أثـر الانحراف الاعتقادي على الإرهاب العالمي

أثـر الانحراف الاعتقادي على الإرهاب العالمي
الصهيونيـة نموذجــاً

إعــداد
د. سعـد بن علي الشهراني
عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة جامعة أم القرى
والمستشار برابطة العالم الإسلامي

المقدمـــة :
الحمدلله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد :
ازداد " هوس الإرهاب " بعد أحداث (11) سبتمبر ، وانطلقت جحافل الأجهزة السياسية والإعلامية والفكرية في الغرب نحو المسلمين وحدهم بتهمة الإرهاب من دون كل البشر ، والإسلام من دون كل الملل والنحل ، ليس هذا فحسب وإنما وُجد من يحاول تأصيل التهمة ، بجعل عقيدة الإسلام وشريعته مصدراً للإرهاب ، لكي يثبتوا أن الإسلام يربي كائنات بشرية إرهابية ، وأن المسلم الحق هو مشروع إرهابي جاهز للقتل، وبهذا يتحقق ترهيب الناس من الإسلام وإبعادهم عنه .
إن الغرب يكيل بمكيالين ، فحين تُرتكب جريمة نفذها يهودي أو نصراني أو أي ديانةٍ أخرى لا يقال نفذها يهودي أو نصراني ، أما حين يكون المنفذ مسلماً فوصف الإرهاب قرينا له فيقال : (( إرهابي مسلم)).
ويظهر أن وسائل الإعلام الغربية تشكو من قرون استشعار انتقائية، خاصة في إلصاق الإرهاب بالإسلام وكأنه من مكوناته ، فتجدهم ينسبون جرائم صدام حسين للإسلام بينما جرائم ستالين الأرثوذكسي أو هتلر الكاثوليكي لا تنسب إلى ديانتهم النصرانية وغيرهما كثير ، بل السفاح شارون وصفوه بأنه (( رجل سلام))!!
لقد وضعوا الإسلام في قفص الاتهام ، وحكموا عليه بدون شهود ولا بينة بالإعدام ، وحقاً إن العين لتدمع وإن القلب لينفطر غيظاً وحزناً حين يرى هذا الظلم العالمي والإرهاب العدواني على الإسلام .
ولذلك جاء هذا البحث إسهاماً في الدفاع عن الإسلام ولسان حاله يقول: (( رمتني بدائها وانسلت )) ، وسأبين في هذا البحث أن فساد الاعتقاد هو العامل الأول للإرهاب العالمي ، ومن ثم مثَّلت بنموذج على ذلك يمثل الخطر على الإنسانية ألا وهو : اليهودية ، ولو تتبعت الانحرافات العقدية في الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة وأثرها في الإرهاب للزمني مجلدات وموسوعات ، ولكن حسبي أن أشير إلى هذه الطائفة والتي فطنت شعوب أوروبا إلى خطرها على العالم ، وهذا ما أكده مؤخراً استطلاع الرأي العام لدول الاتحاد الأوروبي ويضم خمس عشرة دولة حيث كان السؤال أي دول العالم تهدد الأمن والسلام فأجابت الأغلبية بأنها "إسرائيل أولا"! . ومن إعجاز القرآن أن الله ذكر هذه الأمة المغضوب عليها في (( أم الكتاب وفاتحته )) .
ويهدف البحث إلى بيان أهمية العامل الاعتقادي وأثره في الإرهاب ، وبيان الانحرافات الاعتقادية التي وقع فيها اليهود وأثرها في الإرهاب العالمي ، كما يهدف إلى تنبيه الغافلين على البعد العقائدي في الصراع الذي يصدر منه أعداء الإسلام في كل مواقفهم ، وهو البعد الأهم والأعمق ، فالإستراتيجية الغربية المسيحية واليهودية ركزت على طمس حقيقة أن الصراع هو صراع ديني عقائدي في نفوس المسلمين ، وألبست ذلك الصراع ثوباً من القومية والوطنية الزائفة، ولذلك ظهرت الأحزاب العلمانية والزعامات المصطنعة التي خدمت الصالح اليهودي .
إن سلاح العقيدة هو أقوى سلاح نواجه به أعداءنا ، وإذا تجردنا منه هزمنا، وإن عضضنا عليه بالنواجد نصرنا الله نصراً مبينا :         [محمد 007] .             [الرعد 011] .

المبحث الأول
أهمية العقيدة للفرد والمجتمع

تعد العقيدة ركناً أساسياً مهماً في حياة البشرية ، سواءً على مستوى الأفراد، أو المجتمعات والدول ، فلقد خلق الله تعالى الإنسان وركز في فطرته معرفة الله وتوحيده ، إنها فطرة الله التي فطر الله الناس عليها ، والقرآن الكريم والسنة النبوية صريحة في إثبات ذلك ، ومن النصوص قوله تعالى :           ••             ••    [الروم 030] .
وفي آية الميثاق يصرح – جل وعلا – بهذه الفطرة ، وإقرار الناس وشـــهادتهم على أنفسهـــم بأن الله ربهم ، يقــــول تعالى :                           •            •          [الأعراف 172–173] .
وجاءت الأحاديث النبوية مفسرة لهذه الآية مؤكدة لمعناها( ) .
ومن الأحاديث الصريحة في أن الله فطر البشرية كلها على معرفته وتوحيده تعالى قوله  : ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء)( ) .
والمقصود بفطرية معرفة الله وتوحيده أن يكون الإنسان مخلوقاً خلقةً تقتضي معرفة الله وتوحيده مع انتفاء الموانع الصارفة عن ذلك ، بحيث لا يحتاج الإنسان في ذلك إلى النظر والاستدلال( ).
ومهما انحرف الإنسان عن الاعتقاد الصحيح فإنه لا يمكن أن يتجرد عن عقيدة مهما كانت تلك العقيدة ، فحاجته إلى العقيدة الدينية حاجة ثابتة لا تنقطع لأنها أمر فطري في حياته نشأت معه منذ ولادته ، يقول معجم (لاروس) للقرن العشرين : (( إن الغريزة الدينية : مشتركة بين كل الأجناس البشرية حتى أشدها همجية وأقربها إلى الحياة الحيوانية . وإن الاهتمام بالمعنى الإلهي وبما فوق الطبيعة هو إحدى النزعات العالمية الخالدة للإنسانية " . ويقول: إن هذه الغريزة الدينية (( لا تخفى ، بل لا تضعف ولا تذبل ، إلا في فترات الإسراف في الحضارة وعند عدد قليل جداً من الأفراد )) ( ) .
ويقول هنري برجسون : (( لقد وجدت وتوجد جماعات إنسانية من غير علوم وفنون وفلسفات ، ولكن لم توجد قط جماعة بغير ديانة )) ( ) .
ويرى كثير من الباحثين في الأديان ومنهم (( بنيامين كونستان )) أحد مؤرخي الأديان : أن الدين من العوامل التي سيطرت على البشر ، وأن التحسس الديني من الخواص اللازمة لطبائعنا الراسخة ، ومن المستحيل أن نتصور ماهية الإنسان دون أن تتبادر إلى ذهننا عقيدة الدين( ) .
ومما يجلي أهمية العقيدة في حياة البشرية ارتباط الراحة النفسية بإشباع هذا الميل للاعتقاد ، فالاعتقاد أو الدين عنصر ضروري ، والإنسانية بحاجة إليه للكمال النفسي والروحي ، فالإنسان جسم وروح ، والجسم يتغذى بالطعام والشراب ، بينما تتغذى الروح بالإيمان والعقيدة( ) .
ويرى ماكس موللر : أن الدين قوة من قوى النفس ، وخاصية من خصائصها ، وأن فكرة التعبد من الغرائز البشرية التي قُطر عليها الإنسان منذ نشأته الأولى( ) .
أما أهمية العقيدة على مستوى المجتمعات والدول فتتجلى في أن العامل العقدي له دور حاسم في تكوين المجتمعات والدول وسيرها وضبط حركتها عبر التاريخ وتوجيه مؤسساتها ونظمها .
يقول الدكتور دراز : (( لاحاجة بنا إلى التنبيه على أن الحياة في جماعة لا قيام لها إلا بالتعاون بين أعضائها ، وأن هذا التعاون إنما يتم بقانون ينظم علاقاته، ويحدد حقوقه وواجباته ، وأن هذا القانون لا غنى له عن سلطان نازع وازع . والذي نريد أن نثبته هو أنه ليس على وجه الأرض قوة تكافئ قوة التدين أو تدانيها، في كفالة احترام القانون ، وضمان تماسك المجتمع واستقرار نظامه، والتئام أسباب الراحة والطمأنينة فيه . ذلك أن الإنسان يمتاز عن سائر الكائنات الحية بأن حركاته ، وتصرفاته الاختيارية يتولى قيادتها شيء لا يقع عليه سمعه ولا بصره ، ولا يوضع في يده ولا عنقه ، ولا يجري في دمه ، ولا يسري في عضلاته وأعصابه . وإنما هو معنى إنساني روحاني اسمه الدين والعقيدة .
أجل .. إن الإنسان يساق من باطنه لا من ظاهره ، وليست قوانين الجماعات ، ولا سلطان الحكومات بكافيين وحدهما لإقامة مدينة فاضلة ، تحترم فيها الحقوق ، وتؤدى الواجبات على وجهها الكامل .
فإن الذي يؤدي واجبه رهبة من السوط أو السجن ، أو العقوبة المالية ، لا يلبث أن يهمله متى اطمأن إلى أنه سيفلت من طائلة القانون . ومن الخطأ البين أن نظن أن في نشر العلوم والثقافات وحدها ضماناً للسلام والرخاء ، وعوضاً عن التربية والتهذيب الديني والخلقي . ذلك أن العلم سلاح ذو حدين : يصلح للهدم والتدمير ، كما يصلح للبناء والتعمير ، ولابد في حسن استخدامه من رقيب أخلاقي ، يوجهه لخير الإنسانية وعمارة الأرض ، لا إلى نشر الشر والفساد . ذلكم الرقيب . هو العقيدة والإيمان )) ( ) .
وتتجلى أهمية العقيدة في كونها مصدراً في قوة الدول وعزها أو ضعفها وذلها وسقوطها .
والقرآن الكريم ركز على العامل العقدي لكونه عاملاً حاسماً بإمكانه أن يغير مجرى الأحداث ويبدل سير الدول والمجتمعات على رغم توافر الإمكانيات المادية.
لقد ذكر الله – تعالى – كثيراً من الأمم والشعوب كانت لها القوة والمنعة وكانت في مركز الثقل ، ومع ذلك لم تكن أبداً استثناءًً من سنة الله تعالى ، قال تعالى :                                     •            [غافر 021–022] .
لقد سجل التاريخ هذه العلاقة المتلازمة القائمة بين العامل العقائدي وبين تطور المجتمعات سلباً وإيجاباً( ) ، وتاريخ المجتمعات الإسلامية بالذات خير شاهد على ذلك كما أبرز ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية . لقد وجد ابن تيمية أن هناك علاقة طردية بين صفاء العقيدة وتقدم المجتمعات وبالعكس . فكلما كانت العقيدة صافية كلما تحقق وساد الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي وازداد المجتمع قوة وتفوقاً . وبقدر ما تضطرب العقيدة بقدر ما تسير المجتمعات نحو الاضطراب سياسياً واجتماعياً واقتصادياً . لقد طبق ابن تيمية هذه القاعدة في تفسير تفكك المجتمعات الإسلامية وسقوط دولها ابتداءً من دولة الأمويين التي ظهرت فيها البدع الكلامية إلى دولة العباسيين وما بعد العباسيين حيث ظهر الإلحاد وتفشت المظاهر المرضية للدين في شكل الطرق الصوفية وتحولت العقيدة من مصدر قوة إيجابية محركة للهمم ودافعة للتقدم إلى قوة سلبية عائقة .
لقد صاغ ابن تيمية حديثه عن العلاقة بين العقيدة وسير المجتمعات في شكل علاقة منطقية تقوم على أساس وجود تلازم مطرد بين النتائج ومقدماتها . ففي حديثه عن سقوط بني أمية بعد أن ظهر في بعضهم القول بالتعطيل وغيرها من البدع الكلامية عاد عليهم شؤمهم بزوال دولتهم . (( فإنه إذا ظهرت البدع التي تخالف دين الرسل انتقم الله ممن خالف الرسل وانتصر لهم ))( ).
ويُرْجِعُ السبب في تسلط الروم النصارى على العباسيين وأخذهم الجزيرة والثغور الشامية وبيت المقدس في أواخر المائة الرابعة إلى ظهور النفاق والبدع والفجور المخالف لدين الرسل . وعندما تولى نور الدين الشهيد وقام بما قام من أمر الإسلام وإظهار الحق ظهر الإسلام وفرض سيطرته السياسية من جديد ((فكان الإيمان بالرسل والجهاد عن دينه سبباً لخير الدنيا والآخرة ، وبالعكس البدع والإلحاد ومخالفة ما جاء به الرسل سبب لشر الدنيا والآخرة )) (( فلما ظهر في الشام ومصر والجزيرة الإلحاد والبدع سلط عليهم الكفار ، ولما أقاموا ما أقاموه من الإسلام وقهر الملحدين والمبتدعين نصرهم الله على الكفار وكذلك لما كان أهل المشرق قائمين بالإسلام كانوا منصورين على الكفار المشركين من الترك والهند والصين وغيرهم ، فلما ظهر منهم ما ظهر من البدع والإلحاد والفجور سلط عليهم الكفار )) ( ) .
وهذه القاعدة العامة التي صاغها الإمام ابن تيمية في هذا الشكل المنطقي يمكن أن تعمم على كثير من التحولات الاجتماعية التي عرفتها دول العالم الإسلامي في ماضيها وحاضرها كما حدث مع المرابطين والموحدين وبلاد الأندلس( ) . وفي تاريخنا الحديث تظل حرب فلسطين في سنة 1948م وأحداث أفغانستان والعراق وغيرها خير شاهد على تلك العلاقة الطردية( ) .
إن العقيدة بحسب قوتها في الأنفس تعطي لهذا المجتمع القوة وعدم الذوبان في المجتمعات الأخرى .
وجملة القول أن العقائد أو الأديان تحمل من المجتمعات والدول محل القلب من الجسد وأن الذي يؤرخ الديانات كأنما يؤرخ الشعوب وأطوار المدنيات( ) .
والإرهاب أو العنف بصفته ظاهرة عالمية في عصرنا الحاضر يقف العامل العقدي العامل الأول فيها ، نعم هناك عوامل أخرى مهمة مثل العوامل الاقتصادية ، والسياسية ، والاجتماعية ، والنفسية، والتربوية وغيرها ، إلا أن الاعتقاد يأتي في مقدمتها ، وهذا يرجع إلى أهمية الاعتقاد أو الدين في حياة الإنسان كما بينت في الصفحات السابقة ، فالانحراف العقدي أو الفكري ، يعطي الإرهابي تسويغاً لعمله ، وتفسيراً لجرمه ، والدراسات الميدانية تؤكد ذلك ، منها على سبيل المثال الدراسة الميدانية التي أعدها (( سالم البراق )) والتي أجمع معظم أفراد عينة البحث على دور العامل الفكري في تكوين السلوك الإرهابي لجميع المنظمات المتطرفة والإرهابية ( ) .
وقد رفض أحد علماء النصرانية البارزين استعمال التوراة لاستعمار الشعوب حيث ألف الأب ((مايكل أبريور)) رئيس كلية اللاهوت والدراسات الكتابية في بريطانيا كتاباً قيماً بعنوان : ((الكتاب المقدس والاستعمار الاستيطاني… أمريكا اللاتينية . جنوب أفريقيا . فلسطين )) حيث يقول : ((إن الهدف من دراسته التي تتناول الربط بين الكتاب المقدس في عهده القديم في كونه أداة واهنة في قمع الشعوب واضطهادها )) ويضرب على ذلك بأمثلة وشواهد كثيرة( ) .
وقد ألف البرفسور اليهودي الشهير : "نعوم تشومسكي" كتابه : Middle East terrorism and the American ideological system أي "الإرهاب في الشرق الأوسط [ونظام] الأيديولوجية الأمريكية " وهذا يؤكد مدى تأثير العقيدة الأمريكية في الإرهاب في الشرق الأوسط( ) .

المبحـــــث الثـــاني
معنى الإرهاب

لا يوجد مصطلح معاصر اختلف على تعريفه مثل مصطلح الإرهاب، ولقد اطلعت على كثير من التعريفات( ) فوجدتها غامضة ضبابية وعليها ملحوظات عديدة، (والاصطلاحات لا مشاحة( ) فيها إذا لم تتضمن مفسدة) ( ).
ولولا تفشي هذا المصطلح عالمياً وفرضه علنيا إعلامياً لما استخدمته في هذا البحث ، ولهذا فإني أُشيد بدعوة (( المجتمع الفقهي الإسلامي )) برابطة العالم الإسلامي (( رجال الفقه والقانون والسياسة في العالم إلى الاتفاق على تعريف محدد للإرهاب تنـزل عليه الأحكام والعقوبات ، ليتحقق الأمن وتقام موازين العدالة ، وتصان الحريات المشروعة للناس جميعاً )) ( ) .
وقد قام المجمع بتعريف للإرهاب وهو : العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان في دينه ، ودمه ، وعقله ، وماله ، وعرضه ، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق ، وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق ، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد ، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس ، أو ترويعهم بإيذائهم ، أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر ، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة ، أو تعريض أحد الموارد الوطنية ، أو الطبيعية للخطر فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها ، قال تعالى :        •      [القصص 077] ( ) .
كما أوضح المجمع أن عدم الاتفاق على تعريف محدد للإرهاب اتخذ ذريعة إلى الطعن في أحكام قطعية من أحكام الشريعة الإسلامية ، كمشروعية الجهاد والعقوبات البدنية من حدود وتعزيرات وقصاص ، كما اتخذ ذريعة لتجريم من يدافع عن دينه وعرضه وأرضه ووطنه ضد الغاصبين والمحتلين والطامعين، وهو حق مشروع في الشرائع الإلهية ، والقوانين الدولية .
ويقول أ.د. محمد عزير شكري : إننا اليوم أمام صفحة جديدة غير مشرقة في العلاقات الدولية، الحافز فيها هو هذا غير المعرف المسمى إرهاباً، والخصم والقاضي فيها هو الولايات المتحدة وعصبة من الدول، يقابله صمت فعلي من العالم، والقانون المطبق فيه هو شريعة الغاب. آن للعالم أن يشخص الداء قبل اللجوء إلى دواء قد يكون هو من أسباب الداء. أو لا نرى ذلك تحت أنظارنا في العراق وأفغانستان، وقبلها وبعدها، الله يعرف أين ومتى ؟ ومن يعش ير( )!!
المبحث الثالث
العقيدة اليهودية وأثرها في الإرهاب

تمهيد :
بعث الله رسله تترى، وأنزل معهم الكتاب بالقسط، ليعبدوه وحده لا شريك له ، وحَّد الله أهداف دعوتهم فقال :                  [الأنبياء 025] .      •        [النحل 36].
فلا شك أن العقائد السماوية التي نزلت على رسل الله وأنبيائه واحدة ، كما أن المبادئ العامة للشرائع وأصول الأخلاق واحدة ، مع فوارق في التشريعات والجزئيات المفصلة لأصولها العامة حتى تكون مناسبة لحال الأمم باختلاف الأزمان والأحوال .
قال تعالى :                                           [الشورى 13].
وهناك العديد من الآيات القرآنية التي تؤكد وحدة الهدف بين الرسل ولكن حين نعرض اليوم للعقيدة اليهودية نلحظ أنها حرَّفت وبدلت ما جاء به موسى عليه السلام ، فلها مفهوم خاص عن الإله ، وأنبيائه، وتصور خاص عن

البعث ، واتجاه خاص في مبادئ الأخلاق وأسس الاجتماع الإنساني( ) .
وسأعرض باختصار بعض عقائد اليهود في الله تعالى ، وفي أنبيائه ورسله ، وفي اليوم الآخر ، والتمييز العنصري ، وأرض الميعاد ، لنرى مدى الانحراف والتشويه الذي فعلوه برسالة موسى عليه السلام والأنبياء من بعده ، وليتضح أثر هذه العقيدة على سلوكهم العدواني الإرهابي .

المطلب الأول : عقيدة التمييز العنصري عند اليهود :
إن من المفارقات العجيبة أن يندد اليهود : (( بالعنصرية النازية )) مع أنهم أعنف دعاة الاستعلاء والتمييز العنصري عبر قرون الدهر .
إن اليهود يعدون أنفسهم من جنس مميز على سائر أجناس بني البشر الذين يطلق عليهم اليهود (الجويم) أو الأمميين . فهم يزعمون أنهم شعب الله المختار، وأنهم أصحاب مميزات جنسية وعقلية وحضارية لم تتوافر لسائر بني البشر .
ويستند اليهود في هذه العقيدة إلى نصوصٍ في توراتهم المحرفة وتلمودهم الموضوع( ) .
وبناءً على هذه العقيدة الباطلة وضع اليهود قوانينهم ومعاملاتهم ، ففرقوا بينهم وبين سائر البشر في الأمور السياسية والاجتماعية من ذلك :
1) أن الإسرائيليين محرم عليهم أن يقتل بعضهم بعضاً ، أو يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم ، على حين أنه مباح للإسرائيليين بل واجب عليهم غزو الشعوب الأخرى وقتلها وسلب أموالها( ) .
2) إباحة الربا والزنا مع غير اليهود وتحريمه فيما بينهم( ) .
وهذه مجرد نماذج من نتائج هذه العقيدة العنصرية، والواقع الذي يعانيه إخواننا في فلسطين خير شاهد ، حيث يذوقون شتى أنواع العنصرية وأشدها ، وقد ذكر الله عنصريتهم فقال على لسانهم :                 [آل عمران 75] .

المطلب الثاني : عقيدة أرض الميعاد عند اليهود :
تعد هذه العقيدة من أهم عقائد اليهود التي يؤمنون بها ويبنون سياساتهم وعلاقاتهم عليها ، ومعناها عندهم : أن الله سبحانه وتعالى قد وعد بني إسرائيل أن يملكهم أرضاً ، لكي يقيموا عليها دولة لهم تجمعهم من التشرد والشتات . وقد اختلفوا فيما بينهم حول تحديد حدود هذه الأرض الموعودة ، فمنهم من قال : إنها أرض كنعان فقط ، يعني أرض فلسطين ، ومنهم من قال: بأنها من النيل إلى الفرات ، والمستغرب أن كلتا الطائفتين لديها نصوص من كتابهم المحرف تؤيد ما ذهبت إليه( ).
والناظر في هذه النصوص من العهد القديم يجد فيها من الاختلاف وعدم الموضوعية والإبهام ما يجعل القارئ لها يستبعد أن تكون نصوصاً سماوية من عندالله( ) .
وكما اختلف اليهود حول حدود أرض الميعاد فقد اختلفوا أيضاً حول موعد تحقيق هذا الوعد وحول الشخص الذي سيحقق لهم هذا الوعد ، وسأعرض عقيدتهم في مسيحهم المنتظر عند ذكر هذه العقيدة عند الأصوليين الإنجيليين .

المطلب الثالث : أثر عقائد اليهود على الإرهاب العالمي :
إن الإرهاب الحقيقي واستخدام العنف بطريقة غير مشروعة يمتد بجذوره إلى العقيدة اليهودية المحرفة ، والتي تمثلها إسرائيل وتطبقها في واقعنا اليوم ، وإن دراسة التاريخ المعاصر للصهيونية ، يظهر بجلاء أن الكيان الصهيوني قد تبنى الإرهاب على مستوى الأفراد والدول على حدٍ سواء ، ولولا خشية الإطالة لسردنا إرهابهم الحالي الذي يشهد به القاصي والداني وقد ألفت في ذلك كتب عديدة، وهناك مواقع في الشبكة العالمية (( الإنترنت )) خصصت لذلك( ) .
لكننا في هذا البحث معنيون ببيان الجذور التي تربي وتغذي الإرهاب وهي جذور عقائدية .
إن في عدم معرفة اليهود لله تعالى حقاً ، وبما يجب له من صفات الكمال والجلال لأثراً كبيراً على سلوكهم وعدوانهم ، فمن كان بالله أعرف كان لله أخوف، وكتبهم مليئة بالاستهزاء والانتقاص من حق الله تعالى ، ومن اعتدى على الله من باب أولى أن يعتدي على خلقه .
وكذلك نجد وصفهم لرسل الله تعالى وأنبيائه – عليهم السلام – بما يستحيي المرء من ذكره يعد احتقاراً وعدواناً عليهم ، ومن اعتدى على أنبياء الله تعالى فلن يتردد أو يتأخر في العدوان على غيرهم من البشر .
كما أن عدم الإيمان باليوم الآخر يجعل منهم عبيداً للمادة وللتراب ولكل ما هو أرضي ، وفي اعتقادهم بأنهم شعب الله المختار وتميزهم العنصر يجعلهم يسوِّغون كل عمل إرهابي في حق غيرهم لأنهم هم الأسياد وما عداهم خدم لهم .
واعتقادهم بأرض الميعاد يجعلهم يستبيحون احتلال أراضي المسلمين وطردهم وقتلهم لإخراجهم منها ، وقد تسببت هذه العقيدة في حروب دامية وصراعات طويلة بينهم وبين المسلمين ، وقد بين لنا المولى عز وجل في القرآن الكريم فساد عقيدتهم ، وحذرنا منهم في أكمل بيان وأجلى حقيقة( ) .
وإن الباحث ليعجب أشد العجب حين يعلم أن توراة بني إسرائيل الحالية تعد سجلاً دقيقاً ومفصلاً لشرورهم وآثامهم ، وصمم آذانهم عن الاستجابة لله، ومخالفتهم لشريعته ، وخيانتهم لعهده ، بل كفرانهم به ، وعبادتهم الأصنام والأوثان من دونه ، وقتل أنبيائهم في أطوار تاريخهم ، فما من سفر من أسفارهم إلا يزخر بعبارات السخط والغضب التي صبها الله على بني إسرائيل صباً في كل عهودهم منذ أن أخرجهم الله من مصر ، إلى أن أهلكهم بظلمهم ، وقضى بخراب بلادهم ، وتقطيعهم في الأرض( ) .
ويهود اليوم هم الخلف السيئ لمن سلف ، إننا نجد هؤلاء الخلف ينطلقون من تراث السلف، فوراء كل جريمة يرتكبونها نبوأة مزعومة تسوِّغها لهم .
يقول هرتزل : (( … إن هدف الحركة الصهيونية هو تنفيذ النص الوارد في الكتاب المقدس بإنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين )) ( ) .
ويقول بن غوريون : (( قد لا تكون فلسطين لنا من طريق الحق السياسي أو القانوني ، ولكنها حق لنا على أساس ديني ، فهي الأرض التي وعدنا الله ، وأعطانا إياها من الفرات إلى النيل))( ).
ولعل أشد ما دونته نبوءاتهم المحرفة تحريضاً لليهود على التوسع العدواني الظالم هو : (( كل مكان تطؤهُ أخامص أرجلكم لكم أعطيته )) ( ) .
فهم مرتبطون عقدياً بكل أرض سكنوا فيها ، من أرض الآباء والأجداد مثل كل فلسطين ، وسورية .. العراق ، ومصر ، والمجوز .
ولقد قال بن غوريون في تسويغ عدوان (1956م) : (( إنه يوطد أمن إسرائيل ، ويحميها من العدو ، ويحرر أرض الأجداد من الغاصبين )) .
ولما اعترض أحد الوزراء على احتلال الجولان ، وعلَّل اعتراضه بعدم وجود روابط توراتية ، رد عليه ((إيجال آلون)) قائلاً : (( إن الجولان قطعة من إسرائيل القديمة لا تقل أهمية عن الخليل ونابلس )) ، وهبَّ زعماء يهود يؤكدون أن استيلاءهم على الأراضي المحتلة ما هو إلا تحقيق لنبوءات العهد القديم .
وقال ((مناحيم بيجن)) في (28/5/1968):(( إن الأراضي العربية المحتلة هي أراضٍ إسرائيلية حررتها إسرائيل من الحكم الأجنبي غير الشرعي )) ( ) .
حتى السور العنصري المقيت الذي اقترح بناءه إسحاق رابين – حمامة السلام المفترسة – وشرع بيريز في تنفيذه عام 1996م ، ووهو مثار الجدل حالياً في حكومة شارون الذي سيحول المناطق الفلسطينية الحالية إلى معتقل كبير للفلسطينيين ، استخرجوا له أسطورة من كتاب القابلاه في شرح التوراة ، تنص على أن القدس هي ((الملكوت الذي سيحكم العالم ، وستحيط بها المرتفعات، حتى لا تصل إليها قوى الظلام ، وستعلو جدرانها ؛ حتى يعود التوازن إلى العالم )) ( ) .
إذن وراء كل مجزرة ومذبحة وجريمة يهودية نبوأة توراتية مزيفة ، أو محرفة ، وليس على الآخرين سوى أن يرضخوا لإرادة الشعب المختار ، لأنها – وببساطة – إرادة الله في زعمهم .
وإنَّ العقيدة اليهودية المحرفة لم تكن مسطرة في كتبهم القديمة فحسب ، بل كانت حيةً في مناهجهم التي يربون عليها أطفالهم ، وبالفعل أثمرت هذه المناهج وفرخت ما نراه من إرهاب عبر شاشات التلفزة على مرأى ومسمع العالم كله، ليشهد العالم على إرهابهم وعدوانهم المتأصِّل في نفوسهم التي ربيت على مناهج البغي والعدوان ، وسأعرض نموذجاً على هذا وهو رسالة دكتوراة بعنوان ((الاتجاهات الأيديولوجية في أدب الأطفال العبري )) للدكتورة سناء عبداللطيف ، حيث تتبعت المؤلفة مناهجهم بالعبرية في دراسة موضوعية وسأنقل شيئاً من خاتمتها حيث قالت: يسعى المؤلفون إلى تلقين الأطفال مبادئ الأيديولوجية الصهيونية بشكل يظهر فيه بوضوح انحياز أدب الأطفال العبري للنسق القيمي للحركة الصهيونية ، ومتسقاً اتساقاً شديداً مع أهدافها حتى إنه يمكن القول : إن أدب الأطفال العبري يُعدّ سمفونية دعاوية وإعلامية ، وإنه يعمل بانضباط على إيقاع تعاليم الأيديولوجية الصهيونية .
إن أدب الأطفال العبري يسعى إلى صهينة الجيل الجديد من اليهود في إسرائيل .
ويعمد إلى خلق ما يؤيد كل القضايا التي واجهت الصهيونية سواء كان ذلك :
 تسويغ رفض الاندماج في مجتمعات الشتات اليهودي ، وذلك بالتركيز على ما يطلقون عليه العداء للسامية وكراهية اليهود .
 أو بتسويغ اغتصاب فلسطين من العرب ، وذلك بالتركيز على مقولة أرض اليهود التاريخية والحق الديني والتاريخي لهم في فلسطين .
 مضمون الأدب العبري مناسب جداً لأهدافه ، وهو يتسق اتساقاً مباشراً مع أهداف الصهيونية ومتمشٍ مع اتجاهاتها العقدية .
 يركز الأدب العبري الموجّه للأطفال على وضع المفاهيم الصهيونية في قالب ديني عاطفي يمكنه من جذب اليهود وتأييدهم وإثارة حماستهم الدينية من خلال تحويل القيم اليهودية إلى مفاهيم سياسية قومية .
 يركز الأدب الموجّه للأطفال أيضاً على الدعوة إلى الاهتمام باللغة العبرية من أجل الحفاظ على التراث اليهودي وبعثه وتعميقه بين الأطفال .
 يركز أدب الأطفال على تدعيم الإحساس لدى الأطفال بحتمية الحروب من أجل ضمان الوجود البيولوجي الإسرائيلي ، فيكثر الأدباء من الحديث عن وضع اليهود في أيام الحروب .
 ومن ناحية أخرى ، فإن اهتمام الأدباء بوضع اليهود في جوّ محاصر بالأعداء في قصصهم الموجّهة للأطفال يؤكّد في نفوسهم المقولة الصهيونية : ((لا خيار إلا القتال)) وبذلك يعدّ الأطفال نفسياً لتقبل فكرة التجنيد الإلزامي حينما يصلون إلى السن الملائمة لذلك ، وتهيئتهم لخوض الحروب.
وقد سادت الصفحات السلبية معظم كتب الأطفال لتشوه الشخصية العربية، مثل الخيانة والكذب والمبالغة والدهاء والوقاحة والشك والوحشية والجبن وحب المال وسرعة الغضب والتملق والنفاق والتظاهر والتباهي والخبث، كما وُصِفَ العربيُّ بأنه قاتل وسارق ومخرّب ومتسلل وقذر وذو ملامح تثير الرعب( ) .
ويبقى المحور الكبير أيضاً في مناهجهم ، هو التأكيد على حقهم التاريخي المزعوم في فلسطين ، بل قدسية ترابها حتى إنه كان يقدم هديةً إلى اليهود في الشتات ، ليوضع معهم في قبورهم هناك( ) !
هكذا يربي اليهود أجيالهم ، فماذا قدمنا لأجيالنا ؟
وقد أصدر الباحث الإسرائيلي الدكتور : (( إيلي فودا )) مؤخراً دراسة تتقصى البعد الديني في الكتب المدرسية الإسرائيلية ، وقد غطت ستين كتاباً على مدار أربعين سنة ، يقرر في هذه الدراسة أن إسرائيل عملت على صناعة تربوية كاملة هدفها الفصل بين تاريخ ممنوع وتاريخ مسموح ، وذلك في سياق بناء الشخصية الإسرائيلية وبشكل غدت معه الكتب المدرسية عارية من الحقائق العلمية ومستغرقة بالميثولوجيا ، ومن خلال ذلك جردت كتب التاريخ الإسرائيلية العرب والمسلمين من كل نزعة إنسانية وإيجابية . وبين في هذه الدراسة كيفية إخضاع التاريخ للسياسة الإسرائيلية( ) .

المبحث الرابع
أثر الإيمان بالله وشريعته في علاج الإرهاب

جاء الإسلام والبشرية تتخبط في ركام هائل من العقائد والتصورات ، والفلسفات ، والأساطير ، والأفكار ، والأوهام ، والشعائر والتقاليد يختلط فيها الحق بالباطل ، والدين بالخرافة ، والفلسفة بالأسطورة .
والحياة الإنسانية بتأثير هذا الركام الهائل ، تتخبط في فساد وإنحلال ، وفي ظلم وذل ، وفي شقاء وتعاسة ، لا تليق بالإنسان ، بل لا تليق بقطيع من الحيوان( ).
فجاء الإسلام وكرم الإنسان ورفعه بالإيمان الصحيح ، وقوَّمه بالمنهج الشرعي الشامل ، فعاشت البشرية في ظل الإسلام أرقى حياتها وأسعد قرونها، وها نحن أولاء اليوم نعيش في القرن الخامس عشر الهجري ، لكن الغلبة فيه لأهل الباطل، وذلك بسبب بعد المسلمين عن منهج الإيمان الصحيح .
إننا نعيش في عصر علا وبغى فيه اليهود ، وقد ذكرها الله لنا في أم الكتاب . فلقد انحرفوا عن الإيمان بالله ، وهي أهم قضية تهم الإنسان ، فأدى ذلك إلى البغي والفساد في الأرض وإرهابهم للعالم ، ولو آمنوا بالله حقاً لعظموا الخالق ورحموا الخلق ، والإيمان الصحيح هو منهجنا فنحن أرحم الخلق بالخلق ، وأرهبهم للخالق ، وهذا إنما هو بفضل عقيدتنا التي هدانا الله لها ، فما هي ؟
عقيدتنا : الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره .
فنؤمن بربوبية الله تعالى ؛ أي : بأنه الإله الحق وكل معبود سواه باطل .
ونؤمن بأسمائه وصفاته ؛ أي : له الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا .
ونؤمن بوحدانيته في ذلك ؛ أي : بأنه لا شريك له في ربوبيته ، ولا في ألوهيته ، ولا في أسمائه وصفاته ، قال الله تعالى :                [مريم 065] .
وشرح أركان الإيمان وذكر أدلتها مما يطول به البحث ، ولكن نذكر ثمرات هذا الإيمان الذي لو تحقق لأصلح الفساد الاعتقادي الذي يتخبط فيه العالم والذي من نتائجه الإرهاب العالمي الذي تعاني منه البشرية. إن المؤمن حين يتربى على الإيمان الصحيح لا يقع في سلوك العنف أو الإرهاب ، وذلك بما تملكه هذه العقيدة من سلطان على الفكر والإرادة ، له أكبر الأثر في تهذيب سلوكه وتصرفاته ، فتجعله حافظاً لحقوق الله تعالى وحقوق عباده، وسأذكر باختصار بعض ثمرات أركان الإيمان :
فالإيمان بالله تعالى وأسمائه وصفاته يثمر للعبد محبة الله وتعظيمه الموجبين للقيام بأمره واجتناب نهيه ، والقيام بأمر الله تعالى واجتناب نهيه يحصل بهما كمال السعادة في الدنيا والآخرة للفرد والمجتمع :           •    •        [النحل 097] .
والإيمان بالملائكة يثمر العلم بعظمة خالقهم ، وشكره تعالى على عنايته بعباده ، كما أن الإيمان بالملائكة الذين يكتبون أعمال الإنسان له أثره في استقامة السلوك حتى لا تكتب على المؤمن إلا ما هو خير ، فيبتعد بذلك عن الشر والجريمة.
والإيمان بالكتب السماوية المنزلة من عند الله تعالى ، وأنها كلام الله ووحيه الذي ينبغي اتباعه ، يجعل المؤمن على طاعة والتزام ، ويربي فيه ضميره ونفسه اللوَّامة التي تحمله على الخير وتباعد بينه وبين الشر .
والإيمان بالرسل عليهم السلام ، وهم القدوة الكاملة من البشر ، يحمل المؤمن بهم على محبتهم وتوقيرهم والتأسي بهم في الطاعة والخير والصلاح ، والبعد عن كل ما يتنافى مع الإيمان واستقامة السلوك والمنهج .
والإيمان باليوم الآخر وما فيه حقائق ، إنما هو تربية للشعور الحقيقي بالمسؤولية ، وتحقيق للأخلاق الفاضلة المطلقة في سلوكنا وحياتنا ، تحقيقاً فعلياً مستمراً ، ثابتاً غير متقلب ، بلا نفاق ولا رياء . وكذلك له أثره في انضباط جميع الدوافع والغرائز والتحكم في هذه القوى الغريزية الجامحة ، خوفاً من الله تعالى وطمعاً في جنته.
والإيمان بالقدر له أثره في الاعتماد على الله تعالى ، وراحة النفس ، وطرد الإعجاب بها عند حصول المراد ، وطرد القلق والصبر عند فواته ، وهو يحمل صاحبه بعد وقوع الأقدار على أخذ العبرة والدرس، والتوبة من الخطأ والذنب.
هذه بعض ثمرات أركان الإيمان على سبيل الإشارة لا الحصر( ) . ويمكن القول بأن الإيمان إجمالاً هو :
أُسُّ الفضائل ، ولجام الرذائل ، وقوام الضمائر ، وسند العزائم في الشدائد، وبلْسم الصبر عند المصائب ، وعماد الرضى والقناعة بالأقدار ، ونور الأمل في الصدور ، وسَكَنُ النفوس إذا أوحشَتْها الحياة ، وعزاء القلوب إذا نزل الموت ، أو قَرُبت أيامه ، والعروة الوثقى بين الإنسانية ومُثُلِها الكريمة( ).
والمقارنة بين آثار هذه العقيدة الصحيحة ، وبين آثار العقيدة اليهودية ، يظهر البون الشاسع والواسع ، بين الفكر التدميري في العقيدة اليهودية والذي تصدقه الممارسة العملية في أرض الواقع ، وبين عقيدة الإسلام وشريعته، إنهم يُلصقون بالإسلام تهمة الإرهاب ليخوفوا الناس منه وينفروهم عنه ، بعد أن رأوا أنه يكتسح القلوب ويُلجم العقول بعقيدته وشريعته، لقد سبق الإسلام جميع القوانين في محاربة الإرهاب . وحماية المجتمعات من شروره ، وفي مقدمة ذلك حفظ الإنسان وحماية حياته وعرضه وماله ودينه وعقله من خلال حدود واضحة منع الإسلام من تجاوزها :          [البقرة 229] وهذا توجيه لعموم البشر .
وتحقيقاً لهذا التكريم منع الإسلام بغي الإنسان على أخيه الإنسان وحرم كل عمل يلحق الظلم به :      •           [الأعراف 033] .
وشنع على الذين يؤذون الناس في أرجاء الأرض ولم يحدد ذلك في ديار المسلمين :           •          •   •         [البقرة 205–206] .
وفي دين الإسلام توجيه للفرد والجماعة للاعتدال واجتثاث نوازع الجنوح والتطرف ، وما يؤدي إليهما من غلو في الدين ، لأن في ذلك مهلكة أكيدة "إياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين" رواه أحمد والنسائي.
وعالج الإسلام نوازع الشر المؤدية إلى التخويف والإرهاب والترويع والقتل بغير حق ، قال رسول الله  : " لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً " رواه أبو داود، وقال عليه الصلاة والسلام " من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي وإن كان أخاه لأبيه وأمه " رواه مسلم .
وقد أوصى الله بمعاملة أهل الذمة بالقسط والعدل فجعل لهم حقوقاً ووضع عليهم واجبات ، ومنحهم الأمان في ديار المسلمين ، وأوجب الدية والكفارة على قتل أحدهم خطأ :                 [النساء 092] .
وحرم قتل الذمي الذي يعيش في ديار المسلمين " من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة" رواه البخاري وأحمد وابن ماجة .
ولم ينه الله المسلمين عن الإحسان لغيرهم وبرهم إذا لم يقاتلوهم ويخرجوهم من ديارهم :                    •     [الممتحنة 008] .
وأوجب سبحانه وتعالى العدل في التعامل مع أهل الذمة والمستأمنين وغيرهم من غير المسلمين :   •            •         [المائدة 008] .
إنه لمن أظلم الظلم أن توصف شريعة كهذه بالإرهاب ، أين مثل هذه التشريعات في التوراة المحرفة، بل وجدنا فيها الحث على القتل والتدمير والظلم ! بينما في الإسلام نجد الرحمة والمحبة والسلام تشهد بذلك تعاليم هذا الدين وأحكام شريعته الحنيفية السمحة ، وتاريخ المسلمين الصادق النزيه . قال تعالى مخاطباً نبيه محمد  :        [الأنبياء 107]. وقال :          [الأعراف 199] وقال :                 [التوبة 128] . وقال لأصحابه : "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين " رواه البخاري . وقال : "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه" رواه مسلم ، وقال : "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه" وقال : "من يحرم الرفق يحرم الخير كله" رواهما مسلم .
هذا عدل الإسلام ورحمته ولكنهم صم بكم عمي لا يفقهون !!
فإن قيل : ما يحدث في بلادكم من عمليات إرهابية يخالف هذا .
قلنا الجواب : إن هؤلاء شرذمة قليلون لا يمثلون الإسلام ولديهم إنحرافات فكرية قادتهم إلى الغلو والتطرف . إضافة إلى كونها في غالبها ردود أفعال على ما يحيق بالمسلمين في كل مكان ولاسيما في فلسطين من ظلم عالمي يخلفون فيه ما يدعون من الحريات وحقوق الإنسان وتقرير مصائر الشعوب .
ولقد واجه الإسلام حملات الإرهاب قديماً كالخوارج والحركات الباطنية وجيوش الصليبيين وغيرها وسيظل راسخاً أبياً أمام حملات الإرهاب المعاصرة من الداخل والخارج .

الخاتمــة :
1- أن الإسلام هو دين الله الذي فطر الناس عليه جميعاً ، ومن انحرف عنه فقد حاد عن الصراط المستقيم فلا سعادة له ولا أمان إلا بالإسلام .
2- أن العقائد أو الأديان غريزة أساسية تحل من المجتمعات والدول محل القلب من الجسد ، وأن الذي يؤرخ الديانات كأنما يؤرخ الشعوب وأطوار المدنيات .
3- توجد علاقة طردية بين صفاء العقيدة وتقدم المجتمعات والدول الإسلامية وبالعكس ، والتاريخ خير شاهد على ذلك .
4- أن الإرهاب مصطلح غامض ، لم يتفق على تعريفه ، وقد كثرت تعريفاته، وأمثلها تعريف المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي .
5- أن العامل الاعتقادي هو الأهم من عوامل الإرهاب ، ولهذا كانت الانحرافات الاعتقادية لها الدور الأكبر في الإرهاب العالمي .
6- العقيدة اليهودية المحرفة ذات علاقة وطيدة بالإرهاب ، حيث اعتدى اليهود على الله بالاستهزاء وصفات النقص ، وعلى أنبيائه بالقتل أو التكذيب ووصفهم بالصفات الدنيئة ، ومن اعتدى على الله وعلى أنبيائه فمن باب أولى أن يعتدي على خلقه . كما أن اعتقادهم بإنكار اليوم الآخر جعلهم عبيداً للمادة فلم يراعوا جزاء ولا حساباً ، وفي اعتقادهم العنصري بأنهم شعب الله المختار ما يجيز استعبادهم للناس لأنهم هم السادة الأخيار وما عداهم عبيد أشرار . كما أن اعتقادهم بأرض الميعاد في فلسطين أجاز لهم احتلالهم، ومجازرهم وذبحهم للنساء والأطفال . واليهود اليوم يربون أجيالهم على هذه المعتقدات فتخرج جيل إرهابي صهيوني.
7- أن الإسلام هو علاج الإرهاب ودواؤه الناجع ، بعقيدته المرتكزة على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وبشريعته الشمولية الكاملة التي حفظت للإنسان حقوقه مسلماً كان أو غير مسلم .
8- أن الإسلام قد تعرض لحملات عنيفة من الإرهاب الداخلي والخارجي ولكنه ظل راسخاً ، وسيبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار .
9- عدم الانصياع لتوجيهات الغرب بطلب تغيير المناهج الإسلامية، لأن تقليص هذه المناهج يزيد من الإرهاب ، وتذكيرهم بما في مناهجهم ، من التطرف والإرهاب الحقيقي ، إذ كيف يطالبوننا بالتغيير ومناهج اليهود تطفح بالإرهاب والدمار .
10- وجوب إدراك البعد العقائدي في معركتنا ضد أعداء الإسلام ، ووجوب التمسك بالعقيدة الإسلامية وعدم التخلي عن ثوابتنا إرضاء لأعدائنا ، ونحن نراهم يتمسكون بهذه النبوءات المحرفة ويبنون سياساتهم عليها ، ونحن أولى منهم بالتمسك بكتابنا وسنة نبينا محمد  فالله مولانا ولا مولى لهم .
وشكر الله لولاة أمر هذه البلاد المباركة إعلانهم الدائم التمسك بالعقيدة الإسلامية وعدم التخلي عنها .
ونسأل الله لنا ولهم الثبات على الحق حتى الممات .

أهم المراجع

 أثر العقيدة الإسلامية في اختفاء الجريمة : د. عثمان جمعه طميريه ، دار الأندلس الخضراء – جدة ط الأولى 1421هـ .
 الإرهاب الدولي : د. أحمد محمد رفعت ، د. صالح الطيار ، مركز الدراسات الأوروبي ، ط الأولى 1998م .
 الإرهاب الدولي دراسة قانونية نافذة : د. محمد عزيز شكري ، دار العلم للملايين ، ط الأولى 1992م .
 الإرهاب الدولي والنظام العالمي الراهن . د. محمد عزيز شكري ، د. أمل يازجي ، دار الفكر المعاصر – بيروت – ط الأولى 1423هـ .
 خدعة هرمجدون : د. محمد إسماعيل المقدم ، دار بلنسية – الرياض ، ط الأولى ، 1424هـ .
 دور التربية الإسلامية في مواجهة الإرهاب ، د. خالد الظاهري ، دار عالم الكتب – الرياض – 1423هـ .
 الدين ، بحوث ممهدة لدراسة الأديان : د. محمد عبدالله دراز ، دار القلم الكويت .
 عقيدة اليهود في الوعد بفلسطين : محمد آل عمر ، مجلة البيان – ط الأولى 1424هـ .
 العقيدة اليهودية وخطرها على الإنسانية : د. سعد الدين صالح ، مكتبة الصحابة ، جده – ط الثانية 1416هـ .
 فطرية المعرفة وموقف المتكلمين منها : د. أحمد سعد حمدان ، دار طيبة ، ط الأولى 1415هـ .
 قصة الإيمان ، للشيخ نديم الجسر ، دار العربية – بيروت .
 الكتاب المقدس : دار الكتاب المقدس ، القاهرة .
 الله جل جلاله والأنبياء عليهم السلام في التوراة والعهد القديم ، دراسة مقارنة ، د. محمد البار ، دار القلم دمشق ط الأولى ، 1410هـ .
 مجموع فتاوى ابن تيمية ، جمع وترتيب عبدالرحمن بن قاسم وابنه محمد ، ط الأولى 1381هـ .
 هكذا يربي اليهود أطفالهم : د. سناء عبداللطيف ، عرض وتلخيص : عبدالله الطنطاوي ، دار القلم – دمشق ط الأولى 1418هـ .
 اليهودية : د. أحمد شلبي ، مكتبة النهضة المصرية ، ط العاشرة 1992م .
 محاضرة معالي الشيخ صالح بن حميد : ((موقف الإسلام من الإرهاب )) ضمن ندوة الإسلام وحوار الحضارات – الرياض .

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك