إرهاب الإعلام الصهيوني وطمس الحقائق

دراسات كثيرة تناولت آلية الإعلام الصهيوني وهي على تنوعها أجمعت على أن الدعاية الصهيونية ارتكزت إلى الغرب، ما قبل احتلال فلسطين، بالعزف على نغمة المحرقة اليهودية و"العذابات اليهودية" وتضخيم عقدة الشعور بالذنب تجاه اليهود واضطهادهم في الضمير الرسمي والشعبي الغربي، وتوازى ذلك مع قيام دعاة الصهاينة بالترويج لأسطورة أن "فلسطين أرض بلا شعب، واليهود شعب بلا أرض"، إلى جانب "التبشير" بواحة للحضارة والديمقراطية فيما لو وُجِدت "إسرائيل" في الأرض العربية.

عملت الدعاية الصهيونية على خطين متوازيين موجهة إعلامها للداخل والخارج، فواصلت التعبئة من جهة لمحاولة "توحيد البنيان اليهودي" على أرض فلسطين وتوطيد دعائمه في إطار الكيان الصهيوني وأطلقت حملة لمحاربة "الاندماج" اليهودي في الخارج والعمل على استمرار الهجرة اليهودية إلى فلسطين والمحافظة على ارتباط اليهود بمؤسساتهم في العالم بشبكة اتصال متينة مع "إسرائيل".

رفع الإعلام الصهيوني وتيرة خطابه في أوساط الغرب، ونجح إلى حد كبير في تشويه الحقائق التاريخية والوقائع السياسية، بل إنه استطاع إخفاء مشاهد المذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في كفر قاسم ودير ياسين وقبية ونحالين وأبو شوشة وغيرها مستفيداً في ذلك من ضعف الإعلام العربي وهشاشته. وذكرت دراسات كثيرة أن الغرب كان يرى ما يحدث على أرض فلسطين من خلال المنظور الصهيوني، فترسخت اعتقادات في الرأي العام الشعبي الغربي مفادها أن "إسرائيل" بلد صغير يحاول العرب "المتوحشون" التهامه، في وقت كانت الماكينة الإعلامية الصهيونية تقدم العربي والشخصية العربية على هيئة قطاع الطرق وسافكي الدماء، وانتشرت في وسائل الإعلام الغربية المختلفة وبظل صهيوني صورة البداوة المتخلفة للعربي الواقف بين الجمل والخيمة والذي لا يرى أفقاً أمامه أبعد من كثبان الصحراء، واعتمدت الدعاية الصهيونية في ذلك على التذكير بحكايات ألف ليلة وليلة والتركيز على جوانبها التي تظهر العربي كسولاً يرتع بين المحظيات والجواري، مستسلماً للبلادة والجهل.

ويذكر الدارسون أن مساحة التدفق الإعلامي الصهيوني المتعدد الأشكال اتسعت في معظم أنحاء العالم، وفي فترة قياسية، وعلى سبيل المثال بلغ عدد الصحف والمجلات اليهودية التي صدرت خارج الكيان الصهيوني وبلغات مختلفة بعد عام 1967، 760 جريدة ومجلة موزعة على النحو التالي: 224 صحيفة في الولايات المتحدة الأميركية، 30 في كندا، 18 في أميركا اللاتينية، 348 في أوروبا، 3 في الهند، 5 في تركيا، 42 في أفريقيا، إلى جانب عدد كبير من دور النشر والتوزيع ومحطات الإذاعة والتلفزيون والمسارح وشركات الإنتاج السينمائي، وأعداد أكبر من الوسائل الإعلامية الغربية التي خضعت للنفوذ الصهيوني عن طريق عمل المحررين والمؤلفين والكتاب فيها أو بالاتفاق المالي المباشر.

كان التخطيط لهذه الوسائل يجري في الكيان الصهيوني على يد علماء بالسياسة وعلم النفس السياسي. ويعتمد هذا الإعلام حتى الآن على مختلف المداخل مهما بدت متواضعة وبسيطة بهدف الترويج للموقف الصهيوني، وتوسيع نطاقه لخدمة الأغراض السياسية الصهيونية في مراحل مختلفة وطمس الصوت الآخر.

وشهدت أعوام الثمانينيات والتسعينيات تغيرات مهمة في الإعلام الصهيوني تتوازى مع المتغير السياسي ويعني ذلك انتقال الكيان الصهيوني إلى إدخال مفردات "السلام العربي الإسرائيلي" ليس فقط في خطابه الموجه إلى الغرب والعالم وإنما أيضاً إلى شعوب المنطقة العربية بمجتمعاتها العربية الإسلامية. وبشكل عام قدم الإعلام الصهيوني "إسرائيل" كدولة مسالمة تحاول إدراك "التغيرات" الحاصلة على صراعها مع العرب والتحولات الحاصلة في الموقف الدولي، ولذلك فقد دفعت إلى "تطبيع العلاقات" مع جيرانها العرب، إلا أن هؤلاء مازال بينهم مَن لا يدرك "قيمة السلام"، واستمرت ذريعة الخطر على وجود "إسرائيل" ماثلة في الإعلام الصهيوني كأحد العناصر الرئيسية في خطابه، وإن كان قد طرأ تغير على الأسلوب بالانتقال من التلويح بـ "الخطر العسكري العربي" على "إسرائيل"، إلى استخدام تعبير "الإرهاب" والتحذير من "خطره" على السلم الإقليمي، والعالمي والتجييش ضده بالتالي.

إرهاب الإعلام الصهيوني

كشفت السنوات الأخيرة قضية خطيرة تأخر الرأي العام والإعلام الأمريكي في إدراكها وهي قضية الإرهاب الإعلامي الإسرائيلي وقد دفع ذلك الكتاب السياسيين الأمريكيين إلى التصريح علنا بأن ذلك كان السبب الرئيسي لما حدث في 11 سبتمبر نتيجة حتمية للدعم الأعمى، ونجد كاتباً مثل ديفيد ديوك يقول: "اسمحوا لي أن أقول لكم وبكل صراحة، إن السبب الرئيسي الكامن وراء تنفيذ هذه العمليات الإرهابية ضدنا هو دعمنا المباشر للممارسات الإجرامية الإسرائيلية".

ويشير الدارسون والسياسيون إلى أن الولايات المتحدة طالها الإرهاب الصهيوني ضمن الدول التي تعرضت له، وفي واقع الأمر فإن "إسرائيل" كانت سبباً لإثارة عدة حروب ضد الولايات المتحدة الأمريكية. ويعود تاريخ الإرهاب الإسرائيلي ضد أميركا إلى عام 1954، ففي ذلك العام قررت دولة "إسرائيل" تفجير منشآت أمريكية في القاهرة والإسكندرية وتحميل القوميين المصريين مسؤولية ذلك، إلا أن الصدفة لعبت دوراً في كشف هذه المؤامرة واحباطها، هذه الحادثة عرفت باسم قضية لافان-الشخص الذي خطط لهذه المؤامرة. وقد استقال هاس لافان وزير الحرب الإسرائيلي من منصبه في عام 1955 في أعقاب فشل هذه المؤامرة وفي عام 1967 هاجمت الطائرات الحربية الإسرائيلية وعن عمد السفينة الحربية الأمريكية ليبرتي وهي راسية في البحر المتوسط على بعد 15 ميلاً من الساحل الشمالي لشبه جزيرة سيناء،كما فتحت نيران أسلحتها الرشاشة على قوارب الإنقاذ الصغيرة الموجودة على سطح هذه السفينة، وقد أدى الهجوم إلى مقتل 31 بحاراً أمريكياً وإصابة 170 آخرين بجروح.

لقد كان الإسرائيليون بصدد إغراق السفينة الحربية الأمريكية وقتل معظم أفراد طاقمها، ثم تحميل المصريين مسئولية ذلك الحادث، وذلك من أجل كسب دعم أمريكي أكبر يساعدهم في احتلال مساحات أوسع ومناطق عربية أكثر، مهاجمة السفينة الحربية الأمريكية لم يكن سوى إجراء حربي إسرائيلي ضد أمريكا ورغم أن وزير الخارجية (دين راسك) وقائد القوة البحرية الأمريكية الأدميرال (مورر) أعلنا أن الهجوم الإسرائيلي على السفينة الحربية ليبرتي كان عن عمد، إلا أن اللوبي الصهيوني المتنفذ في أمريكا حال دون أن يتخذ الكونغرس الأمريكي قراراً رسمياً يدعو للتحقيق في الحادث بعد العدوان الإسرائيلي على السفينة الحربية الأمريكية ليبرتي.

ولم تكتف الإدارة الأمريكية بمواصلة تقديم الدعم العسكري والمالي "لإسرائيل" فحسب بل عمدت بعد عدة أيام من وقوع الحادث إلى حذف الأخبار المتعلقة بالحادث من كافة وسائلها الإعلامية، وفي عام 1986 تسببت "إسرائيل" في أن تهاجم أمريكا خطأ شعباً آخر، فالموساد نصب مرسلة في طرابلس عاصمة ليبيا، وأخذت تبث من تلك المرسلة رسائل إرهابية بشفرات ليبية، وهذه الرسائل حملت عناصر المخابرات الليبية مسؤولية تفجير مرقص في ألمانيا والذي أدى إلى مقتل أمريكيين "فيما بعد ثبت أنه لم يكن لليبيا أي دور في حادث تفجير المرقص المذكور" وفق مصادر إعلامية أمريكية كثيرة. أدى استخدام مثل هذه الأساليب من قبل "إسرائيل" إلى أن تتعرض ليبيا لقصف أمريكي خلف وراءه المزيد من الخراب والدمار.

مما لاشك فيه أن تشجيع أو دفع شعب لمهاجمة شعب آخر، يعد إجراء حربياً، ويدرك كل فلسطيني وكل عربي جيداً بأن الإرهاب الإسرائيلي على مدى نصف قرن لم يكون ليستمر لولا الدعم المالي والعسكري والسياسي الأمريكي، وأن اللوبي اليهودي هو الذي يوجه السياسة الأمريكية حيال منطقة الشرق الأوسط، وأن الصهاينة باستطاعتهم أن يحصلوا كل ما يحتاجونه من الكونغرس الأمريكي الذي يقدم الدعم الشامل "لإسرائيل" ولا يمكن نسيان أن الدعم الأمريكي في الثمانينيات شجع الإسرائيليين على مهاجمة الأراضي اللبنانية واحتلال مساحات واسعة منها، الآمر الذي أدى فيما بعد إلى تفجير مقر مشاة البحرية الأمريكية وقتل "300" جندي أمريكي، كما إنه لا يمكن تجاهل أن العراق لم يقم بأي عمل ضد الولايات المتحدة، ألا أنه بعد أن تحول إلى عدو "صوري" لـ "إسرائيل"، وهو بذلك ارتكب خطأ كبيراً وخطيراً. يقول "ديوك" في ذلك: وعلى هذا الأساس جعل اليهود ووسائل الإعلام والبيروقراطيون من "غير اليهود" الخاضعون لهيمنة اليهود، صديقنا وحليفنا السابق صدام حسين عدواً لدوداً لنا، وخلال عدة أسابيع، ألقينا على العراق كميات كبيرة من القنابل تفوق ما استخدم خلال أحداث الحرب العالمية الثانية، وقتلنا مئات الآلاف من العراقيين بينهم عشرات الآلاف من المدنيين، ثم فرضنا حظراً اقتصادياً على العراق صادقت عليه المنظمة الدولية أيضاً، وأدى حتى الآن إلى وفاة مليون و"500" ألف طفل والآلاف من المسنين".

ويضيف ديوك: "دعوا أولئك الأمريكيين الذين لم يفهموا بعد هذا السؤال وهو لماذا الإرهاب، أن يفكروا بعمق بهذه الحقيقة المروعة، مليون و 500 ألف طفل يموتون من جراء سياساتنا ضد العراق، بعض الأمريكيين الذين يقرأون مقالاتي لا يصدقون ذلك، لا يصدقون أن أمريكا تعمدت في قتل مئات آلاف من الأطفال، وهنا ننقل مقطعاً مما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية المنحدرة من أصل يهودي "مادلين اولبرايت" لمراسلة "سي-بي-اس" (لزلي استال) في الحادي عشر من أيار (مايو) عام 1996، التي وجهت السؤال التالي لأولبرايت، سمعنا أن نصف مليون طفل عراقي توفوا حتى الآن، وهذا العدد يفوق بكثير عدد الأطفال الذين ماتوا في هيروشيما، وأنتِ تعلمين بذلك، فهل يستحقون ذلك؟! فماذا أجابت مادلين اولبرايت لقد قالت: "أنا اعتقد أن الخيار صعب للغاية، ولكن هل يستحقون ذلك أم لا، نعم أنا اعتقد إنهم يستحقون ذلك". وبعد فإن بعض الأمريكيين يتعجبون لماذا نحن مكروهون لهذا الحد، اللوبي اليهودي ووسائل الإعلام العاملة تحت إشراف اليهود، تبذل قصارى جهدها لتحول دون أن يدرك الشعب الأمريكي وبشكل كامل السبب الحقيقي لحربنا ضد العراق، والقضايا الواقعية بخصوص الفلسطينيين، إنهم حقاً لا يرغبون بأن يعرف الشعب ذلك".

لعبت "إيباك" دوراً مهماً رغم أنه لا يتجاوز في أهميته بأي حال دور منظمة مثل "بناي بري" أو مجلس رؤساء المنظمات اليهودية ويشير الدارسون إلى أن الفارق هو أن هذه المنظمات طبقت تقسيماً دقيقاً للعمل فيما بينها. "بناي بريث" مثلاً ومجلس رؤساء المنظمات أيضاً يهتم بالاتصالات الشخصية بالمسئولين الحكوميين، وإيباك تهتم بأعضاء الكونغرس، "كاميرا" تهتم بالإعلام، إلا أن ذلك لا يعني أن هذه المنظمات وضعت سوراً صينياً عظيماً فيما بينها بحيث أصبحت مكونات مستقلة إحداها عن الأخرى، إن منظمات العمل السياسي مثلاً تعمل بتوجيه من "إيباك" وذلك بجمع التبرعات لهذا المرشح "للكونغرس" بدلاً من ذاك ومنظمة بناي بريث تدعم حملات مرشحين.. وهكذا.

وواقع الحال أن "إيباك" التي تأسست عام 1954 تعرضت لمطبات كثيرة في مسارها السياسي في واشنطن. ولعل أصعب هذه المطبات هو الأزمة التي اكتنفتها عند مواجهة جناحين بداخلها، أحدهما عمالي والآخر ليكودي في مطلع الثمانينيات.. إلا أنها حافظت على تماسكها وتأثيرها الخارجي في كل الأحوال.

أدى اعتراف الولايات المتحدة المبكر هذا بـ "إسرائيل" إلى 50 عاماً من العنف القاتل والتخبط الدموي وتحطيم ما قال الصهاينة" إنه حلم التعايش المشترك بين المسلمين والمسيحيين واليهود. وقد اعترف سياسيون كثر من بينهم (جون كينيدي) بأن تاريخ الحروب المريرة التي شهدها الشرق الأوسط منذ إنشاء "إسرائيل" مرير، وأكد على "أن الاختراع المتعجل لهذه الدولة أدى إلى تسميم أفكار الولايات المتحدة في مجالات كثيرة".

وتابع يقول: "إن التاريخ لا يقدم سابقة مماثلة لما حدث، أي أن تختطف أقلية لا تتجاوز 2% من سكان الولايات المتحدة كل هذه الأموال لتخترع وطناً. ولو قال الكاثوليك لدينا مثلاً، وهم عشرات الملايين، إنهم يريدون جمع أموال لدعم البابا في إقامة دولة كاثوليكية في أوروبا الغربية لثار الكونغرس ضدهم. ولكن الكونغرس لا يثور ضد 2% من السكان أقاموا دولة يهودية، لقد اشترى اللوبي مجلسنا التشريعي أيضاً.

الاعتراف الصريح بالتأثير اليهودي على الإعلام والسياسة الأمريكية ليس جديداً، وتذكر المصادر على سبيل المثال أنه في تشرين الثاني (نوفمبر) 1976م قام (ناحوم غولدمان) رئيس المجلس اليهودي العالمي بزيارة إلى واشنطن حيث التقى بالرئيس جيمي كارتر وبوزير الخارجية (سايروس فانس) وبمستشار الأمن القومي (زبيجنو بريزنسكي). وقدم غولدمان للمسؤولين الثلاثة طلباً مذهلاً: "ابدأوا فوراً في تفكيك اللوبي" الإسرائيلي "في الولايات المتحدة. إنه سيئ لنا" أي لإسرائيل "وسيئ للولايات المتحدة" وفق ما ذكرت مجلة "شتيرن" النيويوركية ـ 24 إبريل 1978 ولكن الرئيس ومن معه قالوا له: "ليس بوسعنا أن نفعل ذلك لأنه ليس لدينا صلاحيات تمكننا من هذا، إن مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى إطلاق موجة من معاداة السامية". يذكر ذلك "حوار مع سايروس فانس أجراه إدوارد تيفنان ونشر في كتاب "اللوبي" عام 1987".

لم يخف القادة اليهود قضية الولاء أبداً. لقد قال بن غوريون "حين يقول يهودي في أميركا أو في جنوب أفريقيا: حكومتنا، فإنه يعني حكومة "إسرائيل" وفق المصير: إسرائيل. لجاك شتاين.... وتمضي الفقرات أيضاً بلا نهاية تقريباً كدليل على ما أشار اليهشارون من أن "إسرائيل" تملك أمريكا.

ويذكر أن لدى اللوبي نحو 70 من كتاب الأعمدة المشهورين على المستوى القومي، وهو يسيطر على عشرات من أجهزة الإعلام التي تخاطب المستويات السياسية والشعبية وبعبارة أخرى فإن اللوبي اليهودي استطاع أن يجعل معركة "إسرائيل" هي معركة الولايات المتحدة التي تقوم بذلك نيابة عن "إسرائيل" ومع أعداء "إسرائيل" وهو يعد بمثابة خلق أعداء للولايات المتحدة هم أصلاً أعداء الصهيونية.

سلبية المواجهة العربية بالتأكيد مع كل ذلك العرض المبسط للتأثير الإسرائيلي على القرار السياسي الأمريكي عبر إعلام مستلب كلياً ومملوك للآلة الصهيونية، كان الإعلام العربي سلبياً فأدواته معدومة وهو بالتالي أسير للآلة الإعلامية الغربية ووسائلها، إضافة لانعدام الفعل السياسي المستقل عن الأرضية الأمريكية وبالتالي عن الهيمنة الصهيونية.

وقد أشار خبراء عرب كثر إلى أن الإعلام العربي :

- لا يملك رؤيا سياسية أو برنامجاً أو خطة عامة لمواجهة التغلغل الصهيوني، حيث تصبح مقاومة التطبيع مجرد جزء من هذه الخطة.

- إن خطاب العولمة والنيوليبرالية والخصخصة تغلغلت في الخطاب السياسي العربي وفي البنية العربية وهي إحدى أدوات الهجمة الإعلامية الصهيونية على الوطن العربي لأنها تؤدي إلى التفكيك، وتدمير الانتماء إلى الوطن والأمة والتراث، محولة الولاء للسوق العالمية، ولأنها تساهم في خلق هوية تاريخية وهمية على أنقاض هوية تاريخية فعلية.

- سيطر عليه الخطاب الإعلامي والثقافي والترفيهي من جهة، والتغلغل الصهيوني من جهة أخرى، ابتداء من خلق حالة من اللا انتماء إلى التحييد والتجهيل والإلهاء وصولاً إلى كسر الحواجز النفسية مع العدو الصهيوني.

- شيوع المصطلحات التضليلية على نمط "الشرق الأوسط" بدلاً من "الأمة العربية"، أو "عرب إسرائيل"، أو "شعوب المنطقة"، ومثل طرح قضايا جانبية كحوار الأديان أو تشويه الرموز الوطنية والتي تعد جزءاً من الاختراق الإعلامي.

إن عملية كسر الحواجز مع الكيان الصهيوني وضرب الهوية القومية ضمن ما يسعى الإعلام غير المباشر إلى خلقه دون أن يدرك العرب تمهيداً لقطف الثمار ولتحقيق ذلك عمدت الآلة الصهيونية إلى إيجاد مؤسسات وتقنيات التبرير الإعلامي في الصراع العربي الصهيوني وهي بالطبع تعتني بها مؤسسات غربية حكومية تستخدم بدورها كافة الوسائل مثل، إذاعة لندن، إذاعة صوت أميركا. ونجد أننا نركن إلى الاستماع إلى إذاعة لندن لأنها أفضل من العربيات، وتدّعي الموضوعية وتقدم معلومات دقيقة نتابعها حتى توجه باللحظة المناسبة لنا السم في الدسم ويكون ثمنه باهظاً جداً..

وهناك مؤسسات غربية خاصة مثل CNN ومؤسسات صهيونية مباشرة ومؤسسات عربية حكومية ومؤسسات إعلامية متخصصة ومؤسسات عربية، وهناك أخيراً إنتاج إعلامي من دوائر مختصة مثل بيانات جهات رسمية، بيانات ودوائر أمنية وغيرها، جميعها خاضعة بشكل أو آخر للتأثير الصهيوني أو ما يسمى بالتطبيع.

فماذا تستعمل هذه الإذاعات والمؤسسات؟ وفق دراسات كثيرة لخصت عمل هذه المؤسسات نجد:

1 -  إنها تخلق أولاً جواً مقبولاً عند المتلقي… فالذين يعملون في مجال الإعلام يعرفون أن هناك: المرسل والمتلقي ووسيلة الإرسال ومادة الإرسال… وأول شيء تتبعه هذه المؤسسات للإيقاع بالمتلقي هو إقناعه بقبول المادة المرسلة إليه.

2 - أنهم يدّعون الموضوعية: يُحضرون الخبر من مكان الحدث مع ادعاء التخصص، مثلاً الـ CNN متخصصة في الأخبار إلى آخر ذلك.

3 -  الإقناع بمعرفة المجتمع ودراسته ويلجأون إلى الدراسات التي تقوم بها منظمات التمويل الأجنبي.. عن طريق بعض المأجورين وغيرها وهذه الدراسة في ظاهرها بريئة مع أنها في الحقيقة مساهمة واضحة للتجسس لصالح الخطة الإعلامية الأجنبية.

4 - محاولة تبرير كل شيء حيث يكون لكل شيء غطاء وتبريراً جاهزاً للمتلقي.

أما أسس العمل الإعلامي التي تقوم عليه هذه الجهات فهي وفق نفس الدراسات:

أ - دراسة المجتمع الذي سيحاولون اختراقه اجتماعياً واقتصادياً وعاداته ومفاهيمه.

ب - دراسة مشاكل المجتمع بكل أنواعها.

ووسائل الهجوم يمكن تلخيصها في ما توصل إليه الباحثون:

ـ الحرب النفسية والإشاعة.

ـ تعظيم قدرات العدو.

ـ تعظيم قوة أصدقاء العدو، حيث لابد من إرهابنا وتخويفنا.

ـ تهويل الخسائر وتخفيف قيمة الانتصارات.

ـ تشويه قيمة الرموز الوطنية والقومية.

ـ الخوض في التفاصيل غير المهمة من أجل تفريغ الخبر المهم.

ـ تشتيت الاهتمام عن طريق طرح قضايا جانبية مثل حوار الأديان ومشاكل المرأة.

ـ تحويل التفاصيل إلى قضايا مهمة للابتعاد عن قضايا مهمة أخرى مثل تفاصيل المفاوضات "يقولون مثلاً توصلنا إلى نتائج مهمة"، كانت "مباحثات مفيدة"، "كانت مباحثات ناجحة" ولكن ما الذي يحدث في الداخل؟ لا أحد يعرف ولا يريدون لأحد أن يعرف.

ـ ترويج الفن غير الهادف كالغناء السخيف والمسلسلات غير الهادفة، وإشاعة وتسويغ الانحلال الاجتماعي وهو ما يحتل اليوم 98% من التلفزيونات العربية.

ـ الهجوم الشرس على المفاهيم والقيم.

ـ الأخبار الكاذبة وتشويه الحقائق وتشويه الأخبار وتفريغها من محتواها.

ـ الترويج للحكام الإقليميين "السلطة من الله"، "السياسة ورجالها" وإصدار القوانين القمعية وتشويه مفاهيم حقوق الإنسان وتعظيم الحكام وحماية الفساد في السلطات المحلية.

أما وسائل التأثير المستخدمة فهي:

ـ التكرار.

ـ النخر المستمر.

ـ الإرهاق الجسدي باستمرار العرض والتشويق والإغراءات الجسدية.

المصطلحات وتثبيت جزء منها في استخدامنا حتى تؤثر فينا ومنها:

ـ الإرهاب حيث النضال يسمى إرهاباً.

ـ السلام العادل والشامل اللذان ليس لهما وجود.

ـ الرفض "كل من يتعلم كلمة هذا رفض" و"هذا عمل للرفض فقط".

ـ إسرائيل، الشرق الأوسط، حدود 67، عرب إسرائيل، دول الجوار، شعوب المنطقة، الأرض مقابل السلام، جيش الدفاع الإسرائيلي، الحمائم والصقور، بلد الأديان الثلاث، أبناء العم، أبناء إبراهيم، سقوط العداء...

هذه كلها مصطلحات يحاولون التأثير بها على الشعب العربي وعلى أدمغته بجعلها أمراً واقعاً وهي أخطر أساليب الإعلام الصهيونية.

نرى بعد ذلك أن هناك أهدافاً تسمى بما قبل النهائية تعمل على تشبيه الأمر الراهن على أنه حالة سلم مستمرة، ثم تعمد للتجهيل والتحييد لإضعاف المخزون المعرفي، لتصل في نهاية الأمر إلى الهدف النهائي وهو هيمنة الإمبريالية والاستسلام وقبول الكيان الصهيوني كجزء من المنطقة والتطبيع معه.

نصل في النهاية إلى أن الإعلام الصهيوني يلعب دوراً موازياً للدور العسكري الذي يضطلع به الكيان إن لم يكن أكثر فاعلية، وأشد خطورة، ويجري تسويق حجج رئيسة خاصة على الصعيد العربي، لمبررات قيام الكيان الصهيوني، فدينياً يجري التركيز على الوعد الإلهي أي على الأرض الموعودة، وتاريخياً يجري التركيز على التواجد اليهودي القديم في البلاد أي بعث "إسرائيل"، وقانونياً تتمحور هذه الدعاية حول تصريح بلفور وصك الانتداب وقرار التقسيم، وإنسانياً تتمحور حول الملجأ الآمن لليهود ووضع حد لشتاتهم، وإنشائياً يجري التركيز على الحضارة المتفوقة للكيان ومكاسب العرب من الاستعمار اليهودي، وتقريرياً يجري تسويق سياسة الأمر الواقع والإشادة بحالاتٍ من الرضا العربي، أو لنقل التسليم العربي بالأمر الواقع تحت يافطة العقلانية. تعتبر هذه الحجج الست هي المناهل الرئيسة للإعلام الصهيوني.

وفي مقابل تلك الاستراتيجية الإعلامية الصهيونية نجد أننا كعرب لا نملك ولو جزءاً يسيراً من استراتيجية مقابلة قادرة على مواجهة التغلغل الصهيوني في كل مفاصلنا بدءاً من السياسة مروراً بالاقتصاد، فالحياة الاجتماعية ثم التاريخ إلى آخر قائمة لا تنتهي، وهكذا ترانا نتشبث بتصريح كالذي أدلى به تيرنر أو حديث مقتضب لسياسي أو اعتراف أدبي أو خطابي بحقوقنا دون النظر أو التوقع بالحصول على أكثر من ذلك، إنه عالم فقد ميزاته كحضارة كان يمكن بها أن يغزو كل العقول لكنه وجد نفسه أسيراً لآلة غسل الدماغ الصهيونية والممثلة بالإعلام.

المصدر : المركز الفلسطيني للإعلام
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك