حاجة أبناء الصحوة الإسلامية إلى الفقه السياسي

بقلم : الاستاذ رؤوف حمود

تخصص دراسات يهودية معاصرة

 

تتميز الشريعة الاسلامية بغنى المساهمات الفقهية على مر العصور ، بدا من الصحابة وحتى يومنا هذا ، في فقه العبادات والمعاملات ، ولن نستطيع حصر تلك المؤلفات والانتاجات وستجد جوابا لكل سؤال في ذهنك في ما يتعلق بالفرائض ، الحلال والحرام ، السنن ، المكروهات ... ، والائمة والعلماء بحثوا في تلك المواضيع بما فيه الكفاية وقد تجد عشرات الاراء في الموضوع الواحد ومئات المؤلفات في كل باب ، ولكن للاسف الشديد هناك اتجاه فقهي اعتقد ان المسلمين على مر العصور الاسلامية قد اهملوه ولم يعطوه حقه واليوم نحن نواجه مشكلة اساسية في هذا الباب ، ليس لان الانتاجات قليلة انما لانها قد تكون معدومة .

 

لا ابالغ في ادعائي الاخير ، قد تجد في العصور الاولى مؤلفا جديا في الامامة والخلافة وانتاجا اخر في الشورى وفي العصر الحديث ليس الامر اوفر حظا ، قليلون هم الذين بحثوا وانتجوا في هذا الاتجاه ، والسؤال الذي يطرح نفسة ما هي الاسباب لذلك ؟ وما حاجتنا اليوم لمثل هذا الفقه ؟ وما هي صبغة وشكل هذا الفقه الذي نريده اليوم ؟

 

في فترة النبوة يبدو ان الحاجة الى وضع قواعد في هذا المجال كانت غير ملحة ، لصغر المجتمع الاسلامي ووجود الرسول عليه السلام ، وفي الفترة الراشدية بدات تظهر هناك بوادر طيبة لتاسيس القواعد السياسية ، مثل اختيار الخليفة وعلاقته بالشعب وتطبيق مبدا الشورى ، فنرى مثلا ابداع وسائل سياسية مميزة وجديدة ، فمثلا يتفق المسلمون في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام على طريقة اختيار الخليفة الاول ، انحصرت في مجموعة معينة من المهاجرين والانصار ، ولكن سرعان ما تطورت هذة الوسيلة ، ففي اختيار الخليفة الثالث قام الصحابي عبد الرحمن بن عوف بسؤال اهل المدينة المنورة عن اختيار الخليفة ، وفي لغة اليوم استفتاء عام ، او وجود مجلس الشورى الذي عينه الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ورغم ذلك يبدو ان هذة الوسائل لم تكن لتسد حاجات الدولة الاسلامية العملاقة فنجد ان الازمة السياسية سرعان ما ظهرت زمن الخليفة الثالث عثمان بن عفان – رضي الله عنه – وتمثلت فيما بعد بالفتنة الاولى وفي الحرب الاهلية زمن الخليفة علي بن ابي طالب كرم الله وجهه والتي كان من الواضح ان انعدام الاليات والوسائل السياسية المتفق عليها لانتخاب خليفة مثلا كانت احد المشاكل الاساسية للدولة الناشئة ، ولكن مع كل هذة التطورات الا ان هذا الامر لم يمنع الناس من ابداء ارائهم في مؤسسة الخلافة مثلا او الانضمام الى احد الجهات المتنافسة على الخلافة .

 

ولكن التطورات المستقبلية كانت اشد تاثيرا ، وذلك عن طريق القضاء على مبدا الشورى عن طريق الخلافة الاموية والعباسية والذي اغلق جميع الابواب امام تطور الاليات والوسائل السياسية الشورية والديمواقراطية ، واعتقد ان هذا احد الاسباب المركزية لامتناع العلماء من الانتاج في الفقه السياسي على مر العصور ، فقيادة الدولة والسياسيين في تلك العصور بطبيعة الحال غير معنيين بهذا لانه يشكل خطرا عليهم ، ويبدو ان المسلمين قد استسلموا لهذا الواقع تماما مثل العلماء والفقهاء الذين اتجهوا الى اهتمامات اخرى في الفقه والشريعة .

 

يقف ابناء الدعوة الاسلامية اليوم عاجزين امام الايديولوجيات والافكار الغربية ، والتي بعكسنا تطورت على مر العصور ، الدول والشعوب وحتى الاسلامية والعربية اختارت الافكار والاساليب الديموقراطية مثلا لانها تستطيع الاجابة على متطلباتها العصرية ، اما الاسلاميين فيواجهون هذة الافكار مع فقه سياسي فقير وعاجز ، وهل نظن اننا بحاجة الى انتظار قيام دولة الخلافة حتى نبدا بالتفكير في هذا المجال !؟ كيف تستطيع الحركة الاسلامية في مصر مثلا طرح نفسها بديلا في الحكم !؟ هل تستطيع فعلا التعامل مع التطورات الحديثة للدولة والتركيبة السياسية !؟ هل نظن اننا نستطيع ان نؤثر على المستوى السياسي في القرن العشرين بوسائل الخلفاء الراشدين !؟ هل نظن ان السياسة الدولية والعلاقات الخارجية والمعاهدات والمنظمات الدولية وموازين القوى واساليب الحكم والفلسفات السياسية ليس لها اي قيمة ونستطيع العيش بدونها كاجسام وحركات تطرح نفسها بديلا للموجود !؟ وهل نحن راضين بان ديننا وعقيدتنا تؤمن بمبادىء الشورى والحريات الانسانية والسياسية دون ان نطور هذه المبادىء والقواعد !! .

 

من اجل تطوير وبلورة هذا الفقه نحن بحاجة اولا لفتح باب الاجتهاد من جديد في هذا المجال واعطاء الفرصة للعلماء والمفكرين بالخوض في هذا الاتجاه وعدم الهروب منه ، وهذا مع الاستفادة من التراث الفقهي القليل في هذا المجال ، لذلك لا بد الاستعانة بهذا القليل والتوجه الى المصادر الاصيلة ، وثانيا لا بد من دراسة العلوم الاكاديمية التي ترتبط في هذة المجال ، التاريخ ، العلوم السياسية ، العلاقات الدولية ، الفلسفة والقانون الدولي وغيرها ، لانها مفاتيح مهمة لفهم الواقع والتطورات التاريخية في هذة المجالات الضرورية جدا لتطوير فقه سياسي جديد ، وثالثا نحن بحاجة الى قراءة ودراسة الاتجاهات الفكرية المعاصرة بكل انواعها واطيافها دون الخوف من ذلك ، وذلك لكي نستطيع الاستفادة منها ومناقشة نقاط ضعفها ، ورابعا يجب ان نعرف انه منذ بداية الاسلام الى اليوم الكثير من التغيرات حصلت في مجتمعاتنا ، بالاضافة الى التاثير الخارجي ، وتعدد الافكار والملل و%C 7لفلسفات ، يجب ان نكون شجعاء كفاية حتى نستطيع اولا بالتعامل مع كل هذة المتغيرات ، وثانيا ان بناء الاتجاهات والقواعد السياسية يجب ان ياخذ في عين الاعتبار كل هذة الامور وان نستفيد من التجارب الانسانية لكل المجتمعات المعاصرة بما فيها الغربية وان نستورد القواعد والوسائل على المستوى النظري والعملي ما دامت لا تتعارض مع معتقداتنا ومبادئنا ، وخامسا يجب ان تساهم المجامع العلمية والدينية ومراكز الابحاث في الجانب الاوفر بهذا المجال ، وسادسا ابناء الصحوة من الاكاديميين يجب ان يتوقفوا من التكدس في كليات الطب والهندسة ، والتوجه الى العلوم الانسانية والاجتماعية والتخصص فيها والاستفادة منها للمساهمة في بناء فقهنا السياسي .

 

اعرف اننا قد ندعي اننا في حالة البناء والتاسيس ، ولذلك نحن نهتم في الجانب التربوي والايماني ، فهذة المرحلة الاولى ومن بعدها مراحل اخرى ، اعتقد ان هذا التفكير بحاجة الى دراسة ومناقشة ، البناء الايماني والسياسي لا يتعارضان ويستطيعان المشي سويا ، وهم مكملان لبعضهما البعض ، لا نستطيع فصل انفسنا عن الواقع الذي نعيشه والتقوقع في المساجد ومجالس الذكر ، اذا طرحنا انفسنا من خلال تنظيمات وحركات اسلامية اذا لا بد من التعامل مع الواقع وهذا يحتاج منا الى وسائل واليات تلائم مستوى التحديات المعاصرة .

 

المصدر: http://www.google.com/imgres?imgurl=http://eqraa.com/html/images/article...

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك