مفاهيم الإرهاب والعنف واختلاف وجهـات النظر حولها

مفاهيم الإرهاب والعنف
واختلاف وجهـات النظر حولها

إعــداد
أ.د. محمد بن علي الهرفي
الأستاذ في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

مفاهيم الإرهاب والعنف واختلاف وجهات النظر حولها

الإرهاب بمفهومه العام بدأ مع بداية الإنسان ، وقد تحدث القرآن الكريم عن نوع من أنواع الإرهاب عندما ذكر قصة ابني آدم – عليه السلام – عندما قتل أحدهما الآخر ظلما وعدوانا فكانت هذه الحادثة أول حادثة إرهابية تقع على الأرض ومن بعدها توالت أحداث مثلها وما زالت حتى يومنا هذا .
وقد واكبت هذه الظاهرة " مختلف أشكال الصراع بين الأفكار والإرادات والمجموعات العرقية ، وهناك مقولة للمتطرفين اليهود بأن السيف والتوراة قد نزلا معاً من السماء . وقد عرف الإرهاب منذ فجر التاريخ الفرعوني في مصر ، كما أن الإمبراطوريتين الهيلينية والرومانية عرفتا صنوفاً عديدة من الإرهاب انعكس بعد زوالهما على الحضارات المسيحية والفرق والأحزاب الإسلامية التي ظهرت عبر التاريخ ، وقد سجلت القرون الوسطى أبشع صور البطش والعنف متمثلة في محاكم التفتيش التي نصبها الباباوات للانتقام من المارقين وكل من لا يدين بالولاء للكنيسة البابوية ( )
إن الإرهاب بمفاهيمه المتعددة والمختلف عليها سيظل قائماً طالما وجد الظلم والطغيان على الأرض ولن يوقف هذا الإرهاب – أو يقلل منه – إلا الرجوع إلى العدل وإنصاف الأفراد والشعوب واحترام الأقوياء للضعفاء واحتكام الأفراد والدول إلى القوانين والشرائع العادلة التي تنظم طبيعة العلاقات بين الجميع .
إشكالية تعريف الإرهاب :
يجمع كل الذين كتبوا عن ظاهرة الإرهاب على أن هناك صعوبة بالغة تكتنف هذا المصطلح ، وبالتالي يصبح الحديث عن إيجاد تعريف محدد له أمراً مستحيلا ، ومرد هذه الصعوبة إلى طبيعة الأعمال الإرهابية واختلاف نظرة الدول لمثل هذه الأعمال ، فما يراه بعضهم إرهابا يراه الآخر عملاً مشروعاً والعمل الذي يصنف إرهابا لدى بعض الأفراد أو الدول يراه آخرون حقا مشروعاً لمن قام به حسب الاتفاقيات الدولية وقوانين الأمم المتحدة وحقوق الإنسان المتفق عليها . هذا الاختلاف الواضح في تعريف الإرهاب مثل مشكلة واضحة أمام الباحثين على اختلاف تخصصاتهم واهتماماتهم الفكرية . وقد حاول الدكتور عبد الغني عمار الربط بين مفهوم الإرهاب وبين الأيديولوجيا التي ترتبط بهذا المفهوم فقال : " حين يتحول شعار مكافحة الإرهاب إلى أيديولوجيا يصبح تعريف الإرهاب محاولة عبثية ، بل يصبح بحد ذاته انعكاساً لتوازنات القوى السياسية على المسرح العالمي وليس محصلة تحليلية لقراءة هادئة للعناصر المولدة للعنف السياسي والعنف المضاد بشكل عام . عندما يتحول شعار مكافحة الإرهاب إلى أيديولوجيا فلا بد من عدو ولو مفترض تبدأ في اللحظة ذاتها حرب مفتوحة ضده ، وهو اليوم يتمثل في محور الشر حسب تعبير الإدارة الأمريكية وهو من العرب والمسلمين . حين يتحول شعار مكافحة الإرهاب إلى أيديولوجيا يفرض القوي سياسته على الضعيف ويسود منطق الجلاد وتتحول الضحية إلى عبء ينبغي التخلص منه لذلك يصبح شارون رجلا محباً للسلام والشعب الفلسطيني إرهابيا لأنه يقاوم الاحتلال والاستيطان ويصبح الإسلام بالتالي ثقافة تحض على الإرهاب لأنه يتضمن موقفا ومخزونا تاريخيا يحض على المقاومة والجهاد وعدم الاستكانة للظلم . حين يتحول شعار مكافحة الإرهاب إلى أيديولوجيا يسقط التمييز بين الإرهاب والمقاومة وتصبح السياسة : إما معنا أو مع الإرهاب وتسقط بالتالي الأخلاق الديمقراطية المنادية بحق الاختلاف والمعارضة والتي طالما تغنى الغرب بها ونصبح بالتالي أمام صناعة جديدة هي صناعة الإرهاب " ( ) . هذه الإشكالية التي لازمت مصطلح الإرهاب جعلت بعض المؤلفين يضعون له أكثر من مائة تعريف وذلك ما بين عامي 1936 – 1981م وهذا يؤكد صعوبة وضع تعريف محدد لذلك المصطلح كما يؤكد كذلك مقولة أن محاربة الإرهاب أسهل من تعريفه . ( )

تعريف الإرهاب :
نظراً للاختلاف الكبير حول إيجاد مفهوم محدد لمصطلح الإرهاب – كما سبق – فإنني سأحاول قدر الإمكان الإشارة إلى أهم التعريفات التي تناولت هذا المصطلح بالدراسة والتحليل .
وابتداء فإن لهذا المصطلح تعريفاً لغوياً وآخر اصطلاحيا ، فالتعريف اللغوي ليس محل جدل أو اختلاف بين الباحثين والمهتمين بظاهرة الإرهاب والمتحدثين عنها على عكس التعريف الاصطلاحي الذي تحكمه ظروف وأهواء متنوعة .
أ – التعريف اللغوي : الإرهاب مصدر " أرهب " ومادتها " رهب " ومعنى أرهب: أخاف وأفزع ( ) وقد ذكر المجمع اللغوي : أن الإرهابيين وصف يطلق على الذين يسلكون العنف لتحقيق أهدافهم السياسية . ( )
وقد جاءت هذه الكلمة في القرآن الكريم بمعنى " الخوف والخشية " في عدة مواضع منها قوله تعالى :{                 }( ) . كما جاءت بمعنى ، الرعب والخوف أثناء القتال . مثل قوله تعالى: {   •         •  •        }( ). كما وردت هذه الكلمة في مواضع أخرى في القرآن الكريم وكلها تتردد حول هذه المعاني التي أشرت إليها .
ب – المعنى الاصطلاحي : سأحاول قدر الإمكان اختيار أهم التعريفات الواردة لهذا المصطلح سواء أكان هذا التعريف من أفراد أو مؤسسات . فتعريف الإرهاب " بحسب الاتفاقيات العربية لمكافحة الإرهاب الموقعة في القاهرة في 22أبريل سنة 1998م هو " كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض الموارد الوطنية للخطر " ( ) .
أما مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر فقد ذكر تعريفاً للإرهاب وذلك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م فقال عنه: " هو ترويع الآمنين وتدمير مصالحهم ومقومات حياتهم والاعتداء على أموالهم وأعراضهم وحرياتهم وكرامتهم الإنسانية بغياً وإفساداً في الأرض . ومن حق الدولة التي يقع على أرضها هذا الإرهاب الأثيم أن تبحث عن المجرمين وأن تقدمهم للهيئات القضائية لكي تقول كلمتها العادلة فيهم " ( ) .
لقد تناولت رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة هذا المصطلح بالدراسة والتحليل ، وقد عقدت له أكثر من مؤتمر تناولت الحديث عن معظم جوانبه الشرعية والقانونية والسياسية ، وكذلك الأحكام الشرعية المترتبة على من يقومون بأعمال إرهابية تضر بأمن المجتمع . وقد أصدرت الرابطة ما عرف بـ " بيان مكة " الصادر عن المجمع الفقهي بالرابطة والذي عرف الإرهاب بقوله : " هو العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان في دينه ودمه وعقله وماله وعرضه ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أموالهم للخطر ، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامــــة أو الخاصــــة أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الطبيعية للخطر فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها . قال تعالى :{       •     }( ) .
من الملاحظ أن التعريفات السابقة للإرهاب تقترب من بعضها إلى حد كبير لأنها نابعة من هيئات متقاربة في الفهم والإدراك لمعنى الإرهاب وإن كنا نلحظ أن التعريف الصادر عن الرابطة يكاد أن يكون أكثرها إحاطة بهذا المفهوم ولعل ذلك يعود إلى كونه صادراً عن مجموعة كبيرة من ذوي التخصصات المتنوعة .
هناك مفاهيم أخرى للإرهاب بدأ الحديث عنها وتناولها بكثرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م التي وقعت في أمريكا ، وبطبيعة الحال فإن أكثر من يتحدث عن هذه المفاهيم أمريكا ومن يسير في فلكها مثل إسرائيل وبريطانيا .
لقد حاولت أمريكا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان عدواً لها أن توجد لها عدواً آخر تصرف أنظارها إليه وتعمل على حربه وإبادته فكان الإسلام والمسلمون هما العدوين المرشحين لعداوة أمريكا وحربها . وقد بدأ بعض الأمريكان يربطون بين الإسلام والإرهاب منذ سنوات طويلة ولكن هذا الربط اتخذ طابعا مغايراً بعد أحداث أمريكا إذ أصبح الإسلام هو العدو الحقيقي والخطر على أمن الولايات المتحدة سواء داخل أمريكا أو خارجها . ولأن هذا العدو المفترض لا يمثل قوة حقيقية أمام الولايات المتحدة نظراً لضعفه الشديد واعتماده على غيره في معظم شؤون حياته " فكان لا بد من تشويه صورة هذا العدو حتى يعد العالم فناءه تضحية في سبيل التقدم والرقي وانتعاش الحضارة الغربية وعلى ذلك رأت المسيحية العالمية ممثلة في أمريكا ودول الغرب وحلفائها كل من يحاول المساس بالمصالح الغربية سواء بالدفاع المشروع عن النفس أو امتلاك وسائل القوة أو الحماية الفكرية والثقافية أو التمسك بالدين والعقيدة وتطبيق الشريعة هو إرهابي " ( ).
إن عدم وجود تعريف محدد للإرهاب أدى إلى وجود نوع من الانتقائية في وصف فرد أو مجموعة بالإرهاب تبعاً للأهواء والمصالح ، كما أدى كذلك إلى تسويغ بعض الأعمال الإرهابية بإدعاء أنها عمل مقاوم للإرهاب وكفاح ضد وجوده وانتشاره . هذه الانتقائية في التعريف جعلت أمريكا تضع معظم المنظمات الإسلامية في العالم على قائمة المنظمات الإرهابية مع أن بعض هذه المنظمات تقوم بمقاومة الاحتلال وتدافع عن وجودها وبعضها الآخر قائم على مساعدة المحتاجين من أبناء العالم الإسلامي ولا علاقة له مطلقاً بأي عمل إرهابي أو حتى سياسي ، ومع هذا كله فقد وصفت هذه المنظمات بأنها إرهابية لأنها لا تتفق مع الفكر الأمريكي ولا تسير في فلكه .
لقد اتخذ الإسلام موقفاً معادياً من الإرهاب فحرم دم الإنسان وماله وعرضه ، كما حرم الاعتداء على الأموال والممتلكات العامة ، وفي الوقت نفسه لم يتخذ موقفاً معاديا من غير المسلمين فلهم حق الحياة الكريمة كما لهم حق ممارسة شعائرهم الدينية وثقافتهم والتعبير عن آرائهم كما أن الإسلام لم يحرم على أتباعه التعاون مع غير المسلمين في الأمور العامة التي تعمل على إقامة مجتمعات يستفيد أبناؤها بعضهم من الآخر .
الدفاع عن الأوطان هل يعد إرهابا ؟ لن أضيف جديداً إذا قلت : إن الدفاع عن الأوطان فطرة غريزية عند البشر جميعاً وأنهم مارسوا هذا الحق منذ أقدم عهودهم وما زالوا يمارسونه حتى اليوم ، وهم بهذه الممارسة يعتقدون أنهم يقومون بعمل مشروع ، بل إن من واجبهم القيام بهذا العمل حتى لو فقدوا حياتهم في هذا السبيل . هؤلاء الذين يدافعون عن أوطانهم لم يكونوا بحاجة إلى قرار من أحد أو من هيئة كي يمارسوا هذا الحق لأنه – كما قلت – مفطور في غرائزهم لا يمكنهم التخلي عنه أو حتى الاستهانة به . وقد جاءت القوانين البشرية كلها وقبلها الشرائع السماوية لتؤكد هذا الحق وتأمر الناس بممارسته مهما كلفهم من ثمن . وكان الإسلام من ضمن هذه الشرائع التي أمرت أتباعها بالدفاع عن بلادهم وعدت موتهم في هذا السبيل طريقا إلى الجنة . وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تحض على الجهاد وعلى الدفاع عن الأوطان ، ورسولنا الكريم  أمرنا بالدفاع عن أوطاننا وعد ذلك واجبا على كل القادرين من الرجال والنساء .
وفي العصر الحديث لاحظنا أنه عند اندلاع الحرب العالمية الثانية كثر الحديث عن حق تقرير المصير للأمم وحظي هذا الحق باهتمام معظم شعوب العالم . وقد أعلن الرئيسان الأمريكي روزفلت والبريطاني تشرشل أنهما لا يريدان التوسع على حساب الآخرين كما أنهما يحترمان حق الشعوب في اختيار نظم الحكم التي تناسبها . وكان هذا الإعلان في 14 أغسطس 1941م . ( )
وقد أكدت الأمم المتحدة هذا الحق في ميثاقها الصادر سنة 1945م في الفقرة الثانية من المادة الأولى والخاصة بأهداف الأمم المتحدة بقولها وهي تتحدث عن تطوير العلاقات بين الدول : " وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها وكذلك اتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز السلم الدولي " ( ) .
وقد تكرر هذا التأكيد في المادة 55 من الميثاق والتي تنص على أنه " رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضرورية لقيام علاقات سلمية وودية بين الأمم مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها " ( ) .
إن قوانين الأمم المتحدة كانت واضحة في إعطاء الحق لكل أمة محتلة لكي تدافع عن استقلالها بكل الوسائل بما فيها الكفاح المسلح حتى يتحقق لها هدفها المنشود وقد فرقت هذه القوانين بكل وضوح بين المقاومة المشروعة والإرهاب . فقد أكد القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2102 والصادر في شهر ديسمبر عام 1973م على أن " كفاح الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية والأجنبية والنظم العنصرية في سبيل إقرار حقها في تقرير المصير والاستقلال هو كفاح مشروع يتفق كل الاتفاق مع مبادئ القانون الدولي"( ).
وعلى غرار قوانين الأمم المتحدة جاءت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي وقعها وزراء الداخلية العرب فقد جاء في المادة الثانية من هذه الاتفاقية : "لا تعد جريمة حالات الكفاح بمختلف الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان من أجل التحرر وتقرير المصير وفقاً لمبادئ القانون الدولي " ( ) .
وقد أيد وزراء العدل العرب هذه الاتفاقية التي تعطي الحق لكل الشعوب بالدفاع عن أرضها بمختلف الوسائل وذلك في اجتماع دورتهم السابعة عشرة في الخامس من ديسمبر سنة 2001م وفرقوا بين الإرهاب وبين حق الشعوب في مقاومة الاحتلال بموجب قوانين الأمم المتحدة والمجتمع الدولي . كما أكد الوزراء على أن الربط بين الشريعة الإسلامية والإرهاب يعد تعديا على الإسلام وعدم فهم لمقاصده ( ) .
كما أن رابطة العالم الإسلامي أكدت في بيان مكة الصادر عن مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في مكة في الفترة ما بين 21–26/10/1422هـ الحق للجميع في الدفاع عن أوطانهم وأعراضهم ضد المحتلين الغاصبين وأن هذا الحق مشروع في كل الشرائع الإلهية والقوانين الوضعية .
هذه القوانين في مجملها هي التي جعلت شعوبا كثيرة في أفريقيا وآسيا تعمل على نيل استقلالها في حقبة الخمسينيات من القرن الماضي ، ففي عام 1965 استقلت 17 دولة أفريقية ثم توالت حركات الاستقلال حتى وصلت في سنة 1980م إلى خمسين دولة .
الحق المشروع في الدفاع عن الأوطان والذي أيدته القوانين الدولية وهيئات الأمم المتحدة وقفت منه الولايات المتحدة وإسرائيل موقفاً مغايراً يتلاءم مع أهدافها السياسية في استعمار الشعوب ونهب خيراتها . وكما كان لأمريكا مفهومها الخاص للإرهاب كان لها كذلك مفهومها الخاص لحق الشعوب في الدفاع عن استقلالها . كان ذلك قبل احتلال العراق وتأكد أكثر بعد ذلك الاحتلال .
مفهوم الإرهاب عند أمريكا وإسرائيل: ليس من المستغرب أن يكون لكل من أمريكا وإسرائيل مفاهيم مختلفة عن بقية العالم للإرهاب وحق الدفاع عن الأوطان ولا يعود هذا إلى عدم استيعابهما وتفهمهما لهذا الحق وإنما وببساطة شديدة فإن إسرائيل احتلت دولة عربية مسلمة وكانت أمريكا أول دولة تعترف بها وتساندها وبكل إمكاناتها وما زالت تمد لها كل أنواع المساعدات انطلاقا من دوافع سياسية ودينية ، وأمريكا أصبحت اليوم تحتل العراق – هكذا توصف من جميع دول العالم – وبالتالي فهي لا تريد أن تعترف بحق العراقيين في الدفاع عن بلادهم ولهذا كله عدت أمريكا وإسرائيل المقاومة العراقية والفلسطينية إرهابا مرفوضاً كما جعلتا أن ما يقومان به من إبادة جماعية وهدم وتدمير لكل البنى التحتية عملاً مشروعاً لا يجب إنكاره ، ومن أجل ذلك حاولت كل من إسرائيل وأمريكا تشويه صورة المسلمين والإسلام وربطهم بالإرهاب والتأكيد على أن كل حركات المقاومة يجب عدها حركات إرهابية يجب محاربتها بكل الوسائل . كما شوهتْ هاتان الدولتان صورة الجهاد المشروع في الإسلام وجعلتاه عملاً عدوانياً ينبغي أن يختفي من المفهوم الإسلامي وإلى الأبد .
ويحار المرء كيف تتم المساواة بين ما يقوم به بعض المستعمرين الطغاة الذين يغتصبون الأوطان ويدنسون المقدسات وينهبون الثروات مخالفين بهذه الأعمال كل القوانين الدولية ومبادئ العدالة الإنسانية وبين من يمارسون حقهم المشروع في الدفاع عن أوطانهم لاستخلاص حقوقهم المشروعة التي قررتها لهم الشرائع السماوية والقوانين الأرضية ، بل كيف يمكن اتهام هؤلاء بالإرهاب ووصف أولئك المستعمرين بأنهم يقومون بأعمال إنسانية لهم كل الحق في ممارستها ويلام الآخرون إذا انتقدوهم عليها .
إن القوة الغاشمة التي يتمتع بها هؤلاء المستعمرون هي التي جعلتهم يفرضون آراءهم على الضعفاء ، وأصبح الإرهاب الدولي هو الذي يمارس على هذه الشعوب الضعيفة . وقد أحسن الدكتور حمد اللحيدان عندما تحدث عن مثل هذه الممارسات الخاطئة فقال : " إن الإرهاب اليوم لم يعد ممارسة فردية بل أصبح يمارس من قبل الدول والحكومات وعلى مرأى ومسمع من العالم ويعطى أسماء وألقاباً تجمله وتجعله مشروعاً إذا كان الذي يقوم به القوي، أما المقاومة والكفاح المشروع فإنه أصبح يلقب بالإرهاب إذا كان الذي يقوم به الضعيف . إنها مفارقات ومصطلحات لا يمكن قبولها ، وإن قبلها جيل من البشر خوفا أو وهنا فلن تقبل بها الأجيال القادمة مهما كانت الظروف وخير مثال على ذلك ممارسات إسرائيل وقتلها وسحقها للشعب الفلسطيني فوق أرضه وترابه وهدم بيوته وقتل نسائه وأطفاله وشيوخه والهدف المعلن هو الدفاع عن النفس. أما الفلسطيني صاحب الحق المشروع في الكفاح والتحرير فإنه أصبح يوصف بأنه إرهابي " ( ) .
مما سبق يتضح أن هناك مشروعية شرعية وقانونية وأخلاقية لكل الشعوب للدفاع عن أوطانها وبكل الوسائل المتاحة لها بما في ذلك القوة المسلحة . ويتضح كذلك أن القانون الدولي لا يعاقب على هذا اللون من القتال ما دام الهدف منه هو الدفاع عن الأوطان ضد محتل أجنبي مهما كانت أسباب هذا الاحتلال . فلكل شعب الحق الكامل في تقرير مصيره واختيار نوع الحكم الذي يريده وليس لأحد أن يفرض عليه شيئاً آخر مهما كانت الأسباب .
نماذج من الإرهاب الأمريكي واليهودي: هناك تشابه كبير يصل إلى حد التطابق أحيانا بين ما تقوله أمريكا عن الإرهاب وما تقوله إسرائيل ويبدو أن سر هذا التشابه بينهما يعود إلى أن عدة أسباب تشترك فيها كل من الدولتين ومنها أن أمريكا قامت على أنقاض الهنود الحمر الذين كانوا يعيشون على الأرض التي احتلها الأمريكان ؛ هؤلاء الأمريكان الذين تجمعوا من مختلف أنحاء أوروبا واتجهت طلائعهم الأولى إلى أرض الهنود الحمر ، وإسرائيل – هي الأخرى قامت على أنقاض الفلسطينيين الذين عاشوا في ديارهم منذ آلاف السنين وقد تجمع هؤلاء اليهود من شتى أنحاء العالم واتجهوا إلى فلسطين تدعمهم الدول الكبرى آنذاك فاحتلوا أجزاء من فلسطين ثم واصلوا هذه العملية حتى تم لهم الاستيلاء على معظم الأراضي الفلسطينية ، وقد مارس هؤلاء ومنذ قدومهم إلى الأرض الفلسطينية أبشع وسائل القتل والتدمير وكذلك تهجير السكان الأصليين بالقوة وما زالوا حتى الآن يمارسون هذه الفظائع بغية إخلاء الأرض من كل سكانها الأصليين .
وهناك سبب آخر يجمع بين هاتين الدولتين وهو أن كلاً منهما مارست الاحتلال فأمريكا تحتل العراق حاليا مثل إسرائيل التي تحتل فلسطين ومن مصلحة كل منهما عدم الاعتراف بالمقاومة المشروعة لأن هذا الاعتراف سيجعلهما في وضع محرج أمام العالم كله ، ولهذا فقد اتفقتا على وصف هذه المقاومة بالإرهاب .
بالإضافة إلى كل ذلك فإن المنطلقات الدينية التي يؤمن بها غالبية اليهود من أن أرض فلسطين هي حق لهم كما ورد في التوراة ، هذه المنطلقات يؤمن بها أعداد كبيرة من الأمريكان ولهم نفوذ واسع في أمريكا كما يؤمن بها حاليا الرئيس الأمريكي بوش وعدد كبير من أركان القيادة الأمريكية . ولهذه الأسباب لاحظنا تطابق الرؤية لدى قادة هذين البلدين من المقاومة المشروعة في العراق وفلسطين .
القادة الأمريكان لا يعترفون بأنهم يمارسون عملاً غير مشروع ويصرون على جعل احتلالهم لأرض الآخرين أمراً مشروعاً ضاربين عرض الحائط باختلاف معظم دول العالم معهم .
هذا المفهوم الخاطئ الذي يسوغ احتلال أراضي الآخرين بدأ مع الرئيس الأمريكي روزفلت الذي حاول تسويغ حروب الإبادة التي قام بها الأمريكان أو التي سيقومون بها هم أو سواهم في المستقبل ، وجاء في قوله : " إن أكثر الحروب عدلا على وجه الأرض هي الحرب ضد المتوحشين البدائيين . إن المستعمر القاسي الفخور الذي يطرد الهمجيين من أراضيهم يستحق العرفان بالجميل من قبل المتحضرين . إن العالم لم يكن له أن ينجز أي تقدم لولا نفي وسحق الشعوب البدائية والبربرية بواسطة مستعمرين مسلحين من جنس أولئك الذين يقبضون على مصير القرون القادمة بأيديهم . إن الحرب التي مدت جذور الحضارة على حساب البربر البدائيين كانت واحدة من أكفأ عوامل التقدم الإنساني "( ) . أمريكا – كما قال الدكتور نعوم تشومسكي وهو أستاذ أمريكي مشهور– هي أكبر دولة إرهابية في العالم ، وقد ضرب عدة أمثلة على قوله ، منها أنها قتلت عدة آلاف في نيكاراجوا مخالفة بذلك القوانين الدولية ، ومنها كذلك أنها تسببت في مقتل حوالي مليون عراقي من بينهم نصف مليون طفل ، وكذلك قصف مصنع الشفاء للأدوية في السودان سنة 1988م والذي نجم عنه موت الآلاف من الذين كانوا يعتمدون عليه في الحصول على احتياجاتهم من الأدوية . وأمريكا كذلك هي الدولة الوحيدة التي صدر بحقها قرار قضائي يخص الإرهاب العالمي من قبل محكمة العدل الدولية ( ) .
والواقع أن ما أشار إليه نعوم تشوسكي تؤكده القوانين الدولية التي لا تجيز للدول استخدام قواتها المسلحة ضد سلامة أراضي الآخرين رداً على ما تعتقده هي – ولو بحسن نية – أنه عمل إرهابي اتخذ حيالها من جانب الدولة الأخرى أو من جانب من يتعاونون معها ، كما أنه لا يجوز لأي دولة استخدام قوتها المسلحة ضد دولة أخرى لقمع أعمال إرهابية قام بها أفراد من تلك الدولة . وفي الوقت نفسه لا يجوز القيام بأي أعمال عسكرية بحجة أنها إجراءات وقائية ضد هجمات إرهابية محتملة . وهذا العمل كله تراه القوانين الدولية من الإرهاب الدولي وهو عمل عدواني غير مشروع وقد نصت المادتان 39 ، 42 من ميثاق مجلس الأمن وضمن الفصل السابع منه أنه " لا يجوز لدولة منفردة أن تقرر عملا ما يتضمن تهديداً للسلم أو إخلالا به وبالتالي تستخدم حياله قوتها المسلحة لأن هذا من اختصاص مجلس الأمن وإذا قامت أي دولة بعمل مثل هذا يعد خرقاً للقانون الدولي لأن مكافحة الإرهاب يجب أن تكون بوسائل مشروعة إذ لا يجوز لدولة كائنة من كانت أن تتهم وتصدر الحكم وتقوم بتنفيذه بتدبير عسكري عن طريق قواتها المسلحة داخل دولة أخرى ذات سيادة أو ضد سلامة أراضيها " ( ) ولهذا فإن ما قامت به أمريكا في أفغانستان والعراق يعد إرهابا بموجب قوانين مجلس الأمن الدولي . ولهذا أكد نعوم تشومسكي أن الهجوم على أفغانستان وقتل الكثير من الضحايا يعد إرهابا وليس حرباً على الإرهاب ( ) .
المغالطات الكثيرة التي يقولها القادة الأمريكان ليفسروا بها اعتداءاتهم على الشعوب الأخرى ووجهت بنقد شديد وفندها عدد من الكتاب من هؤلاء الكاتب الأمريكي شارلز ريس الذي كتب مقالاً تحت عنوان " جورج بغداد " قال فيه : " إن بوش يكرر الإشاعة القائلة : إن الإرهابيين يكرهون الحرية وهذا هراء فليس هناك إرهابي في العالم أصبح إرهابيا لأنه يكره الحرية . إن غالبية الإرهابيين العظمى يحاربون من أجل الحرية لمجموعة تفتقدها . وفي حالة العراق فهي الحرية من الاحتلال الأمريكي ، وفي حالة الجيش الجمهوري الإيرلندي السري كانت الحرية من الحكم البريطاني ، وبالنسبة للفلسطينيين الحرية من الاحتلال الإسرائيلي وهكذا . إن من السخف الافتراض بأن إنسانا جالساً يقف فجأة ويقول : هل تعرفون شيئاً ، إنني أكره الحرية أعتقد أنني سأذهب وأفجر نفسي " ( ).
ومنهم روبرت مكنمارا وزير الدفاع الأمريكي الأسبق الذي تحدث لجريدة " ذاجلوب أندميل " الكندية قائلا : " إن ما تقوم به الولايات المتحدة في العراق هو إساءة استخدام لتأثيرنا " وقال:" ما نفعله خاطئ أدبيا وسياسيا وحتى اقتصاديا"( ) .
العنف والإرهاب الذي تمارسه أمريكا في العراق وأفغانستان تقوم إسرائيل بمثله في فلسطين ، وتهدف إسرائيل من عملها هذا إلى إرغام الفلسطينيين على مغادرة أراضيهم لتخلو لهم هذه الأرض بالإضافة إلى إقناع القيادة العسكرية الإسرائيلية بأن استخدام القوة يساعد قواتها على تحقيق أهدافهم بدون مقاومة تذكر .
إن المتتبع للأفعال التي تمارسها إسرائيل حاليا ضد الفلسطينيين ومنها القتل المتعمد للرجال والنساء والأطفال وكذلك تدمير منازلهم وممتلكاتهم وقلع أشجارهم وترك الجرحى ينزفون حتى الموت يدرك أن هؤلاء اليهود لا يقيمون وزنا لأي اتفاقية دولية ، كما أنهم لا يقيمون وزنا لأي تعامل إنساني أخلاقي، والأغرب من هذا كله أنهم يدافعون عن أفعالهم ويهاجمون كل من ينتقدهم فاتفاقية جنيف الصادرة في 12/8/1949م الخاصة بحماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب تنص في مادتها السادسة على أنه " يكون الجرحى والمرضى وكذا العجزة والحوامل موضع حماية واحترام خاصين وبقدر ما تسمح به المعطيات العسكرية يسهل كل طرف من أطراف النزاع الإجراءات التي تتخذ للبحث عن القتلى أو الجرحى ولمعاونة الغرقى وغيرهم من الأشخاص المعرضين لخطر كبير ولحمايتهم من السلب وسوء المعاملة " ( ) . والمرجح أن هذه الأفعال التي لا تمت إلى الأخلاق الإنسانية بصلة وتصادم كل الأعراف والقوانين الشرعية والدولية إنما يمارسها الصهاينة بدوافع دينية ، ولعل هذه الدوافع تتضح مما كتبه الكولينيل الحاخام زيميل أكيدان أثناء حرب السادس من أكتوبر سنة 1973م وكان يومها الموجه الديني للجيش الإسرائيلي في المنطقة الوسطى ، قال : " حين تصادف قواتنا مدنيين في حرب ما أو في مطاردة أو غارة فما دامت هذه القوات غير متأكدة تماما من أن أولئك المدنيين عاجزون عن إيذاء قواتنا لذلك بناء على الشرع اليهودي يجوز قتلهم بل يجب قتلهم . ولا بحال من الأحوال تجدر الثقة بإنسان عربي حتى ولو أعطى الانطباع بأنه إنسان متحضر فوقت الحرب حين تنقض قواتنا على العدو فإن الشرع اليهودي يبيح لها بل يأمرها بقتل حتى المدنيين الفاضلين "( ) . وقد أكد هذا المعنى بعد ذلك الحاخام عوفاديا يوسف في موعظة يوم السبت بمناسبة عيد الفصح في 9/4/2001م فقال وهو يتحدث عن العرب : " يجب أن لا نرأف بهم ولا بد من قصفهم بالصواريخ وإبادة هؤلاء الأشرار والملاعين " ( ) ولعل هذه التصرفات وسواها يفسر قيام إسرائيل بغارات جوية تستهدف المدنيين يموت فيها عشرات الناس من رجال ونساء وأطفال لا صلة لهم مطلقاً بما تقوله إسرائيل من أنهم يقومون ضدها بأعمال تصفها بأنها إرهابية .
إن المنطلقات الدينية التي تجعل الصهاينة في فلسطين يمارسون كل أنواع الإرهاب ضد الفلسطينيين هي المنطلقات نفسها التي تجعل القيادة الأمريكية تقف مع هذه التصرفات وتؤيدها بكل الوسائل وتحاول القضاء على كل أنواع المقاومة التي تقف ضد هذه الحرب العدوانية التي تمارسها إسرائيل ضد المواطنين في فلسطين . فمنذ زمن طويل أعلن بعض المستشرقين أن الإسلام يشكل صورة من صور الإرهاب كما أنه يهدد الحضارات ، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م أعلن بعض المثقفين في الغرب بصراحة تامة أن الإسلام هو دين حرب وإرهاب وأنه لا أمان لهذا العالم إلاّ بإزالته من العالم . وقالوا أيضا : إذا كانت قوة الإسلام متمثلة في دولة من الدول فيجب إزالتها – ولعل المقصود هنا : السعودية ومصر والعراق – وإذا كانت هذه القوة متمثلة في جماعات أو مبادئ فيجب محاربتها كذلك – ولعل المقصود هنا الجماعات والأحزاب الإسلامية – وعلى هذا الأساس المنحرف قال فوكديوما نظريته الداعية إلى جعل الإسلام العدو الحقيقي للغرب لأنه – كما يقول – العدو الحقيقي للمنظومة الفكرية التي قام عليها الفكر الغربي ( ) .
إن المسيحيين الصهاينة في أمريكا تلقفوا الأقاويل الداعية إلى العداوة مع الإسلام بالإضافة إلى إيمانهم السابق بهذه العداوة والتي من مستلزماتها – كما يقولون – الاعتقاد بأن هذا العالم سينتهي بصورة كارثية كونية وستكون هذه النهاية في الشرق الأوسط وعندها سيخرج المسيح إلى الأرض ليعيد دولة المسيحيين الموسومة بالعدل والتي ستستمر ألف عام قبل النهاية الأخيرة لهذا العالم . هذا التصور لن يتم – كما يقولون – إلاّ بعد قيام دولة إسرائيل وبناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى ومن هنا كان هذا الاعتقاد وراء كل المواقف غير المشروعة التي يقفها الأمريكان مع اليهود ، وهذا الاعتقاد أيضا كان وراء الادعاء بالحرب على الإرهاب كما كان وراء غزو العراق واحتلاله . ولقد عبر عن هذه المعتقدات مجموعة من المقربين للرئيس الأمريكي بوش ومنهم القس والتر ريغانز وهو أحد كبار قساوسة هذه الحركة كما أنه من المقربين للرئيس بوش ويرى هذا القس أن من واجب كل المسيحيين في العالم دعم سياسة إسرائيل مهما كانت . وعلل هذا القول بأنه يعبر عن الاستجابة لإرادة الله ، هذه الاستجابة التي تعبر – حسب زعمه – بأنها رحمة من الله لهذا العالم ( ) .
لقد بات من المؤكد أن الحركة الصهيونية اليهودية والحركة الصهيونية المسيحية تتفقان حول مشروع إعادة بناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى . وقد عبر الحاخام اليهودي شلومو أفينري عن هذا التوجه بقوله : "علينا أن لا ننسى أن الهدف الأسمى من تجمع اليهود من المنافي ومن إقامة دولتنا إسرائيل هو بناء الهيكل . إن الهيكل يقع في رأس الهرم " ( ) .
إن عدداً من صانعي القرار في الولايات المتحدة ينتمون إلى الحركة الصهيونية المسيحية ، وقد استلهم هؤلاء مواقفهم من معاداة الإسلام وأهله من أدبيات هذه الحركة كما أنهم استلهموا فيها كذلك مواقفهم المؤيدة لإسرائيل وبدون أي تحفظ ومهما خالفت قوانين الأمم المتحدة أرض الأخلاق الإنسانية ، كما استلهموا منها كذلك غزو العراق باعتقادهم أن هذه الدولة مصدر خطر على إسرائيل كما ورد في التوراة وبالتالي كان لا بد من احتلالها وإضعافها والقضاء على مصادر قوتها .
لقد عبرت معظم دول العالم أن المفهوم الضيق للإرهاب والذي تتبناه أمريكا وتدعو إليه لا يتفق مع قوانين الأمم المتحدة بل إنه ينتهك هذه القوانين كما ينتهك حقوق الإنسان التي أقرتها الدساتير الدولية . وكان السيد كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة واضحاً في هذه المسألة وقد عبر عنها بوضوح عندما أكد أن الأسرة الدولية يجب أن لا تتخذ من الإرهاب ذريعة لانتهاك حقوق الإنسان . وأضاف وهو يتحدث عن معتقلي جوانتانامو في إشارة واضحة لأمريكا قال : إن عدم احترام حقوق الإنسان باسم مكافحة الإرهاب يمكن أن يعود بالفائدة على الإرهاب " وقال أيضا: علينا أن نحذر الوقوع في فخ الاعتقاد بأنه يمكن القيام بتحرك فعال ضد الإرهاب مقابل حقوق الإنسان" وأكد أيضا أن مشكلة مكافحة الإرهاب أصبحت تستغل في بعض دول العالم( ) .
تخلص مما سبق أن ادعاء أمريكا وإسرائيل ومن يسايرها بأن المنظمات التي تدافع عن أراضيها المحتلة هي منظمات إرهابية هو قول مرفوض لا ينبغي الوقوف عنده فهذا يخص هذه الدول وحدها ومصالحها في تأكيده معروفة واضحة ولكن قوانين الأمم المتحدة وجميع منظماتها الأخرى ترفض وصم المقاومة المشروعة بالإرهاب وترفض هذا التصنيف وتؤكد على أحقية الدول المحتلة بالمقاومة بكل ما تملك من وسائل .
إن تعريف الإرهاب الذي يجب أن نؤكده ونقبل به هو ما أكدته الأمم المتحدة وما أكدته قبلها الشرائع السماوية وبعدها المنظمات الإسلامية التي أشرت إليها وما عدا ذلك فهو مرفوض يجب عدم الالتفات إليه أو الرضوخ إليه مهما كانت الظروف لأن ما أصاب بلداً عربيا أو مسلماً قد يصيب بلداً آخر فإذا اعترفنا اليوم أن المقاومة في بلد محتل غير مشروعة فسيكون هذا اعترافا ضمنياً أن احتلال بلد آخر يجب أن لا يقاوم مطلقاً .
إن اختلاف المفاهيم حول تحديد معنى الإرهاب يرجع لممارسات السياسة الخاطئة التي تمارسها بعض الدول بمنطق القوة والاستعلاء باحثة عن مصالحها الذاتية على حساب الآخرين .

الـمـراجـع

أولا : الكتب:
 الإرهاب الدولي وانعكاساته على الشرق الأوسط / الدكتور حسين شريف. الهيئة العامة للكتاب . طبع سنة 1997م .
 الإرهاب في اليهودية والمسيحية والإسلام والسياسات المعاصرة . زكي علي السيد أبوغضه ، دار الوفاء ، مصر ، المنصورة ط1 سنة 1423هـ .
 الإرهاب الدولي . الدكتور أحمد رفعت والدكتور صالح بكر الطيار ، نشر مركز الدراسات العربي الأوروبي، باريس ط1 1998م .
 حصاد الإرهاب . الدكتور ناصر الزهراني ، مكتبة العبيكان ، الرياض ط1 1425هـ.
 صناعة الإرهاب . الدكتور عبد الغني عماد ، دار النفائس ، بيروت ، ط1 1424هـ.
 الصدمة . نعوم تشومسكي ، تعريب سعيد الجعفر ، دار الكتاب العربي ، دمشق – القاهرة ط1 2002م.
 عولمة الإرهاب – إسرائيل أمريكا والإسلام – الدكتور أحمد طحان ، دار المعرفة ، بيروت – لبنان الطبعة الأولى سنة 1424هـ.
 كيف تصنع المستقبل . روجيه جارودي ، دار الشروق ، القاهرة ، ط1.
 قانون التنظيم الدولي – النظرية العامة – الدكتور صلاح الدين عامر ، دار النهضة العربية ط3 سنة 1984م.
 لا للإرهاب نعم للجهاد ، الدكتور أسعد السحمراني ، دار النفائس – بيروت ، ط1 1424هـ.
 لسان العرب . ابن منظور ، دار المعارف ، القاهرة.

ثانيا : المجلات والجرائد:
 الأهرام المصرية – القاهرة – عدد يوم 5 ديسمبر سنة 2001م .
 جريدة الرياض . عدد 12919 ، الجمعة 12 رمضان 1424هـ مقال تحت عنوان " الدور المغيب لعقلاء ومفكري أمريكا " .
 مجلة الوعي الإسلامي ، عدد 437 شهر مارس وإبريل سنة 2002م .
 مجلة معلومات دولية . مركز المعلومات القومي ، العدد 57 سنة 1998م دمشق .

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك