حقيقــة الإرهـــاب المفاهيم والجذور

حقيقــة الإرهـــاب
المفــــاهيم ، والجــذور

إعــداد
المستشار الدكتور مطيع الله بن دخيل الله الصرهيد الحربي
المستشار بإمارة منطقة مكة المكرمة

مقدمــة :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد :
فقد تلقيت دعوة كريمة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية للمشاركة في أحد محاور المؤتمر الدولي لموقف الإسلام من الإرهاب ، الذي سيعقد بتاريخ 23/2/1425هـ بمدينة الرياض .
وحيث إن هذا الموضوع مهم جداً ، وخطير يستوجب من العلماء التصدي له وتفنيده ، وتتبع جذوره ، ومظاهره لاستئصاله ، أو محاصرته على الأقل قبل استفحاله .
وقد لاقى في ذلك القبول والاستحسان ؛ لما فيه من خدمة للإسلام ، المجافي للغلو والتطرف ، البعيد كل البعد عن وسائل العنف والتعنت ، والذي حرم مجرد ترويع الآمنين ، وإرهابهم بأي أمر أو تهديد يؤدي إلى ذلك صغر أم كبر بغير حق موجب له !!
ورسم للمسلمين وغيرهم طريق الوسطية ، والاعتدال في العقيدة ، والسلوك ، والمنهج ، وحسن التعامل والمعاملة .
لذا أحببت أن أشارك بهذا البحث الذي أسميته : حقيقة الإرهاب (المفاهيم، والجذور ) . وقد جعلته في مقدمة ومبحثين .
ذكرت في المبحث الأول معنى الإرهاب في اللغة، وتعدد المفاهيم حوله،وفيه أربعة مطالب:

- المطلب الأول : في بيان معنى الإرهاب في اللغة .
- المطلب الثاني : تعدد مفاهيم الإرهاب ، واختلاف وجهات النظر حولها .
- المطلب الثالث: في مناقشة المفاهيم، والتعريفات القريبة من الصواب .
- المطلب الرابع : في التعريف المقترح للإرهاب .
أما المبحث الثاني فهو في بيان نشأة الإرهاب ، وجذوره ، وفيه ثلاثة مطالب :
- المطلب الأول : في بيان نشأة الإرهاب العالمي .
- المطلب الثاني : سيادة الإرهاب في العالم .
- المطلب الثالث: في بيان جذور الإرهاب في البلاد العربية والإسلامية .
وقد رجعت في كل ذلك إلى بطون الكتب والمراجع الأساسية المعول عليها ، وأجريت دراسة ميدانية ، واستقراء لواقع بعض من قام بهذا العمل ، وصغته في كتاب مستقل لم يطبع بعد ، أسميته الإرهاب في نظر الإسلام ( حقيقته ، جذوره ، أسبابه ، حكمه ، حلوله ) دراسة موسعة وموثقة بالأدلة ، استغرق مني حوالي عشر سنوات ، اجتهدت فيه قدر استطاعتي، ووددت نشره والاستفادة منه ، راجياً من الله المثوبة والغفران ، وأن يجعله خالصاً لوجه الكريم ، وأن يحتسبه في ميزان حسناتي يوم لقائه،والخير أردت،فإن وفقت فهو من فضل ربي، وإن كانت الأخرى، فحسبي أني بذلت جهدي،وعلى غيري أن يعلي البيان ويحسن البيان .

المبحث الأول
تعــدد مفاهيم الإرهـــاب
واختلاف وجهات النظر حول مصطلحه

المطلب الأول – معنى الإرهاب في اللغة :
الإرهاب مصدر أرْهبْ يُرهِبْ ، وأصله مأخوذ من الفعل الثلاثي : رَهَبَ يَرْهَبُ .. ويأتي في اللغة – لأحد معنيين كما يقول ابن فارس : أحدهما يدل على خوف، والآخر يدل على دقةٍ وخفة . فالأول : الرهبة ، تقول : رَهَبْتُ الشيء رُهْباً ورَهَباً ورَهبةً ، أي خفته ( ).
يقول ابن دريد : "رَهَبَ الرجل يَرْهَبُ رَهْبَاً ورَهَباً : إذا خاف .. ومنه اشتقاق الراهب والاسم الرهبة ... والرَهَبُ : الفزع ( ) .
ويقول ابن منظور : رَهِبَ يَرْهَبُ رَهبَةً ورُهْباً : أي خاف ، وأرهبه ورَهَّبه واسترهبه : أخافه وفزَّعه( ) .
وجاء في تاج العروس : أرْهَبَه : استَرهَبه حتى رهِبه الناس ... والإرهاب بالكسر: الإزعاج والإخافة( ) .
وقد وردت لفظة (رهب وأرهب) في القرآن الكريم ، والحديث النبوي الشريف في مواضع عديدة .. فمن القرآن الكريم :
1- قوله تعالى : { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ }( ) .
فمعنى قوله تعال : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُون } أي خافون، والرُّهْبُ والرَّهْبةُ: الخوف، ويتضمن الأمر به معنى التهديد( ) .
2- قوله تعالى في سورة الأنفال : { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } ( ).
فمعنى قوله تعالى (تُرْهِبُون) أي تخيفون( ) .
يقول ابن العربي في تفسير (تُرْهِبُون) أي تخيفون بذلك أعداء الله وأعداءكم من اليهود والنصارى وكفار العرب( ).
وقد أوضح الفخر الرازي أن الحكمة من إعداد القوة ورباط الخيل هي أن الكفار إذا علموا أن المسلمين متأهبون للجهاد ، ومستعدون له ، ويملكون جميع الأسلحة والأدوات : خافوهم( ).
ونحو ذلك من الآيات التي تدل على أن معنى ( رَهَبَ وأرْهب ) لا يخرج عن الخوف .
ومن الحديث النبوي الشريف ما رواه البراء بن عازب أن النبي  قال: (إذا أخذت مضجعك ، ثم اضطجعت على شقك الأيمن ، فقل اللهم أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك ، وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ، وبرسولك الذي أرسلت ... ) ( ).
وقد فسر ابن الأثير الرهبة الواردة في الحديث بأنها : الخوف والفزع( ) ومن هنا يتضح : أن كلمة (رَهَب وأرْهَب) التي وردت في القرآن الكريم ، والحديث الشريف لا تخرج عن معناها في اللغة العربية وهو : الخوف والفزع والخشية .

المطلب الثاني – تعدد المفاهيم حول مصطلح الإرهاب :
ظهر لي – من خلال التتبع والاستقراء – أن الإرهاب المعبر عن نوعية خاصة من الجرائم المعاصرة : مصطلح محدث ، لم أجد له تعريفاً في المصطلحات الشرعية لدى العلماء القدامى ؛ لأن أول ظهور واستخدام له – بهذه الصورة – لم يطلق إلا منذُ قرنين ونيّف إبان الثورة الفرنسية عام (1789–1794م) ( ) وهذا يعني أنه نابع من فكر أوربي ، ويرد المزاعم الباطلة التي تصف الإسلام به .
وقد اختلف العلماء والمفكرون في جميع أنحاء العالم على اختلاف أديانهم اختلافاً كثيراً في تحديد معناه ، وضبط مفهومه حتى الآن وهذا ما زاد مصطلحه غموضاً وتعقيداً ، والسبب في ذلك – في نظري – يعود لأمرين :
الأمر الأول : الاختلاف في طبيعة العمل الذي يمارسه الإرهابي .
فقد تعددت وجهات النظر في ذلك ، فالإرهابي يعد في نظر بعضهم مجاهداً أو مناضلاً من أجل الحرية ، وفي نظر بعضهم الآخر مجرماً يستحق العقاب !
الأمر الثاني : الالتباس القائم بينه وبين بعض المصطلحات الفقهية كالحرابة والبغي ، والكفاح المسلح من أجل التحرر ، والجهاد المشروع.
وبناءً عليه كثرت التعريفات ، وتشعبت الرؤى بين العلماء المفكرين في ضبط مفهومه ، وتحديد معناه . ويمكن لي أن ألخص تعريفات الإرهاب الواردة في المعجمات والقواميس ، والمنظمات الدولية ، وبعض المفكرين فيما يأتي :
أولاً – تعريفات المعجمات والقواميس للإرهاب :
أ – تعرف المعجمات الإرهاب بأنه : ذلك النشاط ، أو تلك الوسائل المستخدمة لنشر وبث الرعب( ).
ب – تعرفه القواميس بأنه : وصف يطلق على كل من يلجأ إلى استخدام العنف لتحقيق أهداف معينة( ) .
ثانياً – تعريفات المنظمات الدولية :
أ – عرفت قرارات الأمم المتحدة الإرهاب بأنه : تلك الأعمال التي تعرض للخطر أرواحاً بشرية بريئة أو تهدد الحريات الأساسية ، أو تنتهك كرامة الإنسان( ) .
ب – عرفه خبراء الأمم المتحدة بأنه : إستراتيجية عنف محرمٌ دولياً ، تحفزها بواعث عقدية ( إيديولوجية ) تتوخى إحداث الرعب داخل المجتمع لتحقيق الوصول إلى السلطة أو تقويضها( ) .
ج– عرفه القانون الدولي بأنه: جملة من الأفعال التي حرمتها القوانين الوطنية لمعظم الدول( ) .
د– عرفته الخارجيــــة الأمريكية بأنه : عنف تولده دوافع سياسية ، وينفذ – مع سبق الإصرار– ضد مدنيين لا صلة لهم بالحرب ، أو ضد عسكريين عزل من السلاح تقوم به جماعات وطنية ، أو عملاء سريون( ) .
هـ– عرفته الاتفاقية العربية بأنه : كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به ، أياً كانت دوافعه أو أغراضه ، يقع تنفيذه لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ، يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم ، أو تعريض حياتهم أو حرياتهم وأمنهم للخطر ، أو إلحاق الضرر بالبيئة ، أو بأحد المرافق أو الأملاك ( العامة والخاصة) أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر( ) .
و – عرفه المجمع الفقهي الإسلامي بأنه : عدوان يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان (دينه،ودمه،وعقله،وماله،وعرضه) ويشمل صنوف التخويف والأذى ، والتهديد والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبل ، وقطع الطريق ، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ، يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس ، أو ترويعهم بإيذائهم ، أو تعريض حياتهم أو حريتهم ، أو أمنهم أو أحوالهم للخطر ، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة ، أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة ، أو تعريض أحد الموارد الوطنية ، أو الطبيعية للخطر ، فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها( ) .
ثالثاً – عرفه كثير من المفكرين والقانونيين والكتاب بأنه : استخدام عنف منظم بقصد إيجاد حالة من التهديد الموجه ضد الدولة أو الجماعة ؛ لتحقيق أغراض سياسية ( ) .
وبعضهم يعرفه بأنه : حرب مدمرة تقوم به جماعة سياسية أو عقدية لها طابع منظم بقصد إحداث حالة من التهديد أو الفوضى ؛ لتحقيق السيطرة على المجتمع ، أو إسقاط سيطرة الدولة القائمة .

المطلب الثالث – مناقشة التعريفات :
من خلال استعراض التعريفات وجدت أنها اتخذت مسلكين مختلفين لبيان مفهوم الإرهاب .
المسلك الأول وصف الإرهاب بأنه : عنف وعدوان .
وقد ذهبت إليه كل من تعريفات خبراء منظمة الأمم المتحدة ، والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، والمجمع الفقهي الإسلامي ، والخارجية الأميركية .
وهو ما ذهب إليه كلٌ من أندرسون، وإيريك موريس ، وسليم قريشي ، والدكتور أحمد جلال عزالدين ، وأحمد رفعت ، وعبد الناصر حريز ، ومحمد دعبس ، وقاموس علم العلاقات الدولية .
ومن هذه المجموعات من أضاف إلى العنف : التهديد بالعنف كالاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، وإيريك موريس، وعبد الناصر حريز، ومحمد دعبس .
المسلك الثاني وصف الإرهاب بأنه : رعب .
وقد ذهب إلى هذا المسلك كل من تعريف القاموس السياسي ، ومعجم الدبلوماسية ، ومعجم مصطلحات العلوم الاجتماعية ، ومعجم العلوم الاجتماعية والرائد.

ويلحظ على ذلك ما يأتي :
أ- أن التعريفات التي سلكت المسلك الثاني : ارتكزت على التعريف اللغوي للإرهاب بينما أهملته التعريفات التي سلكت المسلك الأول ، ولا شك أن مراعاة المعنى اللغوي في التعريفات الاصطلاحية أولى من إغفاله .
أضف إلى هذا أن بعض التعريفات التي سلكت المسلك الأول ، قررت : أن هذا العنف يهدف إلى إيجاد حالة رعب ، وهو ما ذهبت إليه الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب ، والمجمع الفقهي الإسلامي ، وذهب إليه سليم قريشي، وأحمد رفعت .
ب- أن بعض التعريفات ذكرت الهدف من الإرهاب، والأعمال الإرهابية سواء منها التي عرَّفت الإرهاب بأنه : عنف ، أم تلك التي عرَّفته بأنه: رعب.
وقد ذهب إلى هذا كلٌ من تعريف خبراء الأمم المتحدة الإقليميين، والاتفاقية العربية المشتركة لمكافحة الإرهاب ، وتعريف أندرسون ، وإيريك موريس وسليم قريشي ، والدكتور أحمد جلال عز الدين ، وأحمد رفعت ، وعبد الناصر حريز ، ومحمد دعبس ، والقاموس السياسي ، وقاموس علم العلاقات الدولية ، ومعجم الدبلوماسية والشؤون الدولية ، ومعجم مصطلحات العلوم الاجتماعية ، وذهب إليه أيضاً المعجم الوسيط ، والمنجد ، والرائد.
ج- يلحظ أن بعض التعريفات أوضحت: أن الإرهاب تقوم به جماعة منظمة ،وهو ما ذهب إليه الدكتور أحمد جلال عز الدين ، ومحمد دعبس ، ومعجم مصطلحات العلوم الاجتماعية.

عناصر الإرهاب :
من خلال ما سبق يتبين أن تعريف الإرهاب يقوم على ثلاثة عناصر أساسية هي :
1- أعمال معينة وُصِفت بأنها عنف،أو رعب على خلاف بين التعريفات في ذلك كما ذكرنا.
2- هدف أو مقصد معين يستهدفه الإرهاب ، سواء كان هذا الهدف الوصول إلى السلطة ، أو إسقاطها ، أو إخضاع الآخرين لسلطان ممارسي الإرهاب ، أو نحو ذلك من الأهداف السيئة .
3- جماعة منظمة تقوم بالإرهاب ، وتسعى إلى تحقيق أهدافها المرسومة!
فهذه هي العناصر الأساسية التي اشتركت فيها التعريفات السابقة.

المطلب الرابع – التعريفات القريبة من الصواب ، والراجح منها :
يتضح مما تقدم أن أقرب هذه التعريفات إلى تصوير حقيقة الإرهاب : هي التعريفات التي اشتملت على جميع العناصر الأساسية التي ذكرناها للإرهاب .
وبناءً عليه يمكن القول : إن هذه العناصر قد اجتمعت في تعريفات كلّ من المجمع الفقهي ، والدكتور أحمد جلال عز الدين ، وأحمد رفعت ، وعبد الناصر حريز ، ومحمد دعبس ، وهم ممن سلك المسلك الأول الذي عرَّف الإرهاب بأنه : عنف أو عدوان .
وفي الجانب الذي عرَّف الإرهاب بأنه : رعب ، نجد أن تعريف معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية جمع العناصر الثلاثة الأساسية .
فهذه التعريفات تضمنت العناصر الأساسية للإرهاب ، فهي إذن متقاربة في معناها وفي صياغتها .
وإذا كان لي أن أفاضل بينها فإني: أقدم عليها تعريف معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية؛ لأنه يفضُل عليها في تضمنه المعنى اللغوي للإرهاب ، وهو ( الرعب والفزع ) .
غير أن هذا التعريف والتعريفات التي اشتركت معه في العناصر الأساسية يُلحظ عليها التطويل والتكرار، هذا عيبٌ من عيوب التعريفات يُحتـــِّم علينا صياغة تعريف يخلو ما أمكن من ذلك .

التعريف المقترح للإرهاب :
بعد أن ناقشت التعريفات ، وذكرت أقربها للصواب والأرجح في نظري ، رأيت أن أقوم بصياغة تعريف جديد للإرهاب أتجنب فيه – قدر الإمكان – تلك الملحوظات ، لذا فإن الإرهاب – في نظري عبارة عن :
" رعبٌ تنشره جماعة منظمة ( عامة أو خاصة ) على نطاقٍ واسع ، أو محدود عن طريق استخدام وسائل العنف ، أو التهديد بها ؛ لتحقيق أهدافٍ غير مشروعة في الإسلام".
فقولي : (إن الإرهاب رعب) استحضاراً لمعناه اللغوي الذي قرره علماء اللغة ؛ حيث ينبغي مراعاة المعنى اللغوي – قدر المستطاع – في المعنى الاصطلاحي ، ومن ثم الإضافة إليه بما يجعل التعريف جامعاً مانعاً.
وقولي : (تنشره جماعة منظمة) قيد تخرج به الجرائم العادية والفردية ؛ فإنها لا تنشر الرعب – في الغالب – إلا في محيط الضحية وما حولها ، بخلاف الإرهاب فإنه ينشر الرعب والفزع على نطاقٍ واسعٍ في المجتمع .
وقولي : (عامة أو خاصة) يشمل الإرهاب الذي تقوم به الدولة أو أحد قطاعاتها، كما يشمل الإرهاب الذي يقوم به بعض الأفراد الذين يملكون مقوماته ووسائله .
وقولي : (عن طريق استخدام وسائل العنف) يدخل فيه جميع أعمال التخريب أو التفجير ، أو الاختطاف ونحو ذلك . ويخرج به الرعب الذي ينتج عن وقوع الكوارث الطبيعية ؛ كالعواصف والزلازل ، والفيضانات والحرائق، ونحو ذلك ، فهذا الرعب والفزع لا يدخل تحت مسمى الإرهاب .
وقولي : (أو التهديد به) لأن التهديد يحقق ما يحققه العنف ذاته من نشر الرعب والفزع بين الناس ، بل قد يكون التهديد أشد وقعاً على النفوس من الفعل المهدد به ذاته ، وقد ثبت في الواقع أن التهديدات التي يلوح بها الإرهابيون إلى ضحاياهم تثير فيهم الرعب والفزع الكبير،كما لو أن الأفعال المهدد بها من قتلٍ وسواه قد وقعت بالفعل عليهم،ومن هنا كان الأبلغ في تصوير الإرهاب إضافة التهديد بالعنف لكونه وسيلة لنشر الرعب وزعزعة الأمن.
وقولي : (لتحقيق أهداف غير مشروعة في الإسلام) قيد يخرج به كل ما يحقق أهدافاً مشروعة في الإسلام ، كجهاد الكفار المحاربين ، وصد الغزاة المحتلين، وقتال البغاة ، وقُطَّاع الطرق ، كما يخرج به ما يراه أعداء الإسلام مشروعاً لا تؤيده الشريعة الإسلامية .
ولا شك أن الإرهاب الذي يـُمَارَس في مجتمعٍ ما يسعى لتحقيق هدفٍ معين ترسمه الجماعة القائمة به ، وفي الغالب الأعم يكون هذا الهدف سياسياً ، بمعنى أنه يتوخى تحقيق نتائج ذات طابع سياسي ، كالوصول إلى السلطة ، أو تقويض السلطة القائمة لصالحه أو لصالح غيره ، أو الضغط على السلطة لحملها على توجهات أو اعتقادات معينة ، أو الانتقام من السلطة التي عارضت أهدافه ووقفت أمام توجهاته .

المبحث الثاني
نشــأة الإرهاب العالمي ، وجـــذوره
في البلاد العربية والإسلامية

المطلب الأول – نشأة الإرهاب العالمي ، وتطوره :
إن المتتبع للوثائق التاريخية يجد أن الإرهاب قد ظهر منذ القدم في مجتمعات مختلفة مارسته جماعات من شعوب متعددة :
 ففي مصر القديمة دلت البرديات على ممارسة إرهاب دموي بين أحزاب الكهنة ، نشأ بسبب الخلاف حول بعض الأفكار والمعتقدات السائدة آنذاك.
 وفي البلاد اليونانية أشارت آثار قديمة يرجع تاريخها إلى عام 410 قبل الميلاد إلى العمليات الإرهابية التي كانت تهدد أمن البلاد ، وتتمثل في محاولات قلب نظام الحكم.
 وفي عهد الرومان مُورِِست الأعمال الإرهابية ؛ حيث كانت السلطات الرومانية تصف الإرهابيين ومرتكبي الجرائم السياسية بأنهم (أعداء الأمة).
وقد عدت السلطات الرومانية ما يقوم به الإرهابيون من جرائم نوعاً من الحرب الذي يماثل الأعمال الحربية التي تشنها الدول من الخارج ( ).
ومن أقدم الأمثلة التي يذكرها المؤرخون لتاريخ الإرهاب: تلك الأعمال التي كانت تمارسها الحركــة الإرهابية المعروفــة بـ " السيكاريين" وهي طائفة دينيــة على درجـــــة عالية من التنظيم ظهرت في فلسطين ما بين (66-73م) في القرن الأول الميلادي؛حيث كانوا يهاجمون أعداءهم في وضح النهار .
ومن الأعمال التي كانوا يقومون بها حرق الغلال،وإتلاف المحاصيل الزراعية وتخريب تمديدات المياه في مدينة القدس ، وكانت هذه الأعمال تُبارك من قبل رجال الدين المسيحيين ! ( ) .

تطور الإرهاب العالمي :
تطور الإرهاب في العالم ، واستفحل أمره أيام الثورة الفرنسية (1789- 1793م) فقد أُطلق وصف الإرهاب لأول مرة على (روبسبير) ورفاقه ، واللجنتين المشهورتين بلجنتي السلامة العامة والأمن العام . ويصف المؤرخون الأحداث المهولة التي اجتاحت فرنسا ابتداء من خريف 1793م بأنها بداية عهد الإرهاب المعاصر .

المطلب الثاني - سيادة الإرهاب في العالم :
لابد لنا أن نعرج – بشيء من التفصيل – على سيادة الإرهاب في العالم ، للزيادة في معرفة جذوره ، وكيف استفحل أمره ؛ حتى وصل إلى حالته المعاصرة ، وذلك فيما يأتي :
أولاً - سيادة الإرهاب في فرنسا :
ساد الإرهاب فرنسا عندما قام أنصار النظام الثوري الجديد الذي يقوده اليعقوبيون( ) بتاريخ (2/9/1792م) بالزحف على السجون ؛ بدعوى تصفية الحساب مع الخونة المعادين للنظام الثوري الجديد في فرنسا.
وبعد مضي سنة على مجازر السجون ، عُقد في باريس مؤتمر وطني حضره وفود (48) دائرة ، وارتفعت أصواتهم : بأنه حان الوقت لإرهاب المتآمرين على النظام ، وتنادوا بضرورة إدراج الإرهاب في جدول الأعمال( ).
وفي عام 1793م استولى اليعقوبيون المتعصبون على السلطة في فرنسا بزعامة (ماكسملان روبسبير) عن طريق العنف الغوغائي، وتضامنوا مع لجنة السلامة العامة التي أسسها (دانتون).
يقول ألبيرسوبول "وارتدى الإرهاب أحياناً – بقوة الأحداث – طابعاً اجتماعياً بعد أن كان سياسياً في جوهره ، لأن المفوضين لم يستطيعوا الاعتماد إلا على الجمهور الشعبي الثوري ، وعلى الأُطُر اليعقوبية" ، وكان اليعقوبيون يدعون بشكلٍ صريح إلى ممارسة الإرهاب لتثبيت سلطتهم وإخضاع الآخرين بالقوة( ). فظلت الفوضى مستمرة وسفك الدماء ، والرعب والفزع على أشده .
ثانياً – سيادة الإرهاب في الولايات المتحدة الأميركية :
اجتاحت الولايات المتحدة – منذ بداية القرن العشرين – موجات من العنف، ظهرت على إثرها كثير من الحركات الإرهابية ، أهمها فيما يأتي :
1– اجتاحت ولايتيّ فلادلفيا ونيويورك موجات من العنف ، استهدفت العباد في الكنائس والأديرة ؛ بسبب التعصب الشديد ضد المذهب الكاثوليكي .
2– تفجر العنف في منتصف القرن العشرين في كنساس ، ونبراسكا بين المنادين بإلغاء الرِّق ، وبين المطالبين بإبقائه ( ) .
3– اجتاح العنف معاقل السود بعد نهاية الحرب الأميركية سنة (1910م) والتي بدأت سنة (1870م) وكانت تقوم بها جماعات من البيض سُمِّيت بـ (الكوكلوكس) بقصد ترسيخ سيادة الرجل الأبيض .
4– مع ظهور الشيوعية وانتشارها صارت اتحادات العمال : تقوم بأعمال عنف ، ومن أشهرها : جماعة مولي ماغوير، وجماعة فرسان العمل ، وجماعة العمل والعمال العالميين.
5– بعد الحرب العالمية الثانية : ظهرت النزعات العرقية الدامية ، ومنها قيام جماعة بيرتوريكان الوطنية بإطلاق نار المدافع والبنادق على الكونجرس أثناء خطاب ترومان.
6– في الستينات تم اغتيال الرئيس الأميركي جون كينيدي لأسباب سياسية تتعلق بكوبا، ثم تلاه اغتيال زعيم الحقوق المدنية مارتن لوثر كينج لأسباب عرقية ، ثم تلاه اغتيال روبرت كينيدي شقيق الرئيس الأميركي جورج كينيدي لأسباب سياسية تتعلق بالشرق الأوسط عند خوضه الانتخابات الرئاسية.
7– في أواخر الستينات : قامت حركة عنف مناهضة لحرب فيتنام ضد المؤسسة العسكرية والنظام الجامعي.
8– في فترة السبعينات : تجددت أعمال العنف العرقي بين قوميات مختلفة ، عندما قامت رابطة الدفاع اليهودية بالهجوم على مكاتب الطيران الروسية (الإيروفلت) واستهدفت العرب فاغتالت الناطق باسم فلسطين القس عودة .
9– وفي عام 1984م جرت محاولة اغتيال الرئيس الأميركي رونالد ريغان، كما تم تفجير مكتب التحقيقات الفدرالي بأوكلاهوماستي ( ) .
ثالثاً - سيادة الإرهاب في إسرائيل :
هاهو ذا التاريخ يعيد نفسه عن طريق الصهيونية العالمية ممثلة في إسرائيل بقيادة (أرييل شارون) الذي حرص أبوه على انضمامه لعصابة الهاغاناه ( ) الصهيونية ، وهو
ابن العاشرة من عمره ، ليتدرب على أيدي أكبر رجال العصابات الصهيونية ، وقد حدثت جريمته الأولى في عام (1943م) بخطف الطفل الفلسطيني (عز الوهابي) ابن أحد المجاهدين، ثم قام بفصل رأسه عن جسده بسكينته الحادة ( ).
وكان يقول: "أشعر بالمتعة الحقيقية وأنا أرى دماء الفلسطينيين .. وأنا لا أتورع عن قتل أي عربي ولو كان في آخر الدنيا ... وإن قتل أي عربي أو فلسطيني هو واجب مقدس ، ويجب أن يكون أعلى الواجبات وأقدسها لنا جميعاً... إن لدينا أسلحة جديدة ، ولدينا عقيدة قتالية كافية لأن نجعل كل دول المنطقة خاضعة لنا ... ألا تحلموا مثلي بحدود إسرائيل الكبرى التي يجب أن تمتد بدون حدود..سنضع أقدامنا على رؤوس العرب"( ) . وما زال مستمراً في ذلك، دون رادعٍ يردعه من تحقيق أهدافه الاستعمارية ، على مرأى ومسمع من الدول العظمى التي تنادي بالسلام .
وانطلاقاً من هذه النفسية العدوانية تشكَّلت أولى المنظمات الإرهابية التي تمارس ، وتحرض على العنف والإرهاب في المنطقة ، وأهم هذه المنظمات هي:
1- حركة (هتحيا) من حزب حيروت.
2- حركة (أرض إسرائيل الكاملة) التي ولدت من حركة العمل ، وأعضاؤها من حزبي ماياي وحيروت والمفدال والمابام.
3- حركة (الأرجل السوداء) وهو تنظيم يرتبط بحركة فرنسية مماثلة كانت تعمل ضد استقلال الجزائر.
4- حركة (غوش إيمونيم) وقد انطلقت بعد حرب 1973م من مستعمرة كريات أربع في الخليل.
5- المجلس الإقليمي لمستوطنات يهودا والسامرة وغزة.
6- حركة (غال) وهي الأحرف العبرية الأولى لمنظمة إنقاذ إسرائيل.
7- رابطة (أمن التحرك) على طريق يهودا والسامرة.
8- حركة الإرهاب ضد الإرهاب (تي آن تي).
9- حركة (حيرف جدعون) سيف جدعون ، وتختص بضرب العمال العرب داخل إسرائيل.
10- حركة قمع الخونة ، وتعمل على تهجير العرب.
11- حركات (الحشمونائيم) و (وسيوري تسيون) و (ماعتس) وتختص بممارسة الإرهاب في الأماكن المقدسة لدى المسلمين والمسيحيين( ).

المطلب الثالث – جذور الإرهاب في البلاد العربية والإسلامية :
تــــوطئة :
إذا كانت الأنشطة الإرهابية العالمية قد عُرفت منذ زمن قديم ، وتطورت إبان عهد الثورة الفرنسية منذ قرنين ونيف ؛ فإن الإرهاب في البلاد العربية والإسلامية لم يُعرف إلا في أواخر عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه ، عندما قامت أول حركة ضالة مدبرة بزعامة اليهودي عبد الله بن سبأ( ) الذي أظهر الإسلام ليتسلل داخل صفوف المسلمين ، ويشعل نار الفتنة بينهم ، الأمر الذي تمخض عنه– فيما بعد- ظهور فرقة السبئية من الخوارج .
فما أشبه الإرهاب الذي تشتعل ناره اليوم في بعض الدول العربية والإسلامية – في منطلقاته وشعاراته – بذلك الإرهاب الذي اصطلت بناره عاصمة الخلافة الإسلامية المدينة المنورة آخر عهد الخليفة الراشد (عثمان بن عفان) ، وأوائل عهد الخليفة الراشد (علي بن أبي طالب) رضي الله عنهما.

دور ابن سبأ في الإعداد والتدبير للإرهاب :
يقول الإمام الطبري: "كان عبد الله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء ، أمه أَمة سوداء ، أسلم زمن عثمان بن عفان ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم.
فبدأ بالحجاز ، ثم البصرة ، ثم الكوفة ، ثم الشام ، فأخرجوه حتى أتى مصراً فاعتمر فيهم فقال لهم فيما يقول :"لعجب ممن يزَعم أن عيسى يرجع ويُكذِّب بأن محمداً يرجع ، وقد قال الله عز وجل : { إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ }( ) فمحمــد أحـق بالرجوع من عيسى ، ثم قال: إنه كان ألفُ نبي ، ولكل نبي وصي ، وكان (علي) وصيّ (محمد) ، ثم قال : محمد خاتم الأنبياء وعلي خاتم الأوصياء،ثم قال بعد ذلك : من أظلم ممن لم يُجِزْ وصية رسول الله  .
ثم قال لهم: إن عثمان أخذها بغير حق، وهذا وصي رسول الله  ، فانهضوا في هذا الأمر فحركوه ، وابدؤوا بالطعن على أمرائكم، واظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تستميلوا الناس، وادعوهم لهذا الأمر .
فبث دعاته وكاتب من كان استنْفر في الأمصار وكاتبوه ، ودعوه في السر إلى ما عليه رأيهم، وجعلوا يكتبون في الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم، ويكتب أهل كلَّ مصرٍ منهم إلى مصرٍ آخر بما يضعون فيقرؤه أولئك في أمصارهم وهؤلاء في أمصارهم ، حتى تناولوا بذلك المدينة وأوسعوا الأرض إذاعة وهم يريدون غير ما يبدون( ) .
ثم قام بالتأليب على الخليفة عثمان ، وانتقل إلى مصر ونزل على كنانة بن بشر مرة ، ثم نزل على سودان بن حمران ، ثم تركه ، وانقطع إلى الغافقي ، وقد التف حوله خالد بن ملجم، وعبد الله بن رزين وأشباههم ، فكلمهم في مسألة الوصية فلم يجيبوه ، فقال عليكم بباب العرب وحجرهم – يعني عمرو ابن العاص – ولسنا من رجاله فأروه أنكم تزرعون، ولا تزرعوا هذا العام شيئاً حتى تنكسر مصر ، فنشكوه إلى عثمان فيعزله عنكم ، ونسأله من هو أضعف منه ونخلو بما نريد ، فنظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر !!
ثم خرجوا شاكين إلى عثمان عمرو بن العاص،ومستعفينه منهم ، ومطالبين بابن أبي السرح مكانه، فأقره على الخراج وترك عَمْراً على الصلاة،ثم أوقعوا بين عمرو وعثمان بن أبي السرح، حتى كتب كل واحدٍ منهما ما بلغه إلى عثمان فجمع مصر كلها إلى ابن أبي السرح( ) .
وبعد هذا عمت مصر ظاهرة جديدة ، هي التأليب على الإطاحة بعثمان( ) كل ذلك بإعداد من ابن سبأ .
1- ثم قام ابن سبأ بعد ذلك بالإعداد للإطاحة بالخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه في عقر داره ؛ فزحف على المدينة تحت ستار أداء فريضة الحج بعد أن أشاع هو وأعوانه في الأمصار ، وبخاصة في مصر: أن الصحابة بالمدينة كتبوا إليهم أن أقدموا علينا ، فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد( ).
وفي سنة (35 هـ) تكاتب السبئيون في الأمصار، وتواعدوا على اللقاء بالمدينة ، لتنفيذ ما خططوا له ، فخرج من مصر ما بين ستمائة وألف رجل يتزعمهم الغافقي بن حرب العكي ، ومعهم عبد الله بن سبأ متنكراً وهم يظهرون أنهم يريدون الحج ، وخرج عددٌ مماثل لهم من الكوفة ومثلهم من البصرة يقودهم حُكَيم بن جبلة وهم جميعاً يُظهرون الحج إلى بيت الله الحرام، وعسكروا حول المدينة المنورة ، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( ) .
ولما علم عثمان بأمر السبئيين أرسل إليهم (علياً) يفاوضهم ، فسألهم عليٌّ ما تنقمون من عثمان؟ فذكروا أشياء منها: أنه حمى الحمى( ) ، وأنه حرق المصاحف، وأنه أتم الصلاة في الحج، وأنه ولّى الأحداث ، وأنه أعطى بني أمية أكثر من الناس .
فأجابهم (عليٌّ) على أسئلتهم بما يأتي :
 أما الحمى فإنما حماه لإبل الصدقة لتسمن،ولم يحمه لإبله ولا لغنمه،وقد حماه عمر قبله .
 وأما المصاحف فإنما حرَّق ما وقع فيه اختلاف، وأبقى لهم المتفق عليه الذي ثبت في العرضة الأخيرة .
 وأما إتمامه الصلاة بمكة فإنه كان قد تأهل بها ونوى الإقامة فأتم الصلاة .
 وأما تولية الأحداث فلم يُولِّ إلا رجلاً عدلاً ، وقد ولَّى رسول الله  عتاب بن أُسَيْد على مكة وهو ابن عشرين سنة ، وولَّى أسامة بن زيد بن حارثة وقد طعن الناس في إمارته.
 وأما إيثاره بني أمية فقد كان رسول الله  يؤثر قريشاً على الناس.
فاقتنعوا بإجاباته ، ثم أمرهم علي رضيّ الله عنه بالرجوع عن المدينة فخرجوا عنها.
2- حصار المدينة : بعد أن خرج السبئيون عن المدينة وساروا أياماً، عادوا مرة أخرى ، وأحاطوا بالمدينة ، وتجمع جمهورهم عند دار عثمان ، وقالوا للناس : من كفَّ يده فهو آمن ، فكف الناس أيديهم ولزموا بيوتهم.
وقد ذهب إليهم (عليٌّ) مع نفرٍ من الصحابة فقال لأهل مصر : ما ردكم بعد ذهابكم ؟ فقالوا: وجدنا مع بريد كتاباً إلى والي مصر من الخليفة يأمره بقتلنا ، وقال أهل الكوفة وأهل البصرة : جئنا لنصر أصحابنا.
فقال الصحابة : كيف علمتم بذلك من أصحابكم وقد افترقتم عنهم وصار بينكم مراحل؟ إن هذا أمر اتفقتم عليه.
فأجابهم الثائرون : احملوه على ما أردتم ، لا حاجة لنا في هذا الرجل ، ليعتزلنا ونحن نعتزله ، يعنون بذلك التنازل عن الخلافة ! ثم أقبلوا على عثمان رضي الله عنه ، فقالوا : كتبت فينا بكذا وكذا ، فقال : إنهما اثنان، إما أن تقيموا رجلين من المسلمين – أي شاهدين – أو يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت ولا أمليت ولا علمت ، وقد يُكتب الكتاب على لسان الرجل ويُنقش الخاتم على الخاتم .
فلم يقبلوا منه وحاصروه في بيته أربعين يوماً، ومنعوا عنه الماء حتى أشرف هو وأهل بيته على الهلاك عطشاً ( ).
3- قتل الخليفة ونهب بيت مال المسلمين :
بقي ثلة من الصحابة وبعض أبناء الصحابة يدافعون عن عثمان ، ولكنهم تكاثروا عليهم وحرَّقوا الباب واقتحموا الدار وقتلوه رضي الله عنه ، ظلماً وعدواناً وهو يقرأ القرآن ، فسالت دماؤه الطاهرة على المصحف الشريف ، وقتلوا بعض غلمانه وانتهبوا ما وجدوه في الدار من متاع ، وما على النساء من حلي ، واستولوا على ما وجدوه في بيت مال المسلمين ، ودُفِن عثمان رضي الله عنه ليلاً على يد نفرٍ قليل من الصحابة وهم في حالة كبيرة من الخوف والفزع ( ).
يروي الربيع بن مالك بن عامر عن أبيه قال: "كنت أحد حملة عثمان رضي الله عنه حين قُتِل ، حملناه على باب ، وإن رأسه لتقرع الباب لإسراعنا به ، وإن بنا من الخوف لأمراً عظيماً حتى واريناه قبره" ( ).

الخاتمـــة :
يتضح من كل ذلك :
أن الإرهاب دخيل – من حيث المنشأ والفكر والمنهج – على المسلمين ، وليس في الإسلام ما يدعو إليه ، بل على العكس من ذلك: فإنه يحرمه ويستنكره .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين .

الحوار الخارجي: 
أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك