المسلمون في أوروبا وحلحلة عقدة (الإرهاب)
الربط بين الوجود الإسلامي في الغرب وأعمال العنف غير المشروع
بعد يوم واحد من حلول الذكرى السنوية الخامسة لتفجيرات محطة قطارات مدريد (11/3/2004م) أعلنت السلطات الهولندية عن اعتقال سبعة من المشتبه بأنهم كانوا يعدّون لعمليات تفجير في العاصمة الهولندية أمستردام، وذكرت السلطات المسؤولة أنهم جميعا من المسلمين، من حملة الجنسية الهولندية ذوي الأصول المغربية. ولا يزال من المبكر ساعة كتابة هذه السطور الجزم بحقيقة الاشتباه ومداه وبالمعلومات التفصيلية، إنما يطرح الحدث مجددا ما سبق طرحه مع عمليات التفجير في مدريد وفي لندن خلال السنوات القليلة الماضية، وأصبح منطلقا للربط بين الإرهاب من جهة، بمعنى ارتكاب العنف غير المشروع بعيدا عن معاني المقاومة المشروعة في أرض محتلة، وبعيدا عن أشكال الصراع بالوسائل المشروعة بين الحق والباطل على جميع المستويات وفي كل مكان، وبين الوجود الإسلامي البشري في البلدان الأوروبية من جهة أخرى، وعلى وجه التحديد الأجيال الشابة التي ولدت النسبة الأعظم منها في هذه البلدان، فهي مواطنها واقعيا، وإن كان الأجداد قد قدموا في حقبة ماضية من بعض الاقطار الإسلامية، هذا علاوة على نسبة متزايدة من الشبيبة الذين يعتنقون الإسلام من ذوي الأصول الأوروبية.
يجب فك هذا الربط النكد والخطير:
- ليس انطلاقا من منظور مصلحة الدول الأوروبية تحديدا، هذا مع وجوب التمييز الدقيق بين مصالح أوروبية مشروعة يمكن الانطلاق منها وأخرى عبارة عن مطامع غير مشروعة تصل إلى مستوى ترسيخ الهيمنة والاستغلال على حساب الآخرين وهذه مرفوضة بغض النظر عن موقع المرء وانتماءاته..
- بل انطلاقا على وجه التحديد من منظور مصلحة الوجود الإسلامي في أوروبا والغرب عموما، وقد أصبح يمثل قطعة من المجتمعات الغربية، وله مفعوله الإيجابي المتنامي، في الوقت الحاضر، ويمكن أن يكون له مستقبلا مفعول أكبر وأوسع نطاقا بما يشمل صناعة القرار على صعيد قضايا البلدان الإسلامية نفسها.
يجب حلحلة هذا الربط وفكه بصورة قاطعة ونهائية، مع التمييز الدقيق بين ثلاث فئات:
(1) من يعملون لذلك من المسلمين في أوروبا، وينطلقون من الإسلام عقيدة وتطبيقا، ويعيشون في مجتمعاتهم الأوروبية ملتزمين بإسلامهم، وما يوجبه عليهم في بلدان لا يمثلون فيها غالبية سكانية، وهؤلاء هم الغالبية بين المسلمين في أوروبا..
(2) من يعملون على ترسيخ هذا الربط من بعض الجهات غير المسؤولة، من غير المسلمين ومن المسلمين على السواء..
(3) من يمارسون تفكيرا وتعبيرا وسلوكا ما يتناقض مع الإسلام (أولا)، ويتناقض مع مصلحة المسلمين في الغرب وفي البلدان الإسلامية (ثانيا)، ومع مصلحة الدول الغربية ومجتمعاتها (ثالثا)، ويسري عليه ما يطلق عليه الغربيون وصف الإرهاب، وهذا ما نميزه تمييزا دقيقا عندما نستخدم من المنطلق الإسلامي وصف العنف غير المشروع، غير غافلين عن المعنى الذي تقرره الآية الكريمة (ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم) والتي لا يأتي سياقها وفق الآيات السابقة لها والتي تليها، بمعرض الدعوة إلى القتال، بل على النقيض من ذلك يأتي بمعرض الحديث عن تثبيت السلم المشروع، وعن "إرهاب" العدو أن ينقض العقود والمواثيق فيسبب قتالا، ومن شاء فليرجع إلى تلك الآيات في سورة الأنفال.
إن الذين يرتكبون أعمال العنف الإرهابي غير المشروع، أو يدعون إليها، أو يؤيدونها، أو يسوّغونها بمسوغات مرفوضة تتجاوز التفسير المطلوب لها ولدوافعها وأسبابها من أجل فهم الظاهرة ليمكن تحديد الأسلوب الأجدى للتعامل معها.. هؤلاء لا يلحقون الضرر فقط بفهم البشر من مسلمين وغير مسلمين للإسلام على حقيقته، وهو دين الحق والعدالة والخير والرحمة والسماحة وتحرير العباد، جميع عباد الله، من مختلف أشكال الرق والعبودية والاستبداد والاستغلال.. ودين توظيف القوة في خدمة ذلك كله، وليس توظيفها فيما يتناقض معه، بل يلحقون الضرر أيضا على أرض الواقع، بالمسلمين وقضاياهم في كل مكان، وإن زعموا نقيض ذلك.
ليست القضية هنا قضية دفاع عن "الوجود الإسلامي في الغرب" والسعي أن يكون مسالما آمنا بعيدا عن المواجهات مع السلطات أو مع حكومات تشارك في أعمال عدوانية ضد شعوب مسلمة وقضايا إسلامية.. وذاك أو ما يشابهه بعض ما تردده أقلام لا يريد أصحابها فهم الكلام كما هو، فيؤولونه على حسب أهوائهم ليوزعوا الاتهامات ذات اليمين وذات الشمال ضد كل من لا يتبع أهواءهم..
بكل وضوح:
إن رفض العنف غير المشروع الذي يُرتكب داخل حدود البلدان الأوروبية، أو في الغرب عموما، لا يكون قويما وسليما ما لم يشمل (1) رفض العنف غير المشروع خارج تلك الحدود أيضا، وما لم يشمل (2) رفض العنف غير المشروع الذي تمارسه تلك الدول أو سواها، في أي مكان، وما لم يشمل (3) رفض العنف غير المشروع الذي يستهدف الإنسان عموما، من المسلمين وغير المسلمين، وما لم يشمل (4) رفض العنف غير المشروع من جانب الاستبداد المحلي والاستبداد العالمي.. وما لم يشمل أيضا (5) التأييد دون تحفظ لاستخدام القوة المشروعة بالوسائل المشروعة، للدفاع عن النفس، والأرض، والحقوق، وعن جنس الإنسان وكرامته وحرياته الأساسية، ضد من يمارس العدوان، والاغتصاب، والاستغلال، بمختلف الأشكال وفي أي مكان.
هذا الرفض الشامل المتكامل هو ممّا ينبغي السعي إليه في حلحلة الربط بين المسلمين في أوروبا وأعمال العنف الإرهابي غير المشروع.
إن هذا الربط ناشئ عن تحالف "غير مقدس" -كما يقال- وإن لم يكن مقصودا، ما بين دعاة العنف غير المشروع من جهة، ممّن يزعمون الدفاع عن الإسلام، فهم يوجدون الذرائع لهذا الربط، وبين جهات وأوساط معادية للإسلام عموما ولوجوده في الغرب تخصيصا، من جهة أخرى، فهي تعمل على تثبيت هذا الربط والترويج له، لتأليب المجتمعات الأوروبية على المسلمين فيها.
وإن هذا الربط الخطير يعني فيما يعنيه:
1- تشويه صورة الإسلام الحقيقية والتنفير منه..
2- تشويه صورة المسلمين وعلاقاتهم بسواهم ودعم ذرائع من يعمل على التخويف منهم وعلى معاداتهم..
3- نشر الخوف في أوساط المسلمين لا سيما جيل الشبيبة من العمل للإسلام والدعوة إليه داخل المجتمعات الغربية خشية من أن تلحق بهم وصمة الربط بين أنشطتهم الإسلامي المشروعة وبين المروجين للعنف غير المشروع ومرتكبيه..
4- تأليب غير المسلمين ضدهم، وضد القضايا الإسلامية تعميما، وتشويه حقيقة أنها قائمة على الحق والعدالة وكرامة الإنسان وتحرير الأوطان، وبالتالي دعم القوى التي تؤثر في أوساط غير المسلمين لصناعة قرارات ارتكاب الأعمال والسياسات العدوانية تجاه المسلمين وبلادهم في العالم الإسلامي نفسه..
5- إضعاف مواقع الجهات الإسلامية، الناشطة وغير الناشطة، وجهات ناشطة أخرى من غير المسلمين، تعززت يوما بعد يوم من خلال متابعة الأحداث الجارية على حساب المسلمين وقضاياهم العادلة، وبالتالي الحيلولة دون تنامي تأثيرها داخل المجتمعات الغربية لتقويم الانحرافات فيما تساهم به على صعيد صناعة القرارات الدولية الجائرة وتنفيذها.
يجب أن يوضع حد نهائي لهذا الربط الخطير بذاته والخطير بنتائجه وأبعاده، وتقع المسؤولية أولا على عموم المسلمين أنفسهم في أوروبا، فهم المطالبون بتعامل إسلامي قويم هادف راسخ مع الأحداث، ينطوي على الرفض القاطع الواضح للدعوات التي يروج لها مرتكبو العنف غير المشروع ومؤيدوه..
ولكن دعاة هذا العنف أنفسهم مدعوون أيضا إلى حمل قسط من هذه المسؤولية، فإن صح ما يقال إنهم أخطؤوا الوسيلة نحو هدف مشروع يتطلعون إليه، وهو رفع شأن الإسلام والمسلمين وخدمة قضايا الإسلام والمسلمين، فإن هذا الهدف بالذات يحتم عليهم إن صدقوا مع أنفسهم وإسلامهم، أن يتخلوا عن الوسائل التي لا تتناقض مع الإسلام فحسب، بل ويستحيل أصلا أن تحقق هذا الهدف، إنما يصنعون بها عقبة أخرى من العقبات في وجه المسلمين الصادقين المخلصين الملتزمين بأحكام دينهم وبالدعوة إليه والعمل من أجله، وهؤلاء سيمضون على هذا الطريق، سواء وجدت تلك الفئات أم لم توجد، وسوف يتحقق ذلك الهدف على أيدي أولئك المخلصين، رغم العقبات الكبيرة والعراقيل الضخمة، التي يصنعها أعداء الإسلام وخصومه ويصنعها المسيئون إليه وإن رفعوا عنوانه فوق إساءاتهم له.
المصدر: http://www.google.com/imgres?imgurl=http://www.midadulqalam.info/midad/u...