التجار الأندلسيون في بلاد النصارى
انطلاقاً من وجود حدود مشتركة بين ممالك المسلمين والمسيحيين في إسبانيا، كان أمام تجار الأندلس فرص أكبر للمتاجرة في بلاد المسيحيين مما كان عليه الحال في كثير من أرجاء العالم الإسلامي. فعلى الرغم من الحظر الإسلامي على التعامل التجاري مع أهل البلاد غير الإسلامية نجد المصادر الإسبانية الشمالية تتحدث عن تجار مسلمين من الأندلس يتاجرون في الأسواق المسيحية خلال القرن الخامس ـ السادس الهجري/ الحادي عشر ـ الثاني عشر الميلادي وفي أوائل القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي.
يُشير عدد من قوانين المدن (fueros) في قشتالة وأراغون في القرن الثاني عشر الميلادي، في قوائم التعرفة، إلى أناس وبضائع آتية من "أرض المسلمين". ويذكر قانون مدينة يابرة (Evora) لعام 1166 م مثلاً عدداً من "المسيحيين واليهود والمسلمين كذلك بين التجار والمسافرين" شملتهم تلك الأحكام.
ومثل ذلك قانون من أواخر القرن الثاني عشر الميلادي من مدينة سانتا ماريا دي كورتس (Santa María de Cortes) يقدم وعداً بأن "أحرار المسلمين يكونون في مأمن إذا هم جاءوا إلى هذه المدينة لغرض المتاجرة بالسوائم". وفي القرن اللاحق ينص قانون مدينة كاثيريس (Cáceres) لعام 1231م على السماح للمسيحيين واليهود والمسلمين بالحضور إلى الاحتفالات السنوية، سواء قدموا من أقاليم مسيحية أو إسلامية.
ولا تتوفر معلومات كثيرة عن أنشطة التجار المسلمين من الأندلس إلى الشمال من جبال البرانس. وربما كانت أغلب أوروبا المسيحية تقع خارج نطاق تجار الأندلس المسلمين طوال العصور الوسطى. وهذا القصور الواضح في الرحلات التجارية إلى أوروبا يتماشى مع الأنساق العامة في التجارة الإسلامية. وكان من المألوف في عالم المتوسط في القرون الوسطى وجود اليهود والمسيحيين وهم يتاجرون بحريّة مع جميع الأقاليم، بينما كان التجار المسلمون يقتصرون في نشاطهم عموماً على "دار الإسلام". لكن تجارة المسلمين مع إسبانيا المسيحية كانت، لسبب من الأسباب، استثناءً لهذه القاعدة.
نقلاً عن الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، الجزء الثاني، بتصرف، أوليڨيا ريمي كونستَبل