الإسلامويون المتطرفون في أوروبا
لم يتمكن السلفيون على الرغم من التشدد العقائدي من بلورة نظام مذهبي نظري متماسك أو من إنشاء هياكل تنظيمية قابلة للاستمرار، بل كانوا دائمًا مجموعة منقسمة، كما يوضح رودولف شيميلي.
لم يصبح السلفيون محط الاهتمام العام إلا منذ عقدين من الزمن. ولم يكُن يَعرف بوجودهم إلى ذلك الحين سوى المختصّين. حتى أن الأدبيات والمراجع التي تناولت الإسلام وظهرت في مطلع الألفية الثالثة لم تكُن تحتوي بعد على مصطلحي "السلفية" و "السلفيين". بيد أن التاريخ قد عرف مرات عدة محاولات سعت للتوصل إلى أشكال حياة ترجع إلى فترة صدر الإسلام وإلى تنقية العقيدة من التزييف الذي لحق بها في المراحل اللاحقة. ويتبع السلفيون منهج السلف الصالح المتمثل في النبي وصحابته وفي الجيلين الأولين من أتباعه. ويقول أحد الأحاديث من مجموعة صحيح البخاري "... فَإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ".
اعتبار التجديد سببًا للتدهور الإسلامي
نسبة السلفيين أقل من واحد بالمائة من مجموع المسلمين البالغ 1.3 مليار مسلم، أي أن عددهم يبلغ حوالي عشرة ملايين. لم يتمكن السلفيون على الرغم من التشدد العقائدي من بلورة نظام مذهبي نظري متماسك أو من إنشاء هياكل تنظيمية قابلة للاستمرار. وهناك تنافس وعداوات داخل السلفية. كما يوجد ترابط وتداخُل ولكن هنالك أيضًا اختلافات شديدة بين الاتجاهات المتطرّفة الأخرى في الإسلام، التي تستند مثل الوهابية السعودية والأخوان المسلمين جزئيًا على المصادر ذاتها.
الانكفاء على الذات
أما السلفيون فهم منقسمون في تفاعلهم مع الحداثة. ولا يرفض جميعهم الايديولوجيات مثل الرأسمالية أو الاشتراكية وحسب، بل يرفضون أيضًا عناصر أساسية في حياة المجتمعات الغربية مثل الديمقراطية والدساتير والأحزاب السياسية وحتى الاقتصاد القومي المتطوّر. ولا يختلفون في ذلك عن المسيحيين الأوائل، الذين انكفأوا على أنفسهم أيضا. ومن تعاليم أحد روّاد السلفية وتحديدًا الشيخ ناصر الدين الألباني قوله: "من السياسة – الآن - ترك السياسة". غادر هذا الشيخ غير المعروف كثيرًا في الغرب مسقط رأسه ألبانيا في أربعينيات القرن الماضي، وحط الرحال في سورية. ودرّس في وقت لاحق في "جامعة المدينة" التي أُسست خصيصا للأجانب، وعاش في لبنان وفي الإمارات العربية المتحدة وتوفي في عمان في عام 1999، حيث يوجد مركَز يحمل اسمه.
بقي السلفيون وفقًا لهذا الموقف المنكفئ بعيدين بشكل عام عن احتجاجات الإسلامويين الآخرين. ومن شأن السلفي أن يُبرم عقد تأمين لسيارته لتغطية كلفة أضرار طرف ثالث، لأنه لا ينبغي أن يكون متمردًا على نظام المجتمع الذي يعيش فيه، لكنه لن يبرم عقد تأمين شامل جميع الأخطار، إذ يعتبره معلموه بمثابة اليانصيب الحرام. ولم يُقبِل بعض السلفيين على السياسة إلا في الآونة الأخيرة. وحيث يحدث هذا منذ سنوات عديدة كما في الكويت، يتصرف السلفيون في كثير من الأحيان بشكل براغماتي أكثر من الإخوان المسلمين.
"فرسان تحت راية النبي"
على الجانب الآخر هناك "السلفيون الجهاديون" كما سماهم جيل كيبيل Gilles Kepel المتخصص بالدراسات الإسلامية. وهنالك نص لأيمن الظواهري، خليفة أسامة بن لادن والمرشد الروحي لتنظيم القاعدة يدعو فيه "الفرسان تحت راية النبي" لإقامة الجهاد في الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة، من أجل إضعاف الدعم الغربي للأنظمة العربية الكافرة. بهذا يُعزز انهيارها ويتم الاقتراب من الهدف النهائي ألا وهو إقامة دولة إسلامية للأمّة، تشمل مجمل المؤمنين.
يُعتبر قتل الأبرياء أيضًا مسموحًا بالنسبة للسلفيين الجهاديين. وكان ينبغي للهجمات الموجهة لقطارات الضواحي في باريس في عام 1995 معاقبة فرنسا على دعمها النظام العسكري الجزائري الذي قمع الإسلامويين. بينما كانت هجمات مدريد في مارس 2004 تهدف للضغط على اسبانيا كي سحب قواتها من العراق.
قلما أثار المبشرون من السلفيين الأجهزة الأمنية الغربية، طالما لم ينجح هؤلاء سوى بإقناع مجموعات صغيرة من بين ملايين المسلمين في أوروبا. إلا أن الوضع يتغير عندما يدعو كل مرتكب عنف وحشي من أصل إسلامي نفسه بـ "السلفي". لا تزال الغالبية العظمى من السلفيين تتبع أقوال الشيخ السعودي ابن عثيمين، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية. وهو صاحب الفتوى الشهيرة التي تقول: "الذي يجعل المتفجرات في جسمه من أجل أن يضع نفسه في مجتمع من مجتمعات العدو، قاتل لنفسه، وسيعذب بما قتل به نفسه في نار جهنم خالداً فيها مخلداً