حين تكون الخيانة الفكرية في خدمة الإنتهازية السياسية

 

تعود من جديد وتتكرر بعض الإجتهادات الإجترارية ، في السنوات الأخيرة عبر بعض المثقفين اللامفكِّرين ، بمحاولة عَقْلنة الدين عموماً ، وأدْلجة الإسلام السياسي خصوصاً ، من خلال عملية تحديث مُفتعَلة ومتكَلّفة لإظهار جهوزيته بتقبُّل التعددية الحقيقية وقبول الآخر المختلِف وحتى النقيض، وبالتالي تقبُّل الديمقراطية (!؟) ، ومدى انسجامه مع الحياة وتناغمه مع الحداثة السياسية والمدنية ، بما يتناقض مع كلِّ المنهجيات العقلية والعلمية، ومع جميع التجارب السياسية والفكرية والحياتية ..

 

وبعيداً عن دوافع وغائيات هذه الإجتهادات وأصحابها ،في التاريخ العربي والانساني المُعاصِر والقديم ، والسِّياقات التي تُطرح من خلالها ، فقد سقطت هذه المحاولات سقوطاً مدوياً ، على المستويَيْن النظري والعملي معاً.. وتراكُم هذه الطروحات التنظيرية ،كما هي تراكم التجارب الكمية والنوعية لها ، أفْضَتْ الى  إنكشاف مدى تناقضها مع معايير العقل والعلوم والحياة ، في السياسة  كما في الثقافة والمجتمع ..

وإن كنتُ لستُ من مُقدِّسي الديمقراطية ، ولا من رُوّادها ،وهو أمر مُنفصِل وإنْ كان في سياقٍ مُتّصل ، وبالرغم من ضيق هذا الحَيِّز ، في تناول ومعالجة امر وجوديّ كهذا ، وعلى هذه العُجالة ، فإنني استطيع القول جازِماً ، إن معظم تلك الإجتهادات ، سيّما المعاصِرة  منها ، لا تَخلو من خيانةٍ عقلية ومن لاأمانة فكرية ، وغالباً ما تنطلق وتتحرك لإعتبارات سياسية واجتماعية ، لا معرفية وثقافية ، وبدوافع مصلحية وإنتهازية ، إنْ لم نقل آنوِيَّة ، على أقل تقدير..

إن محاولات إفتعال هذا التزاوج الهَجين ، بين الحالة الاسلاموية الرَّاهنة وبين المُعاصَرة والديموقراطية  والمَدنية  والحداثة ، ما هي بالتالي إلاّ تلاقُح لا عقليّ ، عِوَضاً عن كونه لا شرعيّ ، لا ولم ولن يُنجِب إلاَّ مولوداً معاقاً ومزيداً من المُراوَحة خارج تُخوم التاريخ وحركته..

إنَّ الثقافة الاُحادية المنطلَق والإتجاه ، لا تحتمِل التعددية والتنوُّع الحقيقييْن ، في الحياة والفكر  والثقافة والمجتمع كما هو الحال في السياسة ، مهما بَدَا غير ذلك .. كما ان ثقافة إقصاء الآخر ، المُذَوَّتة في النصّ والتأويل معاً ، لا تستطيع أن تقود نحو مواجهة التحديات الفردية والجماعية ، لا سيّما تلك التحديات الوجودية منها ، مهما حاول مُروِّجو هذا النهج ..

فالمشكلة ليست في الإسلاميين أنفسهم ولا بمشروعهم وتحالفاتهم فحسب، إنما فيمَن راهن وما زال يراهن على هذا الخيار، من داخل “طبقة الإنتليجينتسيا”، حتى بات رهينة لهذا المشروع، بل وربط مصيره الشخصي والفكري به..

ويأتي سياق هذا الطرح، في ظلّ كمٍّ هائلٍ من الكتابات العربية في هذا الاتجاه، من أبناء الطبقة المُعاقة والمُعيقة ذاتها.. وراح بعضهم أبعد من ذلك وأخطر، حتى غدا يعرض هذا “الخيار” كوصفة سحرية للخروج من الأزمة العربية المُستدامَة، ويطرحها كبديل للواقع السياسي والثقافي المأزوم أصلا، ليزيده بذلك تأزُّماً وتعقيدا، متجاهِلاً طبيعة التحالفات السياسية وغير السياسية التي يفرضها هذا “الخيار”، على المستوى الوطني والقومي والإقليمي والكونيّ..

فهل من الطبيعي أن تُطرَح بدائل الواقع، في عملية التغيير والولوج الى المستقبل، من خيارات الماضي ومن ثقافات ماضَوِيّة وَهْمية ودُغمائية ؟!

أما تجربة ونموذج المقاومة اللبنانية ، المُتمثِّلة “بحزب الله ” ، على سبيل الحصر لا المثال ، إنما هي مسألة أُخرى مُنفَصِلة  وإنْ بَدتْ مُتَّصِلة ، تحتاج الى وقفة  تأمُّل وتفكُّر من نوعٍ

آخر ..!؟

المصدر: http://mace.cc/?p=9936#more-9936

 
الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك