإنسان المستعبد لاسترجاع ذاته وحريته هي العنف. إنه عنف مطلق ضد استعمار مطلق. لذا يمكن القول أن العنف يعيد الحياة إلى الإنسان المقهور ويوقظه من سباته العميق ويكشف له عن إنسانيته التي طمسها المستعمر(32).

 

***

 

يمكن القول في الختام إن الفلسفة السياسية الكلاسيكية اعتبرت في غالب الأحيان أن العنف هو من ضمن المساوئ التي يجترها الواقع الإنساني وسعت إلى تجاوزه بطرق متعددة بالعقل أو باليوتوبيا, أو بهما معا, أو انقادت إلى الرضوخ والاستسلام له لما اعتبرته محايثا للوجود البشري.

 

وصار للعنف موقع الصدارة في الفلسفة السياسية الحديثة وغدا فيها مركزيا ومحوريا. فنصادف نظريات ارتكزت على العنف للمناداة بالدولة المستبدة (هوبز, كارل سميت) أو بالدولة الليبرالية (ج.لوك) أو بالدولة الديمقراطية (روسو).

 

على أن ما ميز الفلسفة السياسية منذ أواسط القرن التاسع عشر في أوربا هو نظرتها الإيجابية إن لم نقل “الوظيفية” للعنف. فالعنف قد تكون له أدوار اجتماعية في غاية من الأهمية. فعن طريق العنف يمكن الدفاع عن الطبقات العاملة والطبقات المسحوقة بصفة عامة, وعن الشعوب المقهورة, ويمكن إنقاذ مجتمعات تتلاشى فيها القيم الأخلاقية والسياسية. هذه النظرة الوظيفية قادت إلى اعتبار أن هناك عنفا ظالما, عنف الطبقات والأمم السائدة, وعنفا عادلا للطبقات والأمم المستضعفة.

 

لكن يبقى لنا سؤال عالق وهو الآتي: هل تمكنت الفلسفة السياسية من الكشف عن حقيقة العنف وماهيته والإحاطة به كمفهوم وكظاهرة اجتماعية متميزة ومتفردة؟ تصعب الإجابة عن هذا السؤال بصفة قطعية.

 

ترى حنا أراندت أن العنف, كمفهوم وكظاهرة, لم يجلب اهتمام الفلسفة السياسية بصفة رئيسية حيث إنها لم تسع إلى استجلاء معانيه ودلالاته, بل ما كان يهمها هو مدى تأثير العنف على الإنسان والمجتمع, وكيف يمكن احتواؤه أو توظيفه. على أن هذا التساؤل الذي طرحته على نفسها واصطدمت به وأرق مضجعها هو الآتي: كيف يمكن تفسير العنف لما يصل إلى أقصاه, إلى حدود غير متوقعة, ويتحول إلى ما أسمته بالشر الراديكالي أو الشر المحض (Le mal radical)؟ كيف يمكن تفسير الإبادة والتقتيل الجماعي؟ هل كان من الضروري الانتقال إلى حقول معرفية أخرى للإجابة على هذا التساؤل, كالتاريخ وعلم النفس والسوسيولوجيا؟(33)n

 

المراجع:

 

1 – ARENDT, HANNAH, Qu’est ce que la politique, Seuil, 1995.

 

2 – ARISTOTE, Les politiques, GF-Flammarion.

 

3 – AUBENQUE, PIERRE, La prudence d’ARISTOTE, PUF 1997.

 

4 – AUBENQUE, PIERRE, ARISTOTE Politique, PUF, 1993.

 

5 – DACY, ELO, L’actualité de FRANTZ FANON, Karthala, 1984.

 

6 – ENGELS, Théorie de la violence, UGE, 1972.

 

7 – FANON, Frantz, Les damnés de la terre, Maspero 1968.

 

8 – FLEINER-Gerster, Thomas, Théorie générale de l’Etat, PUF, 1986.

 

10 – FOUCAULT, Michel, Surveiller et punir, Gallimard, 1975.

 

11 – FREUND, Julien, L’essence de la politique, Sirey, 1965.

 

12 – FREUND, Julien, Pareto, Seguers, 1974.

 

13 – FREUD, Sigmund, Essais de psychanalyse, Payot, 1981.

 

14 – GUTHRIE, W.C.K, Les Sophistes, Payot, 1971.

 

15 – HÖFFE, Otfried, La justice politique, PUF, 1991.

 

16 – KERVEGAN, Jean-François, Hegel et Carl Schmitt. La politique entre la speculation et la positivité, PUF, 1992.

 

17 – KOYRE, Alexandre, Introduction à la lecture de Platon, Gallimard, 1962.

 

18 – LUCCIONI, Jean, La pensée politique de Platon, PUF, 1958.

 

19 – PLATON, La république, GF-Flammarion.

 

20 – REICH, WILHELM, La psychologie des masses du fascisme, Payot, 1972.

 

21 – SAND, Shlomo, L’illusion du politique. Georges Sorel et le débat intellectuel en 1900, La Découverte 1985.

 

22 – SCHMITT, Carl, La notion de politique, Flammarion.

 

23 – SOREL, Georges, Reflexions sur la violence, Seuil 1990.

 

24 – STERN, Politique et Désespoir .

 

25 – STERNHELL, Zeev ; SZNAJDER, MARIO ; ASHERI, MAÏA, Naissance de l’idéologie fasciste, Fayard 1989 (Folio-Histoire 1994).

 

26 – STRAUSS, Leo, Qu’est ce que la philosophie politique?, PUF 1992.

 

27 – STRAUSS, Leo, La cité et l’homme, AGORA, 1987.

 

28 – TCHAKHTINE, Serge, Le viol des foules par la propagande politique, Gallimard 1953.

 

29 – أبو نصر الفارابي: آراء أهل المدينة الفاضلة ومضاداتها, دار ومكتبة الهلال, 1995.

 

30 – ابن خلدون: المقدمة, منشورات مؤسسة الأعلى للمطبوعات بيروت لبنان.

 

31 – حنا أراندت: في العنف, ترجمة إبراهيم العريس, دار الساقي 1992.

- See more at: http://www.hekmah.org/portal/%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%84%d8%b3%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d9%85%d8%b3%d8%a3%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%86%d9%81/#sthash.WWJXdyUl.dpuf

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك