حرية التعبير من منظور إسلامي وعلماني

أ.د إبراهيم أبو جابر

 

أكد الإسلام بوضوح على حرية التعبير في القرآن الكريم والسنة المطهرة، حيث أكد على أمرين لا ينفصلان هما:

 

أولاً: إقرار القرآن بتعددية الآراء وتنوعها حيث يقول تعالى: ( وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) (هود 118)، أي أن الاختلاف بين البشر ليس أمراً طبيعياً فحسب بل إيجابي.

 

ويوضح القرآن الكريم أن اختلاف الآراء سيؤدي الى النزاع والصراع، إذ يقول تعالى: ( ... فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ... ) (النساء 59)، فالشيء المؤكد وجود آراء متعددة في المجتمع الإسلامي تعكس تنوعه وتياراته الفكرية.

 

ثانياً: أن يتمتع المجتمع، رجالاً ونساءً بالحرية في التعبير عن آرائهم ومواقفهم، حيث يقول تعالى: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ... ) (التوبة 71)  والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع لا يقتصر على الأمور الدينية والعبادات والعقائد فحسب بل كل النشاط الإنساني في التفكير والنقد والمعارضة والتقييم في شؤون السياسة والثقافة والاقتصاد.

 

الإسلام يضمن عادة حريات التعبير عدا التي تخالف المبادئ والعقيدة الإسلامية كالكفر والشرك والردة وسب الله ورسوله. حيث توجد في الإسلام مجموعة من الضوابط والحدود على حريات الأفراد والجماعات من أجل حماية الدين والمجتمع الإسلامي. وهذه القيود ليست نهائية أو مطلقة بل قابلة للنقاش والنقد.

 

إن القيود المفروضة على حرية التعبير في الإسلام تصنف إلى صنفين:

 

أولاً: القيود الاخلاقية:

 

1) الغيبة، الحديث عن شخص آخر والمس بسمعته وتجريحه.

2) السخرية من الآخرين وإسقاط هيبتهم والكذب عليهم.

3) كشف عيوب الآخرين أمام الناس.

4) البدعة وإضافة أمر إلى الدين ليس منه.

 

ثانياً: القيود القانونية

 

1) ايذاء الآخرين وقذفهم بأمور يعاقب عليها الدين كشرب الخمر والرذيلة وغيرهما.

2) تكفير المسلم.

3) الافتراء على المسلم.

4) سب الله ورسوله. (د. صلاح عبد الرزاق)

 

هذا وهناك أمور كثيرة حددها الإسلام عدا ما ذكر لا يجوز للمسلم أن يخوض فيها سواءً بالكلمة أو بالقلم أو بالصورة، لأنها خطوط حمراء يعاقب عليها الدين، إما بالسجن أو بالقتل أو بالغرامة.

 

أما من منظور غربي فحرية التعبير تأخذ مكانة محورية في باب الحريات الشخصية، فهي وفق التصور الغربي في قمة منتجات " القيم الغربية" منذ عصور التنوير في أوروبا، وهي بالتالي في مقدمة ما يقدمه الغرب للبشرية.

 

لكن هل يعني ذلك كون حرية التعبير مطلقة في الغرب؟ وما هي حدود الحرية الشخصية ؟

 

لا حاجة هنا للخوض في الفكر الفلسفي القديم لدى الغرب من عهد ديموقراطية الاغريق الطبقية التي عارضها كبار فلاسفتهم كسقراط وأفلاطون وأرسطو، وحتى عصر التمرد على الاستبداد فترة روسو وفولتير، إنما يمكن الوقوف عند الإنحراف المعاصر لمسار  الحرية الشخصية مع غلبة العوامل المادية على عوامل القيم الأخلاقية الكامنة وراء دعوات الحرية.

 

فقد كان للحرية الشخصية حدودها على الدوام، وما يزال، ولكن بدلاً من تثبيت القيم الانسانية مصدراً لحدود الحرية الشخصية، ليتحقق التوازن في المجتمع وفي الحياة البشرية، أصبحت المصالح المادية هي التي تقرر تلك الحدود، وهو واقع قائم رغم سائر ما ينشر من مزاعم عن كونها حرية مطلقة، ولم يسبق تاريخياً أن وجدت حرية شخصية مطلقة، ولا توجد في الوقت الحاضر في أي بلد غربي على الاطلاق، وهذا مما يتبين من التأمل في تداعيات حدث رسوم الكاريكاتير المسيئة لمقام النبي.

 

ان مبدأ حرية التعبير بالصورة المشار اليها أعلاه ظهر في جو غير طبيعي في أوروبا وهو سلخ الدين عن الحياة العامة أو ما عرف ويعرف اليوم ميلاد النظام العلماني (اللا ديني) بعد استشراء حكم رجال الدين (الكنيسة) وظلمهم للشعوب الأوروبية.

 

هذه الحرية تحتاج لضوابط قانونية واخلاقية لا فلتان وفوضى كما يُشاهد الجميع اليوم، ومن مميزات هذا الفلتان ما يلي:

 

1) التعدي على حرية الآخرين إما بالقتل أو الإعتداء أو الاحتلال.

2) التطاول على مسلمات ورموز لدى شعوب الأرض.

3) الكسب المادي هو الهم الأعلى والرئيس.

4) الخوض في قضايا تدعو للرذيلة والفساد داخل المجتمعات.

5) الترويج لأفكار وحركات ومذاهب هدامة للأجيال والشعوب.

6) النزول لمستوى البهيمية في الكتابة أحياناًَ واستخدام مصطلحات تمس كرامة الإنسان.

 

إن فوضى حرية التعبير هذه لا شك أنها مضرة في مجملها، لتجاهلها لمسلمات دينية وإجتماعية وأخلاقية، لدى أمم الأرض، وأن استشراءها سيؤدي كما يرى البعض لصدام بين الأمم، وعليه فلا بد من وضع حدود وقيود وضوابط قانونية لهذا الفلتان يعاقب كل من لا يلتزم  بها، حفاظاً على المصلحة العليا للدولة أو الكيان أو الأمة.

المصدر: http://www.google.com/imgres?imgurl=http://eqraa.com/html/images/article...

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك