حوار مع منتحرة سابقة

توالت فجائع الانتحار، وكثر التحليل، لتطلق الأحكام وتنسى القضية الأساس.
أصبحت  الروح مستباحة وأسبابها مغيبة, محرمة, مقتصرة على فئة معينة ليتناقشوا أمرها.
حكت لي صديقة ذات مرة عن محاولات عدة لها بالانتحار. وفي كل مرة تقدِم، يشاء الله لها البقاء. كانت تتخلص من الحياة، بينما الحياة تتشبث بقدميها وتأبى أن تفارقها.
اختلف المحللون والأطباء في أسباب الانتحار، ناسين أن يسألوا تلك الأرواح عن السبب. بعد مضي سنوات على تلك الحادثة أردت أن استخلص لنفسي منها السبب  تحدثت لي عن مشوارها المضني الطويل مع الاكتئاب وأنه كان يتحكم بها لا هي من يتحكم به , ثم مع تقدمها بالعمر توصلت إلى أن تتفاهم مع نفسها وتتعلم أن تسخر انفعالاتها وسلوكها لصالحها , يعزونه لضعف الوازع الديني وهي تقسم لي أنها  لا تستشعر هذا السبب وإنما هو عدم اكتمال للمعنى الإيماني في نفسها.
للإنسان أن تصعد وتهبط نفسه به درجات ودرجات. فتارة مطمئنًا وتارة تأمره بالسوء ثم تلومه، وقد تنفرد بإحدى تلك الصفات أو تجمعها. ومما لا شك فيه أن المنتحر شخص ينازع لله في ربوبيته، يضع لنفسه القدرة الهائلة على مضاهاته والتحكم بروحه متى ما عزم لها الرحيل. ناسيا أو متناسيا في لحظة قنوط وخذلان ونفاذ حيلة أنه إنما خرج من هذا الجحيم الأصغر إلى جحيم أكبر.
ومع ما يشهده هذا العصر من انفتاح وتزايد في التقنية وكثرة وسائل الراحة إلا إن الإنسان قابلها بالرفض وأنكرها بالانتحار، إذ لم يجد في نفسه القوة والعزيمة ليواكبها ويخرج من عصره القديم إلى هذا العصر الجديد, وأغلق على نفسه تابوته وقذف بنفسه في عمق البحار القديمة.
أصبح من الشائع أن كل شخص يبحث له عن قضية ينتحب عليها ولها، ومن لم يجد فليخلق له قضية ليحتضنها وينام قرير العين, يباهي بها من حوله مع إشراقة الصباح ويدفع روحه فداءً لها, وكأنها ملك خاص له.
ربط "فرويد" الانتحار برغبة قتل كامنة بالذات, تتحقق من خلال قتل النفس, كما انه قد توجد دوافع داخلية لدى بني البشر تدفعهم للموت لكنها تبقى كامنة, لتظهر فجأة حين حصول أي خلل في توازنات القوى النفسية الداخلية.
وكما أسلفت، ففي ما مضي كانوا يعزون أسباب الانتحار للتعلّق، وأن من تعلّق بشيء استهان كل شيء في فقدانه, لكن كيف يقدم من لا شيء له على هذا الفعل، أي أن دافعه غير موجود.
حصيلة الأمر ربما، السبب في لجوء المنتحر لهذا الفعل، أنّه يتلخص في كونه شخصًا خابت توقعاته وآماله ولم يستطيع مواكبة حاضره، ويؤمن بأن ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن.
سالت صديقتي: هل ستعاودين الكرّة؟
أجابتني بقول قبّاني:
سأكتفي بدمعي وحزني ..
فالصمت كبرياءٌ والحزن كبرياء.
ولكنّي لن أذهبَ إذا أتعبني البقاء.
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك