الصراع المذهبي بين الشيعة والسنَّة
يرى الكاتب الألماني شتيفان بوخن في هذه المقالة أنَّ رجال دين من أمثال السنّي يوسف القرضاوي أو الشيعي آية الله أحمد جنّتي يمثـِّلون البغض الطائفي ويفرغون الإسلام الراهن من العقل، وأنَّ الحرب الدينية ما بين المذاهب الإسلامية التي ساهم هؤلاء في إشعال فتيلها من شأنها أنْ تغيِّر وجه المنطقة على نحوٍ مدمر.
وسيعزز الأكثر صخبًا من بين الناطقين باسمه ثقافة بغض الآخر، ثقافة تشكِّل أرضًا خصبةً للقتل الجماعي ولإبادة القرى والأحياء ولأكثر الحروب الدينية دمارًا في عصرنا الراهن. وتشكل العراق، وباكستان، واليمن، ولبنان أسوأ الساحات على هذا الصعيد منذ سنوات. والآن تنضم سورية إلى هذه الساحات ويبدو أنها مشرفة على أنْ تذهب إلى أبعد مما ذهب كل ما سبقها.
تجلس الجهات المانحة لأفكار وأموال الحملات الدينية التحريضية في الرياض وطهران. حيث تنظر إلى أتباع طائفة كل منها باعتبارهم قطيعًا مطيعًا يتبعها دون تفكير إلى المعركة من أجل استحواذ السلطة والنفوذ في الشرق الأوسط. ولطالما يجري تعزيز موقفها هذا من قِبل أتباع الطائفة للأسف. لم يعُد ممكنًا لأحدٍ اليوم أنْ يُنكر العلاقة القائمة بين الصراع السعودي-الإيراني على السلطة وتنامي حدة التناقض بين السنَّة والشيعة في كافة أنحاء العالم الإسلامي، في حين بدا كلُّ هذا في البداية وكأنه خطأ عابر، أو مثل زلّة تاريخ.
عداء عربي-فارسي متوارث
كان طرفا الحرب الغنيَّان بالنفط يمثلان بالنسبة للوبيات تجارة الأسلحة زبونين مميزين. وحتى عندما استخدم الطرفان تداعياتٍ دينيةً في التعبئة العسكرية وبخاصةٍ إيران (مثل الحديث عن "معركة كربلاء") إلا أنَّ الحرب لم تتجلى كحربٍ دينية، حيث كان معظم جنود صدام من الشيعة، ورغم ذلك حاربوا ثماني سنوات ضد ايران الشيعية.
وقفت المملكة العربية السعودية إلى جانب صدام حسين، وضخَّت البترو-دولار في ترسانته، إذ خشيت المملكة من الحماس الثوري الذي أثاره رجال الدين الشيعة، ولم تشأ أن ينتصر الخميني في الحرب، وكان لا بد من مواجهة الرؤية الكونية التي اعتـُمِدت في ثورته. لذلك منح العاهل السعودي نفسه لقب "حامي الحرمين الشريفين (مكة والمدينة)"، ولذلك عززت المملكة دعمها للبروباغاندا الوهابية على نحوٍ متزايدٍ في جميع أنحاء العالم. وأثبت المجاهدون المدعومون من المملكة العربية السعودية - وكان غالبيتهم من السنَّة - أنهم كانوا أيضًا على استعداد للقتال والموت في سبيل الإسلام.
انتهت الحرب العراقية الإيرانية بحصيلة بلغت مليون قتيلٍ وباتفاقٍ على وقف إطلاق النار. أما الخلاف بين المملكة السنيَّة الوهابية وإيران الشيعية فبدا في هذا السياق عنصرًا هامشيًا في أقصى الأحوال.
أطول من حرب الثلاثين عامًا
ألم يكُن هناك "الربيع العربي"؟ ألم تكُن هناك أيضًا "الموجة الخضراء" في إيران؟ ألم تكن هناك صرخة الشعب المحتج للإطاحة بالحكومة وشعار "الشعب يريد إسقاط النظام" وإسقاط الدكتاتور وشعار"مرگ بر ديكتاتور"؟ ألم ينبغي أنْ ينبلج في الشرق الأوسط عصر الحرية والديمقراطية وسيادة دولة القانون، عصرٌ يشارك فيه الدين في العملية السياسية ضمن إطار أحزاب ديمقراطية إنْ شارك أصلاً؟
يبدو أنَّ الشِقاق بين السنَّة والشيعة يجثو على هذا الأمل ويقضي عليه، وبلدان شمال أفريقيا حيث بدأ الربيع العربي من شأنها بحسب هذا النموذج الحزين أنْ تتدهور حالها لتصبح مناطق شاسعة تابعة للسعودية. سنجد هذا التطوُّر غريبًا إذا ما نظرنا من المنظور التاريخي إلى مدى عدم وضوح الهويَّات "المذهبيَّة" لدى الكثير من المسلمين، والتي تكاد أن تكون توفيقية بين الأديان. حتى أنه من شأن السؤال: "هل أنت سنِّي أم شيعي؟" أن يكون بالنسبة لكثيرٍ من المسلمين في مختلف العصور سؤالاً لا معنى له، إن لم نقُل إنه كان سيكون غير مفهومٍ أصلاً. نرى مثلاً في بعض الأماكن في مصر "السنيَّة" في يوم عاشوراء مواكب تسير لتكريم الحسين. فهل يُعتبرُ المشاركون شيعة بسبب ذلك؟
من هو المسلم الأفضل؟
الأديب العربي الجاحظ (781 – 868 م) رأى أنَّ هذا الخلاف مُتعِبٌ للغاية. وبرأيه: إنْ كان هذا الخلاف قد قدَّم قيمةً إضافيةً، فهي الاستفادة من الخلاف لدراسة قواعد البلاغة وتقديم الحجج المنطقية. ولهذه الغاية يدع الجاحظ في بعض كتاباته السياسية المجال لتصادم حجج أتباع علي (الشيعة) واتباع أبو بكر (الذين لم يكونوا آنذاك يدعون بعد باسم "أهل السنَّة" أو "السنَّة") على شكل جدال افتراضي لا يخلو من السخرية.
وعرض ماهية التناقضات التي ينجرُّ إليها "الشيعة" لدى ادعائهم بأنَّ دخول علي بن أبي طالبٍ إلى الإسلام في سن الطفولة يجعله أنبل من جميع مسلمي صدر الإسلام. ضمن هذا الجدال الأدبي المفترض لم يذهب أيُّ طرفٍ إلى حدِّ اتهام الطرف الآخر بالزندقة.وكان مهمًا بالنسبة للجاحظ في هذا الموضوع أنْ يُبقي على النبرة العقلانية وأنْ تكون محمولة على جناح السخرية.
منذ فترة طويلة لم يعُد بمقدور الخصوم الحاليين الفعليين جدًا الحفاظ على هذا القدر من المسافة. أكان يوسف القرضاوي أم آية الله جنَّتي، فالاثنان دعاة بغض طائفي يدفع للجهل. كما أنهما يفرغان الإسلام الراهن من العقل. إنَّ الحرب الدينية بين الطوائف الإسلامية التي ساهم الاثنان في إشعال فتيلها من شأنها أنْ تغيِّر وجه المنطقة بشكلٍ دائمٍ وعلى نحوٍ مدمر.
تضاف اليوم إلى الحدود التي رسمتها قوى الإمبريالية العالمية بين الدول في القرن العشرين حدود جديدة ترتسم بين أحياء المدن في بغداد وبيروت وحمص واللاذقية وبين صنعاء وصعدة في اليمن. هذه الحدود لم تـُرسم في الخرائط بعد، إلا أنَّ عبورها يمكن أن يعني الموت للعابرين.