حوار بين مواطنَينِ من بابل

د. فارس عزيز مسلم

 

- 1 -

- هل سمعت ماذا فعل ( كورش ) بنهر ديالى ؟!

- ماذا فعل ؟!

- لقد انتقم من النهر لأنَّهُ أغرق بعض جياده البيض ، فأقسم أن يقسِّم النهر عقاباً له إلى ( 360 ) قناة لكي يتمكن حتى الأطفال والنساء من عبوره من دون أن تبتل لهم ركبة !!

- هكذا هُوَ الغازي المستعمر دائماً ، دأبه التقسيم ، فالتقسيم يؤدي إلى التقزيم ، وهكذا هي بابل اليوم مقسمة ، مثل نهر ديالى ، إلى عشرات الفئات والجماعات ، فلا يمكن احتلالها إلاَّ بعد تقسيمها كما لا يمكن عبور نهر ديالى إلاَّ بعد استنزافه بتقسيمه إلى مئات القنوات !!!

 

- 2 -

- إنني أعجب كثيراً !

- وممَ العجب ؟!

- ألم يكن بين ملكنا ( نبونائيد ) وبين الملك الفارسي ( كورش ) معاهدة صداقة ؟! فلماذا هاجَمَ ( كورش ) بابل ؟!

- يا صديقي ، لا تعجب ؛ بل أعجب لو حصل بين ( كورش ) و( نبونائيد ) صداقة حقيقية وعلاقات وثيقة وسلم دائم !!

- لماذا ؟

- لأن ( كورش ) بعد أن قضى على ( الميديين ) أصبح قوة الشرق التي لا تُضارع ولا تُصارع فقد قويت شوكته فنقض المعاهدة ، ولا يمكن أن يكون سلام بين القوي والضعيف ، فالقوي يسحق الضعيف وينقضُّ عليه كما ينقضُّ الصقر على الحمامة !! فالضعيف ليس له حليف !!

 

- 3 -

- بابل ترزح تحت الحصار !

- إنها ، أبداً ، محاصرة ومحاطة بالأعداء من جميع الجوانب كما تحاط الجزيرة بمياه البحر !!

- الجنوب كُلُّهُ أصبح تحت الحكم الفارسي ، والجيش الفارسي يزحف علينا من باقي الجهات !!

 

 

- 4 -

- هل سمعت ؟!

- ماذا ؟

- استسلمت ( بارسيبا ) و( سيبار ) و( كوت ) للجيش الفارسي وتعاونوا معه وأصبحوا تحت إمرته !

- خيانة ما بعدها خيانة !!

- وسبب هذه الخيانة ورأسها هُوَ الخائن القائد البابلي ( غوبارو ) فقد كشف الجناح الأيسر لجيش البابلي وانحاز إلى صفوف الغزاة وانضمَّ إليهم !!!

- الذنب يقع على مَن عيَّن هذا الخائن قائداً !! .

- الخونة في بابل كثيرون ، منهم الكبار ومنهم الصغار !!

 

- 5 -

- هل سمعت بالخبر المفجع ؟!

- ما هُوَ ؟!

- قُتِلَ ( بيل - شار - أوصر ) في معركة حامية في مدينة ( أوبس ) .

- الرحمة لهُ واللعنة على مَن قتله !

- تباً لمن قتل سبط ( نبوخذ نصر ) !

 

 

- 6 -

- ما هي أخبار ملكنا ( بنونائيد ) ؟!

- غبار المعارك وضجيجها يحجب الأخبار الصحيحة !

 

- 7 -

- انظر إلى جنود الحامية على باب عشتار إنهم يتسلَّلون واحداً تلو الآخر ويفرُّون في أزقة بابل بعد أن يخلعوا ملابسهم العسكرية ويطرحون أسلحتهم في الفرات أو يدفنوها تحت الأرض ويندسَّون بين الناس متنكرين !

- أين الضباط وضباط الصف والعرفاء ؟!!

- فرُّوا أيضاً !!

- لم يبق إلاَّ المخلصون الأوفياء !

- وما أقلهم !!

- أين الجنود البابليون الذين دكُّوا أسوار ( أورشليم ) وكسروا جيش الفرعون في ( كركميش ) وحاصروا ( صور ) و( صيدا ) ، أين الذين اقتحموا الخنادق ودمّروا الحصون ، وفتحوا المدن والدول ؟! أين الذين تبختروا بالأمس !

- تبخَّروا اليوم !!!

 

- 8 -

- سقطت بابل ... سقطت بابل ... سقطت بابل !!

- الويل للمغلوبين !!

- كذبوا علينا حين قالوا لنا إنَّ الفرس لن يَدخلوا بابل إلاَّ عندما يلد البغل فقط !!

- لقد ولد البغل ، بل أصبح جَدَّاً !!!

- سقطت بابل بعد يومين من سقوط ( سبار ) فيا للعار !!

- مَن الذي أسقط بابل ؟!

- الفرس !

- كلاَّ ، إنهم كهنة ( مردوخ ) و( اليهود ) وخونة الوطن من الجيش البابلي !!

- انظر ! ، ها هُوَ ذا ( غوبارو ) يدخل بابل فاتحاً كأنه يدخل مدينة أجنبية ، إنّه يفتخر بخيانته بدلاً من أن يتوارى عن الأنظار !

- بل هُوَ يدعو سكان بابل إلى استقبال مخلصهم وحامي إلههم ومعظِّم ديانتهم (كورش) استقبالاً حسناً والترحيب به !.

- الخلاف الديني هُوَ الذي أضعف بابل وجعلها شيعاً وأحزاباً يضرب بعضهم بعضاً !

- وهذا ما أرادَهُ المستعمر ( كورش ) !

 

- 9 -

- هل سمعت بالنبأ المؤلم ؟!

- وهل ثمة نبأ في بابل غير مؤلم ؟!

- لقد استسلم الملك ( بنونائيد ) للقوات الفارسية !

- كيف يسلَّم نفسه للأعداء بمهانة ؟! كان ابنه أشجع منه !

- كان من الأفضل والأشرف له أن ينتحر !!

- الملك ( بنونائيد ) هُوَ الذي أشعل الفتنة (*) حين فضَّل عبادة الإله ( سين ) على عبادة الإله ( مردوخ ) فأغضب كهنة ( مردوخ ) فكادوا له كيداً وقع الوطن ضحيّةً لهُ !!

- لا ينبغي على الحاكم أن ينحاز لطائفة دينية دون أخرى وإلاَّ كانت العاقبة وخيمة على بلاده كما يحصل الآن !!

- هل تعتقد أن الإنسان يعتبر بتجارب الآخرين؟!! لا اعتقد ذلك، فلو عاد ( بنونائيد ) إلى الحكم مرَّة أخرى ، لعاد إلى سيرته الأولى في التفريق والتمييز بين الأديان !!

- ما توقعناه قد وقع ، وقد وقع الفأس في الرأس !!

 

- 10 -

- عانة أية عاهرة في بابل أطهرُ من لحية الكاهن الأعظم !

- لماذا هذا التجاوز على الكاهن الأعظم ؟!

- إنه يبارك المحتل الملك ( كورش ) ويعدُّهُ ناصراً للإله ( مردوخ ) ويُسلِّم لهُ إرثنا وتراثنا عن طيب خاطر !!

وبالأمس سمعت كاهناً للإله ( مردوخ ) يقول : إنَّ الأرض لمحتليها !! ، وإن المهم أن يكون الحاكم مخلصاً وخادماً للإله ( مردوخ ) ، ولا يهم بعد ذلك أن يكون بابلياً أو اخمينياً لأن الملك والحكم بيد ( مردوخ ) يعطيه لمن يشاء من عباده الصالحين ويقول ، أيضاً ، إنَّ سقوط بابل- بيد الاخمينين هُوَ بسبب إهمال طقوس وشعائر وقرابين الإله ( مردوخ ) !!

- وكيف الخلاص ؟!

الخلاص بالإخلاص للوطن ، وإعلان الثورات ضد المحتلين، يجب أن تدور المعارك في داخل أسوار بابل ، ويجب أن نطردهم من باب عشتار التي دخلوا منها !

المصدر: http://www.google.com/imgres?imgurl=http://www.adabfan.com/thumbnail.php...

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك