الإيمان بالاختلاف داخل الأسر

عوض بن مرضاح

 

إن الحياة الأسرية الناجحة تتطلب بذل الجهد ومعرفة الأسس التي تقوم عليها، مؤكداً أنها لا يمكن أن توجد بالصدفة أو بسهولة، لكنه مع ذلك أشار إلى أن الآباء والأجداد في الأزمان القديمة كانوا يجيدون فن إدارة الحياة الأسرية من دون أن يعلموا هذه الأسس، وأرجع هذا النجاح إلى إرادة الطرف الآخر في الحياة الأسرية لأنْ تكون أسرته مثالية، إضافة إلى غياب المؤثرات التي يواجهها جيل اليوم.

 

وعرّف "بن مرضاح" المبادئ الإدارية الأسرية بأنها قيم وقناعات ومهارات يطبقها الإنسان في العقل اللاواعي نتيجة خبرات وتجارب عاشها في بيئته العائلية والعملية...وهنا حوار معه...

 

هل يدل الحديث الشريف "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" على أهمية تطبيق مبادئ الإدارة في الأسرة؟ وكيف يمكن تطبيقها على أرض الواقع؟

 

أولا أحب أن أقول إن الحياة كلها تقوم على أسس الإدارة ابتداءً بإدارة الذات، وانتهاء بإدارة الآخرين. والمتأمل في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- يشاهد الدقة في إدارته لذاته ولدعوته ولصحابته الكرام -رضي الله عنهم- أجمعين؛ فإرساله لمصعب بن عمير إلى المدنية، واختياره لأول سفير للإسلام يوضح لنا أن الأمر لم يكن مبنياً على الصدفة أو العشوائية، وإنما بُني على إدارة متقنة؛ فاختيار الرجل المناسب للمهمة المناسبة للشخصيات المعينة هذا هو من أهم أسس الإدارة الرشيدة، طبعاً هذا مثال، وبالنسبة للحديث الذي ذكرته إذا أردنا كيفية التعامل مع أفراد الأسرة وفق الأنماط الشخصية لكل فرد، وحسن إدارة الصراعات الأسرية، وفن إدارة الحوار والإقناع، واحتواء الخلافات العائلية، فلا شك أن هذا كله يندرج تحت الرعاية الشرعية بهذه الأسرة ومفهومها الواسع والشامل.

 

ماذا عن أهمية تطبيق "الإدارة الأسرية" داخل الأسرة؟

 

إن الأسرة هي أهم وأعظم مؤسسة في العالم، إنها لبنة في جدار المجتمع، ولا يمكن أن تقوم قائمة أية حضارة دون تماسك الأسرة، ولا أن تحقق أية مؤسسة أخرى في الوجود دورها المهم الذي تلعبه، وعلى الرغم من ذلك فإن معظم أفراد الأسرة الواحدة لا يتفقون على رؤية واحدة للمغزى الحقيقي للأسرة وأهدافها المنشودة، فهم لم يجتهدوا بما فيه الكفاية، كي يتوصلوا إلى رؤية مشتركة ونظام مبادئ واحد، وهذا هو جوهر ثقافة وشخصية الأسرة.

 

هل الإدارة الأسرية تقود إلى "أسرة ناجحة"؟

 

يجب أن ندرك في البداية أن الأسرة الناجحة لا يُمكن أن توجد بسهولة ودون عناء وجهد؛ فيجب على الأب والأم بذل الجهد والصبر ووضع الخطط المناسبة والواقعية والبعد عن المثالية غير المنطقية؛ فالأمومة لا تصلح للأب الأرعن، ولا للأم الخرقاء، كما يجب الإيمان باختلاف الأسر والمواهب والطباع.

والأسرة الناجحة تتطلب كل ما نستجمعه من طاقة، وموهبة، ورغبة، ورؤية، وعزيمة.

 

في حال كون رب الأسرة يجهل بعض المبادئ الإدارية التي يجب عليه تنفيذها في الأسرة.. كيف يمكن أن ينميها لديه؟

 

المبادئ الإدارية هي قيم وقناعات ومهارات يطبقها عادة الإنسان بما يُسمّى العقل اللاواعي نتيجة خبرات وثقافات وتجارب عاشها في بيئته العائلية أو المدرسية، ولو تأملنا كيف كان آباؤنا وأجدادنا يحسنون إدارة الأسرة دون تعلمهم أسس هذه الإدارة، ولكن حسن النية وصفاء القلب وحب الطرف الآخر كان له أكبر الأثر في نجاحهم العائلي، واليوم مع الانفتاح العالمي وكثرة المشاغل وزيادة العلاقات الاجتماعية نحتاج إلى تجديد الفهم لمبادئ الإدارة الجيدة وتطبيقها واقعاً ملموساً في حياتنا الأسرية، وهذا يكون من خلال الإقبال على الاهتمام بالأسرة ثقافة وصناعة وصحة وبناء الألفة بين إفرادها، ويمكن تحقيق هذا من خلال الاطلاع والقراءة وحضور البرامج التدريبية ومصادقة أهل الخبرة في هذا المجال، والاستفادة منهم في تطبيق القواعد الإدارية في الحياة الأسرية.

 

من وجهة نظرك، هل ترى أن تطبيق مفهوم الإدارة الأسرية ستجعل واقع المسلمين المعيش اليوم أفضل؟

 

علم الإدارة من العلوم التي أُغفل الاهتمام بها، ولم يُركّز عليها كما يجب ولم يُعط هذا العلم حقه، بينما هو من العلوم التي تساهم في تشكُّل شخصية الإنسان وبلورتها، ولأن بلادنا ومجتمعاتنا لا تفتقر للموارد أو الكفاءات ولكن إلى الإدارات الحكيمة التي توجّه هذه الموارد أو الكفاءات بنجاح، ولأن هذا العلم أساس كل عمل وكل بناء وكل منظومة صغيرة كانت أو كبيرة وبها يتم النجاح والتطوير والاستمرارية.

كما وأن فن الإدارة هو من عناصر نجاح القائد، مثله مثل عنصر الفكر الهادف والبنّاء الذي يحرك الأفراد للهدف، ولقد كان قدوتنا في ذلك ومنهل علمنا مستوحى من حياة أعظم قائد في البشرية محمد -صلى الله عليه وسلم- في إدارة وقيادة شؤون حياتنا الأسرية بما يحقق نهضة وعزة الإسلام والمسلمين.

 

رب الأسرة أو بمصطلح إداري "قائد الأسرة" ما هي مهامه في ضوء علم الإدارة؟

 

 (هنري فايول) مؤلف كتاب (النظرية الكلاسيكية للإدارة)، عرّف الوظائف الأساسية الخمس للإدارة (التخطيط، التنظيم، التوظيف، التوجيه، الرقابة). وطوّر الأصول الأساسية الأربعة عشر للإدارة، والتي تتضمن كل المهام الإدارية.

المشرف أو المدير أو القيادي في الأسرة سيكون عمله عبارة عن مباشرة تنفيذ الوظائف الإدارية.

ولذا يجب مراجعة الأصول الأربعة عشر للإدارة واستخدام هذه الأصول الإدارية (الإشرافية) ليكون رب البيت أكثر فعالية وكفاءة.

هذه الأصول تُعرف بـ"أصول الإدارة" وهي ملائمة للتطبيق على مستويات الإدارة الدنيا والوسطى والعليا على حد سواء في التواصل الأسري.

 

وهنا نعدد الأصول العامة للإدارة عند (هنري فايول):

 

- تقسيم العمل: التخصص يتيح للعاملين والمدراء كسب البراعة والضبط والدقة والتي ستزيد من جودة المخرجات. وبالتالي نحصل على فعالية أكثر في العمل بنفس الجهد المبذول.

- السلطة: إن إعطاء الأوامر والصلاحيات للمنطقة الصحيحة هي جوهر السلطة، والسلطة متأصلة في الأشخاص والمناصب فلا يمكن تصورها كجزء من المسؤولية.

- الفهم: تشمل الطاعة والتطبيق والقاعة والسلوك والعلامات الخارجية ذات الصلة بين صاحب العمل والموظفين. هذا العنصر مهم جداً في أي عمل، من غيره لا يمكن لأي مشروع أن ينجح، وهذا هو دور القادة.

- وحدة مصدر الأوامر: يجب أن يتلقى الموظفون أوامرهم من مشرف واحد فقط. بشكل عام يُعدّ وجود مشرف واحد أفضل من الازدواجية في الأوامر.

- يد واحدة وخطة عمل واحدة: مشرف واحد بمجموعة من الأهداف يجب أن يدير مجموعة من الفعاليات لها نفس الأهداف.

- إخضاع الاهتمامات الفردية للاهتمامات العامة: إن اهتمام فرد أو مجموعة في العمل يجب ألاّ يطغى على اهتمامات المنظمة.

- مكافآت الأعضاء: قيمة المكافآت المدفوعة يجب أن تكون مرضية لكل من الموظفين وصاحب العمل. ومستوى الدفع يعتمد على قيمة الموظفين بالنسبة للمنظمة "الأسرة"، وتُحلل هذه القيمة لعدة عوامل مثل: تكاليف الحياة، وتوفر الموظفين، والظروف العامة للعمل.

- الموازنة بين تقليل وزيادة الاهتمامات الفردية: هنالك إجراءات من شأنها تقليل الاهتمامات الفردية. بينما تقوم إجراءات أخرى بزيادتها. في كل الحالات يجب الموازنة بين هذين الأمرين.

- قنوات الاتصال: السلسلة الرسمية للمدراء من المستوى الأعلى للأدنى "تُسمّى الخطوط الرسمية للأوامر". والمدراء هم حلقات الوصل في هذه السلسلة. فعليهم الاتصال من خلال القنوات الموجودة فيها.

- الأوامر: الهدف من الأوامر هو تفادي الهدر والخسائر.

- العدالة: المراعاة والإنصاف يجب أن يُمارسا من قبل جميع الأشخاص في السلطة.

- الاستقرار والآمان لأفراد الأسرة.

- روح المبادرة: يجب أن يُسمح لأعضاء الأسرة بالتعبير بحرية عن مقترحاتهم وآرائهم وأفكارهم على كافة المستويات. فالمدير القادر على إتاحة هذه الفرصة لموظفيه أفضل بكثير من المدير غير القادر على ذلك.

- إضفاء روح المرح للمجموعة في الوحدات التي بها شدة: على المدراء تعزيز روح الألفة والترابط بين الموظفين ومنع أي أمر يعيق هذا التآلف.

 

المصدر : الإسلام اليوم .

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك