مسؤولية الأسرة في تحصين الشباب من الإرهاب

مسؤولية الأسرة في تحصين
الشباب من الإرهاب

إعــداد
أ. سهيلة زين العابدين حمّاد

تمهيـــد:
أياً كانت أسباب تفجيرات الرياض، فنحن أمام ظاهرة جديدة تهدد كيان مجتمعنا ، وجدت أرضية خصبة في مجتمعنا لتجاوب بعض شبابنا مع مخططي العمليات الإرهابية ، وقيامهم بتنفيذها ، وهذا يعني وجود خلل في بنائنا الاجتماعي ، وقصور في وظائف مؤسسات المجتمع ابتداءً من البيت ، والمسجد، والمدرسة ، والجامعة ، وانتهاءً بأجهزة الإعلام على اختلافها ، والنوادي الثقافية والرياضية وعلينا أن نقوِّم وظائف جميع مؤسساتنا الاجتماعية لنضع أيدينا على مواطن الخلل وعلاجها لنحصِّن شبابنا من الوقوع في مستنقع الإرهاب ، ولنحصِّنه أيضاً من خطر العولمة والذوبان في الآخر.
وسأبدأ بالبيت والأسرة .
وظيفة الأسرة:
الأسرة هي الأساس في تكوين البناء الإنساني روحياً ، وعقلياً ، وعقائدياً، وجسدياً، ووجدانياً وانفعالياً واجتماعياً، لذا نجد الإسلام قد حرص على هذا التكوين ، ووضع أسسه في قوله  : ( تخيروا لنطفكم فإنَّ العرق دسَّاس ) ، وذلك ليضمن سلامة النسل من الأمراض الوراثية التي تنجب أولاداً معتوهين ، ومعوقين .
وكما اهتم بسلامة النسل عقلاً وجسداً قبل مولده نجده بيَّن دور الأسرة في البناء الروحي والعقائدي للإنسان بعد مولده في قوله  : ( ما من مولود إلاَّ يولد على الفطرة فأبواه يهودانه ، وينصرانه ، ويمجسَّانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسُّون فيها من جدعاء) ( ).
والإسلام دين الفطرة يوضح هذا قوله تعالى : {          ••             ••   } ( ).
ولم تتوقف وظائف الأسرة في الإسلام عند هذا الحد ، بل نجده رسم لنا أسس هذه التربية وقواعدها في البناء الإنساني الجسدي والروحي والعقلي والنفسي والاجتماعي والانفعالي والوجداني.
التربية الروحية:
التربية الروحية من أهم جوانب التربية التي تؤثر في شخصية الفرد تأثيراً كبيراً فتجعله ميالاً للخير ، متحلياً بالصفات الحميدة ، ملتزماً في سلوكه وتصرفاته التزاماً ذاتياً مستمراً بالخلق الكريم ، عاملاً على مساعدة الآخرين ، محباً للتعاون ، ذا نفس مطمئنة ومتفائلة يقبل على الحياة بروح إيجابية ، وعزيمة متوقدة ، لا يعجز إن اعترضت طريقه العقبات والعراقيل في محاولاته المستمرة لتخطيها ، مستعيناً بالله – عزَّ وجل – الذي يؤمن به ، ويلجأ إليه في السراء والضراء والشدائد ، ويثق في عونه وتوفيقه ( ).
مفهوم التربية الروحية:
يقصد بمفهوم التربية الروحية ترسيخ حب الله في قلوبهم حباً يجعلهم يحرصون على إرضائه في كل أقوالهم وأعمالهم ، وسلوكياتهم ، وتصرفاتهم، والاجتناب عن كل ما يغضبه ، فالإنسان إذا أحب أنساناً يسعى لإرضائه ، وعدم إغضابه ، فما بالك إن كان الحبيب هو الله الخالق جل شأنه؟ .
فعندما " تتم تربية الناشئين تربية روحية متكاملة تصفو أرواحهم ، وتزكو نفوسهم ، وتستنير عقولهم ، وتستقيم أخلاقهم ، وتتطهر أبدانهم ، وذلك لارتباطهم الوثيق بربهم عزَّ وجل ، الذي يراقبهم في كل حركاتهم وسكناتهم، ويشعرون بأنَّه معهم في كل وقت ، وفي كل مكان ، فإن لم يكونوا يرونه فإنَّه يراهم ، فيخافونه ، ويرجونه ، ويرهبونه ، ويطمعون في كرمه ، ويتوكلون عليه ، ويحسنون الظن به ، ويثقون في عونه وهدايته وتوفيقه"( ).
وبذلك يتبيَّن لنا أنَّ مفهوم التربية الروحية الصحيحة مستمد من الإيمان والعمل ، والعقيدة والأخلاق ، والموازنة بين مطالب الدنيا والآخرة بلا إفراط ولا تفريط. فالتربية الروحية السليمة هي التي ترسم المعيار الصحيح لتنمية مختلف جوانب الشخصية الإنسانية تنمية شمولية ، فهي مصدر هداية العقل ، بالإيمان بالله عزَّ وجل وتوحيده ، وصفاء النفس بسكينتها وطمأنينتها ، وتزكية الخلاق بالتحلي بالفضائل والقيم والمثل العليا ، وطهارة الأبدان باستعمال أعضائها وجوارحها في حقها وصونها من المعاصي والفواحش ، وتسخيرها للعبادة وأعمال الخير النافعة للفرد والجماعة ، وحسن العلاقة الاجتماعية مع الآخرين بالتكافل والتآزر والتعاون على البر والتقوى.
والقرآن الكريم أعطى للتربية الروحية مفهومها الصحيح ، وأضفى عليها كل عناصر الكمال والجلال التي تجعلها صالحة لتكوين المؤمن الكامل روحياً وعقلياً ودينياً وخلقياً واجتماعياً ودينياً في الدنيا والآخرة، وذلك في قوله تعالى: {                  •                              •     } ( ).
ومالم تكن تربية الإنسان الروحية تربية قويةً راسخة الدعائم ثابتة الأركان، وكانت أخلاقه وتصرفاته ومواقفه واتجاهاته انعكاساً صادقاً لإيمانه القوي بالله عزَّ وجل ، لما استطاع أن يتبع سبيل الجنة المحفوف بالمكاره والشدائد ، وتجنب سبيل النار المحفوف بالشهوات واللذائذ ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن الرسول  ، قال: ( حجبت النار بالشهوات ، وحجبت الجنة بالمكاره ) ( ).
وبذلك تكون التربية الروحية حقاً عماد التنشئة المتكاملة ، وبدونها لا يستقيم بناء الشخصية الإنسانية التي تصبح معرَّضة في كل وقت للخلل والاضطراب نتيجة لأبسط الهزات ، وأهون الأزمات( ).
التربية الأخلاقية :
إنَّ من أهم أهداف التربية الإسلامية التي تسعى إلى تحقيقها هو الهدف الأخلاقي، فمن أهم أهداف الإسلام إتمام مكارم الأخلاق ، وقد قالها  : (إنَّما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق ) ، ونبي الإسلام على خلق عظيم ، هكذا وصفه الخالق جلَّ شأنه : {     } ، ويدخل في نطاق الأخلاق : كل سلوك إرادي صادر من إنسان راشد ، ولذا فهدفها هو تنمية السلوك الأخلاقي على أساس شموله لما ينظم علاقة الفرد بنفسه أو بالنَّاس أفراداً وجماعات ، أو بالكون ، أو بالخالق ، طبقاً لما جاء به القرآن الكريم ، وتهدف من ذلك إلى سعادة الإنسان عن طريق إرضاء الله ، بحيث تصبح الأخلاق هي ذلك النشاط الذي يربط بين تعاليم القرآن ، والإنسان ، فرداً وجماعة ، بحيث تتحول هذه التعاليم إلى حياة يومية تمارس( ).
التربية العقلية:
لقد اهتمت التربيةُ الإسلاميةُ بالتربيةِ العقلية ، كاهتمامها بالتربيةِ الرُّوحية والوجدانية ، وأهمُّ الأسس التي تقوم عليها التربية العقلية الحث على العلم والتعلم : {                          }، والتواضع في العلم وعدم التعالي ، والتجرد من الأهواء والميول الشخصية والتَّعصبِ الذَّميم لمذهبٍ ، أو اتجاهٍ مُعينٍ وعدمِ الانسياقِ وراءَ الظُّنونِ والأوهامِ حتى لا ينحرفُ الباحثُ عن المنهجِ العلميِّ الدقيق والنظرةِ الموضوعيةِ قال تعالى: {           }، والتبين والتثبت والتروي في معرفةِ الحقائقِ العلمية ، وفهمِ أسبابها واستخراجِ قوانينها بشتى الوسائلِ من ملاحظةٍ ومشاهدةٍ وتجربة قبل تقريرِ نتائجِها، وإعلانِ أحكامِها، قال تعالى : {        •           } ، وقال تعالى : {   } وقال تعالى : {         •          }.
التربية الوجدانية:
لقد اهتم الإسلامُ بالانفعالاتِ والعواطف والمشاعر والأحاسيس الإنسانية، إذ يُبنى عليها سلوك الفرد وتطبعُ مزاجه الشخصي بطابعٍ خاص ، وتؤثِّرُ في موقفِه واتجاهاتِه في الحياة ، وتتأثرُ بها صحتَه النَّفسيةَ والعقليةَ والجسدية أبلغَ تأثير في مختلفِ مراحلِ نمُوِّه وعمرِه ، لذا جاء اهتمامُ الإسلامِ بها بتوجيهها الوجهة الصحيحة وتهذيبِها دون كبتِها حتى يكتملَ نضجُها لدى الناشئ في أجواء صحيحة سليمة بحيث يصبح قادراً على ضبطِ نفسه ، والتَّحكُّمِ في نوازعِها وأهوائِها ، وإشباعِها بالسُّبلِ المشروعةِ المتاحة ، وعدمِ الانسياقِ وراء تيارِها المدمر للفردِ والجماعة بتحقيق التَّوازن النفسي ، وذلك بالقدرةِ على التَّكيفِ السَّليم والتَّوافقِ بين دوافعِ الفرد وحاجاتِه ، وبين عناصرِ ومكوناتِ البيئةِ الخارجيةِ دينية كانت أم خلقية ، أم ثقافية ، أم اقتصادية.
التربية البدنية:
لقد اهتم الإسلام بصحة الجسد كما اهتم بصحة العقل والروح والوجدان، فالسنة النبوية اهتمت بالتربية البدنية وأكَّدت على أداء بعض التمارين والمهارات والممارسات الرياضية كالمشي وسباق الخيل والرماية والسباحة من ذلك قوله : ( حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرماية ، وأن لا يرزقه إلاَّ طيباً )( ).
وقد دعت السنة إلى تعلم السباحة والرماية وركوب الخيل ، ومن هذا قول عقبة بن عامر : سمعت رسول الله  ، وهو على المنبر يقول : "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إنَّ القوة الرمي ، ألا إنَّ القوة الرمي ، ألا إنَّ القوة الرمي "( ).
التربية الاجتماعية:
تعمل التربية على الضبط الاجتماعي ، وفكرة الضبط الاجتماعي في الإسلام قائمة على أساس نوعي الضبط الاجتماعي المعروفين لدى علماء الاجتماع :
النوع الأول : ضبط اجتماعي داخلي ، يُبيِّنه الإسلام في المسلم، قوامه القيم والأخلاق الإسلامية التي تشكل ضميره ، وإيمانه وعقله الذي يهديه إلى معرفة الحلال والحرام.
النوع الثاني : ضبط خارجي يتمثل في تشريعات الإسلام وعقوباته القانونية ، فيما يختص بكل أمور الحياة الاجتماعية والمختلفة ( ).
مدلولات التربية الاجتماعية في الإسلام :
1- التربية الإسلامية تعمل على تنشئة الأفراد اجتماعياً ، وتكوينهم تكويناً صالحاً ، في سبيل تنمية شخصية الإنسان العابد، وذلك عن طريق تنمية صفاته الفردية ، بحيث يعرف حقوقه وواجباته ، بحيث لا يطغى بفرديته على المجتمع ، ولا يطغى المجتمع عليه ، وهي في ذلك لا تصب الأفراد في قوالب جامدة ، ثابتة أو محددة ، بل إنَّها تتيح لكل فرد الفرصة أن ينمو طبقاً لقدراته الفردية، وهي في ذلك لا تواجه واقعاً أياً كان، لتقره، أو تبحث له عن سند ، أو حكم أو برهان ، تعلقه عليه كاللافتة المستعارة ، وإنَّما هي تواجه المجتمع والواقع لتزنه بميزان القرآن ، فتقر منه ما يوافق هذا الميزان ، وتلغي منه ما لا يوافقه ، وتنشئ واقعاً غيره طبقاً لقواعد القرآن ، وواقعها حينئذ هو الواقع ، فالتربية الإسلامية من أهم أهدافها تنشئة الأجيال طبقاً لمعايير المجتمع المسلم ، وهي تعطي الأفراد في هذا السبيل اللغة وحسن التصرف في المواقف الاجتماعية ، مع مراعاة إعدادهم للمستقبل القريب والبعيد ، مع مرونة لاحتمالات التغير.
2- وتهتم التربية الاجتماعية الإسلامية بالأسرة اهتماماً بالغاً لكونها الوعاء التربوي ، ومن ثَمَّ فهي توجه العناية لها حيث تهتم بإعداد الأفراد ليكونوا آباء وأمهات صالحين ، مع الاهتمام بالأم خاصة ، إذ هي التي تحسن تربية أطفالها تربية جسدية وخلقية وعقلية ودينية وصحية ، ومن ثَمَّ تستطيع تزويد المجتمع بأفراد يستطيع معهم بالتربية أن يجعلهم ملتزمين التزاماً كاملاً تجاهه.وتعني بالطفولة عناية فائقة ، وتدرب الأطفال على العلاقات الاجتماعية السليمة ، مع مراعاة ميولهم وقدراتهم ، وتمتدح فيهم الصفات الطيبة ، وتنطلق معهم من نفس منطلق حبهم ، وهو حب اللعب، بحيث تنمي فيهم الصفات الاجتماعية المطلوبة( ). وبالقدر نفسه تهتم التربية الإسلامية بالشباب ، لأنهم قوة المجتمع ، وإن كان القرآن قد امتدح فيهم صفات من قبيل : {       }( )، {      }( )، فهي تستخدم أدواتها وطرقها في سبيل تنشئة الأفراد تنشئة اجتماعية سليمة ، ولا غرو فالقرآن يوحي بالاهتمام بتربية الأطفال والشباب على معايير المجتمع وأنظمته ، وتنشئتهم عليها ، ولنتأمل سورة النور الآيتان 58 ، 59 لنرى فيهما اهتماماً بالغاً بضرورة تربية الأطفال ، وتعويدهم على العادات الاجتماعية ، فالاستئذان ، توحي الآية بتدريب الأطفال عليه في ثلاثة أوقات معينة ، وخاصة لمن لم يبلغوا الحلم ، أمَّا من بلغوا الحلم فالاستئذان واجب في كل الأوقات ، وهكذا نلمح في هذه الآيات وصية بضرورة تربية الأطفال والشباب اجتماعياً ، فالتربية الإسلامية تزود النشء بالمهارات الاجتماعية اللازمة لكي يعيش في مجتمع مسلم ( ).
3- التشكيل الاقتصادي للإنسان على أساس تنميته إنساناً منتجاً، فالفرد عضو في جماعة ، والتربية الإسلامية تعمل على تزويده بمهارة مناسبة يكتسب منها عيشه ، بمعنى جعل الفرد عضواً اقتصاديا منتجاً ، وبالتالي فهي تدربه على المناشط الاقتصادية المختلفة من إنتاج واستهلاك ، وإسهام في الاقتصاد الإسلامي ودفعه ، والآيات في ذلك كثيرة ، لا تقصر النشاط الإنتاجي على عمل معين ، أو مهنة معينة ، وإنَّما على المهن على اختلافها ، ومعنى هذا بطريق ضمني أنَّ التربية الإسلامية تدرب الأفراد على امتهان مهنة ، بحيث يصبحون أفراداً منتجين في المجتمع المسلم.كما يحرص القرآن على تدريب الإنسان على الإنفاق في سبيل الله ، وقضاء حوائج هذا الإنسان دون إسراف ولا تقتير ، كما يدعو القرآن إلى التسابق في الخيرات ، والتربية الإسلامية تدرب أفرادها على تجويد العمل ، والتعاون من أجله ، واستغلال الذكاء ، وتربط التربية القرآنية الأخلاق بالاقتصاد على نحو متفرد ، فهي تنشئ الأفراد اقتصاديين على أساس أخلاقي ، وليس على أساس الغش أو الاستغلال( ).
4- والتربية القرآنية تدرب الأفراد على التعامل مع السلطة السياسية القائمة في المجتمع ، بحيث يعرف الفرد كيف يبدي رأيه طبقاً لمبدأ الشورى ؛ إذ أنَّ التربية في البيت ، وفي الفصل الدراسي ، وفي المدرسة ، وفي المجتمع الخارجي، أساسها الشورى لا تضعف رأياً ، ولا تتجاهله، وهي بعد ذلك تنمي لدى المتعلم عادات معينة، مثل تقدير وجهات النظر الأخرى، والتمسك بالحق، حتى أمام الرأي المعارض، واحترام حريات الآخرين ، والتعامل السياسي في المجتمع. وهكذا .
5- ولقد نظّمت التربية الإسلامية علاقة الفرد بالمسلمين على أن تكون علاقة أخوة في الله عزَّ وجل مبنية على التواد والتعاطف والتراحم والثقة ، وهادفة إلى التعاون على البر والتقوى ، ومحققة لمبادئ التكافل والتآزر في السَّراء والضَّراء ، وحافظة للدماء والأعراض والأموال ، ومتجنبة لشتى عوامل الشحناء والبغضاء ، والخصام والفرقة ، والتقاطع والتدابر ، والكراهية والتحاسد ، والاحتقار والإذلال ، وسوء الظن ، والشك والتجسس والبهتان والغش والخيانة( ). وقد وجهنا القرآن إلى ذلك ، فقال جلَّ شأنه : {    }( )،وقال: {      }( ) ، وقال تعالى : {     } ، وعن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله  : (سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر) ( )، وعن عبد الله بن عمرو يقول ، قال النبي  : ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)( ).
6- التربية الإسلامية نظمَّت علاقة الفرد المسلم بالبشر عامة ، ممن لا يشاركونه عقيدته ، يجب أن تُبنى على العدل والإنصاف والأمانة في جميع معاملاته معهم ، وعلى حفظ العهود والمواثيق ما لم يخونوها ، وعلى الرحمة والعطف فيما تستوجبه الاحتياجات الإنسانية كالجوع والعطش والمرض والكوارث ، وعلى حفظ أرواحهم وأعراضهم وأموالهم ، وعدم الاعتداء عليهم ، فيها والتعاون معهم في عمارة الأرض ، وإصلاحها بما يعود بالفائدة المشتركة على الجميع ، وهذا هو ما يأمر به ديننا الحنيف، دين العدل والرحمة والتسامح. على أنَّ علاقة المسلم بغير المسلمين، وإن أفادته بعلمهم وتقدمهم يجب ألاَّ تضر بعقيدته أو تنحرف بخلقه، وأن يحرص على عدم التشبه بهم واتباعهم في خلقهم ومسلكهم في الحياة، وأن يدعوهم إلى اتباع الصراط المستقيم كلما وجد إلى ذلك سبيلا، معززاً دعوته بالتزامه الديني والخلقي في حياته اليومية ، والذي يؤثر فيمن يدعوهم أكثر من تأثير دعوته القولية ( )، قال تعالى : {                   •     }( )، وعن عبد الله بن عمرو عن النبي  :(من قتل نفساً معاهداً لم يرح رائحة الجنة ، وأنّ ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً)( )، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قيل يا سول الله ادع على المشركين ، قال : إني لم أُبعث لعاناً ، وإنَّما بُعثتُ رحمة ( ).
7- كما اهتمت التربية الإسلامية الاجتماعية بإعداد الأفراد ليكونوا أفراداً عالميين ليساهموا في حضارة العالم ، بحيث يرتبط كل منهم ارتباطاً وثيقاً بالإنسانية ، حيث يتعاون الجميع على خيرها : {  ••           •     }( )، فالتربية الإسلامية تعمل على تنمية الإنسان تنمية شاملة عالمية ، ليكون الإنسان عالمياً صالحاً لكل مجتمع ؛ إذ لديه الأصول العامة ، ومعه عقل متفتح على العالم ، وخبرات يستغلها في خدمته ، وفي طاعة الله ، فالإسلام لم يعلمنا الرفض الحضاري ، وإنَّما علمنا أن نكون منفتحين على العالم ، ولكن بالاختيار والانتقاء ، والعزل والفصل ، ثمَّ إعادة البناء ( ).
هذه أهم الأسس التربوية التي ينبغي أن نُربي أولادنا عليها لينشؤوا سليمي العقيدة والفكر والجسم والحس والوجدان ، واقفين على أرض صلبة لا تزعزعهم التيارات ، ولكي لايكونوا منقادين لأي كائن من كان، والأسرة هي المسؤولة الأولى عن هذا الإعداد لكونها المحضن الأول للإنسان والسؤال الذي يطرح نفسه :
هل الأسرة السعودية تقوم الآن بدورها في هذه التربية بمفاهيمها ومدلولاتها وأهدافها الإسلامية؟
للأسف الشديد أنَّنا لم نهيئ أولادنا وبناتنا ليكون آباء قادرين على القيام بهذه المسؤولية كما يجب ، بمعنى أنَّ كثيراً من الأباء والأمهات إمَّا أن يكونوا متأثرين بالفكر الغربي، ويدينون بالولاء لكل ما هو غربي، وثقافتهم الإسلامية ضحلة وضعيفة ومشوَّهة، ويربون أولادهم طبقاً لثقافتهم وتوجهاتهم ، فيكون من أولادنا نسخ ممسوخة من الغربيين ، وفريق آخر فهمه للإسلام فهم قاصر متطرف ، تسيطر عليه الأعراف والعادات والتقاليد ، دائرة المحرمات لديه كبيرة ، كلمتا "الكفر" ، و"الحرام " هي الغالبة في أحكامها ، كما نجدها تفتقر إلى الحوار مع أولادها ، متبنية ثقافة المنع على أولادها ، والسطوة للأب الذي لا يسمح لزوجه وأولاده بالنقاش والحوار، كما نجدها تفرض على أبنائها العزلة عن العالم فتحِّرم على بيتها دخول الصحف لأنَّ بها صوراً ، والصور حرام ، وتُحرِّم عليهم مشاهدة الفضائيات ، فهؤلاء الذين تربوا هذه التربية سيكونون على عزلة عن العالم المحيط بهم ، وسيكونون سريعي الانقياد لأي دعوة تتظاهر بغيرتها على الإسلام ، وحرصها عليه ، كما لا ننسى جانباً مهماً وخطيراً ، وهو غياب الأبوين عن البيت فترة طويلة ، وترك تربية الأولاد لخادمات جاهلات من بيئات ومجتمعات أخرى تسيطر على عقولهن أساطير وخرافات وعادات وتقاليد جاهلية ، ومنهن من يكن بوذيات أو مسيحيات ، ونستطيع أن نقول : إنَّ من أبناء هذا الجيل تربية "خادمات " فالأم التي تعمل ، ويتطلب عملها أن تكون خارج البيت أكثر من ثمان ساعات يومياً ، وإن كانت تعمل في قرى نائية ، فقد تصل هذه الساعات إلى اثنتي عشر ساعة، فقوانين العمل وأنظمته لم تُفرق بين رجل وامرأة ، ناسين أنَّ المرأة هي أم وزوجة قبل أن تكون موظفة ، وعليها مسؤولية أساسية هي مسؤولية التربية والإعداد، بينما الرجل متفرغ لعمله الوظيفي ، وعمل المرأة في مجتمعنا أصبح يشكل ضرورة اقتصادية، فراتب الزوج لا يكفي لمتطلبات الأسرة ، وهناك نساء بتن يعلن أسرهن ، وحتى المرأة المتزوجة من رجل مقتدر مالياً باتت تتمسك بوظيفتها لأنَّها تشعرها بالأمان من غدر زوجها بها ، فقد يطلقها فجأة ، وقد يتزوج عليها من أخرى ولا يعدل معها ، وهذا يجعلني أُطالب بإلحاح بإعادة النظر في قوانين وأنظمة العمل بالنسبة للمرأة الزوجة والأم ، بحيث يُراعى فيها مسؤولياتها الأسرية ، وذلك بأن تُخفَّض ساعات عملها عن ساعات عمل الرجل، ومراعاة تعيينها قرب بيتها ، وتأمين دور حضانة لأولادها ترعاهم مربيات مسلمات صالحات متعلمات ومؤهلات تربوياً .
أيضاً نجد غياب الأب عن البيت فترة طويلة ، وعدم حرصه على التعرف على مشكلات أولاده، والجلوس معهم، والتعرف على احتياجاتهم ومناقشتهم في مختلف القضايا ، والتعرف على أصدقائهم وزملائهم وأسرهم ، يجعل الأولاد عرضة لمصادقة قرناء السوء الذين قد يجرونه إلى هاوية المخدرات أو مستنقع الإرهاب ، أو تبني أفكار ومعتقدات إلحادية كعبادة الشيطان ، أو إباحية ...أو ...إلخ .
والمسؤولية لا تنحصر في الأسرة ، وإن كانت الأسرة تتحمل جزءاً كبيراً منها ، ولكن يشاركها في المسؤولية المدرسة والجامعة ، وعلماء الدين ، ووسائل الإعلام .

ثبت المصادر والمراجع

 صحيح البخاري .
 صحيح مسلم.
 د. ناصر بن مسفر الزهراني : حصاد الإرهاب ، مكتبة العبيكان ، ط1 ، 1425هـ ـ 2004م، الرياض ـ المملكة العربية السعودية.
 د.نبيل لوقا بباوي: الإرهاب صناعة غير إسلامية، دار البباوي للنشر، مصر.
 د. عبد الحميد الصيد الزناتي : أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية .
 عبد الله ناصح علوان: تربية الأولاد في الإسلام .
 سنن أبي داود.
 علي خليل أبو العينين : فلسفة التربية الإسلامية في القرآن الكريم .
 هارون هاشم رشيد :صورة العرب والمسلمين في المناهج الدراسية حول العالم ، لمجموعة من الباحثين ، ، سلسة كتاب المعرفة ، وزارة التربية والتعليم بالمملكة العربية السعودية، ط1، 1424هـ ـ 2003م.
 التوحيد والحديث والفقه والتجويد للسنة خامس ابتدائي .
 تفسير ابن كثير :الجزء الرابع .
 مجلة المعرفة :العدد 70 ، محرَّم 1422هـ إبريل 2001م.
 د. عبد الحليم عويس : التحديات الثقافية والإعلامية ، مشاريع عملية في مجال وحدة الأمة الإسلامية ، بحث مقدم إلى مؤتمر مكة الرابع الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في الفترة من 2–4 ذي الحجة ، الموافق 24–26 يناير عام 2004م .
 سهيلة زين العابدين حمَّاد : الإرهاب "منابعه ـ أهدافه ـ أسبابه ـ علاجه، "تحت الطبع.
 د. سعيد بامشوش ، أ .نور الدين عبد الجوَّاد: التعليم الابتدائي ، دار الفيصل للمنشورات الثقافية ، ط1، سنة 1400هـ _ 1980م.
 د.عبد اللطيف فؤاد إبراهيم : المناهج ـ أسسها وتنظيماتها وتقويم أثرها ، 110، ، ط6 ، مكتبة مصر ، القاهرة ـ مصر.
 د.الدمرداش عبد المجيد سرحان: المناهج المعاصرة ، ط4، سنة 1403هـ ـ 1983م، مكتبة الفلاح الكويت.
 سليم عبد القادر : تذوق الجمال ، من كتــــاب ما لا نعلمه لأولادنا ـ لمجموعة مؤلفين ، ص 105 ، مركز الراية للتنمية الفكرية ، جدة ـ دمشق ، ط1 ، 1423هـ ـ 2003م.
 سنن الترمذي .

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك