قيمة التعايش واحترام الرأي الآخر
ثمة ترابط بين مفهومي التعايش واحترام الرأي الآخر، بمعنى هناك علاقة تعاونية بين المفهومين على ارض الواقع، ولا يتجسد أحدهما عمليا بغياب المفهوم الآخر، فأينما يوجد الاحترام المتبادل بين الافراد والجماعات يوجد التعايش.
إن التعايش (باللاتينية: Symbiosis) هي علاقة بين نوعين من الأحياء يستفيد خلالها كلاهما من الآخر. وبصورة أوسع يعني أي تفاعلات ثابتة وطويلة الأمد بين نوعين أو أكثر من الأنواع الحية، والتي قد تكون مفيدة أو حيادية أو ضارة لأحدها أو جميعها. وفي حالة استخدام المصطلح بمعناه الواسع يسمى التعايش بمعناه الضيق تنافعاً إذا كان مجبراً أو تعايشاً تعاونياً إذا كان مخيّراً. وقد أورد أحد الكتاب المعنيين بهذا الشأن قائلا: (إن التعايش بين الأديان كان سهلا في الماضي، ولا شك أن ثورة المعلومات الحديثة والتي تمثلت في استخدام الملايين لشبكة الإنترنت، جعلت العالم أشبه بالقرية الصغيرة، وسهَّلت التواصل والتعارف بين البشر من شتى الجنسيات والأديان، واختصرت السنين بثوانٍ معدودة، والاستزادة بالمعلومة، بضغطة زر واحدة. ولعل كل هذا يزيد من سهولة التفاهم والتعايش السلمي بين الاتجاهات المختلفة والمتعارضة).
ولكن متى يمكن تحقيق قيمة احترام الرأي الآخر؟ يقول بعضهم (عندما يتسع عقلي وصدري للآخرين، هذا يعني إنني احترم آراءهم وأفكارهم، حتى لو كنت ليس مقتنعا بصوابها) ويضيف، إن قيمة الاحترام المتبادل والتعايش تتحقق عندما أكون (واسع الافق وواسع المعرفه والثقافه وواسع الاطلاع على كافة الثقافات). فيما يقول هوارد غاردنر صاحب كتاب خمسة عقول من اجل المستقبل، لا سبيل لمستقبل بشري متوازن ومستقر، إلا بتعلم الجماعات على صنع العقلية التي تحترم الآخرين على علاتهم، وينبغي أن يكون الاحترام متبادلا، وعلينا أن نتعلم كيف نحترم آراء بعضنا البعض الآخر.
إن المتفق عليه هو التزايد الكبير في نفوس البشر على كوكب الارض، مع نفاذ واستهلاك متواصل لمواردها، بمعنى توجد لدينا زيادة متواصلة في النفوس، يقابلها فقدان متواصل للموارد بأنواعها، هذا يتطلب ادارة أفضل للعلاقات المتبادلة بين الاقوام، فزمن التوحّش والتجاوز على حقوق الآخرين ينبغي أن تضعه الانسانية خلف ظهرها، في ظل تطور الوعي وتشذيب النفوس، والعمل الدؤوب والمنظم على صنع الشخصية الانسانية التي تحرص على مصالح الآخر مثلما تحرص على مصالحها، ليس هذا الكلام من باب المثاليات الفارغة، إنه السبيل الاوحد لخلق عالم يتسع للجميع، وهو السبيل الاسرع والأفضل الى ترسيخ قيمة احترام الرأي الآخر، ثم ترسيخ حالة التعايش المجتمعي والعالمي معا.
في المجتمع الواحد يحتاج الافراد والجماعات الصغيرة الى احترام بعضها البعض الآخر، بل ينبغي أن نصل الى هذا الهدف، ليصبح حالة حياة معتادة لا مناص منها، مع تقليص متواصل لحالات عدم الاحترام والتنافر المجتمعي، الذي يحدث في الغالب نتيجة لعدم ترسيخ قيمة التعايش واحترام الآخرين، ولا ينحصر الامر بين الافراد والجماعات التي تنتمي الى مجتمع واحد، بل لابد أن تسود حالة التعايش عموم العالم، وعلى الامم الكبيرة والمجتمعات التي تنضوي تحت خيمتها أن تعي أهمية الاحترام المتبادل للآراء والافكار والمعتقدات، لهذا جاء التركيز في معظم المواثيق الدولية التي تتعلق بحقوق الانسان على حتمية احترام الحريات، ونشر ثقافة الاحترام المتبادل للأفكار، لأنها الطريق الى التعايش النموذجي.
ثمة اشكاليات تقف في طريق التعايش، جلّها يتعلق باختلاف الآراء والعقائد وسواها، يحتاج الانسان فردا كان او جماعة الى درجة من الوعي كبيرة، لكي يتمكن من احترام الآخرين أياً كانت قناعاتهم، وليس من الضرورة أن تتفق الافكار مع افكاري لكي احترمها، ولا يعني احترام الآراء الأخذ او العمل أو الايمان بها، لذا من اجل تحقيق حالة التعايش، علينا أن نتعلم احترام الآخر، وفي الوقت نفسه لا نعمل بأفكاره، كل هذا ينبغي أن نعتاده، من اجل خلق مجتمع انساني متحضّر يتسع للجميع من دون استثناء.
المصدر: شبكة النبأ