إنسان الحلول.. وإنسان المشكلات
سلطان بن عبد الرحمن العثيم
خذ على عاتقك يومًا ما أن ترى المحيط الإنساني والاجتماعي الذي يطوق حياتك وتتفاعل معه يومًا بفعل طبيعة الحياة والعيش.
لو تأملنا حولنا لوجدنا الناس ينقسمون إلى نوعين؛ الأول إنسان الحلول وعلى الضفة الأخرى يعيش إنسان المشكلات.
إنسان الحلول
الأول مستقطبٌ للحلول, يركز عليها, صاحب عقلية منظمة ومرتبة, يعرف ما يريد ولا يريد للصراعات والمشكلات والمفاجأة أن تأخذه بعيدًا عن مرمى أهدافه.
يتمتع بذكاء منطقي وعاطفي واجتماعي شديد, ويحاول أن يمسك العصى من النصف في جميع علاقاته وممارساته الاجتماعية والعملية والعائلية, لديه قوة صبر وتماسك وقوة تحمل, وصريح, في ذات الوقت ويحب الحوار, ولكنه موضوعي ولا يشخصن الأشياء من حوله, يفكر بعملية شديدة ودينامكيَّة مميَّزة ويضع حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام: "الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ".
يعرف متى يتكلم ومتى يصمت, حضوره يعني توازن المعادلة وعودة المياه إلى مجاريها, فهو ضابط إيقاع وقائد من الطراز الأول.. يقدر له الناس حلمه وسعة صدره وصبره على حمق بعضهم وبذائة ألسنتهم واندفاعهم وجهالتهم أحيانًا, يغبطونه لإدارته الواعية والمدركة لصراعات الحياة, ومختلف أنماط الشخصيات والعقليات والسمات والبيئات والمجتمعات.
لديه قناعة أنه سيقابل يومًا الجاهل ونصف المتعلم, الحاقد والحاسد والمختل والمعقد, الساذج والبسيط, المندفع والمترفّع, الشخصيات الصعبة التي تملأ الأفق, ولكنه لديه لكل مقام مقال ولكل جواب سؤال ولكل حِمل مثقال.
حريص كل الحرص على توازنه ورباطة جأشه وقوة أعصابه وسلامة صدره, يُتقن بكل تميز فن الاحتواء مع تمتعه بالقوة والجرأة في الحق, والمطالبة بالحقوق, والصراحة في المنطق, والقدرة على وصف الحال, وتفسير الأحوال وإنتاج الحلول, وفتح النقاش المتحضر الراقي حول أي فكرة.
يركّز دومًا على القواسم المشتركة بينه وبين الآخرين, يقدر الاختلاف الذين يُنتج الإبداع بين البشر, يعتز بقيمه ومنطقاته ولكنه لا يجبر الآخرين عليها.
إنسان متعلم ومتطور ومستفيد من كل أخطائه السابقة, يتمتع بالمرونة التي جعلته معاصرًا والعقلية المفتوحة والتي تجعله متواصلًا مع كل جديد مستوعبًا لكل فريد.
لا يعرف الكبر ولا الغطرسة ولا الاستبداد بالرأي, ويرفع شعار الحكمة ضالة المؤمن حيث ما وجدها فهو أحق الناس بها.
هو مكسب لأيَّ منظمة أو مؤسسة أو عائلة أو وطن يحتويه, ورافد من روافد العمل والإنتاج والإبداع والرقي الإنساني والتألق البشري.. إنه باختصار إنسان الحلول.
إنسان المشكلات
وعلى العكس من ذلك وفي مسار مختلف تمامًا يأتي إنسان مختلف تمام, رغم أنه بنفس الخصائص الفسيولوجية للإنسان الأول ولكنه إنسان يثور سريعًا ويغضب طويلًا ويتحسس من كل مختلف حوله, يعاني أحيانًا من ضعف في الثقة في النفس يجعله يعوضه إما بالعنف أو بالقسوة أو بالدكتاتورية كما انه إنسان مأزوم لا يعرف من الحكمة إلا اسمها.
سهل الاستفزاز وضيق الأفق وأحادي الرأي, لا يحترم الآخرين وان أعلن ذلك, تصيبه أحيانًا نوبات كبر وأحيانًا نوبات حمق وأحيانًا نوبات جهالة.
يعتقد أنَّ العالم سوف يخسر كثيرًا برحيله وأنَّه ملهم أو معصوم, غير قادر على قيادة الناس إلى برّ الأمان, يؤمن كثيرًا بالصوت العالي, حيث يفتقد للحجة العميقة والقبول لدى الآخرين.
يدخل في مشكلة ويخرج إلى أخرى ويسقط, كل هذه الاضطرابات والمشكلات والصراعات على الآخرين ويبرئ نفسه على الدوام.
البيئة التي تحتويه بيئة قاتمة متوترة مضطربة, قاتلة للإبداع والعمل والإنتاج والارتياح والحب والسلام والوئام.
يؤمن دومًا بالإدارة بالأزمات وسلطة اللسان والعناد والمناكفة والجدل ولا يعرف لغة الحوار أو فضيلة الشورى أو نعمة الاختلاف في الآراء ودومًا تجده مؤمن بنظرية المؤامرة ويعيش فصولها وتفاصيلها.
تحكمه المزاجية أحيانًا والتسلط أحيانًا ومصالحة الشخصية والأنانية أحيانًا.. يقدم أنا على نحن ويناقض نفسه حيث يطلب من الناس حبه واستيعابه والعمل معهم وهذا صعب, فهو منبوذ وإن نجح نجاح وقتي ليس استراتيجي, فسقوطه قادم وفشله ملوح.
إنه إنسان المشكلات أعانه الله على نفسه وأعان من حوله عليه.
تقنيات هامة في علاج المشكلات وإيجاد الحلول والمخارج
- علينا الإيمان بأن كل شيء يبدأ صغيرًا ويكبر, إلا المشكلة تبدأ كبيرة وتصغر, فهونوا عليكم ولا تهولوا الأمور فالحلول كثيرة والفرج قريب.
- ركز على الحلول ولا تركز على المشكلات, وهي طريقة ناجحة لكي يولّد المخ الكثير من المخارج والحلول في هذا الباب, وهنا ننصح بكاتبة المشكلة وكتابة الحلول المقترحة تحتها وهي ممارسة مهمة تحدد المشكلة وتصفها.
- تعامل مع المشكلات على أنها تحديات وهذا سوف يزرع عندك التحدي لعلاجها وابتعد عن اليأس والاكتئاب والضعف والتشاؤم فهي دائرة سوداء مغلقة لن تخرج منها سالمًا.
- عندما تبحث المشكلة تمتع بالهدوء الكافي ولا تبحثها في حال الغضب أو التوتر فلا قرار رشيد أو مفيد في هذه الحالات.
- قدم الاستشارة والاستخارة في أي قرار هام أو حساس في حياتك ولا تكن متفردًا في القرار ومنغلقًا على ذاتك.
- غلِّب لغة الحوار الهادئ والموضوعي والابتعاد عن الجدل والسباب.
- شخصنة الأمور توصل الأطراف المتصارعة إلى حلول غير مجدية.
- بادر بتقديم التنازلات لكي يقدم الطرف الآخر مثلك واعتذر إن كنت مخطأ فالاعتذار علامة قوة وشعار حياة جميلة.
- تمتع بفن الاستماع ولا تقاطع حتى تصل الفكرة واضحة وكن صبورًا ومتفهما وأعطِ الطَّرف الآخر مساحة للفضفضة والتعبير فهي تخفف الاحتقان وتساعد في الحل وصفاء النفس.
- لا تحاسب الطرف الآخر على كل كلمة فزلات اللسان كثيرة وتوقفك عندها يعني نزوحك للصراع وليس للتسوية والحل والاستقرار.
- من الحكمة تفويت الأخطاء غير المقصودة ومعالجة الأخطاء المقصودة بروية ورقي, لا تنس أنَّ الصواب يأتي متدرجًا وكل الناس ذو خطًا وخيرهم المتراجع.
- عندما تحل المشكلات الماضية لا تعد إليها نهائيًا وامسحاها من ذاكرتك ولا تعاير بها الطرف الآخر وتعلم فضيلة التسامح وجمال الصفح.
- عدّل من سلوكك وقناعاتك بشكل دائم ولا تتوقف عن عمل المراجعات لكل ممارساتك, وتعلم الكثير من الإيجابيات التي تجعل صحتك أفضل وحياتك أجمل وفضاء من حولك أرحب.
محبرة الحكيم
الطريق الذي يسير به إنسان الحلول عكس الطريق الذي يسير فيه إنسان المشكلات, فالأول إلى القمة والآخر إلى الهاوية.
تأصيل
قال تعالى: "فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا"
المصدر: نوافذ.