دور المدرسة في مقاومة الإرهاب والعنف والتطرف
دور المدرسة في مقاومة الإرهاب
والعنف والتطرف
إعــداد
د. عبدالله بن عبدالعزيز اليوسف
مدير عام مركز أبحاث مكافحة الجريمة بوزارة الداخلية
والأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
مقدمــة:
تشغل قضية الإرهاب والعنف والتطرف جميع دول العالم في الوقت الحاضر. وعلى رغم أن الإرهاب بصفته جريمة ليس بالقضية الجديدة إلا أن الجديد في موضوع الإرهاب في الوقت الحاضر هو أن الإرهاب أصبح ظاهرة عالمية ، أي أنها لا ترتبط بمنطقة أو ثقافة أو مجتمع أو جماعات دينية أو عرقية معينة، وفي اعتقادي أن ظاهرة الإرهاب ترتبط بعوامل اجتماعية وثقافية وسياسية وتقنية أفرزتها التطورات السريعة والمتلاحقة في العصر الحديث، فقد شهدت السنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين الميلادية تصاعداً ملحوظاً في العمليات الإرهابية كان أشدها أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م المتمثلة بالاعتداءات غير المسبوقة في خطورتها على الولايات المتحدة الأمريكية والتي كانت الأعنف في التاريخ المعاصر حيث بلغ عدد الموتى فيها ما يناهز الأربعة آلاف شخص يعودون إلى واحد وسبعين جنسية ، ويرى الكثير من الكتاب والمفكرين والسياسيين أن التاريخ السابق يمثل علامة فارقة في تاريخ الإرهاب والأفكار المتطرفة وتحولاً بارزاً في طبيعة وأنماط التخطيط للأعمال الإرهابية وطرق ارتكابها ، والحقيقة أن الإرهاب لم يقتصر على الدول الغربية فقط ، وإنما هبت رياحه على الدول العربية ومنها المملكة العربية السعودية حيث استهدفت اعتداءات إرهابية خطيرة مراكز سكنية للأجانب في المملكة العربية السعودية ومنها التفجيرات الآثمة في ثلاثة مجمعات سكنية في شرق الرياض بتاريخ 12/5/2003م وبعدها التفجير الآثم في شهر رمضان المبارك في مدينة الرياض بمجمع المحيا بتاريخ 9/11/2003م.
كل تلك التفجيرات تعكس فكراً متطرفاً لدى مجموعة من الشباب الذين يحملون فتاوى مستوردة من رموز فكرية خارجة عن تعاليم الدين الإسلامي التي تدعو إلى التسامح وقبول الآخر.
والبحث الحالي هو محاولة لاستعراض دور المدرسة في مقاومة الإرهاب والعنف والتطرف بأشكاله الحديثة التي أصبحت تهدد كل أفراد المجتمع على اختلاف أماكنهم ومسؤولياتهم.
أهداف الدراسة:
يهدف هذا البحث إلى تقديم قراءة اجتماعية لدور المدرسة في مقاومة الإرهاب والعنف والتطرف من خلال استعراض المحاور الآتية :
1- مفهوم الإرهاب والعنف والتطرف.
2- الأسباب الاجتماعية لبروز ظاهرة الإرهاب والعنف والتطرف في ضوء نظرية الوقاية من الجريمة.
3- طرح بعض التوصيات لتفعيل الدور الأمني للمدرسة في مواجهة الإرهاب والعنف والتطرف.
أهمية الدراسة:
تتمثل أهمية هذه الدراسة في أن الهاجس الأمني لم يعد مسؤولية رجال الأمن وحدهم ، وإنما أصبح الأمن قضية يجب أن تشارك فيها جميع مؤسسات المجتمع الرسمية وغير الرسمية. وتمثل المدرسة الوسط الاجتماعي الثاني بعد الأسرة التي يتشرب فيها الناشئة القيم الاجتماعية والثقافية في المجتمع. وإذا ما فشلت المدرسة في تشريب الناشئة تلك القيم فإن المجتمع يفقد خط الدفاع الثاني ضد الجريمة.
لذا فإن استعراض الدور الأمني للمؤسسات التعليمية في مقاومة الإرهاب والعنف والتطرف أصبح أمرأً ضرورياً في الوقت الحاضر لما تمثله المدرسة من ثقل حيوي في بناء وثقافة المجتمع وبما يمثله ذلك الثقل من أهمية في البعد الأمني.
تساؤلات البحث:
- ما مفهوم العنف والإرهاب والتطرف.
- ما الأسباب الاجتماعية لبروز العنف والتطرف والإرهاب في ضوء نظرية الوقاية من الجريمة.
- ما دور المدرسة الوقائي في مواجهة ظاهرة الإرهاب والعنف والتطرف.
منهج البحث:
يعد هذا البحث من البحوث المكتبية التي تعتمد على الرصد للتراث العلمي المتعلق بالظاهرة المدروسة (الإرهاب والعنف والتطرف).
مفاهيم الدراسة:
إن تحديد المفاهيم بدقة في أي بحث من البحوث يعد من العناصر المهمة والأساسية للبحث، لأن الباحث عندما يحدد ويعرف المفاهيم التي يتناولها في بحثه بدقة منذ البداية يستطيع أن يعبر عن الفكرة التي يريد التحدث عنها بصورة محددة وبرؤية واضحة تساعد الآخرين على فهم ماذا يريد قوله (إنجــــل، 1403هـ) ومن هذا المنطلق فإن المفاهيم التي سوف تستعرض في هذا البحث سوف تعرض على النحو الآتي :
تعريف الإرهاب والعنف والتطرف:
ويمكن القول : إن هناك صعوبة في تناول الظاهرة المعاصرة التي تبدو سهلة في لغة الحياة اليومية وهي ظاهرة الإرهاب التي تناولها العديد من الدارسين بالتحليل والتنظير. والحقيقة أنه من المستحيل الوصول إلى تعريف مرضٍ عالمياً ومتفق عليه للإرهاب ، ويرجع ذلك لأسباب سياسية أكثر منها لغوية . ويمكن القول : إن الإرهاب هو نتاج للتطرف الفكري الذي يترجم إلى أفعال سلوكية عنيفة سوف تتضح من التعاريف المختلفة للإرهاب.
واللافت للنظر في موضوع الإرهاب الخلاف والتباين الواسع النطاق في تعريف هذا المفهوم، فكل حكومة أو جماعة أو عصابة تمارس الإرهاب تعد نفسها على حق وتجعل الجهة المعارضة لها إرهابية.
وتكشف معظم المناقشات عن أسباب الإرهاب في وقتنا الراهن ما يمكن تسميته مشكلة التعريف، فبعضهم يرى أن أي عنف، أو أي عمل لا اجتماعي إرهاب، ويركز آخرون على خصائص التفكير لدى الثوريين أو على عنف الحكومات، وبعضهم الآخر يرى أن أعمال الإرهاب تدبر بمؤامرة دولة تديرها حكومات معينة. وفي كثير من الأحيان تجري المناقشات عن الإرهاب لأهداف متعارضة ، وقليلون هم الذين ينظرون للمسألة بتجرد، كما أن قلة البيانات الدقيقة والموضوعية عن الأعمال الإرهابية قد حالت دون استخدام العقل العلمي لبحث مسألة الإرهاب بموضوعية.
فالمصادر العلمية لا توضح بشكل دقيق من الإرهابي وما الإرهاب، والحقيقة أن المعجمات اللغوية تخلو من مصطلحي الإرهاب والإرهابي لأن هذين المصطلحين حديثان ولم يستخدما في العصور السابقة، والإرهاب في اللغة العربية مشتق من الفعل الماضي أرهب بمعنى خوَّف، والإرهاب يعني إثارة الخوف في النفوس ورَهَبَ ورهباً ورهباناً أي خاف ويقال: "أرهب عنه الناس بأسه ونجدته" أي أن بأسه ونجدته حملا الناس على الخوف منه واسترهبه أي خوفه (الصالح، 2002م).
يأتي وردت كلمة الرهبة في القرآن الكريم بمعنى الخشية وتقوى الله سبحانه وتعالى وفيما يلي عدد من الآيات التي وردت فيها الكلمة:
{ في نُسْخَتِهَا هُدًى ورَحْمَة للَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِم يَرْهَبُونَ } (الأعراف: 154).
{ وأَوْفُوا بعَهْدِي أُوف بِعَهْدِكُمْ وإيَّايَ فَارْهَبُون } (البقرة: 40).
{ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ الله وعَدُوَّكُم وآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ } (الأنفال: 60).
{ واسْتَرْهَبُوهُمْ وجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظيمٍ } (الأعراف: 116).
{ لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم من الله } (الحشر: 13).
{ إنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُون فِي الخَيْرَاتِ ويَدْعُونَنَا رَغَباً ورَهَبَاً } (الأنبياء: 90).
وقد وردت في القرآن الكريم عدة ألفاظ تدور معانيها حول مادة الإرهاب وهي: الخوف وقد وردت مادته مئة وثلاثاً وعشرين مرة، ومادة الرعب وردت خمس مرات، ومادة الروع وردت مرة واحدة فقط، ومادة الفزع وردت ست مرات، ومادة الرهبة وردت ثماني مرات.
كما وردت مصطلحات أخرى تندرج ضمن الإرهاب وهي البغي والطغيان والظلم والعدوان والخيانة والغدر والقتل والسرقة والحرابة، وهي صور ووسائل وأدوات هدامة تشيع الخوف في المجتمع وترهب الآمنين فيه وتعوق المسلمين من حسن خلافتهم في الأرض وحسن عبادتهم لله سبحانه وتعالى وإتقانهم لعمارة الكون، ولكن هناك جريمتين من بين هذه الجرائم أبرزهما الإسلام وحدد العقوبات لهما لأهميتهما وخطورتهما على المجتمع الإسلامي وهما: الحرابة والبغي.
وتستعرض المعجمات والموسوعات قضية الإرهاب فنجد أن الإرهاب في المعجم الوسيط: وصف يطلق على الذين يسلكون سبيل العنف والإرهاب لتحقيق أهداف سياسية.
أما في موسوعة السياسة فيعرف بأنه "استخدام العنف غير القانوني (أو التهديد به) بأشكاله المختلفة كالاغتيال والتشويه والتعذيب والتخريب والنسف بغية تحقيق هدف سياسي معين، مثل كسر روح المقاومة والالتزام لدى الأفراد وهدم المعنويات لدى الهيئات والمؤسسات أو وسيلة من الوسائل للحصول على المعلومات أو المال، وبشكل عام استخدام الإكراه لإخضاع طرف مناوئ لمشيئة الجهة الإرهابية".
والإرهاب في قاموس علم الجريمة A Dictionary of Criminology نمط من العنف يتضمن الاستخدام المنظم للقتل أو التهديد باستخدامه أو الأذى الجسدي والتدبير لإنزال الرعب أو الذعر (الصدمة) بجماعة مستهدفة (أوسع مدى من الضحايا الذين أنزل بهم الرعب)، لإشاعة أجواء من الرعب (الصالح، 2002م).
ويتضح من التعاريف السابقة التي تم استعراضها ارتباط الإرهاب بالعنف وأن الإرهاب لا بد أن يجد فكراً معيناً لكي يساعد على انتشاره هذا الفكر يأخذ نمط التطرف وإقصاء الآخر.
وفي رأيي أن الإرهاب والعنف والتطرف هو أي سلوك يهدف إلى إشاعة الرعب أو فرض الرأي بالقوة. والفساد والتدمير كلها صور من صور الإرهاب والعنف والتطرف ، كما أن ترويع الآمنين وإحداث الفوضى في المجتمعات المستقرة هو شكل حديث من أشكال الإرهاب والعنف والتطرف الذي أصبح ينمو مع شيوع الأفكار المتطرفة التي تهدف إلى إقصاء الآخر وفرض الأفكار بالقوة والتهديد بالسلاح. على أن هذه الأفكار ليست محصورة بمكان أو زمان معين وإنما أصبح العالم كله مسرحاً لها.
المدخل النظري للدراسة:
ينطلق هذا البحث في بعده النظري من مفاهيم الوقاية من الجريمة، والنظرية في مجال الوقاية من الجريمة تهدف في منطلقاتها الأساسية إلى المساهمة في الوصول إلى آليات تساعد في الحيلولة دون حدوث الفعل الإجرامي على مستوى المكافحة ورفضه على مستوى الوقاية.
والحقيقة أن الأنماط النظرية المعاصرة في مجال الوقاية من الجريمة يمكن حصرها في نمطين أساسيين في مجال الوقاية من الجريمة على النحو الآتي :
أولاً - الوقاية الاجتماعية:
وهذا النوع من الوقاية يركز على العوامل الاجتماعية والاقتصادية المفرزة للجريمة وكيفية معالجتها عن طريق التعلم والتثقيف وتوفير العمل والسكن وملء أوقات الفراغ للشباب وغيرها من برامج اجتماعية موجهة.
ثانياً - الوقاية الموقفية:
وهذا النوع من الوقاية تنصب الجهود الوقائية فيه على فئات اجتماعية معرضة للوقوع في براثن الجريمة أو التي تكثر الجريمة في أوساطها (المناطق الساخنة) أو التركيز على الأنماط الإجرامية المرتفعة في المجتمع.
ولوضع التصورات السابقة في شكل مثلث هرمي يمكن قراءته فإن مثلث الجريمة الآتي يمكن أن يشرح فكرة النظرية بشكل أفضل.
ب – فرصــة :
ويمكن أن نشرح مثلث الجريمة السابق ذكره بالقول بأنه لحدوث السلوك الإجرامي فلابد أن تتوافر في الشخص الإرادة لممارسة السلوك الإجرامي، على أن هذه الإرادة لا تكفي وحدها لإفراز سلوك خارج عن القانون ما لم تتوافر الفرصة والمقدرة للشخص لممارسة السلوك الإجرامي.
فعلى سبيل المثال لتكون الإرادة الإجرامية لدى الشخص لممارسة سلوك الإرهاب المصحوب بالعنف فلابد من أفكار تغذي هذا السلوك لدى الشخص لكي يصبح مستعداً وقابلاً لتلقي الأفكار التي تصور له فساد الآخرين وأنه يحمل الحقيقة المطلقة وحده ، هذا الفكر المتطرف يشكل العقلية الإجرامية لدى الأفراد الممارسين للسلوك الانحرافي المتمثل في الإرهاب بجميع صوره وأشكاله. هذا التشكل للسلوك الإجرامي ينطلق من محور تشكل الإرادة الإجرامية التي رمزنا لها بالحرف (أ) في مثلث السلوك الإجرامي ، حيث إن الأفكار الإرهابية تتشكل لدى الأشخاص الذين لديهم الاستعداد لتقبلها فتتكون لديهم الإرادة الإجرامية لممارسة السلوك الإجرامي ويصبحون جاهزين لممارسة هذا السلوك متى ما توافرت لديهم الفرصة والمقدرة (ب-ج) في مثلث السلوك الإجرامي السابق ذكره.
وبذا فالشخص الممارس للسلوك الإجرامي يتوافر له معتقدات معينة تهيئ له إرادة السلوك الإجرامي بالإضافة إلى ضرورة توافر الفرصة المناسبة لإحداث السلوك التدميري والمقدرة من خلال ضعف الرقابة الأمنية وتوافر متفجرات للتدمير أو غيرها من ممارسات سلوكية تهدف إلى التدمير ونشر الذعر والخوف لدى أفراد المجتمع. وبذا فالسلوك الإجرامي المتمثل في العنف والإرهاب والتطرف هو نتاج لتوافر العوامل الثلاثة المبرزة في مثلث السلوك الإجرامي (أ-ب-ج).
إذن جهود المكافحة تظل في مجملها متركزة على تقليل الفرص لممارسة السلوك الإجرامي لدى الأشخاص وتقليل فرص المقدرة على ممارسة السلوك الإجرامي المتمركزة حول (ب-ج) أما جهود الوقاية على مستوى (أ) فهي مرحلة أكثر تطوراً ونرى أنها يجب أن تنطلق من الجهود الرامية إلى تقزيم الإرادة الإجرامية لدى الأشخاص بحيث لا يرغبون في ممارسة السلوك الإجرامي منذ البداية عن طريق جميع وسائط التنشئة الاجتماعية وتوفير الرفاهية التي تجعل الأشخاص لا يفكرون أو يرغبون في ممارسة السلوك الإجرامي حتى إن توفرت الفرصة والمقدرة لديهم لممارسة مثل هذا السلوك.
وجهود الوقاية المنطلقة من رفض الإرادة الإجرامية في مجملها تنطلق من البرامج التنموية التي تهدف إلى رفاهية المواطن في الدرجة الأولى وتجعل إرادته في ممارسة السلوك المنحرف قليلة إن لم تكن معدومة. ولا يمكن الوصول إلى جهود الوقاية الاجتماعية إلا من خلال أداء جميع أنساق المجتمع بشكل تكاملي لواجباتها الاجتماعية الرامية لإحداث الاستقرار في المجتمع كله (اليوسف، 2001م).
ونعتقد أن جهود الوقاية يجب أن تقوم بها مؤسسات المجتمع المختلفة ومنها المؤسسات التربوية التي يجب أن تؤدي عملاً مهماً وبارزاً في رفض الإرادة الإجرامية لدى الشباب في ممارسة سلوك العنف والتطرف ، حيث إن رفض السلوك الإجرامي يجب أن ينطلق من محور الوقاية (أ). والمقصود به وجود دوافع داخلية لدى الأفراد تمنعهم من ممارسة سلوك العنف والتدمير في المجتمع عن طريق وسائط التنشئة الاجتماعية المختلفة التي من أهمها المدرسة والتي سوف يتم التحدث عن دورها في مقاومة الإرهاب والعنف والتطرف.
الأسباب الاجتماعية لبروز ظاهرة الإرهاب والعنف والتطرف:
على الرغم من أن هذا البحث لا يتطرق للأسباب الاجتماعية لبروز ظاهرة الإرهاب والعنف والتطرف بشكل مباشر إلا أن استعراض بعض أسباب الإرهاب والعنف والتطرف يعد أمراً ضرورياً قبل توضيح أثر المدرسة في مقاومة الإرهاب والعنف والتطرف لمعرفة آليات المقاومة من خلال معرفة الأسباب.
ويعتقد الباحث أن تشكل الفكر المتطرف لدى الأفراد ينطلق من ثلاث مراحل أساسية هي نتاج لخلل في وسائط التنشئة الاجتماعية ، هذه المراحل الثلاث الضرورية لتشكل الفكر المنحرف كما أعتقد تنطلق من:
1- أصحاب الأفكار المتطرفة لديهم رغبة جامحة في إقصاء الآخر ، فهم الوحيدون القادرون حسب رؤيتهم على فهم الحقائق والأمور.
2- أصحاب الأفكار المتطرفة لديهم أحادية في النظر ، فالحقائق لديهم ليس لها إلا وجه واحد وطريق الحياة ليس له إلا مسار واحد في رؤيتهم.
3- أصحاب الفكر المتطرف يحملون توجهات عقدية وفكرية تؤكد ما لديهم من قناعات ولا يرغبون في التنازل عنها كما أنهم غير مستعدين للتخلي عنها أو مناقشة الآخرين فيها.
والتحليل الاجتماعي المتعمق لممارسة العنف والتطرف في المملكة العربية السعودية حسب ما نشرته وزارة الداخلية من معلومات عنهم وحسب اعترافاتهم في الأشرطة التي تبثها وسائل الإعلام السعودية يلحظ أن هناك خصائص مشتركة تجمع هؤلاء الشباب الذين يحملون الفكر المتطرف والمتسم بروح التدمير والتخريب وهذه الخصائص يمكن التحدث عنها على النحو الآتي:
1- القابلية للإيحاء: فالملحوظ من اعترافاتهم أنهم استقوا الكثير من المعلومات من بعض الرموز الدينية خارج الوطن دون مناقشة أو تمحيص، وإنما أخذوها مسلمات غير قابلة للنقاش.
1- هذه القابلية للإيحاء ضرورية لتشكيل إرادة السلوك الإجرامي لدى الأشخاص على مستوى الممارسة (أ).
2- حداثة السن: حيث يلحظ من غالبيتهم أنهم صغار في السن ومن المعلوم أن صغار السن هم أكثر رغبة في المغامرة وأكثر استعداداً للخروج عن نواميس المجتمع من كبار السن.
3- المرور بالتجربة الأفغانية: الغالبية العظمى منهم ذكروا أنهم كان لهم مشاركة أو تجربة في الحروب في أفغانستان.
4- التدريب العسكري المكثف: عن طريق المعسكرات التي كانت توجد في أفغانستان وغيرها وهذه النقطة تتعلق بالمقدرة على ممارسة السلوك الإجرامي (ب).
5- المرور بدروس أيديولوجية ذات محتويات معنوية تهدف إلى إقصاء الآخرين وتكفيرهم: وقد لاحظنا أن الغالبية منهم اعترفوا بأنهم يتلقون دروساً من رموز دينية خارج الوطن تتميز بالرغبة في العنف والتدمير.
6- التطرف على المستويات الثلاثة:
أ- المستوى العقلي أو المعرفي والمتمثل في انعدام القدرة على التأمل والتفكير.
ب- المستوى الوجداني والمتمثل بالاندفاعية في السلوك.
ج- المستوى السلوكي والمتمثل في ممارسة العنف ضد الآخرين.
ويمكن القول بشكل مبدئي : إن السلوك المنحرف والمخالف للأعراف ونواميس المجتمع من الممكن أن يتحول إلى سلوك تدميري عند توافر مقومات السلوك العنيف ، وهذه المقومات في نظري تنطلق من خمس زوايا مهمة:
1- أيديولوجية فكرية تبرز أنماط السلوك التدميري المخالف لأعراف المجتمع.
2- قابلية للإيحاء لتقبل الأفكار وتنفيذها على أرض الواقع.
3- تدريب عسكري يساعد على مواجهة الآخرين وتنفيذ الإرادة الإجرامية.
4- الفرصة السانحة لتحويل المشاعر السالبة إلى أنماط سلوكية على أرض الواقع.
5- التطرف على المستويات الثلاثة .
وأعتقد أن هناك عوامل قد تهيئ لحدوث الفرصة السانحة للسلوك الإرهابي ومن هذه العوامل ما يأتي :
1- تردي الظروف الاقتصادية والاجتماعية.
2- قيام أنماط من السلوك المشابهة في بقاع أخرى من العالم.
3- عدم وجود منافذ للجوار.
4- القناعة باستحالة تغيير الواقع بأي وسيلة أخرى.
5- وجود رموز فكرية تُنَظَّر للسلوك المنحرف.
6- التطرف على المستويات الثلاثة السابق ذكرها .
ولعل السؤال الجوهري الذي يبرز في هذا السياق بعد أن قمنا بتشخيص الأسباب الاجتماعية المهيئة والمسببة للسلوك المتطرف، عن كيفية وآليات الحد من هذا السلوك وتقزيم الإرادة الإجرامية لدى المتطرفين من خلال المدرسة وهو ما سوف نعرضه على النحو الآتي :
أثر المدرسة في مقاومة الإرهاب والعنف والتطرف:
إن السؤال الذي يجب أن نطرحه هنا قبل الخوض في أثر المدرسة في مقاومة الإرهاب والعنف والتطرف هو: هل المدرسة معدة فعلاً لأداء هذا العمل ؟ وبمعنى آخر هل المدرسة الآن في وضع يمكنها من أن تؤدي أثرها الفعال في تنفيذ إستراتيجية تقزيم الإرادة الإجرامية لدى أفرادها.
يمكن القول إن المدرسة يجب أن تتحمل الدور المناط بها في تقليل الإرادة الإجرامية لدى أفراد المجتمع حيث إن الأمن يرتبط ارتباطاً وثيقاً وجوهرياً بالتربية والتعليم، إذ بقدر ما تنغرس القيم الأخلاقية النبيلة في نفوس أفراد المجتمع بقدر ما يسود ذلك المجتمع الأمن والاطمئنان والاستقرار . ويمثل النسق التربوي أحد الأنساق الاجتماعية المهمة التي تؤدي عملاً حيوياً ومهماً في المحافظة على بناء المجتمع واستقراره ، حيث يعتقد الوظيفيون أن للنظام التربوي وظيفة مهمة في بقاء وتجانس المجتمع من خلال ما يقوم به النظام التعليمي من نقل معايير وقيم المجتمع من جيل إلى آخر.
ويرى دوركايم وهو من أبرز علماء الاتجاه الوظيفي أن المجتمع يستطيع البقاء فقط إذا وجد بين أعضائه درجة من التجانس والتكامل، والنظام التربوي في المجتمع متمثلاً في المدرسة يعد أحد الركائز المهمة في دعم واستقرار مثل هذا التجانس وذلك بغرسه في الطفل منذ البداية الأولى للمدرسة قيم ومعايير المجتمع الضرورية لإحداث عملية التكامل الاجتماعي داخل البناء الاجتماعي ويرى دوركايم أن مهمة النظام التربوي في المجتمع هي دمج الأفراد في المجتمع ، وهو ما يطلق عليه دوركايم مفهوم التضامن الاجتماعي ، وحسب مفهوم دوركايم للتضامن الاجتماعي فإنه من خلال العملية التربوية فإن أفراد المجتمع يتشربون القيم الاجتماعية الإيجابية التي تغرس في نفوسهم قيم الانتماء الوطني ومشاعر الوحدة الوطنية التي تخلق التماثل الاجتماعي الضروري للمحافظة على بقاء الأمن والاستقرار في المجتمع.
ومما لا شك فيه أن التعليم يؤدي عملاً حيوياً ومهماً في الحفاظ على تماسك المجتمع وخلق الانتماء الوطني ومشاعر الوحدة الوطنية بين أفراد المجتمع الضرورية للمحافظة على بقاء المجتمع وتكامله والتي تنعكس بالضرورة على مكتسبات الوطن الأمنية (اليوسف، 1422هـ). ومن هذا المنطلق فسوف يتم توضيح الدور الأمني للمدرسة في مكافحة سلوك العنف والإرهاب والتطرف على النحو الآتي :
على رغم الكثير من الأصوات حول فشل المناهج الدراسية في تشريب الناشئة المعايير والقيم الاجتماعية الإيجابية فإن الباحث يعتقد أن المناهج الدراسية كانت لها آثار إيجابية في الماضي تمثلت في استقرار النظام الاجتماعي والثقافي في المجتمع ومازالت تؤثر حتى الوقت الحاضر. وعلى رغم كل ما يطرح عن فشل المناهج الدراسية وضرورة إعادة النظر فيها إلا أننا نعتقد أن هناك عناصر إيجابية في المناهج الدراسية ينبغي إبرازها ساعدت وتساعد على المحافظة على الأمن فالماضي ليس كله شر كما أن الحاضر ليس بالضرورة هو الأفضل. وسوف نقوم باستعراض بعض الإيجابيات في المناهج الدراسية ومن ثم سوف يتم استعراض بعض السلبيات وآليات تفعيلها في المستقبل على النحو الآتي :
من أهم المواد الدراسية التي تساهم بدور فاعل في خدمة الأمن لدى الطلاب هي مواد التربية الإسلامية التي تدرس في جميع المراحل الدراسية منذ المرحلة الابتدائية إلى أعلى المراحل الدراسية. وتقوم مواد التربية الإسلامية على ترسيخ العقيدة الإسلامية في نفوس الطلاب في المراحل الأولى للتعليم ، ومما لا شك فيه أن انعكاس هذه العقيدة على سلوك التلميذ سوف يجعل منه مواطناً صالحاً مساعداً في أمن وطنه وأمانه ، وباستعراض دروس التربية الإسلامية في المرحلة الابتدائية نجد أنها ترتكز على الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تربي النفس على القيم الفاضلة وتحذر من انتهاك المحرمات والفساد في الأرض. وعند استعراض مقرر الحديث للصف الأول المتوسط على سبيل المثال نجد أنه يستكمل الأسس التي يبنى عليها المقرر من المرحلة الابتدائية حيث يناقش موضوعات مهمة في مجال الأمن مثل آثار الخلاف والعداوة بين المسلمين ومفسدات علاقة المسلم بأخيه وتحريم الظلم.
ويسير مقرر الحديث للصف الثاني المتوسط في تكريس الثقافة الأمنية لدى التلاميذ وإبعادهم عن مواطن الشبهات حيث يناقش مواضيع مهمة لمراحلهم العمرية المتقدمة مثل التحذير من تعاطي المسكرات والمخدرات بالإضافة إلى توضيح حرمة أذى الناس وخطورة الإشارة بالسلاح على المسلم أو ترويعه ، ويستمر مقرر الحديث للصف الثالث المتوسط على السياق نفسه في طرح الموضوعات الأمنية من خلال استعراض مجموعة من الموضوعات المتعلقة بالأمن في المجتمع الإسلامي مثل تحريم حمل السلاح على المسلمين وتحريم سب المسلم وقتاله بالإضافة إلى إيضاح حد السرقة وتحريمها ومضارها. بالإضافة إلى ذلك فنجد عند استعراض مقرر الفقه للمرحلة الثانوية أنه يستعرض موضوعات أمنية تتعلق بأمن المجتمع وحمايته من الجريمة والانحراف من خلال استعراضه لموضوعات مهمة منها الحدود - القصاص - الديات- الجناية ومنها الجناية على النفس والانتحار وحوادث السيارات كما يستعرض موضوعات أخرى مثل أحكام المرتدين ومنهم السحرة والعرافون والمشعوذون. ويأتي مقرر الفقه للصف الأول الثانوي ليستعرض موضوعات الجريمة بشكل مباشر مثل التعريف بالجريمة وأقسامها وأضرارها على المجتمع كما يستعرض العقوبة وأقسامها وآثارها في المجتمع لتوضيح الحد الفاصل بين المقبول في المجتمع وغير المقبول ولردع من تسول له نفسه اقتراف الجرم لمعرفة نوع العقوبة التي سوف تطبق عليه ، وهذا يعد منهجاً علمياً تدعو له بعض نظريات الجريمة حيث ترى النظرية الكلاسيكية أن معرفة الشخص بنوع العقوبة التي سوف تطبق عليه عند ارتكاب السلوك الإجرامي وسيلة لردع الأفراد عن ارتكاب السلوك الإجرامي.
وتجدر الإشارة إلى أنه على رغم أن المواد الدينية في المدارس السعودية تشكل حجر الزاوية في التوعية الأمنية لحفظ المجتمع من الجريمة والانحراف إلا أن المواد الأخرى تؤدي دوراً مهماً في مساعدة المواد الدينية على تأصيل هذا الجانب حيث نجد في مواد اللغة العربية الكثير من الإشارات الأمنية حيث يحتوي مقرر القراءة للصف الأول الابتدائي على موضوعات متعددة عن الإرشادات التي يجب اتباعها عند استخدام الطريق، كما يستعرض مقرر القراءة للصف الثاني الابتدائي بعض الإرشادات عن تعليمات المرور ، ويستعرض مقرر القراءة للصف الثالث الابتدائي موضوعات عن رجال الأمن ورجال المطافئ والدفاع المدني وواجبنا نحوهم. ويحتوي مقرر القراءة للصف الخامس الابتدائي على بعض القصص عن فدائية المسلم في حماية دينه ووطنه كما يتحدث مقرر القراءة للصف الأول المتوسط عن جهود الدولة في تحقيق الأمن بالإضافة إلى موضوعات أخرى عن حق الطريق وبعض الأناشيد التي تصف حوادث المرور وعواقبها. ويستعرض مقرر المطالعة للصف الثالث الثانوي موضوعات أمنية مهمة حول الأمن مفهومه وأنواعه. ومن المواد الأخرى التي سخرتها وزارة التربية والتعليم في مناهجها لدعم وتنميته مفهوم الأمن لدى التلاميذ مواد العلوم الاجتماعية مثل التاريخ والجغرافيا حيث يركز مقرر التاريخ للصف الثالث الثانوي على موضوعات مثل النهضة في عهد المغفور له بإذن الله تعالى الملك عبدالعزيز رحمه الله ، كما يستعرض الأمن والجيش والدفاع بالإضافة إلى استعراض تطور النهضة في المملكة منذ وفاة الملك عبدالعزيز رحمه الله تعالى. كما يستعرض في مراحل سابقة لهذه المرحلة حالة البلاد قبل الحكم السعودي وأهم الإصلاحات في عهد مؤسس المملكة العربية السعودية لكي يعرف الطالب قدر الإنجاز الذي تحقق في المملكة العربية السعودية على يد المغفور له بإذن الله تعالى الملك عبدالعزيز آل سعود ولكي يحافظ على مقدرات الوطن ويدعم أمنه واستقراره الذي بذل من أجله الكثير والتي كانت ثماره أن أصبحت المملكة العربية السعودية ولله الحمد من أكثر بلدان العالم أمناً واستقراراً وذلك بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل قيادة هذه البلاد الحكيمة.
وتسهم الجغرافيا في مراحل التعليم المختلفة في مساعدة التلاميذ على معرفة حدود وطنهم ومقدراته وثرواته مما يكرس لديهم الرغبة والدافعية لحماية وحفظ أمنه وسلامته، وبالإضافة إلى ما سبق ذكره من مواد، فإن مادة التربية الوطنية والتي يبدأ الطلاب تلقيها منذ السنة الرابعة الابتدائية تكرس الكثير من المفاهيم الأمنية والوطنية التي يحتاجها الطالب حسب مستوى عمره العقلي والذهني متدرجة به من استعراض موضوعات عن الوقاية من الأخطار بجميع أنواعها ومستعرضة في مراحل متقدمة أهمية احترام النظام مع استعراض الأجهزة المدنية المعنية بالأمن الداخلي في الوطن كما تستعرض الأمن بأنواعه المختلفة الأمن النفسي والأمن الغذائي والأمن العسكري والأمن البدني. ولا يقتصر دور مادة التربية الوطنية في مراحل التعليم المختلفة على استعراض هذه المحاور فقط بل يشمل موضوعات مهمة أخرى مثل مفهوم البيئة والمخاطر التي تهددها بالإضافة إلى دور الطالب في المحافظة على البيئة.
وباختصار يمكن القول إن ما ذكر سابقاً يمثل بعض ما تحويه المناهج الدراسية من جوانب تساعد على دعم الأمن وحمايته وذلك انطلاقاً من السياسة العليا للتعليم في المملكة العربية السعودية التي تؤكد في أكثر من مادة من موادها على أن تربية المواطن المؤمن هو الهدف الأساس لهذه السياسة حتى يكون لبنة صالحة في بناء أمته ووطنه ويكون قادراً على الدفاع عن وطنه عند الحاجة لذلك.
وباختصار يمكن القول بأن المدرسة في المجتمع السعودي تؤدي دوراً حيوياً في نشر الوعي الأمني بين التلاميذ، وتشكل لبنة مهمة من لبنات الأمن في المجتمع السعودي.
وعلى رغم الدور الإيجابي الذي تؤديه المدرسة في تفعيل آليات الضبط في المجتمع السعودي إلا أن التغيرات الاجتماعية والثقافية التي يمر بها العالم والمجتمع السعودي في الوقت الحاضر أصبحت تفرض على النسق التربوي مسؤوليات مضاعفة تتجاوز حدود التعليم في نمطيته التقليدية وتفرض على النسق التربوي الاضطلاع بدور أكثر أهمية في تشريب الناشئة المعايير والقيم التي تحافظ على أمن واستقرار المجتمع. إن النسق التربوي في الوقت الحاضر أصبح يعاني من الكثير من الضغوط بسبب قصوره عن أداء بعض الأدوار المناطة به مما يتطلب إعادة النظر فيه بعقلية انفتاحية لا ترفض القديم كله ولا تقبل الجديد كله دون دراسة وتمحيص ، ولا شك أن التوجيهات الكريمة من قبل ولاة الأمر في تشكيل لجنة عليا لمراجعة المناهج الدراسية برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز حفظه الله هي استشعار بهذه المسؤولية ورغبة من المسؤولين في الدولة حفظهم الله على مجاراة التغيرات العالمية بصورة متوازنة كما هي سياسة المملكة العربية السعودية في شتى المجالات. وسوف نطرح في الصفحات القادمة النظرة التي يرى الباحث أن النسق التربوي يجب أن يضطلع بها في مجال الأمن في المستقبل القريب إن شاء الله لتلافي الصعوبات التي بدأت تبرز على السطح نتيجة بعض التآكل الذي أصاب النسق التربوي في العصر الحديث.
ويرى الباحث أن الرؤية المستقبلية للدور الأمني للمدرسة في مكافحة العنف والإرهاب والتطرف يجب أن تنطلق من الجوانب الآتية :
1- في ظل تعقد الحياة وازدياد عدد سكان المدن أصبح ضبط السلوك والتحكم فيه عملية معقدة تحتاج إلى تضافر جهود كل أفراد المجتمع للوقاية من الجريمة وضبط السلوك المنحرف، حيث إن رجل الأمن لا يستطيع وحده القيام بهذا الدور دون تضافر جهود جميع أفراد المجتمع، لذا يصبح لازماً على المجتمع بجميع مؤسساته الرسمية وغير الرسمية تنشئة أفراده تنشئة أسرية واجتماعية ومعرفية وثقافية وحضارية تعزز وتدعم ضرورة التعاون مع رجال الأمن الذين يقومون على حماية حقوق أفراد المجتمع ولا يمكن الوصول إلى هذه التنشئة الأمنية إلا من خلال تعميق الحوار والانفتاح الفعال بين المؤسسات التربوية والمؤسسات الأمنية من خلال مناقشة المشكلات التي تواجه أفراد المجتمع ووضع تصورات وخطط وإستراتيجيات مشتركة بين المؤسسات التربوية والأمنية لمواجهتها والحد منها (اليوسف، 1424هـ).
2- إعادة النظر في الكثير من المناهج الدراسية والأساليب التربوية بعقلية انفتاحية جديدة يكون لديها الرغبة والقدرة والصلاحيات والإمكانات المادية والبشرية لحذف ما أصبح غير ملائم لمعطيات العصر وإضافة ما هو ضروري وملائم لمعطيات العصر في عصر العولمة والسماوات المفتوحة ، وإعادة النظر تلك يجب أن لا تكون انفعالات وقتية أو ردود فعل عاجلة وإنما يجب أن تنطلق من دراسات متعمقة للتغيرات التي يمر بها المجتمع والمستجدات العصرية بروح تأخذ مصلحة البلاد والأمن فوق كل اعتبار.
3- إضافة مناهج جديدة حول الوقاية من الجريمة والانحراف توضح كيف يمكن للشباب تحصين أنفسهم من الجريمة ومعرفة السبل الناجحة للابتعاد عن مهاوي الرذيلة والانحراف وذلك من خلال الاستفادة من التجارب الدولية حول دور مؤسسات التربية في الوقاية من الجريمة والانحراف ولعل من المستغرب انعدام أية برامج حول الوقاية من الجريمة حتى في الكليات العسكرية على رغم وجود كم هائل من برامج الوقاية المطبقة في الكثير من الدول.
4- ربط المدرسة بالمجتمع المحلي وتفعيل دورها في حماية أمن المجتمع المحلي وعدم قصر نشاطها داخل أروقة المدرسة فقط ، ويمكن تفعيل ذلك عن طريق إنشاء مجلس يسمى (المجلس الأمني للوقاية من الجريمة والانحراف) ويتكون هذا المجلس من عدد من أفراد المجتمع المحلي بالإضافة إلى مجموعة من أعضاء الجهاز الفني والإداري في المدرسة مع مجموعة من رجال الأمن وتكون مهمة هذا المجلس توعية أفراد المجتمع المحلي بمخاطر الجريمة والانحراف وعقد اللقاءات والندوات لمناقشة مشكلات الحي ومحاولة التعاون الفاعل للقضاء عليها وطرح الحلول التي يمكن أن تساهم في تقليصها ورفع التوصيات لصانعي القرار لتفعيلها (اليوسف، 1422هـ).
الدور المأمول من المدرسة في مواجهة الفكر المتطرف:
التعليم هو عملية متكاملة يعتمد التعامل والترابط فيها على أربعة مقومات أساسية هي: الطالب والمنهج والأستاذ وبيئة المدرسة، ولا يمكن النهوض بالعملية التعليمية دون تحسين العوامل الثلاثة حيث إنه لا يمكن مناقشة الدور المأمول من المدرسة في مواجهة الفكر المتطرف بمعزل عن تطوير عناصر العملية التعليمية الثلاثة السابق ذكرها . وسوف يتم استعراض الأبعاد الأساسية لكل عنصر من عناصر العملية التعليمية على النحو الآتي :
أولاً - الطالب:
الملحوظ أن التعليم في المجتمع السعودي يقوم على ما أسميه التعليم البنكي، فالطالب يحفظ المعلومة حتى يتم استردادها منه وقت الامتحان وبذا فالطالب يعد وعاء لتلقي المعلومة دون أن يكون له دور في فهمها أو تمحيصها ، والأفراد الذين يمرون بتجربة التعلم البنكي يكونون أكثر سهولة للانقياد للأفكار وأكثر صرامة في تطبيقها دون التفكير أو النقاش، مثل هؤلاء الأفراد يمكن أن يكونوا صيداً سهلاً ليصبحوا مؤدلجين فكرياً وعملياً.
وبذا فإن تفعيل الدور الأمني للمدرسة في مقاومة السلوك المتطرف يجب أن يقوم على أساس تعويد الطلاب على التعليم الحواري القائم على التفكير والإبداع الذي يسمح لعقل الطالب بتأمل الأمور ورؤية الحقيقة من أكثر من زاوية بما يمكنه من الابتعاد بعد توفيق الله سبحانه وتعالى عن أن يصبح فريسة سهلة للأفكار المتطرفة والداعية للعنف والتخريب.
ويجب على المدرسة ممثلة في المدرسين والعاملين فيها تحديد الجماعات المستهدفة أو الهشة والتي يقصد بها أي جماعات محددة داخل المجتمع الكبير يمكن أن تكون عرضة للانسياق وراء الأفكار الهدامة ومحاولة توجيههم ووضع برامج خاصة لهم. كما أن عدم القدرة على استيعاب حاجات الطلاب يمكن أن يؤدي إلى تسربهم خارج السلك الدراسي مما يدفعهم إلى ممارسة السلوك الإجرامي وقد يكونون فريسة سهلة للجماعات الإرهابية لتنفيذ مخططاتهم.
ثانياً - الأستاذ:
يمثل الأستاذ النواة التي يمكن توصيل المعلومة من خلالها إلى الطالب وإذا لم يكن الأستاذ متمكناً من المادة العلمية التي يعرضها لطلابه فإنه لن يستطيع توصيلها بشكل سليم إلى الطلاب وبذا تفشل العملية التعليمية.
والمعلمون يمثلون بدائل الآباء، وهم الراشدون خارج نطاق الحياة الأسرية الذين يقومون بأدوار مهمة في حياة الصغار، ومن المعلمين من يعاون الصغير في التغلب على الإعاقات والقصور والمشكلات التي تعيق نموه وتعترض ميوله، ومنهم من يعرقل المسيرة الصحيحة أمام أبنائه من التلاميذ.
والمعلمون لكونهم من العناصر المهمة في التطبيع الاجتماعي يؤثرون في تلاميذهم عن طريق القدوة، وعن طريق تشجيع الاستجابات المرغوبة وتدعيمها ، وإضعاف الاستجابات السلبية وإطفائها .
وعادة ما يتم في هذه البيئات الاجتماعية التربوية تجاهل بعض الاستجابات مثل إثبات الذات، والعدوانية والخشونة، بل إضعاف هذه الجوانب والعمل على قمعها داخل المدرسة.
ولشخصية المعلم في قاعات الدراسة إسهام في تشكيل شخصيات التلاميذ إذ إن سمات المعلم تنعكس في أسلوب تعامله مع تلاميذه وطريقة تهذيبه لهم، وهذا بدوره يؤثر في اتجاهات التلاميذ نحو التعلم.
وقد وجد أن تلاميذ المعلمين الذين يتسم سلوكهم بالمرونة داخل المدارس المختلفة، كانوا أكثر اهتماماً وميلاً في أنشطة الصفوف الدراسية، إذ ظهر من استجاباتهم قيامهم بالعمل بروح استقلالية أكبر وأنهم يعبرون عن مشاعرهم بقدر أكبر من الحرية، وأنهم أكثر تقدماً في تحصيلهم العلمي ، ويظهرون قدراً أكبر من الابتكار والإبداع، بينما تلاميذ المعلمين المتسلطين كانوا أكثر ميلاً أو حاجة إلى تقديم المساعدة والمعاونة المستمرة لهم (منصور، 1424هـ).
ولذا فإنه من الضروري انتقاء الأساتذة الذين يقومون بالتدريس بكل دقة وحذر بحيث يتصفون بالفطنة والذكاء والقدرة على إيصال المعلومة الصحيحة للطالب بالإضافة إلى المقدرة الشخصية التي تمكنهم من استيعاب المتغيرات الحضارية التي يعيشونها وعكسها في المناهج الدراسية بشكل مشوق. ويجب أن يحفز الأستاذ طلابه على المناقشة والإبداع والتفكير بصورة علمية من خلال استشعار الواقع والتأمل فيه وطرح الأفكار ومناقشتها بشكل مجرد من الأوامر والنواهي التي تأخذ قوالب جاهزة.
ثالثاً - بيئة الدراسة:
لا يمكن للمتعلم أن يتلقى التعليم بشكل جيد ويستفيد منه ما لم يوجد في بيئة تشجع على الإبداع وتحفيز التفكير وتدفع بالفرد إلى آفاق من التعليم القائم على التفكير الإبداعي والبعيد عن القوالب الجاهزة والمعلبة. ولتوفير بيئة تعليمية جديدة فلابد من وجود مجموعة من العناصر الأساسية التي تحفز على التعليم:
1- وجود وسائل متعددة للتعليم من خلال استخدام أجهزة الحاسب الآلي وغيرها.
2- وجود مكتبة متخصصة تحفز على البحث وتشجع على الدراسة يتوافر فيها جميع المراجع الحديثة ووسائل التقنية المتقدمة من الإنترنت وغيرها.
3- القاعات الدراسية يجب أن تكون جيدة التهوية ومريحة ويوجد فيها الإمكانات الضرورية للعملية التعليمية من وسائل تعليمية وغيرها.
4- إعطاء الفرصة للطلاب للمناقشة والحوار والإبداع والاختلاف فالإبداع ينمو في أجواء الحوار ويموت في مهده في أجواء الدكتاتورية الصارمة.
رابعاً - المناهج الدراسية:
تعد المناهج الدراسية هي عماد العملية التعليمية وهي الوعاء الذي تقدم من خلاله المعلومة للطالب لكي يستوعبها ويستقي منها ما يمكن أن يساعده في مسيرته التعليمية. ولكي تصبح المناهج الدراسية قادرة على مسايرة العصر وقادرة على تقزيم الإرادة الإجرامية لدى الطلاب فإن هناك ضوابط معينة لابد من توافرها في المناهج الدراسية لكي تصبح قادرة على مواكبة التطورات السريعة في مجالات الحياة المختلفة ويمكن استعراضها على النحو الآتي :
ضرورة وضع خطة إستراتيجية للمنهج الدراسي بالتنسيق مع إستراتيجية التنمية الشاملة للدولة بحيث تستلهم إستراتيجية المنهج أهدافها من إستراتيجية التنمية الشاملة للدولة.
ويقصد بذلك أن تكون الأهداف التربوية منبثقة من حاجات المجتمع المتغيرة، إن مواصفات الطالب في الوقت الحاضر الذي هو نتاج للعملية التعليمية ومخرج لها يجب أن يوافق احتياجات المجتمع المتغيرة وهذا يعني أن تحديد المهددات الأمنية والاجتماعية في الوقت الحاضر يجب أن يأتي ضمن أولويات المنهج الدراسي، بحيث يخرج الطالب من العملية التعليمية ولديه القدرة على التمحيص والنقد والمفاضلة بين القضايا بشكل يخدم الصالح العام.
1 - يجب أن يكون هناك تناسق بين مفردات المنهج وعدد الساعات المقررة على الطالب أسبوعياً حيث إن الإطالة في بعض المناهج قد تسبب للطالب الملل والعزوف عن العملية التعليمية كلها.
2 - يجب صياغة المناهج الدراسية بعقلية منفتحة تساعد الأستاذ على طرح الكثير من الموضوعات حسب المقتضيات المتغيرة والبعد قدر الإمكان عن القوالب الجاهزة.
3 - يجب أن تكون المناهج التعليمية قابلة للتعديل حسب مقتضيات العصر وألا تكون قوالب جامدة لا يمكن تغييرها أو المساس بها ، فالمناهج الدراسية يجب أن يكون لديها مقدرة على مسايرة الواقع الاجتماعي وتقديم حلول عملية لمشكلاته.
4 - يجب أن تهدف المواد الدراسية في مجملها إلى تعميق مفهوم الولاء الوطني لدى جميع أفراد المجتمع حيث أصبحت كلمة الوطنية في السنوات الأخيرة قضية مصيرية تفرض نفسها بإلحاح على علماء الاجتماع والنفس والسياسة وجميع المهتمين بتربية النشء حتى أصبحت التنشئة السياسية إحدى الضرورات الأساسية في هذا العصر الذي نعيشه لإيجاد إحساس عام بالالتزام والولاء للسلطة الرسمية ويبرز الدور المهم الذي يجب أن تؤديه المدرسة في تأكيد أهمية عملية التربية الوطنية حيث إن الأمن يتحقق فقط عندما يشعر الجميع بمسؤوليتهم نحو الوطن.
وأعتقد أن التربية الوطنية يجب أن تصاغ بشكل مباشر في جميع المناهج الدراسية بحيث تصبح جزءاً من المناهج الدراسية ، فالوطنية ليست مادة تدرس وإنما سلوك يجب أن يتفاعل من خلال المواد الدراسية جميعها ويجب أن يكون الأستاذ والمدرسة بجميع العاملين فيها قدوة ونموذجاً للطلاب لتكريس مفهوم الولاء الوطني ليكون سلوكاً وممارسة وليس مواد نظرية تدرس بعيداً عن الواقع.
التوصيات:
يمكن الخروج بمجموعة من التوصيات التي توصلت إليها هذه الدراسة المكتبية على النحو الآتي :
1 - تعميق الحوار والانفتاح الفعال بين المؤسسات التربوية والمؤسسات الأمنية حيث إن الأمن مسؤولية يجب أن يضطلع بها الجميع وليس المؤسسات الأمنية وحدها.
3- إعادة النظر في الكثير من المناهج الدراسية والأساليب التربوية بعقلية لا ترفض الجديد كله ولا تقبل القديم دون نقاش أو تمحيص.
3 - وضع مواد حول الوقاية من الجريمة توضح كيف يمكن للشباب تحصين أنفسهم من الجريمة ومعرفة السبل الناجحة للوقاية منها.
الخاتمة:
ناقشت هذه الدراسة دور المدرسة في مقاومة الإرهاب والعنف والتطرف من خلال استعراض مفهوم الإرهاب والعنف والتطرف، كما تم استعراض نظرية الوقاية من الجريمة ودور المدرسة في مقاومتها والحد منها، كما توصلت الدراسة إلى مجموعة من التوصيات تؤكد ضرورة تفعيل دور المدرسة الأمني.
المراجع
أنجل، أركان، (1403هـ)، أساليب البحث العلمي، معهد الإدارة العامة، الرياض.
الصالح، مصلح، (2002م)، ظاهرة الإرهاب المعاصر: طبيعتها وعواملها واتجاهاتها، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض.
منصور، عبدالمجيد، (1424هـ)، الاتجاهات الحديثة في التوعية الوقائية، ندوة الاتجاهات الحديثة في توعية المواطن بطرق وأساليب الوقاية من الجريمة، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض.
اليوسف، عبدالله بن عبدالعزيز، (2001م)، الوقاية من الانحراف المفاهيم والأساليب، حوليات كلية الآداب، جامعة القاهرة.
اليوسف، عبدالله عبدالعزيز، (1424هـ)، المفهوم الحديث للوقاية من الجريمة، ندوة الاتجاهات الحديثة في توعية المواطن بطرق وأساليب الوقاية من الجريمة، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض.