فن الحوار مع الأبناء

هناك أزمة كبيرة في البيوت الآن تسمى أزمة  "  فقدان لغة  الحوار

  يكاد لا يكون هناك أي حوار بين أفراد الأسرة  . وعندما نسمع حوارا بين الوالدين وبين الأبناء يكون عبارة عن أمر ونهي  ونقد من قبل الوالدين  ، وغضب وصوت مرتفع  باستمرار من قبل الأبناء  ، فلا أحد يستمع للآخر  ، وكل طرف يعتقد أنه على صواب ، وأما الطرف الآخر فهو على خطأ  .

 *   وإذا سألت الوالدين أين الخطأ ؟ يكون الرد  : أكيد الخطأ في الأبناء  ، لأنهم لا يسمعون ما نقول  ، ولا ينفذون ما نطلبه  منهم  ، وعندما نوجه نفس السؤال إلى  الأبناء  ، يكون الرد  : الخطأ في الوالدين ،  فنحن لا نجد من يستمع لنا ، ولا أحد يفهمنا  ، ولا أحد يدرك مشاعرنا   أو يقدر تفكيرنا واحتياجاتنا  . 

** فهيا بنا أيها الآباء والأمهات نعود للغة الحوار والإقناع داخل الأسرة ، ففي القرآن أكثر من ألف موقف حواري ،  فلماذا لا ينشأ حوار مع الأبناء ؟

ولنا في رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خير مثال .

* فقد ضرب لنا النبي الكريم   ـ صلى الله عليه وسلم ـ خير مثال في الحوار والإقناع في الحديث مع المراهق  ، فكلنا يعرف قصة الشاب الذي جاء إليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كي يستأذن في الزنا  ! فماذا فعل النبي ـ المعلم الرحيم ـ ـ صلى الله عليه وسلم  ـ  مع هذا الشاب ؟ وكيف أقنعه بوجهة نظره ؟ وكيف جاء إليه  الشاب  والزنا أحب شيء إلى قلبه ، ثم خرج من  عنده وقد  أصبح الزنا  أبغض شيء إلى قلبه .

* لن نقف هنا على نص الحوار ـ وذلك لأن الكل يعلمه ـ ولكن سوف نقف عند تحليل هذا الحوار .......

 فلتسمحوا لي   أن أطرح سؤالا على كل من الوالدين :  إذا جاء إليك  ابنك  في أحد الأيام وقال لك :  أبي ـ أمي ـ :   أريد أن أزني !  فهل تسمحان لي بالزنا  ؟ ............!!!!!!!

 

أولا  :   هل هناك مساحة حقيقية من المصارحة  بين الوالدين والأبناء تسمح لأحد الأبناء بأن                يطرح هذا السؤال   على الوالدين  ؟

ثانيا  :  هل يستأذن الأبناء فعلا من الوالدين عند القيام بعمل ما ـ  من الممكن أن يقوموا به في               السر  ، ودون أن يعلم أحد   ـ  قبل القيام به  ؟

ثالثا  :  هل هناك حلقة حوار ونقاش ـ حقا ـ بين الأبناء والوالدين  ؟

رابعا  :  هل يستخدم الوالدين أسلوب الحوار والإقناع في الحديث مع الأبناء  ؟

خامسا    :   ماذا سيكون الرد الفعلي من جانب الوالدين  ؟

هل سيكون الرد  :   بالضرب والرفس واللكمات ؟

               أم بسيل من السب واللعن والشتائم   والتوبيخ  ؟

              أم يكون الرد بأن نُشهد الآخرين على هذا الفاسق الفاسد العاصي الذي يريد أن يجلب                العار للأسرة كلها   ؟

              أم سيكون الرد مثل رد الحبيب المصطفى ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ بالحوار                    والإقناع  .

 

 

فلنقف برهة سويا عند هذا الحوار ...........

1 ـ  جاء هذا الشاب إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كي يُفضي له عما بداخله  ....  فلماذا  ؟

     لأنه أدرك أن هناك حلقة اتصال بين النبي ـ الأب الحنون ـ وبين أفرد الأمة

     ولأنه أدرك أن هناك مساحة للحوار والنقاش  بينه وبين ومن هو مسئول عنه  ( النبي ـ صلى      الله عليه وسلم )

    ولأنه أدرك أن النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمتاز بحسن الاستماع والإنصات .

     ولأنه أدرك أن النبي العظيم ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفهم ويدرك معاناة الشباب .

     ولأنه أدرك أن النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يعنف ولا يوبخ ولا يزجر ولا ينهر .

     ولأنه أدرك أن النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ يختار أطايب الكلام .

     ولأنه أدرك أن النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ يريد له الخير وللأمة جمعاء  .

 

2 ـ  لم يجد هذا الشاب حرجا في نفسه أن يستأذن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ  في هذه الفاحشة          .............. لماذا  ؟

     لأنه تربى في بيت من بيوت المدينة  ، بيت يتقي الله تعالى في كل شي ء .

     ولأنه صريح مع نفسه ، ومع غيره .

     ولأنه لا يحب الخداع والتدليس والكذب .

     ولأنه لا يحب فعل المعصية في السر والخفاء .

     ولأنه تربى على مخافة الله تعالى .

     ولأنه تعلم أدب الاستئذان  من الأكبر منه ـ  سواء في السن أو في المكانة  ـ قبل القيام بشيء .

     ولأنه تعلم أدب الحوار والنقاش  ( وخاصة من القدوة )  .

 

3 ـ   عندما قال  النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ  " ادنه " ( اقترب مني  )  وأجلسه إلى جواره .

      هنا شعر الفتى بحب النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ  وحرصه عليه .

      عندما أجلسه النبي  ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى جواره شعر بالمساواة ، وشعر أنها مجالسة        حب    وود ، وليست مجالسة اتهام ، أو مجالسة توجيهات .

 

         وهنا يقول بعض المحللين عن أنواع  المجالسة عند الحوار    .........

 

  أ ـ  المجالسة المعتدلة   :   بأن يكون المتحاورين في نفس مستوى الجلسة  ،  وهذا هو                   وضع الصديق مع صديقه  ، حيث يشعر كل منهما باهتمام الآخر وحبه وتقديره .

ب ـ   المجالسة التحتية   :  أن يكون الشاب جالس والمحاور له واقف  ، فهنا يشعر أنه في وضع        المتهم ، والذي يحاوره كأنه  " محقق "  ، وكأنه ينتظر منه أن يوجه له أي نوع من أنواع         الضرب ؛ لأنه في وضع أعلى منه .

ج ـ  المجالسة الفوقية   :  بأن يكون الشاب واقف والمحاور له جالس  ، فهنا يشعر الشاب بأنه في       وضع التلميذ الضعيف  المخطئ  ، والمحاور له في وضع المعلم الذي يملي عليه الأوامر          والتعليمات  ، كما أنه يرسل له رسالة بأنه أعلى منه ويفهم أكثر منه .  

      فنجد هنا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اختار النوع الأول ؛ وهو أفضل الأنواع .

4 ـ  لم يبدأ النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالزجر ،  والنهي ، وإلقاء اللوم عليه  ، فلم يقل         له النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنك مخطئ  وتفكيرك خاطئ وهذه معصية كبيرة           تؤدي بك إلى نار جهنم ، فعندما لم ينهره النبي ـ  صلى الله عليه وسلم ـ في أول الحوار ،          شعر الفتى أن النبي معه وليس ضده

      وهنا يقول أحد المربين  :  إذا جاء إليك ولدك يشتكي من أمر ما فلا تبدأ بالهجوم عليه من          أول الحوار ، حتى وإن كان هو المخطئ ، فلا تقل له إنك مخطئ من البداية ؛ لأن ذلك             سوف يمنعه من أن يكمل حديثه معك ، أو أنه سوف يخفي بعض الكلمات ؛ لأنه يشعر أنك         ضده  ولست معه في صفه ، لأنك هاجمته من قبل أن تستمع إلى كل الكلام ، ويكون هذا           قاطع   للاتصال بينك وبينه .

5 ـ  بدأ  النبي المعلم ـ  صلوات ربي وسلامه عليه ـ حواره مع الفتى  باستثارة   العواطف  ؛           عندما سأله   :  "  أتحبه  لأمك  ؟  " .

      فلماذا بدأ بالحديث عن  الأم   ؟

     أ لِأنها أقرب الناس إلى قلب الفتى  ؟

     أم لأنها أطهر وأعف الناس عنده   ؟

     أم لأنها آخر شخص قد  يقبل عليه أي معصية أو خطأ ؟

     كل هذا ، بل وأكثر منه  !

6 ـ استمع النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ للرد من الفتى ، فكان الرد الطبيعي منه " لا " .

     فهنا لم يكن الحوار من طرف واحد ، بل جعل النبي  ـ صلى الله عليه وسلم  ـ الفتى يشاركه        الحديث والرأي  . فمن الأفضل أن يصل الفتى  إلى النتيجة بنفسه  ، لا أن تفرض عليه.

 

7 ـ  بدأ النبي الكريم بالحديث مع الفتى عن نفسه ومحارمه ، ثم تحدث عن باقي الناس ، عندما         قال  :  "  أتحبه لأمك  ؟ "   ثم قال  :   "  وكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم  "

     وهنا أ وصل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسالتين  للفتى  : 

 أ ـ أن تفكيره مثل تفكير الآخرين ، وأنه ليس بشاذ عن باقي الناس ؛ بما أنه يرفضه ، كذلك            الناس ترفضه  .

ب ـ  أن على المسلم أن يحب لغيره ما يحب لنفسه ، وأن يكره لغيره ما يكره لنفسه .

8 ـ أطال النبي الحبيب ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ الحديث مع الفتى ولم يشعر بالملل أو             الضيق  ، ولم ينه الحديث سريعا ، فكان عنده من الصبر وسعة الصدر ما سمح للفتى أن           يحدثه بكل ما في قلبه  .

9 ـ  لم يفرغ  النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الحديث حتى شعر أن الفتى قد اقتنع .

10 ـ وضع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ  يده على صدر الفتى ، وهنا تأتي لغة الجسد ، ولغة          اللمس ، فشعر الفتى بحب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ له ، وشعر بالحنان ودفئ العلاقة           بينهما .

            وهنا يقول بعض المربين عن أهمية لغة اللمس ............... .

 

اللمسة هي لغة الجسم   .

* كل لمسة لها معنى وأثر معين .

* هذه اللمسات مؤثرة ، وتكسر الحواجز الجليدية  بين  الوالدين والأبناء  .

* اللمسة هي تعبير عن علاقة المحبة بين الوالدين والأبناء

 * هناك 198 لمسة من أعلى الرأس إلى أسفل القدمين .   

* مثلا  :  لمسة ظهر الكف على الخد هي لمسة حب .

             لمسة الأصابع والكف على الرأس والشعر لمسة استرخاء وراحة .

             لمسة الإصبع على الحاجب لمسة تمسح الألم والحزن  .

            مسح  اليد على الظهر لمسة  تُشعر بالأمان .

            وضع اليد على الكتف لمسة  تُشعر بالاهتمام .

            وضع الكف في الكف لمسة  تُشعر بالألفة والقرب ...........

 

11 ـ  دعا النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ للفتى  وقال  : " اللهم اغفر ذنبه ، وطهر             قلبه ، وحصن فرجه  . "

استخدم النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ لغة الدعاء ؛ مما جعل الفتى يشعر بمدى حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ له ، وحرصه عليه .

 

    وهنا جعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الفتى نفسه هو الذي ينفر من هذا الأمر الفاحش الذي جاء من أجل أن يستأذن فيه   !   حتى أنه خرج من عند النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ والزنا هو أبغض الأشياء إلى قلبه .

 

أين نحن من سنة الحبيب المصطفى ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ وسيرته    ؟

 هل منا من يطبق هذا مع أبنائه  ؟

 هل منا من يحاور ويناقش  ،  بل ويقنع أبناءه  ؟

 هل منا من يملك ملكة الصبر وطول البال  ، عند الحديث  مع الأبناء إلى هذه الدرجة ؟

 هل منا من يتمالك نفسه ويملك أعصابه  ، عندما يستأذنه ابنه في ارتكاب الفاحشة ؟

 هل منا من عنده مساحة من  المصارحة والمكاشفة بينه وبين أبنائه ؟

 هل منا من يهتم بلغة الجسم  واللمس  ؟

 هل منا من يجلس مع أبنائه مجالسة صداقة وحب وود  ؟

 

هكذا كان النبي الكريم ـصلى الله عليه وسلم ـ مع جميع أفراد أمته  ،  فالإقتداء به  ، وإتباع سنته أصل  من أصول ديننا الحنيف ،  قال الله ـ عز وجل ـ  :   (   لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً   )   " الأحزاب:21"

المصدر: http://www.google.com/imgres?imgurl=http://www.dakahliaikhwan.com/images...

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك