سيكولوجية التطرف
هل المتطرف يختار المذهب السياسى أم المذهب السياسى يختار المتطرف؟
د. طارق أسعد يكتب
أستاذ الطب النفسي طب عين شمس
* ما التطرف وما مجالاته؟
التطرف لغة هو تجاوز الحد والبعد عن الوسطية والاعتدال، وهو ليس مقصوراً على مجال واحد، فهناك التطرف السياسى والدينى والعرقى والاجتماعى وغيرها.
يبدأ التطرف عادة بالتطرف الفكرى، وهو عبارة عن الانغلاق على فكرة أو مجموعة من الأفكار مع عدم المرونة فى تقبل أو حتى مناقشة الأفكار والآراء الأخرى، ويعقبه التطرف الانفعالى، حيث تكون مشاعر الشخص وانفعالاته نحو اتجاه معين يتحمس له دون أى تفكير، ويترجم كل هذا فى النهاية إلى التطرف السلوكى، حيث يتعدى الأمر مجرد الاعتقاد والحماس إلى التصرف باتجاه خدمة فكرة أو مبدأ معين حتى لو أدى ذلك إلى التعدى على حقوق الآخرين وإرغامهم على الإذعان له.
* ما أسباب التطرف؟
هناك العديد من النظريات التى تفسر ظاهرة التطرف منها الآتى:
أ- نظرية السمات والاستعداد التكوينى: وتفيد هذه النظرية أن التطرف هو استعداد فى الشخصية يولد به الفرد، والمسئول عنه عوامل بيولوجية وليست تربوية، ومعنى هذا أن الإنسان لديه استعداد لأن يكون متطرفاً والظروف البيئية ما هى إلا عوامل مساعدة لإظهار هذه السمات الكامنة، ولذلك ووفقاً لهذه النظرية فإنه ليس صحيحاً أن الإنسان يختار مذهبه السياسى، ولكن العكس هو الصحيح، بمعنى أن المذهب السياسى هو الذى يختار أتباعه، فإذا كان لدى الشخص استعداد للتطرف، وهناك مذاهب سياسية كثيرة، فإن اتجاهه سيكون ناحية الأكثر تطرفاً فيها.. ولذلك قد يعجب البعض من شخص كان انتماؤه للشيوعية ثم يتحول بعد ذلك إلى التطرف الدينى، وهو ظاهرياً عكس المبدأ الشيوعى، ولكن وفقاً لنظرية السمات فهذا ليس غريباً لأن كلا الاتجاهين (الشيوعية والتعصب الدينى) يقعان فى نفس المربع من التطرف، وهو ما يطلق عليه بالإنجليزية (الراديكالية Radicalism)، ومعنى الكلمة يعود إلى كلمة «Radicle» وهى تعنى بالعربية «الجذر» لأن المتطرفين عادة ما يميلون إلى الحلول الجذرية وليس المحافظة على ما هو سائد فى المجتمع.
ب- نظرية التعلم والتعزيز: وتنفى هذه النظرية أن يكون التطرف سلوكاً غريزياً وإنما هو سلوك مكتسب من البيئة المحيطة، خاصة فى السنوات الأولى من العمر مثل الأسرة والمدرسة، حيث يكتسب الفرد السلوك التطرفى عن طريق التعلم من الآخرين، فإذا كان الأب أو القدوة متطرفاً فإن الابن أكثر عرضة للتأثر واكتساب هذا السلوك، خاصة إذا كان هذا السلوك التطرفى يقابَل بالاستحسان وليس الاستهجان، فربما يعضد ذلك من استمراء هذا السلوك لدى الطفل.. هب مثلاً أن الأب يمتدح ابنه لأنه يفرض رأيه على زملائه ولا يستمع إليهم، ماذا ننتظر من هذا الطفل حين يكبر؟ إذن، فى رأى هذه الفرضية أن بذور التطرف تنشأ منذ الصغر من الأسرة والمدرسة، وتعززها ردود الفعل المجتمعية، ويجب ألا ننسى هنا دور العبادة (المساجد والكنائس...) وما يمكن أن تحدثه من تأثير لتدعيم هذا السلوك من عدمه.
ج- نظريات التحليل النفسى: من وجهة نظر مدرسة التحليل النفسى التقليدية فإن العنف والتطرف يرجعان إلى غريزة الموت الموجودة لدى الإنسان، وبالتالى فالتطرف أمر حتمى لا يمكن منعه، ولكن إحدى مدارس التحليل النفسى الحديثة تعزو التطرف إلى شعور بالنقص يتولد لدى الشخص مع إحساس بعدم الأمان. وللتخلص من هذا الشعور يلجأ الفرد إلى الالتحام مع مجموعة أو منظمة يدين لها بالولاء ويشعر بالقوة من خلالها وتذوب فرديته فيها من خلال هذا الانتماء، وتذهب مدرسة أخرى إلى أن الشخص المتطرف ليس لديه القدرة على استخدام وسائل دفاعية نفسية ناضجة وإنما يتعامل عن طريق التعميم وأحادية التفكير، حيث لا يوجد خيار إلا بين نقيضين (الأبيض أو الأسود)، وبالتالى ليس لدى الفرد أى مساحة لتقبل الآخرين إن لم يكونوا مثله.
د- الأسباب الاجتماعية والثقافية: قد يأتى التطرف نتيجة للشعور بالإحباط والقمع وعدم القدرة على التعبير، فيكون رد الفعل عن طريق المبالغة فى العدوانية والانتقام من الآخرين دون تخصيص، ولذلك يكثر التطرف فى المجتمعات القمعية، ويُعرف هذا المفهوم فى علم النفس الاجتماعى بـ«التطرف المضاد».
هـ- التطرف والمرض النفسى: بالطبع ليس كل إنسان متطرف هو بالضرورة مريض نفسى، ولكن هناك حالات يكون وراء السلوك المتعصب فيها اضطراب نفسى مثل حالات الاضطرابات الذهانية، وخصوصاً الذهان الاضطهادى، أو اضطراب الهوس، حيث يعتقد الشخص أن لديه قدرة خاصة أو أنه جاء ليهدى الناس، وللأسف إذا كان هذا المريض عالى الذكاء فإنه يستطيع خداع من حوله وإقناعهم بالخضوع لأوامره.
هناك أيضاً اضطرابات الشخصية مثل الشخصية الاضطهادية والشخصية الحادية، وأيضاً الشخصية السيكوباثية أو ضد الاجتماعية، وخطورة هذا النوع الأخير أنه يستطيع أن يحرك الآخرين لمصلحته ويقنعهم أنه يعمل ذلك من أجل قيم أو مبادئ وهو أبعد ما يكون عن هذا ولا يأبه إلا إلى مصلحته ولا يتورع عن أن يتخلص من كل من يقف فى طريقه حتى لو كانوا أعوانه بالأمس.
* هل من الممكن منع التطرف؟ وكيف؟
للحد من ظاهرة التطرف يجب التعامل مع كافة الأسباب والعوامل التى تساعد على ظهورها، وبالتالى هناك دور للأسرة والمدرسة ودور العبادة ووسائل الإعلام والسلطات والمجتمع ككل من أجل التشجيع على الحوار وتقبل الآخر والتفرقة بين الاختلاف فى الرأى أو الاعتقاد من ناحية، والعداء من ناحية أخرى.