الدور التربوي للأسرة

حوار أجراه موقع بناء الأجيال مع فضيلة الشيخ علي بن حسن الألمعي عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد بكلية الشريعة بأبها .فضيلة الشيخ نرحب بك في موقع بناء الأجيال ويسعدنا أن نجري معك الحوار التالي حول الأسرة  ودورها التربوي .

 

س:1 الأسرة المسلمة هي اللبنة الأساسية في المجتمع المسلم وبناء الأسرة المسلمة بناء صحيحا سيؤدي بإذن الله إلى تكوين مجتمع صالح وجيل قوي محافظ على دينه,  من ذلك نأمل من فضيلتكم تسليط الضوء على أهميه الأسرة الإسلامية؟

 

ج1  تأتي أهمية الأسرة الإسلامية من الوجوه الآتية :

 

1- العناية الفائقة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بالأسرة، فقد جاء الحديث عنها مفصلاً وواسعاً جداً، ولا يوجد أمر صغير أو كبير يكون فيه سعادة الأسرة وطمأنينتها واستقرارها إلا وتجد البيان الكافي والشافي له في القرآن والسنة .

2-  الأسرة هي المكان الأول والأساس لحل المشكلات وتذليل الصعوبات التي تواجه أفرادها.

3- الأسرة هي المنطلق للنهوض بأفرادها الذين هم نواة المجتمع فكرياً وروحياً وسلوكياً .

 

س2 بناء الأسرة المسلمة: إذا أردنا  تكوين أسرة مسلمة مثالية فما هي أول وأهم  الخطوات ؟

 

ج2- الخطوة الأولى لبناء الأسرة المثالية.

هناك خطوة أولى قبل التكوين تتمثل في حسن الاختيار لكل من ركني الأسرة وهما الزوج والزوجة وسيأتي مزيد بيان لذلك. أما بعد التكوين فإن الخطوة الأولى تقوم على التمسك بعروة الإيمان الوثقى الإيمان بالله وباليوم الآخر، ومراقبة الله تعالى المطلع على ما تكنه الضمائر وأداء الحقوق والبعد عن الظلم والتعسف في طلب الحق قال تعالى (( ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه. من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على فهو حسبه )) الطلاق /2-3 .

 

س3 تعتبر الأسرة من أهم المحاضن التربوية إن لم تكن هي الأهم فهل يمكن أن توضح لنا كيف يكون ذالك ؟ ما هو الدور التربوي للأسرة المسلمة ؟

 

ج3 -  للأسرة المسلمة دور تربوي كبير يتمثل في بناء أفرادها بناء متكاملاً روحياً وعقلياً وحلقياً وسلوكياً وجسدياً،ولا شك أنه لا يمكن للأسرة أن تحيط بهذا البناء المتكامل والمتوازن إلا في ظل تعاليم الإسلام الحنيف، وحينما يكرم الله الأسرة بفهم الدين فهماً متكاملاً وتلقي أوامره ونواهيه للتنفيذ والعمل.

 

والشعور بالمسؤولية،فإن البناء سيكون قوياً وثابتاً ومستمراً لا يتزعزع ولا تحرفه عواصف الفتن ورياح التغيير بإذن الله تعالى ، ومن أراد المثال على ما أقول فليتأمل في الواقع فسيجد أسراً تعيش في ظلال الدين الحق تتفيؤ ظلاله الوراقة ، وتسعد بجنانه المثمرة اليانعة حتى ولو كانت في مجتمعات كافرة فكم أسعدني ذلك المنظر الذي رأيته فقد رأيت في إحدى رحلاتي لخارج المملكة أسرة مسلمة في وسط مجتمع كافر يحفظ أفرادها القرآن، ويقومون بتحفيظ الآخرين باذلين الوقت والمال في سبيل الله يجتمع حولهم مجموعة من الفتيان والفتيات لحفظ القرآن الكريم  في مدرسة أقاموها على نفقتهم الخاصة ، وجعلوا لكل من الجنسين قسماً خاصاً بهم فنفع الله بذلك فجزاهم الله خيرا.

 

س4 إختيار الزوجة ركن مهم في بناء الأسرة المسلمة وقد اهتم الشرع بذلك فكيف يتم اختيار الزوجة الصالحة ؟

 

ج4- يتم اختيار الزوجة وفق المعيار النبوي الدقيق الذي لا يمكن أن يخطئ فهو الوحي المعصوم قال تعالى ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )) سورة النجم / 3،4 فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) رواه البخاري في كتاب النكاح رقم 1835

والاختيار الذي يقوم على تحكيم العواطف أو المصالح المادية غير موفق فقد تعصف به أدنى عاصفة ، من الناس من يغره الجمال الذي ينكشف بعد ذلك عن سوء طبع وخلق ومن الناس من يتطلع إلى المال والشراء فيشقى به, ومن الناس من يطلب الحسب وما علم أن من أبطأ به حسبه لم يسرع به نسبه, فلينتبه الذي يريد بناء أسرة إلى الأمر الأساس فإذا حصل شيء من الأمور الأخر فهو تبع ومتمم وليس هدفاً يسعى إليه ، وهو مع الدين والخلق نور على نور ولا يفوتني أن أشير إلى اختيار الزوج أيضاً وفق المعيار النبوي الشريف فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقة فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنه في الأرض وفساداً كبيراً ) .

فليكن هم المرأة الدين والخلق ، ولا تنخدع بالمظاهر الزائفة وتعتبرها الأساس في اختيار الزوج ، من الجمال والجاه والنسب والمال .

 

س5 من خلال الواقع الذي تعيشه الأسرة المسلمة هناك بون شاسع بين الواقع والمأمول فما هي الأسباب التي جعلت الأسرة المسلمة  لا تقوم بدورها التربوي المطلوب؟

 

ج5 – في واقع الأسر توجد في المجتمعات المسلمة حالتان يتمنى كل عاقل ألا توجد ولكن للأسف هي موجودة وكثيرة :

إحداهما _حالة الضعف الخطير التي منيت بها بعض الأسر المسلمة حتى حصل من العلل والأمراض التي أثرت عليها تأثيراً واضحاً بحيث تجد اختلافاً بينها وتفاوتاً في أحوال أفرادها بين مقل ومستكثر من المعاصي والأخلاق الرديئة وفيها من هو على خير، وعلاج هذه الحالة بتقوية الوازع الديني والتحرر من وسائل المعاصي والفسوق التي هي من أقوى الأسباب في ضعفها وعدم قدرتها على القيام بدورها التربوي .

والثانية _ حالة لا تشعر بها الأسرة بأي مسئولية سوى العيش في خدمة الجسد غذاء وكساء ومسكناً ومركباً وسائر المتع والملذات التي أصبحت هما لها ولا هم لها سواها وكأنه لا يعنيها قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( كلكم راعٍ  و مسئول عن رعيته 000) الحديث

وهذه الحالة في تقديري تحتاج إلى إعادة نظر من جميع الجوانب والأسباب ويمكن إجمالها في ثلاثة

 

1- فقدان الوازع الديني وربما كانت القطيعة التامة  فلا صلة بالله ولا قيم ولا إيمان.

 

2- فقدان  الالتزام الأدبي مع المجتمع الذي تعيش فيه فلا مروءة ولا تواصل ، ولا حسن تعامل .

 

3- الجهل بمآلات الأمور وعواقب البعد عن الله وخطر المعاصي والذنوب وهي مصائب جسيمة تعد ظلمات بعضها فوق بعض فهذه الحالة وإن كنت إنشاء الله قليلة وإلا أن عدواها خطيرة تحتاج إلى علاج جذري وبرامج توعيه كبيرة تتظافر فيها الجهود لإنقاذ هذه الأسرة التي غرقت في أوحال المعاصي والله المستعان .

 

س6  المدرسة والأسرة والحلقة محاضن تربوية للأسرة المسلمة فهل في رأيك أن هناك تكامل فيما بينهما وهل الواقع الحالي يحكي ذلك ؟

 

ج6- نعم بين هذه المحاضن تكامل فالمدرسة، والأسرة، والدروس العلمية، والحلقات تنطلق جميعا من منطلق واحد ومنهج يستمد معالمه الواضحة من دين الإسلام الشامل لجميع جوانب الحياة وهذه المحاضن في مجتمع

يهيمن عليه هذا الدين ويحتضن هذه المحاضن المتكاملة في الأداء والعطاء فما عجز عنه واحد منها قام به الآخر، وهكذا في عملية تربوية متكاملة .

 

أما من حيث الواقع فالإنصاف يقتضي منا القول بأنه يوجد هذا التكامل بقدر لا بأس به وهذا لا يعني حصول المقصود على الوجه المطلوب تماماً ، لأن الأمة تواجه تحديات كبيرة يقابلها تقصير كبير واستسلام لمعطيات الحضارة المعاصرة في جوانبها السلبية .

 

س7 ذكرت لنا بعض المعوقات التي تمنع الأسرة المسلمة القيام بدورها التربوي المطلوب فهل الدعاة والمربين أقاموا  حلول عملية لهذه المشكلة ؟

 

ج7- لا يشك عاقل منصف أن في الواقع جهوداً كبيرة وحلولا عملية قامت بها مدارس دعوية ومناهج تربوية أدت دوراً طيباً في هذا المجال، وقد أكرم الله الأمة فغيض للحق رجالاً  نذروا أنفسهم، وبذلوا ما استطاعوا من جهد في حل مشكلات الأسرة في زمن تداعت فيه أمم الكفر وملك الباطل وتواطأت فيه الجهود الفكرية والعسكرية لطمس هوية المسلمين ومع ذلك لم يفلحوا وصدق الله إذ يقول (( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون )) سورة الصف /8/ .

 

س8 فضيلة الشيخ ما هي أهم جوانب رسالة الأسرة التربوية تجاه أبنائها؟

 

ج8- على الأسرة أن تقوم نحو أفرادها بما يلي –

1- تربية النشء على العقيدة الصحيحة ، والبعد بهم عن الأفكار الضالة ، وتوجيههم إلى المنهج الوسط الذي لا غلو فيه ولا تقصير.

2- تعليمهم مكارم الأخلاق من خلال هدي القرآن والسنة،ونبينا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)).

3- تقوية شخصية الأفراد بتعويدهم على أعمال البر والمروءة وبث روح التعاون والحب في نفوسهم نحو إخوانهم في المجتمع ليكونوا من رواد التكافل الاجتماعي في كل ما  يعود على الأمة بالقوة والكرامة والأمن والسلامة.

 

س9 الأسرة هي التي تشكل قيم أفرادها كيف يكون ذالك ؟

 

ج9- بالتفاهم وتبادل الاحترام والتقدير،وأن تقوم العلاقة بين أفراد الأسرة على مبدأ الإسلام الذي يتمثل في توقير الكبير،

والرحمة بالصغير،ويعطى كل ذي حق حقه فلا يظلم أحد منهم وإذا وقعت مشكله فعلى الأسرة أن تحاول احتواءها وحلها داخلياً بدون خروج عن نطاق الأسرة قدر المستطاع.

 

س10 هل حجم الأسرة وانسجام أفرادها بعضهم لبعض له دور في تحقيق الدور التربوي المناط بها ؟

 

ج10 والانسجام بين أفراد الأسرة من أقوى العوامل في نجاحها وأداء دورها المنوط بها أما حجم الأسرة فهذا ليس على إطلاقه فربما تكون الأسرة صغيرة ويكون دورها كبيراً جداً وتؤدي ما عجزت عنه الأسرة الكبيرة ، ولاشك أن الأسرة الكبيرة إذا كانت قوية ومتماسكة وقليلة المشكلات تؤدي دوراً أعظم وأكبر .

 

س11 الاستقرار الأسري له دور كبير في قيام الأسرة برسالتها التربوية فهل من تعلمهم على ذالك ؟

 

ج11 إذا كان المراد من الاستقرار جمع الأسرة على كلمة سواء ،وتوحيد الهدف والانسجام  العائلي في الأمور

التي تعد أساسية في حياتها فإن هذا يعد الروح الذي لا حياة للأسرة بدونه ولن تؤدي رسالتها إذا لم تكن كذلك، على هذا فقد تتفرق الأسرة من حيث السكن والعمل ولا يؤثر ذلك لأن العبرة باجتماع القلوب ووحدة الكلمة وقد تختلف وجهات النظر في بعض المواقف ولكن هذا لا يؤثر إذا لم يتحول الخلاف إلى بغي وخصومة ، أو يكون فيما يسوغ الخلاف فيه.

 

س12 في هذا الحوار مع فضيلتكم نأمل أن تضعوا خطوط عريضة وبرنامج عملي للأسرة لتستطيع من خلاله القيام بدورها التربوي.

 

ج12 لا يمكن في نظري تحقيق البرنامج العملي إلا إذا اتفقت الأسرة على ما يلي:

الأول – مصدر التلقي الذي تجتمع عليه وتتحاكم دائماً إليه وهو الكتاب والسنة وما أجمعت عليه الأمة فلا يسع أحدا الخروج عليه ولا الجهل به. الثاني_ وحدة القيادة في الأسرة فلابد من راع يرعى شؤون الأسرة ويكون عمدة لها ومسئولا عنها ترجع إليه دائماً وتأنس بتوجيهاته وآرائه وخبرته في الحياة .

الثالث_ الشورى بين أفراد الأسرة فعلى الراعي للأسرة أن يبث هذا المبدأ العظيم في نفوسهم وعليه  أن يوطن نفسه على ذلك حتى يؤدي كل فرد دوره بقناعة وارتياح,  أما البرنامج العملي فلا أستطيع رسم خطة شاملة لكل  أسرة ظروفها الخاصة بها من حيث المستوى التعليمي والاهتمامات المختلفة لكنني أقول على كل أسرة تريد حل مشكلاتها وتحقيق السعادة في حياتها أن يكون للقرآن، الكريم نصيب كبير من الاهتمام والعناية ويكون لهم جلسه أو جلستين في الأسبوع للحفظ والمدارس ومن خلالها تتنزل على البيت السكينة وتسعد الأسرة بكتاب الله عز وجل وتغشاها رحمة الله والجلسة الثانية مع وصية من وصايا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ويتم أيضاً من خلالها التعرف على

سيرته العطرة وهديه العظيم والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .

المصدر:

موقع بناء الأجيال

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك