الفكرة .. عوامل نجاح

عمرو عبد الكريم سعداوي

 

لا تنشأ الأفكار في فراغ، إنما تنسج المعاناةُ خيوطَها الأولى، وتشكل العقبات الاجتماعية كثيرًا من منحنياتها. كما لا تتحرك الأفكار في فراغ أيضًا، إنما تحدد كثيرًا من توجهاتها المعالم الثقافية السائدة، أو ما يمكن تسميته "بالوسط الفكري".

 

وتنقسم الأوساط الفكرية -دون السقوط في هوة الاستقطاب– إلى أوساط جاذبة "مرشحة وداعمة" لفكرة معينة، وأوساط مناوئة وطاردة.

 

ولا تنجح فكرة ما إلا إذا استجمعت شروط النجاح، وانتفت عنها عوامل الإخفاق، فلا تنجح فكرة ما لم يحملها شخص تملك عليه الفكرة كيانه، وتأخذ بمجامع نفسه، فيعيش الفكرة، ويجسدها سلوكًا. ولهذا ما أحق الرسول -صلى الله عليه وسلم- بوصف السيدة عائشة -رضي الله عنها-: "كان خلقه القرآن" [رواه أحمد، وصححه الألباني].

 

معالم نجاح الأفكار:

 

إن أول معالم وبشائر نجاح الفكرة وانتصارها، أن يحملها شخص يعطيها عمره وزهرة شبابه، بل يراهن على نجاحها بعمره، ويضع بيض حياته كله في سلتها، مع وضوح رؤية ذلك الشخص (الرائد) لفكرته وتعمقه في فهمها واستبصاره بمستقبلها.

 

ومن معالم نجاح الفكرة: اختيار صاحب الفكرة لبيئة مواتية، تشكل وسطًا جاذبًا للفكرة، ومرشحًا لنجاحها، وذلك لأن الأفكار تنتصر إذا أحسن أصحابها السير بها، وتخيروا الوقت الملائم لظهورها، وعرفوا متى وكيف يُعبِّروا عنها، ومتى يحسن بهم الصمت، ومتى يجمل منهم الكلام والحركة، ومتى يحق عليهم السكون، ومتى تكون سرعة السير فضيلة، ومتى تكون خفة ونزقًا، ومتى يكون الإبطاء وقارًا، وتكون الأناة سكينة مطلوبة. وهكذا، فدعاة الإصلاح كُثر، ولكن القليل منهم من تعنيه النتائج، والقليل منهم الفطن الذي يضع الأمور في نصابها.

 

إن الفكرة حين تتخلق تكون خلاصة تفاعل ضخم، بين كل الظروف والأحوال والآلام والآمال التي وعتْها البيئة الاجتماعية لصاحب الفكرة، مضافًا إليها تجربته الشخصية.

 

المعلم الثالث لنجاح الأفكار: هو قدرة حاملها على نقلها إلى مجموعة من الناس، رجالاً ونساء، يعتنقون الفكرة اعتناقًا تامًّا، بحيث يضعون أرواحهم على أكفهم في سبيل نصرة الفكرة، ولا يمكن أن تتم هذه العملية قهرًا أو جبرًا، أو إغراءً ورشوة، فالأفكار لا يمكن تعبئتها في أفئدة الرجال بالقوة والقهر، أو الإغواء والإغراء، وإنما تتشرب إلى نفوس الناس بطرائق مختلفة، وفق قوانين اجتماعية حاكمة.

 

المعلم الرابع: هو قدرة الفكرة على إنشاء مجتمع (تخيُّلي) ولو صغير، تجمع أفراد الفكرة فيه وشائج القربى، بأكثر مما تجمعهم قرابة النسب والجوار.

 

المعلم الخامس: يتمثل في بيئة عامة مهيأة لتلقي الأفكار، إذ إن التهيؤ لتلقي الأفكار لا بد أن ينشأ من واقع معضل يهز القوالب الثابتة التي تحيط بالناس، ويخرجهم منها حيارى يبحثون، فتتلقاهم الفكرة في ظاهر مبهر، متمثل في كينونة حضارية براقة، تخطف بالأبصار، وهذه نقطة البدء دائمًا في لقاء الأفكار والأفئدة.

 

المعلم السادس: هو اعتبار الزمن ودوره في نجاح الأفكار، فقد أثبتت التجربة التاريخية أنه لا شيء يضيع، فالفكرة -مهما كانت- تترك انطباعًا معينًا سلبيًّا أو إيجابيًّا، فقد تشكك في مُسلَّمة من المسلَّمات، وقد تعزز ظنًّا من الظنون، وقد تُنبه إلى شيء منسي، وقد تنقذ أمة من كارثة.

 

وكثيرًا ما يحدث أن تأتي الفكرة قبل أوانها، أو في غير محيطها، فلا تحدث اضطرابًا في الواقع العملي، وهي أيضًا لا تضيع؛ لأنها ستشكل الخميرة التي سوف تنبت يومًا ما أفكارًا أو حلولاً، حين تجد المناخ المناسب، كما يقول عبد الكريم بكار، فالفكرة الأصيلة لا تضيع أبدًا، فهي إن لم تورِق اليوم أورقت غدًا. وكما يقول البنا: "إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها، فهم عناصر أربعة: الإيمان، والإخلاص، والحماس، والعمل".

 

وقد أُجريت دراسة في جامعة بنسلفانيا حول انتشار الأفكار، تبيَّن منها ما يلي:

 

- يزداد الطلب على المعلومة عندما يزداد الشك لدى الأفراد حول فكرة من الأفكار، حتى يصل الناس إلى شيء من اليقين.

 

- تزداد درجة قبول المعلومات الجديدة في حالة وجدود غموض وإيهام حول قضية من القضايا.

 

- كلما كانت إمكانية تجريب تطبيقات فكرة أعظم، أو أمكن رؤية الآخرين يستخدمونها، كان أدعى إلى قبولها.

 

ومع ذلك لا أحسب أن أمتنا في حاجة إلى زعيم ملهم، فقد مضى عهد الزعماء الملهَمين، وأحسب أن الحركات الإصلاحية بحاجة إلى ثلاثة أمور:

 

أولها: المؤسسية. وثانيها: التخصص. وثالثها: اللامركزية، بمعنى الاتصال الحر والإدارة الفعالة.

 

وتبقى عملية التجديد عملاً جماعيًّا، فالمجدد قد يكون مدرسة، أو فكرة، أو جماعة دعوية، أو حركة فكرية، ويبقى موت وحياة الأفكار تحكمه سنن الله في الخلـق والبعث والنشور. وسنن الله غلابة، والله لا يحابي أحدًا ولا يجامل، وما لم تأخذ الفكرة وأصحابها بأسباب الحياة وعناصر التجديد، حقت عليهم وعليها أسباب الموت.

 

 

المصدر: إسلام أونلاين. نت.

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك