بأي معني نقول الحوار؟

موقع الاحوازي الاعلامي-تحدثنا في مقال سابق  عن معنى  الحوار الداخلي،و بيّنا أسس و قواعد الحوار حسب وجهة نظرنا ( ألم يحن وقت الحوار الوطني وفق أسس الوطنية؟ و بإختصار قلنا بأنه  لبناء حوار و تفاهم داخلي في ساحتنا ينشأ وفق أسس الوطنية، وحق الجميع في طرح الآراء و المشاركة دون أن يكون لجهة ما استبداد في الرأي أو تكون الأفضلية لها ،وقلنا تبقى مهمة الفكر أساسية في نجاح و إدارة الحوار لبناء أسس المؤسسات  الوطنية الحقيقية  بعيداً عن المسميات الصغيرة التي  تجمّع أفرادها الروح العفوية والانتساب العشائري الجهوي الضيق ، وهذا الانتساب و الوعي يشكل خطرا عندما يكون لغير مفهوم و أسس الوطنية،كما حال الوعي العفوي  دون أداة الفكر). أما هنا نبيّن رأينا لمعنى الحوار مع القوى العربية  الناهضة الجديدة، وبعدها نرى و نطرح وجهة نظرنا بشأن معنى الحوار و التقرب للقوى الفارسية.

 لنبدأ بالقوى العربية فنقول إنه الواقع العربي اليوم ليس كما كان سابقاً – بدءت روح عربية جديدة تنشأ وتؤمن بالتغييرعلى أسس روح الديمقراطية والمواطنة ،ونضيف القوى العربية الناهضة السياسية والثقافية والمجتمعية إجمالاً تعتمد في رؤيتها على مبدأ تغيير الأنظمة السياسية الاستبدادية، وطموح الثورات العربية يتجه نحو بناء الدولة المدنية التي أساسها ينشأ أولاً و أخيراً على مفهوم تسيّد القانون على أساس العدالة والحرية للجميع، وهذه الروح اليوم هي التي لها القواعد و التأثير معاً في المجتمعات العربية. و تبعاً لهذا التحول الجذري في الوعي العربي  يمكن بجدية بدء حوار مفيد مع هذا الاتجاه العربي الصاعد إذا رغبنا في بناء حوار مع جهات ثقافية و مؤسسات مدنية وحركات سياسية عربية.

فهل في ظل التغييرات الحالية في المجتمعات العربية يجعل الحوار مع القوى الايرانية او بمعنى أصح الفارسية قائما أو لا ؟  نجد أن طرح هذا السؤال لا يقدمنا خطوة واحدة نحو فهم الروح الفارسية المشبعة بالعنصرية و التعالي، و في أفضل حال الإجابة عليه تأخذنا نحو جدال عقيم لا يؤسس لنا بناء رؤية واضحة و مفيدة، فمن وجهة نظري أجد أن السؤال الذي يفرض نفسه في هذه الناحية هو : هل تغييرت الروح الفارسية ونشأت روح جديدة تؤمن و تقبل الشروط الثلاثة العصرية الأساسية ، والتي وفقاً لها يمكن فتح فضاء للحوار الصحيح و المفيد ،وهل يكون معنى للحوار دون أن تتجاوز القوى الفارسية التكويّن الفكري العنصري لها ؟

 الإجابة على سؤالنا المطروح تظهر عندما نأتي إلى الشروط الثلاثة  العصرية،و حسب رأينا تتمثل بما يلي – (أولاً- الديمقراطية ولكن ليس بروح فارسية خالصة هي وحدها من تضع لها شروطها ،و كذلك هي وحدها من تملك قرار حق بناء قواعدها بمقايس آحادية الجانب ،ثانياً: مفهوم المواطنة، بمعنى حق الجميع التمتع بكل الحقوق دون أن يكون هنالك من يملك تحديدها و التقليل منها وفق مسميات تخدم  قضية شعب بعينه ،بل إن المواطنة لا تخضع للتفضيل وفق العرق أو الدين والمذهب ،ثالثاً: الدستور المدني الذي تصاغ مواده ليس باجتهاد فقهاء الفرس وحدهم، إنما يكون للشعوب غير الفارسية ليس فقط حضور شكلي و مواد دستورية  ضيقة يتم التهميش لها عند تطبيقها أو فهمها وفق إشكالية تفسير مواد  الدستور الآخرى كما هو حال الدستور الإيراني الحالي،بل نصيب الشعوب في الدستور المدني  يرتقي لدرجة يحقق لأبناء هذه الشعوب كافة رغباتهم و طموحاتهم المختلفة دون  أن يكون الخطاب القومي الفارسي له وحده  قول الفصل كمرجعية للتجويز و المنع.

 إذا وضعت هذه الشروط الأساسية على برامج الأحزاب الفارسية و جدول أعمال القوى المختلفة الآخرى بشكل واضح  و مقروء لا لبس فيه ، يمكن عندئد أن يكون هناك معنى و تبرير موضوعي و سياسي معاً للجهة التي تطلب  وترى حاجة و ضرورة الحوار مع القوى الفارسية ،و إلا القول علينا أن نقترب من القوى الفارسية حتى  نؤثر على تفكير ونظرة  و طريقة تلك القوى في أمل أنّ تعترف بمطالبنا المشروعة أو نمارس عملية الإفهام و الإقناع ،اعتقد أن هذا القول فيه نظر بقول أسلافنا العرب أو التحفظ عليه ،و نذكر سببان لهذا التحفظ :  - السبب الأول: كثير من الجهود بُذلت من مختلف قوى الشعوب باتجاه القوى الفارسية ،وفي فترات مختلفة وبأشكال عديدة لنفس هذا المقصد، وهو الأمل في تغيير نظرتها نحو الشعوب . أما السبب الثاني: القوى الفارسية ليست جاهلة  بوضع الشعوب و معاناتها وما تعرضت له هذه الشعوب  في ظل الدولة الإيرانية منذ التأسيس لها حتى يومنا هذا، و ذلك حتى  تبقى مهمة الحوار و الإقناع و الإفهام أو كشف المعاناة لهم و طلب العون منهم حجة أومهمة تطلب حوار بالدرجة الأولى. فالقوى الفارسية لها باع طويل في ممارسة السياسية و بناء قواعدها في المجالين أولاً: على أرض الواقع ممارسة السياسية و الحكم ، المجال الثاني: هو ما يخص الفكر والتنظيّر و الدفاع عن ثوابت الفكر الفارسي الحديث و المعاصر، وبغض النظرعن المسميات،  تبقى القوى الفارسية  مشبعة أكثر من الشعوب غير الفارسية في هذين الجانبين والدفاع عنهما- الحكم و الدعوة.

وبالتالي القول إن مهمة الحوار و التقرب من القوى الفارسية  يصب باتجاه  تغيير الرؤية لتلك القوى هو قول ضعيف نرى أنه يصعب الدفاع عنه أو تبريره بعد تجارب مريرة و فاشلة في هذا الطريق، ولا نرى فيه من الموضوعية ولا حتى من القواعد السياسية فضاء يعطي نتائج و يمكن البناء عليه، لغياب مانع أساسي وهو إرادة التغيير، بحيث تغيّر الروح الفارسية أوالتكويّن الفكري القومي الفارسي  نحو فهم آخر  جديد لمعنى الديمقراطية والمواطنة والدستورالمدني ،لا اعتقد هذه البضاعة العصرية الجديدة إذا طرحنها من جانبنا تجد لها طريق مفتوح تصل من خلاله إلى  القوى الفارسية حتى تقبلها وفق رؤية الشعوب و يتم التأسيس لها في الفكر الفارسي، واعتقادي هذا يستند إجمالاً في أمرين أثنين  الأول: هذه المفاهيم الثلاثة الأساسية  أصلاً هي موجودة في الفكرالسياسي الفارسي منذ عقود طويلة و يتم بحثها الآن بين النخب الفارسية ،و لكن  تعريفها و بناء قواعدها ينطلق من مبدأ خدمة قضية الروح الفارسية القومية و تجاهل بوعي و إرادة و سكوت كامل عن  الشعوب غير الفارسية، وبالتالي نشوء ديمقراطية وتأسيس وعي  المواطنة و تدوين دستور مدني في إيران وفق قواعد جديدة و روح جديدة تلبي طموحات الشعوب و ليس فقط الشعب الفارسي  يمر من خلال تجاوز الثابت التاريخي  أو التكويّن الفكري الفارسي برمته والذي نشأ من الروح العنصرية، وهذا التجاوز أو القطيعة يحتاج روح جديدة و إرادة  تنبعث من داخل الفكر الفارسي نفسه أو يجب تقوم ثورة فكرية جديدة داخل الوعي الفارسي كما حصل في الطرف العربي بعد التغييرات الجديدة ،ولكن لا شواهد على إنبثاق هكذا روح فارسية عصرية.

أما السبب الثاني: لا نرى عندنا جهة لها تعريف واضح كخطاب سياسي جديد عن مفاهيم الديمقراطية، والمواطنة ، والدستور ليكون خطاب متماسك وصالح نظرياً تنشأ عليه دولة مدنية تحافظ على مبدأ العدالة و الحرية و تنفذ القانون، حتى  يمكن القول أن هذه الجهة هي من تستطيع أن تمارس عملية التغيير و الإقناع و الإفهام للقوى الفارسية أو تتكافأ الأدلة في خطاب الطرفين حتى يحصل تأثير وهذا واقعنا شئنا أم كرهنا.

 بقى أمر لابد من  طرحه هنا وهو هل هذه القوى السياسية الفارسية  تملك قواعد شعبية و تأثير سياسي ،أم حالها هو يشبه القوى السياسية العربية التقليدية التي أظهرت أثناء الثورات العربية أنها لا تملك  قواعد شعبية ولا تملك تأثير سياسي، وبالتالي الاتجاه نحوها هو ليس سوى إلهاء و تضيع طاقات.

طبعاً هذا الكلام يخص القوى الفارسية بالخارج إما القوى الداخلية للدولة الإيرانية إذا نظرنا في نفس فهمنا، فأمرها لا يختلف كثيراً ،بمعنى لم تكوّن لها روح جديدة و روحها كما هي لا تسير نحو فتح فضاء أو إنبثاق قواعد جديدة لممارسة السياسة وفق الشروط الثالثة السالفة الذكر أعلاه و هي  الديمقراطية والمواطنة أو بوادر تظهر في الآفق نحو تغيير في الدستور حتى يكون فضاء أوسع ليتسع لكل الشعوب، و يلبي حاجاتها وفق العصر الجديد ،وحتى التيار الإصلاحي داخل إيران (العلماني القومي، والإسلامي القومي) لم يكن جاداً في موقفه لا النظري ولا الممارسة و الحكم في أتخاذ موقف واضح من حقوق الشعوب.

ربما يواجهنا سؤال زائف، سؤال: ما هو الحل إذاً ؟ تناولنا هذا السؤال في  محاضرة عام 2008، عندما شرحنا موانع و أسباب قيام (الدولة الأحوازية) ، وكذلك أسباب و موانع قيام (الفيدرالية  الأهوازية في إيران)، وهي محاضرة منشورة (أنظر: محمود عبدالله الحوار المتمدن مجموعة دراسات و مقالات).نعم إننا في ذلك الوقت قلنا بأن قيام الفيدرالية في إيران ليس أقل صعوبة من طرح الدولة الأحوازية ،و حددنا الأسباب و الموانع  وراء موقفنا ذلك ، وهي موانع أو ما أسمايناها   قواعد لاتزال قائمة ليومنا هذا و لم تتفكك . خصوصا القاعدة الدولية أو الغرب – أمريكا، فالتاريخ يزودنا بأن مواقفها كانت تصب في دعم بقاء الدولة المركزية الفارسية، و الشواهد كثيرة لإثبات هذا ،وفقط للتلميح نشير لشاهد من حاضرنا وهو ما قاله وزير خارجية فرنسا ألان جوبيه قبل أقل من أسبوعين 13-5 -2011 عندما قال  للحياة السعودية – إن سياسة فرنسا غضّتْ لمدى طويل، الطَّرْفَ عن تصرفات متسلطة وطغيان عدد من الأنظمة في الشرق الأوسط، وذلك بسبب حرصها على مبدأ الاستقرار.إن سياستنا كانت تقف إلى قاعدة استقرار الوضع في الشرق الأوسط وليس دعم الإصلاح و التغيير، وفي نفس الاتجاه يصب تصريح الرئيس الأمريكي أوباما التصريح الآخير 19-5-2011 تجاه الشرق الأوسط  ومنه ما يخص إيران فلا جديد فيه أو تغيير أساسي.

وأما القاعدة المهمة الثانية إرادة الشعوب في تغيير تلك القاعدة الدولية،و قلنا هذا بوضوح إن الشعوب غير الفارسية رغم جهودها و تحركاتها السياسية المختلفة و العديدة ، ولكن تلك الجهود لم تكون بمستوى يصل لكسر القاعدة وهي (إرادة  الشعوب فوق إرادة الاستبداد والظلم)،بمعنى الشعوب  هي من تملك مفتاح التحرر و الحرية عندما تختار مسار التضحية ولا تتراجع عن مسارها إلا بعد الوصول لمقاصدها،و هذا المستوى  ما لم تصل له الشعوب في إيران ، وحتى اليوم بعد النهوض العربي  المدوي أو كما قلنا المسمار العربي الذي دخل إلى الفكر -العقل العربي، الإ الشعوب غير الفارسية  في إيران لم تتجه نحو بناء إرادة بمستوى لكسرالقاعدة الاستبدادية والعنصرية  كما كسرتها الشعوب العربية ،و التي تشكلت في إيران منذ العقد الثاني من القرن العشرين بوحي عنصري وهو خطاب لا يتلائم  وحاجة العصر الجديد كما تطلبه الشعوب.

المصدر: http://www.google.com/imgres?imgurl=http://ahwaziculture.files.wordpress...