الدخيل من اللغات القديمة على القرآن من خلال كتابات بعض المستشرقين
الدخيل من اللغات القديمة على القرآن من خلال كتابات بعض المستشرقين
عرض ونقد
إعداد الدكـتور
مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله الكرام، وعلى صحبه الغر الميامين، وعلى من تبعهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الله أنزل القرآن عربيًا، لا يخالف في ذلك إلا جاهلٌ أو مجادل بالباطل، وكلُّ من زعم في دعواه أن في القرآن خطأً من جهة لغة العرب التي نزل بها، فإن دعواه تحمل خطأها بنفسها، وتُبين عن خطل رأي صاحبها، وما الأمر إلا كما حُكي عن ابن الراوندي( ) الذي يُزَنُّ بالإلحاد لما سأل ابن الأعرابي (ت:231)( )، فقال: ((أتقول العرب: لباس التقوى؟ فقال ابن الأعرابي: لا باس لا باس، وإذا أنجى الله الناس، فلا نَجَّى ذلك الراس. هَبْكَ يابن الراوندي تُنكر أن يكون محمدٌ نبيًّا، أفتنكر أن يكون فصيحاً عربيا؟))( ).
لذا فمن زعم وجود معانٍ غير عربية، أو زعم وجود أخطاء نحوية، فإن قوله هذا مردود؛ لأنه يقيس على غير قياس، وينحو إلى التجهيل والتضليل، وإلا فما العِلْم الذي يقيس عليه وجود هذا الخطأ، أهو علمه الناقص؟
وها هم يسمعون مثل قوله تعالى: ﮋ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮊ ]يوسف: 2[. فما سُمِع أن أحد كفار قريش طعن في عربيته!
ولئن أرادوا التشكيك في مصدر التلقي، وهو أخطر من موضوع وجود كلمات غير عربية، فإن الله ردَّ عليهم، وبيَّن ما في قولهم من الخطأ ومجانبة تحكيم العقل، فقال: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﮊ ]النحل: 103[ وما فعلوا ذلك ـ مع معرفتهم بباطله ـ إلا فعلة العاجز في حيلته، الذي يصدر منه في مثل هذه المواقف ما يعلم قبل سامعه أنه على غير صواب.
فلما انقضى عصرُهم، ولم يكن لهم أي اعتراض على القرآن دلَّ على صحة عربيته بلا ريب، وهذا من باب التَّنَزل مع الخصم، وإلا فثبوت عربيته لا تحتاج إلى مثل ذلك.
ولما كان الطعن في القرآن من جهة عربيته ليس بابًا يصلح أن يسلكه من يطعن في القرآن، كما أنه ليس مسلكًا يمكن أن يسلكه عاقل يقرأ القرآن الكريم، ويعرف تاريخه وأحواله؛ لما كان الأمر كذلك دخل داخلون من باب آخر، ألا وهو باب اللغات السابقة لعربية التنـزيل، وخرجوا بآراء مفادها أن القرآن ـ أو محمدًا صلى الله عليه وسلم بزعمهم ـ قد استفاد من هذه اللغات.
وسأسلِّط الضوء في هذا البحث على هذا الزعم، وسأجتهد في بيان الحق والصواب في هذه المسألة، وأسأل الله التوفيق والسداد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وقد رأيت بعض من تكلم في هذا الموضوع إما جاهلاً بتاريخ العرب، وإما عارفًا يغضي عن ذلك لمقاصد ومآرب يرتجيها في بحثه، أما المستشرقون التوراتيون ـ أقصد بهم الذين ينطلقون في دراساتهم من أسفار بني إسرائيل: ويجعلون ما ورد فيها حقًّا ـ فهم يجتهدون في إثبات ما ذكرته هذه الأسفار وعمدوا إلى تعديد التسميات لأقوام سابقين لعرب الرسالة، وحرصوا على إبعادهم عن العرب واللغة العربية( ).
وفي هذه المشاركة، سألقي الضوء على هذا الموضوع من خلال ما ألقاه بعض المستشرقين في أطروحاتهم حول هذه القضية، مثل:
1 ـ المستشرق الألماني (برجشتراسر) الذي تحدث في محاضراته التي ألقاها في الجامعة المصرية عام 1929م عن قضايا تتعلق بنحو اللغات السامية (كما يزعم)، وخصَّ بابًا للمفردات، وقد جعله لمناقشة الدخيل في العربية من مجموع لغات (الفارسية، والحبشية، والآرامية، والأكَّادية، واليونانية واللاتينية)( ).
2 ـ والمستشرق (تيودور نولدكه)( ) في كتابه (تاريخ القرآن)، بتعديل (فريديرش شفالي)( ).
وقد زعموا في هذا الباب أن عددًا من ألفاظ القرآن ليست عربية أصيلة، بل هي دخيلة من إحدى هذه اللغات، وسأناقش هذا الزعم من جهتين:
الأولى: هل اللغة العربية سابقة أو مسبوقة؟
الثانية: تحليل لبعض الألفاظ المنسوبة للغات قديمة تحليلاً معجميًّا لبيان أصالتها العربية.
وسأجتهد في بيان الأفكار مدعمة بأقوال من سبقوني إلى توضيح شيء من الأفكار المرتبطة بهذا الموضوع، فأقول مستعينًا بالله:
إن المستشرقين لما دخلوا إلى دراسة منطقة العرب دراسة منظمة واجهوا صعوبات متعددة، لكنهم من وجهة نظرهم الخاصة قد تغلبوا عليها، ومن تلك الصعوبات التي واجهتهم تسمية شعوب منطقة جزيرة العرب ومنطقة الصراع الحضاري (العراق والشام)، فعمد أحدهم إلى تسمية افتراضية ارتضاها غالب المستشرقين، وبنوا عليها المعلومات والعلوم، وذلك ما سُمِّي اصطلاحًا (الساميَّة) نسبة إلى سام بن نوح، وهذه التسمية منطلقة من منطلق توراتي صِرْفٍ؛ إذ المستشرقون على مراتب تجاه البحث الاستشراقي:
الأولى: المستشرق الذي يبحث عن المعلومة بدون تعصُّبٍ، وذلك قد يصيب، وقد يخطئ بحسب توافر المعلومات ونقصها.
الثانية: المستشرق التوراتي المتعصب الذي يصدر عن الكتاب المقدس عندهم، ويرى أن ما في أسفار بني إسرائيل (العهد القديم) حق وصواب، وأن ما سواه باطل، فيعمد إلى دراسة علوم المشرق الإسلامي من هذا المنطلق، فتجد عنده الحَيْف والجور، وإغماض العين عن الحقيقة الواضحة إلى تلبيسات وتزييفات يبصرها الباحث الحق، وطالب العلم الجادِّ.
الثالثة: المستشرق النصراني المتعصب لنصرانيته، وهذا يزيد على الأول برجوعه إلى الأسفار الجديدة المتعلقة بالنصارى مع الأسفار القديمة المتعلقة باليهود.
ويجمعه مع أهل المرتبة الثانية التعصب والحقد على كل ما هو عربي، فضلاً عن كونه إسلاميًّا، وهم سائرون في ذلك على منهج أسلافهم من أهل الكتاب.
ولا يمكن التمييز بينهم إلا بقراءة تراثهم، والنظر إلى قرائن الأحوال في أمورهم، فكم من متخفٍ تحت اسم البحث.
ولقد لاحظت أثناء قراءتي لكتب بعض المستشرقين روح الازدراء للعربية، وكثرة زعمهم من أنها أخذت من غيرها، مع ما يرونه من اكتمالها الذي أغمضوا عنه أعينهم، وراحوا يقيسونها بلغات بادت، فلا يكاد يُعرف منها إلا النـزر القليل، ولا يمكن أن تُفسر إلا بالاستعانة بعربية التنـزيل، وإن كانوا أثناء بحثهم لا ينصُّون على هذا، بل تراه يخفونه حتى لا يكاد يظهر، فضلاً عن أن يُسلِّم به، لذا لا يمكنهم أن يأتوا بلفظة لها دلالة لا تعرف في لغة عربية التنـزيل.
وإذا تأملت المصادر التي يعتمد عليها المستشرقون في دراسة منطقتنا وجدتها لا تخرج عن أسفار بني إسرائيل، ولا عن بعض الكتب النادرة التي وُجِدت من كتابات الإغريق أو اليونانيين أو غيرهم، وتراهم يفسرون ما يجدونه من اللُّقى والأحافير والرسومات الكتابية بما يعرفونه من ثقافة أسفارهم فحسب، غير آبهين بتراث العرب التاريخي واللغوي، وإن ذكروهما فإنما يذكرونهما على سبيل الطعن، أو على سبيل بيان أخذ العرب من حضارات غيرهم من الأمم، وهم يقيسون العرب وتاريخهم بما كانوا عليه إبان نزول الرسالة، إذ لم يكن لهم حضارة قائمة، ويتغافلون عن أجدادهم الذين أنشَؤوا الحضارات القديمة، مع علمهم بها.
وقد استطاعوا إبعادنا عن ما كان من الأجداد الأوائل من العرب باختراع المصطلحات، واعتماد المسميات المنبثقة من أسفارهم، وصرنا أسارى لهذه المسميات والمصطلحات، فالشعوب بزعمهم ترجع إلى أبناء نوح الثلاثة فحسب، سام، وحام، ويافث، وشعوب منطقة الشام والعراق والجزيرة العربية ساميون، نسبة إلى سام بن نوح....إلخ، لذا اصطلحوا على تسميتهم بهذا الاسم.
وكان أول من اخترع هذا الاسم افتراضًا المستشرق الألماني (شلوتزر)، يقول: ((... من المتوسط إلى الفرات، ومن بلاد النهرين إلى شبه جزيرة العرب تسود كما هو معروف لغة واحدة، وعليه فالسوريون والبابليون والعبريون والعرب كانوا أمة واحدة، والفينيقيون والحاميون أيضًا تكلموا بهذه اللغة التي أودُّ أن أدعوها ساميَّة))( ).
وليس هذا موطن نقد هذا الكلام، ومن الأمور التي يمكن الإشارة إليها سريعًا:
1 ـ أن تمايز أبناء سام عن غيرهم مما لا يدلُّ عليه دليل لا عقلي ولا نقلي البتة.
2 ـ أن الكنعانيين (الفينيقيين) ـ بزعمه ـ ليسوا من الساميين، وذلك خطأ أوضحه بعض الباحثين، لكن السؤال الذي يرد: لماذا أُقصِيَ الكنعانيون (الفينيقيون) من الشجرة السامية؟!
ولم يسلم هذا المصطلح من النقد والتقويم( )، سواءً عند بعض المستشرقين المنصفين، أو عند بعض الباحثين العرب الذين لم يكن لدوائر الاستشراق عليهم أي سلطان، لكن ما زال هذا المصطلح يسيطر على كثير من الدراسات على أنه حقيقة مطلقة، وهو ـ في الحقيقة ـ مجرد افتراض، ثم انقلب بقدرة قادر إلى أن يكون أصلاً يُعتمد عليه، وتبنى عليه أمور علمية، وما ظنُّك بمعلومات ستبنى على مجرد افتراض؟!
ولو استبدلت بالسامية مصطلح (العربية) أو (العروبية) كما ذهب إليه بعض الباحثين( )، ليميز بين (اللغة العربية) التي استقرت بسبب نزول القرآن واللغات العربية القديمة التي هي أصل للغة التي نزل بها القرآن لكان أوضح وأسلم وأكثر ملاءمة لتاريخ المنطقة، وباستخدامه نبتعد عن كثير من المشكلات التي أحدثها هذا المصطلح الذي ليس له قرار.
وهذه الشعوب التي يدعونها بالأكَّادية والبابلية والآشورية والآرامية وغيرها من شعوب المنطقة، إنما هي شعوب عربية انطلقت من جزيرة العرب، وهي شعوب ذات حضارة تحمل خصائص العرب ولغتهم العربية الخالدة، وذلك مما يؤكده باحثون كثيرون من الغرب والشرق( ).
لقد أثبت هؤلاء الباحثون والمؤرخون أن جزيرة العرب كانت مصدرًا ثريًّا لحضارات العراق ومصر والشام؛ إذ خرجت منها خمس هجرات كبرى، وكان لها أثر ظاهرٌ في النمو الحضاري لبلاد الرافدين والشام ومصر، وتلك هي منطقة صراع الحضارات منذ القدم( ).
وأولئك الأقوام المهاجرون من جزيرة العرب كانوا يحكمون تلك المناطق بلغتهم وثقافتهم وحضارتهم، كما هو الشأن في الغالب مع المغلوب.
إن قِدمَ العرب في أعماق التاريخ لا يكاد يجادل عليه مجادل، لكن طمرته رياح التغريب والاستشراق التوراتي الذي لا يريد ذكر أي فضيلة لهم، حتى كاد يطغى عند الدارسين أن بداية العرب إنما هي العصر الجاهلي فحسب، غفلة منهم عن الجذور الأولى، ولكثرة ما يُصبُّ في أذهانهم من أسماء أقوام لا يعرفون صلتهم بالعرب؛ كالكلدانيين، والآشوريين، والبابليين، والعموريين، والآراميين، والكنعانيين، بل والعبريين، وغيرهم من الشعوب والقبائل التي حكمت في منطقة العراق والشام.
ومن المعروف أن تقدير فترات وجود هذه الشعوب والقبائل في مناطقها إنما هو بالظن والتخمين، ولا يمكن التسليم لتاريخ منها التسليم اليقيني المطلق، لكن كونها قديمة جدًّا، وكونها سابقة لعهد الخليل عليه السلام ـ مثلاً ـ لا يمكن أن يجُادل فيه، وستأتي الإشارة إلى ذلك إن شاء الله.
وإذا كان العرب هم السابقين، وهم أصحاب الحضارات القديمة في هذه المنطقة، فكيف تُنسب ألفاظهم إلى غيرهم، ثم يُزعم أنهم تلقفوها منهم؟ وذلك موضوع يحتاج إلى تجلية، وهو البحث في أصل اللغات، وعلاقته بالعربية في أزمانها المتلاحقة.
أصل اللغات، وعلاقة العربية به:
لا شك أن أصل اللغات موضوع يدخل في باب الظنِّ، لكن لا مانع من وجود أشياء يُستأنس بها قد تقرِّب إلى الحقيقة شيئًا قليلاً، فأقول:
إنَّ البحث عن أصل اللغات طويل، لكن أجتزئ منه بعض النتائج التي توصلت إليها من خلال القراءة في هذا الموضوع؛ لتكون على نقاط متعددة توضيحًا للمقصود:
أولاً: فيما يتعلق بنقل الأسماء بين اللغات:
إن مما يُعلم أن الأسماء تُنقل كما هي، وإن حصل فيها تغيير، فإنما هو تحوير بسبب اللغة الناقلة، وليس بسبب اللغة المنقول عنها، فإذا كان هذا الأصل ثابتًا، فلننظر إلى بعض الآثار وبعض الأسماء التي نُقلت من أسماء كانت زمان أبينا آدم عليه السلام.
فمن الآثار:
1 ـ ما رُوي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس، فقال: الحمد لله، فحمد الله بإذن الله، فقال له ربه: يرحمك ربك. يا آدم، اذهب إلى أولئك الملائكة ـ إلى ملأ منهم جلوس ـ فسلِّم عليهم، فقال: السلام عليكم، فقالوا: وعليكم السلام ورحمة الله، ثم رجع إلى ربه فقال: هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم))( ).
وهذه التحية بقية من بقايا آدم عليه السلام في ذريته، فمن كان منهم منـزلاً عليه كتاب فإنك تجد هذه تحيته، وهي التحية التي يحيي بها المسلمون بعضهم بعضًا.
واليهود يحيون بهذه التحية إلى اليوم، مع اختلاف عندهم في النطق، إذ يقلبون السين شينًا، فتراهم يقولون في تحيتهم ((شالوم))؛ أي: سلام.
وقد ورد في دائرة المعارف الكتابية ما نصه: ((سليمان: هو الملك الثالث لإسرائيل، واسم سليمان مشتق من ((شالوم)) العبرية، ومعناها ((سلام أو مسالم))...))( ).
وقد نبَّهوا في مادة ((سلام، سلامة)) على أنَّ كلمة ((شالوم)) تعني: سلام، وهي تُستخدم في التحية المألوفة بين الأصدقاء، والسؤال عن صحتهم، كما تستخدم عند الوداع( ).
فالتحية عندنا أكمل كما هي عند أبينا آدم، بخلاف التحية عندهم.
وإذا كان آدم نطق بهذه التحية على هذه الصورة التي حكاها الرسول صلى الله عليه وسلم، فما ظنك بلغته، ماذا ستكون؟
2 ـ اسم أبينا آدم عليه السلام اسم عربي مشتق من (الأدمة)، وهي السمرة؛ لأنه خُلق من أديم الأرض، فاختلط أصفرها بأحمرها بأبيضها حتى كان منه لون آدم عليه السلام.
وقد ذهب إلى هذا بعض مفسري السلف، وعلق الطبري على تفسيرهم، فقال: ((فعلى التأويل الذي تأول آدم من تأوله بمعنى أنه خلق من أديم الأرض يجب أن يكون أصل آدم فعلاً سمي به أبو البشر، كما سمي أحمد بالفعل من الإحماد وأسعد من الإسعاد فلذلك لم يجرَّ، ويكون تأويله حينئذ: آدمَ الملكُ الأرضَ، يعني به بلغ أدمتها، وأدمتها: وجهها الظاهر لرأي العين، كما أن جلدة كل ذي جلدة له أدمة، ومن ذلك سمي الإدام إداماً؛ لأنه صار كالجلدة العليا مما هي منه، ثم نقل من الفعل فجعل اسما للشخص بعينه))( ).
3 ـ مالك خازن النار، وقد ورد اسمه في القرآن، ﮋ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﮊ ]الزخرف: 77[، وهو اسم ظاهرٌ في العربية، واسمه لم يتغيَّر منذ خلقه الله وسمَّاه.
4 ـ رضوان خازن الجنة، وهو من أصل عربي واضح، وهو: (رضي).
وأما أسماء الملائكة المختومة بلفظ (إيل) فلها تحليل يطول، لكني أختار منها أشهرها، وأذكر تحليله، فأقول:
اسم أشرف الملائكة (جبريل)، وله عدة طرائق في نطقه (جِبْريل، جَبْرائيل، جَبْرَئِل)، وهو يتكون من مقطعين: (جبر)، (إيل)، وهذان المقطعان عربيان، أما الأول، فلا إشكال فيه، وهو من مادة (جبر)، وهي تؤول إلى معنى القوة والشدة( )، وذلك ما أشارت إليه الآيات الدالة على وصفه كقوله تعالى: ﮋ ﭦ ﭧ ﭨ * ﭪ ﭫ ﭬ ﮊ]النجم:5، 6[، وقوله تعالى: ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ * ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮊ]التكوير: 19، 20[.
وأما المقطع الثاني (إيل) أو (إلّ)، فهو عربي أيضًا، لكنه مما قلَّ استعماله عند عرب الحجاز، وإن كان باقيًا عند غيرهم لم يندثر، لذا نسبوا إلى هذين اللفظين، قال ابن دريد: ((قال ابن الكلبي: كل اسم في العرب آخره إل أو إيل، فهو مضاف إلى الله عز وجل نحو: شرحبيل، وعبد ياليل، وشراحيل، وشِهْمِيل، وما أشبه هذا... وقد كانت العرب ربما تجيء بالإلِّ في معنى اسم الله جلَّ وعزَّ، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ـ لما تُلِيَ عليه سجعُ مسيلمة ـ: إن هذا شيء ما خرج من إلٍّ ولا برٍّ، فأين ذهب بكم؟!))( ).
وقد ورد عن بعض السلف تفسير قوله تعالى: ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮊ [التوبة: 10] أن الإل: الله، ورد ذلك عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وأبي مجلز، وعكرمة( ).
والمقصود أن (جبريل) سيكون معناه معنى عربياً واضحاً، فإن أخذ من مادة (جبر) أو كان من لوازم هذه المادة وكان بمعنى مادة قوي، فكلاهما عربي، والنسب إلى أسماء الله في التسمية مما هو ظاهر في العربية كعبد الله، وعبد الرحمن، بل قد يكون مثل جاد الحق، وحبيب الله، وأمثالهما، إذ المقصود التنبه هنا على أن هذه الإضافة إذا كانت كما ذكرت، فليست بغريبة من جهة العربية.
ثانيًا: من أسعد هذه اللغات باللغة الأم؟
إذا تأملنا لغة عربية التنـزيل، واللغات الأخرى بكل تجرد، وبصدق في البحث عن الحقيقة، فإننا سنجد في لغة عربية التنـزيل اللغة الكاملة من كل الجهات من حفظها وتدوينها وسعتها في مفرداتها واشتقاق معانيه وغير ذلك مما لا ينكره إلا مجادل، وهذه اللغة ليس لها مثيل في جميع اللغات التي يُزعم أن العربية قد أخذت منها، لا الفارسية ولا العبرية ولا غيرهما.
وإذا عدنا إلى تصوُّر أول الأمر، فإننا سنجد أول البشر أبانا آدم عليه السلام، ولا شك أنه كان يتحدث لغة واحدة علمه الله إياها وألهمه الكلام بها؛ إذ ذلك أول الأمر بلا ريب، ويشهد لذلك الحديث السابق (لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس فقال: الحمد لله، فحمد الله بإذن الله، فقال له ربه: يرحمك ربك. يا آدم، اذهب إلى أولئك الملائكة ـ إلى ملأ منهم جلوس ـ فسلِّم عليهم، فقال: السلام عليكم فقالوا: وعليكم السلام ورحمة الله، ثم رجع إلى ربه فقال: هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم)( ).
وهذا الحديث يدل على إلهام أبينا آدم اللغة الأولى التي تكلم بها، وهي اللغة التي يتكلم بها الملائكة، فقد ردوا عليه بنفس ما قال لهم، وهي لغة لا تكاد تخطئ العربية، وقد سبقت الإشارة إلى بقاء هذه التحية إلى يومنا هذا.
ولما نزل أبونا آدم عليه السلام إلى الأرض نزل بهذه اللغة، وتوارثها بنوه من بعده، واستمرت هذه اللغة في أجيالٍ من أبنائه حتى وصلت إلى العرب سليمة نقية، لم يشبها ما شاب غيرها من اللغات التي كانت منبثقة عنها، والله أعلم.
وكان مما يظهر في مميزات هذه اللغة الأم ظاهرة الاشتقاق بشقيه: الأكبر والأصغر، واستمرت هذه الظاهرة في لغاتٍ بادت وانتهت؛ كالآرامية والبابلية وغيرها، وبقية ظاهرة الاشتقاق في لغة عربية التنـزيل في أنصع صورة من صور النماء والزيادة المتدفقة من أصول الألفاظ.
إن نظرة سريعة إلى المعجم العربي تدلُّ على هذه الظاهرة بلا ريب، فانظر هذه الأحرف الثلاثية (ق ب ر) كم يتولد منها في الاشتقاق الأكبر: (قبر، قرب، ربق، رقب، برق، بقر)؟
ثم انظر كم يتولد من الاشتقاق الأصغر في كل كلمة من هذه الكلمات الستِّ؟
ومما سيتولد في الاشتقاق الأصغر من مادة (قبر): قَبَرَ، يَقْبُرُ قَبْرًا، مُقْبِرٌ، قابر، أقبر، إقبارًا، يُقبر.... إلخ من التصريفات الاشتقاقية.
وقل هذا في غير هذه اللفظة، وانظرْ كَمْ من الألفاظ التي ستكون بين يديك؟ إنها لغة الاشتقاق، تلك اللغة الحية المتنامية التي لم تنقطع منذ أن نطق بها آدم عليه السلام.
وكثير من الألفاظ التي ادُّعي أن عربية التنـزيل أخذتها من لغات سابقة لها، لا تعدو أن تكون فيهما معًا؛ لأنهما من أصل واحد، لكن إحدى اللهجتين اندثرت وبقيت الأخرى تشق طريقها في مسار التاريخ حتى نزل القرآن بها، وحافظ عليها كما كانت تنطق في ذلك العصر، حتى إنك لو استمعت لخطبة قُس بن ساعدة وخطبة أحد الخطباء المعاصرين لما كان الأمر عليك مشكلاً لا في المنطق ولا في فهم معاني الكلام، وذلك ما لا تجده في لغة أخرى من اللغات المعاصرة.
وإذا نظرت إلى بعض أسماء الأنبياء الذين جاءوا بعد آدم عليه السلام، أو ما تعلق بهم، فإنك ستجد العربية تنضح منها، وأذكر على سبيل المثال الأسماء الآتية:
1 ـ يقول الله تعالى في ذكر أصنام قوم نوح: ﮋ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﮊ ]نوح: 23 [.
تأمَّل أسماء هذه الأصنام، ألا تظهر لك عربيتها واضحة بينة؟
أفي عروبة هذه الأسماء شكُّ؟ أكان قوم نوح سيسمون أصنامهم ـ التي هي أسماء رجال صالحين كانوا قبلهم ـ بغير لغتهم؟
ألا يدلك هذا على أنَّ قوم نوح كانوا يتكلمون العربية؟
لكن هذه العربية التي تكلموا بها لا يلزم أن تتفق مع اللغة المعيارية التي بين يديك اليوم، إذ قد تختلف في طريقة تصريف الكلمة وغيرها، لكن أصل الكلمات واحد لا يتغير.
وقد أخبر ابن عباس أن نوحًا كان بعد آدم بعشرة قرون، قال: ((كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين))( ).
ونوح كان قبل إبراهيم بقرون، فالعربية متقدمة جدًّا في الزمن، ولم تظهر بعدُ ما تُسمى باللغة العبرية التي يعتمدها التوراتيون وبعض المستشرقين.
2 ـ قال تعالى: ﮋ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ* ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﮊ]الأعراف: 73،74[، وقوم ثمود لا خلاف في عروبتهم، واسم نبيهم واضح العروبة، وهو من مادة (صلح)، وكذا اسم القبيلة من مادة (ثمد) والثمد: الماء القليل( ).
3 ـ مدين قوم شعيب:
ولا خلاف في عروبتهم، ولا زال اسم مدين في شمال جزيرة العرب شاهدًا إلى اليوم، مما يدل على عروبته، واسم (شعيب) واضح العروبة، وهو من مادة شعب( )؛ خلافًا لما ورد في كتاب (تاريخ القرآن): ((يدعى قوم شعيب (الذي لم يتضح بعد شأن اسمه بما فيه الكفاية)، وقد سبق أن أطلق على هذه الجماعة الاسم العربي الأصيل (الأيكة) هنا باسم مدين، وهو اسم وصل إلى محمد صلى الله عليه وسلم بالتأكيد عن طريق اليهود...))( ).
وهذه الشعوب وأنبياؤها كانوا في جزيرة العرب ـ على خلاف في موطن نوح وقومه ـ وما ذكرته لك ـ مع قِلَّتِه ـ شاهد على اتصال لغة العرب المعيارية بهذه اللغات التي كانت قبلها، وأنها ما زالت تحتفظ بالاشتقاق من هذه اللغات القديمة، وأنت على خُبر بما كان بين نوح وآدم من الزمن، وهو عشرة قرون، فانظر إلى أي زمن ارتقت لغة العرب من جهة الزمان.
وإذا كانت هذه اللغة التي تكلم بها عرب الجزيرة ترقى إلى هذا الزمان، فما علاقة هؤلاء الأقوام المذكورين بهم؟
إن المؤرخين ـ كما سبق ـ يثبتون خمس هجرات عربية كبرى خرجت من جزيرة العرب، آخرها هجرة الصحابة رضي الله عنهم لدعوة الناس، وهذه الأقوام المهاجرة ستكون لغتها العربية؛ بدلالة ما ذكرت لك من إشارات في لغة هؤلاء الأنبياء القدماء، الذين سبقوا بعض هذه الهجرات الكبرى.
ولقد كانت الهجرة إلى أرض العراق والشام ومصر ـ وهي مناطق الصراع الحضاري ـ منذ القِدم. ولما استقرت هذه الأقوام في هذه المناطق تكونت لها لهجاتها الخاصة كما هو الحاصل اليوم بين العرب، ولم تمنعهم هذه اللهجات من أن تكون بينهم لغة مشتركة يتفاهمون بها، ويفهم بعضهم لهجة غيره كما هو الحاصل اليوم، والله أعلم.
ولقد استمر الوضع في هذه المنطقة بعد هؤلاء الأنبياء، فأبو الأنبياء إبراهيم عاش في هذه المنطقة في وقت كانت فيه قبائل عربية تحكمها، وإن كانوا يسمونها بالآشورية، فإنها عربية الأصل، ولاشك أن لغتها كانت عربية، ومما يستأنس به في هذا المقام أن زوج إبراهيم عليه السلام الثانية من مصر كان اسمها (هاجر)، وهو اسم عربي، صريح في العربية، وكذا اسم زوجه الأولى (سارة)، وكذا اسم ابنيه كما سيأتي في تحليلهما.
وإذا نزلت إلى زمن موسى وجدت اسم امرأة فرعون آسية بنت مزاحم، وهذا اسم عربي صريح، بل في كتب المؤرخين العرب أن اسم فرعون: الوليد بن الريان، أو مصعب بن الوليد، وهذه أسماء عربية صريحة.
وإذا وصلت إلى اسم سليمان لم تُخطئك عربيته، وأنه مأخوذ من مادة (سلم)، ولعلك تذكر قوله تعالى: ﮋ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮊ [النمل: 30]، وهذه التسمية بعينها هي من بقايا النبوات التي ظهرت في ديننا، وبقيت إلى يومنا هذا؛ مما يدلك على عمق العربية في هذه الأزمان.
وإذا وصلت إلى عيسى عليه السلام وجدت المؤرخين متفقين على أن لغته كانت آرامية، وإنما هي ـ في حقيقتها ـ لهجة من لهجات العرب القديمة، ولعلك لا تخطئ اسم ابن خالته (يحيى) الذي لم يسمَّ أحد قبله بهذا الاسم، وهو صريح عريق في العربية( ).
إن مما قد يخفى على بعضنا تلك السمة البارزة (الاشتقاق)، التي جعلها الله للغة الأولى التي أنتجت هذه اللهجات المتعددة عبر القرون المتوالية حتى وصل الأمر إلى لغة عرب الجزيرة، فنـزل القرآن على بعض لهجاتهم، فصارت تنتشر، وتنحصر غيرها من اللهجات، ثم آل الأمر إلى جعلها اللغة المعيارية التي يقيسون غيرها بها، وظهر الفصيح والأفصح، والقليل، والشاذ، وغيرها من المعلومات التي تدل على وَجْد المقايسة بين لهجتين، والمتوقع أن الحال لو استمر لاستمرت لغة الاشتقاق في تطورها في محيطه، وهي كذلك اليوم، لكنا نقيس ما خرج من لهجات بهذه اللغة المعيارية التي ثبتت عندها لغة العرب بسبب نزول القرآن بها.
ألا يوجد دخيل في لغة العرب كما يحكيه هؤلاء المستشرقون؟
إن وجود الدخيل في أي لغة أمر لا ينكر، ومنها لغة العرب، لكن كيف نميز الدخيل من غيره؟
إذا كانت لغة العرب الاشتقاقية قديمة قِدَم التاريخ، فإن وجود لفظة تكلم بها أوائلهم، ثم بقيت في عربية التنـزيل لا يعني أنهم اقترضوا هذه اللفظة من غيرهم، فهؤلاء الذين يصنفون على أنهم شعوب سامية قديمة، ويجعلون العرب صنفًا منهم، ما هم إلا عرب قديمون، يتكلمون العربية الاشتقاقية، ولا يعدو الأمر أن يكون الخلاف خلاف لهجات فحسب، وبهذا لا يكون هناك انتقال من لغة إلى لغة أخرى، بل قصارى الأمر أن يكون انتقالٌ من لهجة في لغة إلى لهجة أخرى في اللغة نفسها، وامتداد التاريخ لم يؤثر في أصول هذه الألفاظ التي ينطقون بها، وإن كانت تنشأ ألفاظ هنا وهناك لا تستعمل إلا في مناطق معينة، ومع مرور الزمن وتقلبات الصوتيات في هذه المناطق تبتعد قليلاً عن الأصل الاشتقاقي، فيُتصوَّر عجمتها، وكونها دخيلة والأمر ليس كذلك.
وهؤلاء الأقوام أحدثوا تغييرًا لمنطقة الصراع الحضاري (العراق والشام ومصر) على مر الأزمان التي يكون فيها غزو وحروب بينهم، فتنشأ من جراء هذه الحروب تداخلات بين هذه الأقوام التي بعدت لغتهم عن لغة الاشتقاق مع أهل اللغة الأم الذين خرجوا من جزيرة العرب، فتنشأ لغة خليطة بين اللغتين، ويحصل دخول ما ليس من أصل اشتقاقي إلى هذه اللغة الاشتقاقية، أما جزيرة العرب فبقيت بعيدة عن هذا التأثير الكبير، وإن كان وَصَلَها بعض مسميات قليلة جدًّا بالنظر إلى سعة ألفاظ هذه اللغة الشريفة، وهذا مما يحسن أن يتنبه له.
ويمكن ترتيب الألفاظ في المنطقة العربية على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: ألفاظ لم تتغير منذ أن نُطِق بها؛ كلفظ الجلالة (الله)( )، واسم أبينا آدم.
المرتبة الثانية: ألفاظ حصل لها تغيرات صوتية أخرجتها عن الأصل الاشتقاقي، مثل إبراهيم، وإسحاق، وإسماعيل، وداود( )، وهذه تدخل في الألفاظ الأعجمية باتفاق عند علماء العربية، وهي كذلك بالنسبة لطريقة لفظها لا بالنظر إلى أصلها.
المرتبة الثالثة: ألفاظ ظهرت عند الأقوام الذين هاجروا بعيدًا، وتغيرت لغتهم مع الزمن، فبعُدت عن لغة الاشتقاق، وباينتها في مدلولات الألفاظ، وفي الصوتيات، وفي عدد الحروف، وهذه إذا دخلت على العربية فإنها تكون أعجمية( )، ويقع فيها كلام العلماء في باب العلم الأعجمي والمعرَّب، ولا شك أنه قد دخل العربية منها ما دخل بلا خلاف في ذلك، لكن يلاحظ فيما قيل إنه أعجمي معرَّب في القرآن أمران:
الأول: أن كل ما دخل العربية من اللغات الأخرى لا يخرج عن كونه أسماء لأعلام أو ذوات، ولم يدخلها من أساليب تلك الأقوام شيء، وهذا هو الأمر الطبيعي في تداخل اللغات فيما بينها حيث تنتقل الأسماء؛ إما بنصِّها، وإما بتحوير فيها، وقد تُجهل مدلولاتها في لغتها الأم.
الثاني: أنه ليس كل ما قيل فيه إنه أعجمي يكون كذلك، بل قد وقع فيه خلاف بين العلماء على مذهبين مشهورين:
المذهب الأول: من قال بوقوع المعرب، ودخول هذه الأسماء الأعجمية.
المذهب الثاني: من نفى وقوع المعرَّب، ولم ير دخول الأسماء الأعجمية في القرآن.
وهناك فريق يرى توافق اللغات، وأن هذه الكلمة المحكية في لغة ما محكية في لغة العرب، ككلمة (التنور)، وهؤلاء يدخلون فيمن يرى أن القرآن ليس فيه أعجمي( ).
تحليل بعض الألفاظ التي حكم العلماء بعجمتها وتأصيل عروبتها:
قد يبدو لقارئ هذه البحث أنه ينفي وجود العلم الأعجمي في القرآن، مع ثبوته بإجماع علماء العربية، والأمر ليس كذلك البتة، بل إن الحكم بعجمته مبنيٌّ على قياس نطقه بلغة التنـزيل التي صارت هي اللغة المعيارية التي يقاس عليها لمعرفة الأعجمي والدخيل والمعرَّب من الألفاظ، وما دام الأمر كذلك، فحكمهم بعجمتها صحيح من هذه الجهة، لكن الحكم الذي أريد أن أصلك به هو أصل هذه الأعلام التي زُعِم أنها أعجمية، هل هي أعجمية جملة وتفصيلاً، أو أن أصولها عربية، لكن حصل لها عجمة على مرِّ الزمن؟
وفيما يلي بيان الأصول العامة التي يحسن التنبه لها حال الموازنة بين لغة العرب المعيارية وتلك اللهجات العربية القديمة، ويمكن اختصارها بالأمور الآتية:
1 ـ معرفة مخارج الحروف.
2 ـ معرفة صفات الحروف.
وفي هذين الموضوعين يمكن معرفة ما يقع من التبادل بين الحروف، ومعرفة سبب انقلاب الحرف إلى ذلك الحرف دون غيره.
3 ـ معرفة ما يقع من قصر حروف المد أو إشباع الحركات الثلاث:
فالفتحة قد تُشبع وينشأ عنها ألف، والألف قد تُقصر وتكون فتحة.
والضمة قد تُشبع وينشأ عنها واو، والواو قد تُقصر وتكون ضمة.
والكسرة قد تُشبَع وينشأ عنها ياء، والياء قد تقصر وينشأ عنها كسرة.
وهذا مما يجعل قراءة بعض النصوص القديمة صعبة جدًّا، فليس كل واحد يعرف ما يحصل من تحوير أو تبادل في بعض الحروف، ولا ما يقع من إشباعِ حركاتٍ أو قصرٍ في حروف المدِّ، وتلك من الأصول التي تلزم من يريد الموازنة بين اللغة المعيارية واللهجات العربية القديمة.
ولأضرب لك أمثلة من القرآن وقع فيها تعجيم مع أن أصلها عربي.
الاسم الأول: اسم نبي الله إسماعيل عليه السلام.
إسماعيل، أصله (يسمع إيل)، فهو من مادة (سمع)، وإيل لفظ يُطلق على الله، فهو كقولك: يسمع الله، وهذا التركيب لا زال يستعمل إلى وقتنا الحاضر، فأنت تسمع أسماء مثل (جاد الله، جاد الحق) وغيرهما من الأفعال التي تضاف إليه، ومثلها إضافة بعض الأسماء إليه كـ: (حبيب الرحمن، ولي الله)، وذلك أمر غير غريب.
وهذا الاسم قد أُخِذَ من الحَدَثِ الذي وقع لأم إسماعيل، حيث ورد في (سفر التكوين: 16): ((وأضاف ملاك الرب: هو ذا أنت حامل، وستلدين ابنا تدعينه إسماعيل؛ لأن الرب قد سمع صوت شقائك))، وقد ورد في كتاب (التفسير التطبيقي للكتاب المقدس / ص: 44) عبارة (ومعناه: الله يسمع) بين قوسين؛ تفسيرًا لاسم إسماعيل، وهذا تأصيل لعروبة هذا الاسم من حيث لا يشعرون( ).
الاسم الثاني: اسم نبي الله إسحاق عليه السلام.
اسم (إسحاق) هو بمعنى (يضحك)، أو قد يكون أحد مشتقاته (كالضاحك، وإن كان على المبالغة فهو الضَّحَّاك) لكن ما علاقة اسمه بمدلول الضحك؟
1 ـ أصل الاسم (يضحك) على زِنة الفعل، وأنت تعلم أن زنة الفعل مستعملة في أسماء عربية في اللغة المعيارية، مثل (يزيد).
2 ـ السين منقلبة عن الصاد المنقلبة عن الضاد (يسحق ـ يصحق ـ يضحق).
فالضاد في (يضحك) انقلبت إلى صاد، فصارت (يصحك)، ثم انقلبت الصاد إلى سين، فصارت (يسحك).
3 ـ القاف منقلبة عن الكاف (يضحق ـ يضحك)، وإذا جمعت معها الرحلة المتحولة للضاد حتى صارت سينًا، لوجدتها (يسحق).
4 ـ الألف بعد الحاء في (يسحاق) زائدة، فقد أُشبعت فتحة الحاء فتولَّدت هذه الألف.
5 ـ قلبت الياء إلى همزة (إسحاق).
ولو أنِست بقوله تعالى: ﮋ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﮊ]هود:71[ وعدّدته في هذه التسمية لما بعُد عنك الوصول إلى هذا المعنى، وإذا أضفت إلى ذلك ما تنبَّه له أصحاب (قاموس الكتاب المقدس)، قالوا: ((إسحاق، ومعناه بالعبرية (يضحك)، وهو ابن إبراهيم وسارة...))( ). وكذا أضاف هذا المعنى أصحاب (التفسير التطبيقي للكتاب المقدس ص: 46) عند الحديث عن البشارة (تكوين: 17). وفي قولهم هذا إشارة إلى عربية هذا الاسم من حيث لا يعلمون( ).
الاسم الثاني: يعقوب.
إن صيغة (يَفْعول) مستخدمة في عربية التنـزيل، ويأتي منها (يعفور، ويعسوب)، ومع ذلك، فإنك لو حذفت الزوائد من هذا الاسم، لصار من مادة (عقب)، وهو كذلك، ويدل على ذلك المعنى ما ورد في القرآن في قوله تعالى: ﮋﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﮊ [هود: 71]؛ كأنه بمعنى العاقب الذي يعقب أباه، فالأم سارة قد بُشِّرت بإسحاق، وبمن يعقب إسحاق من أبنائه، وهو يعقوب.
أما في أسفار بني إسرائيل فلم يقع خلافهم في كونه من مادة (عقب)، وإنما خالفوا في الحدث الذي سبب التسمية، فجعلوه توءماً لأخيه (عيسو)، وخرج بعد (عيسو) ممسكاً بعقبه، فمعنى العاقب فيه واضحة كذلك.
وإذا استقرَّ أن لغة هذه الأقوام هي العربية باشتقاقاتها اللفظية ـ كما ذكرتُ ـ فإن ما يُحكى من كونه لفظًا أعجميًّا، أو كونه بلغة أحد هذه الأقوام، فإنه لا يخلو من أمرين:
الأول: أن يكون بقي بدلالته وطريقة نطقه عنده هؤلاء كما هو في لغة عربية التنـزيل.
الثاني: أن يكون بقي بدلالته وحصل له تحوير لفظيٌّ، فيحتاج ـ لإعادته إلى لغة عربية التنـزيل ـ إلى بيان ما حصل له من ذلك التحوير، فيكون عربي الأصل معجَّم النطق.
تحليل لبعض الألفاظ التي نسبها بعض المستشرقين إلى لغات قديمة:
إذا وضح هذا، عرفت أن ما يقع فيه بعض المستشرقين من نسبة بعض كلمات القرآن إلى لغة أخرى يزعمون أنها هي الأصل، غير صحيح، وسأذكر أمثلة لذلك:
أولاً: ما قاله المستشرق اليهودي ((شاخت( ))) كاتب مادة (زكاة) في دائرة المعارف الإسلامية المترجمة، فقد زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل كلمة زكاة بمعنًى أوسع من استعمالها اللغوي بكثير، آخذًا من استعمالها عند اليهود (في اليهودية الآرامية) زاكوت.
قال: ((وكان النبي - عليه السلام - وهو ما يزال في مكة يستعمل كلمة ((زكاة)) ومشتقات مختلفة من مادة ((زكا)) بمعنى ((طهر)) ترتبط بالزكاة، بحسب الإحساس اللغوي عند العرب، وهذه المشتقات نفسها لا يكاد يكون لها في القرآن سوى ذلك المعنى الذي ليس عربيًا أصيلاً. بل هو مأخوذ عن اليهودية، وهو التقوى))( ).
فإذا كان (شاخت) قد استعمل الأقدمية في معرفة الناقل من المنقول منه، فلا ريب أن العربية أقدم من اليهودية الآرامية التي يزعم أن (الزكاة) أُخِذت منها.
والآرامية التي يدعيها لليهود إنما هي لهجة من اللهجات العربية القديمة التي انحلَّت وتفككت بعد زمن طويل من بقائها، كما هو الحال في كثير من لهجات العرب المعاصرة لتنَزُّل القرآن، والموازنة لا تكون إلا على أصل، وليس ثمة لغة حفظت أصولها وتكاملت رسومها مثل لغة التنـزيل.
ثم إن هذا الزعم يرده كثرة استعمال لفظ الزكاة ومشتقاته في القرآن المكي، علاوة على المدني الذي كان فيه احتكاك مباشر باليهود، فلو لم يكن عربيًا لما كثرت تصريفاته في القرآن، وهذا من أكبر الأدلة التي يُردُّ بها على من زعم عدم عروبة لفظ من الألفاظ.
ثم من أين جاء (شاخت) بهذا الزعم، وما الدليل على صحته، ومتى عُرف أن النبي كان يتلقى لغة غير لغة قومه، والله سبحانه قد نبه لردّ مثل هذه الدعوى في قوله تعالى: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﮊ ]النحل: 103[، فإن كان أخذها من اليهودية كما يزعم شاخت، فلم لم يبقها كما ينطقونها بتحويرها العربي؟
ثانيًا: ما ذكره المستشرق الألماني (برجشتراسر) في الباب الرابع من كتابه (التطور النحوي للغة العربية):
فقد ذكر مجموعة من المفردات، وزعم أن العربية قد أخذتها من لغات قديمة، ومن هذه الكلمات ما نسبه إلى الفارسية، ومنها ما نسبه إلى الحبشية، ومنه ما نسبه إلى الآرامية، وقد زعم أن الكلمات الآرامية المعربة كثيرة لا تكاد تُحصى، وتختلف منابعها، فمنها يهودي ينبغي أن تكون قد أُخذت من لهجة من اللهجات اليهودية الآرامية، ومنها ألفاظ نصرانية...
وهذا الزعم الذي ذكره لا دليل عليه سوى اتفاق تلك اللهجات التي ذكرها مع عربية التنـزيل، فجعلها هي التي أخذت، دون ذكر احتمالات أخرى يمكن أن تكون أقوى مما ذكر، مثل أن تكون أصول هذه اللغات واحدة كما يزعم هو في كتابه أنها كلها سامية الأصل، فلم لا تكون هذه اللغات قد اتفقت اتفاقًا ساميًّا، وليس لأحدها فضل على الأخرى.
وليس فيما ذهب إليه أي مقياس علمي يُعتمد عليه سوى كون هذه الكلمات واردة في تلك اللغات، فإن كان يذهب إلى السبق التاريخي لأصحاب هذه اللغات، فتلك قضية لا يوافق عليها، إذ من ينسب إليه هذه اللغات هم عرب، كما ثبت في البحوث العلمية.
بل لقد حاول أن يخفي اتحاد هذه اللغات تحت مسمى الساميَّة، فقال: ((... فأمَّا أصل هذه الكلمات الكثيرة الخاصة بالعربية، فقد مال بعض العلماء إلى أنها أو أكثرها سامية أصيلة أيضًا، وسقطت من كل اللغات السامية غير العربية، وهذا بعيد عن الاحتمال في الغاية، ولا يجوز افتراضه إلا على فرض كون اللغة العربية أقرب إلى اللغة السامية الأم من أخواتها، وحتى كونها هي اللغة الأصلية بعينها، وقد بينا في مواضع كثيرة أن هذا من الأوهام التي لا سبب لها، فإن اللغة العربية ترقت ترقيًا أكثر من أخواتها، وارتفعت إلى درجة فوق درجتها، فكيف يمكن أن تكون مع ذلك أقرب إلى أوائل اللغة منها؟))( ).
ولم لا تكون هذه الكلمات مما توافقت فيه هذه اللغات السامية؟! فإنه يقرُّ بوجود لغةٍ أمٍّ، وهي ما يُسمَّى بالسامية كما قال في موضوع (بين العربية والساميات)، قال: ((والآن نوجه نظرنا إلى مسألة أخرى، وهي العلاقة بين نطق الحرف العربي القديم، ونطق الحروف في اللغة السامية الأم، أي الأصلية، التي نفترض أن كل اللغات السامية نشأ منها))( ).
وظاهر من كلامه أنه ينظر إلى المسألة نظرة تاريخية، فهو يعالج كلمات عربية التنـزيل، التي هي بزعمه متأخرة عن الآرامية اليهودية والنصرانية، وهذا زعم باطل، إذ العربية كما سبق أسبقُ من اليهود والنصارى والآراميين الذين هم جزء من العرب، ولا تعدو أن تكون لغتهم لهجة عربية قديمة.
وهذا النظر التاريخي فيه تدليس ظاهر، إذ لو كان يقر بقِدَم العربية لجعل هذه اللغات هي التي أخذت منها لا العكس.
بعض الألفاظ القرآنية التي ذكر المستشرق (برجشتراسر) أنها آرامية:
الرمان، الزيت، الخمر، المرجان، الباب، الزجاج، السكين، الخاتم، السلطان، الأمة، العالم، المدينة، السوق، القسط، السبيل، الساعة، كتب، كتاب، قرأ، التفسير، رحمن، قيوم، سكينة، فرقان، صلى، صام، تاب، زكا، زكاة، كفر، عبد، رجز... إلخ.
ومن أمثلة تحليله للفظ قوله: ((وسكينة، وهي (skinta) أصلها مصدر، أي السكون والنُّـزول في محل، فخصت عند اليهود بسكون الحضرة الإلهية، وتنَزُّلها في العالم وفي نفس الإنسان.
والفرقان، وهي (purkana) مشتقة من (prak) أي: أنقذ وحرَّر، و(purkana) عند النصارى: التخليص والفداء من الذنوب وجزائها، فالطوائف الموسومة بـ gnostiques (لأنهم يعتقدون أن وسيلة التخليص هي العلم الإلهي المنـزَّل) أطلقوا: (purkana) على الوحي))( ).
وبقراءة هذين المثالين ـ وكذا غيرهما من الأمثلة التي زعم أن العربية أخذتها من غيرها ـ يثور عدد من الأسئلة:
الأول: هل يمكنه أن يثبت الأسبقية للآرامية، التي يزعم أنها غير العربية؟
الثاني: هل مجرد التوافق أو التقارب في نطق الكلمة عنده يلزم منه أخذ هذه اللغة عن غيرها؟ فإن فعل هذا من أجل ذلك، فكم يمكن للمرء أن يثبت اليوم أخذ اللغات بعضها من بعض، دون مستند علمي واضح، سوى هذه القرينة.
الثالث: لم لا يكونان نَقَلا من أصل قديم عليهما، فاتفقا في النقل؟
الرابع: أي اللغتين أكثر استخدامًا للكلمة المزعوم نقلها، ولأصلها اللفظي المأخوذة منه؟
إن هذه النقطة بالذات تدل على أن كثيرًا مما يُزعم أنه ليس بعربي أنه عربي صريح صحيح، فالاشتقاق وكثرة الاستعمال أصلان معتمدان في ثبوت اللفظة من جهة لغة العرب، ولو كانت مما استعارته العربية من غيرها، فإنه لا يحصل لها اشتقاق، ولا يكثر فيها الاستعمال ويتعدد من جهة الاشتقاق، وأضرب لذلك بمثاليه اللذَين ذكرهما.
إذا رجعنا إلى المعجم العربي وجدنا الآتي:
1 ـ لفظة ((سكينة)) من أصل لغوي واحد يدل على خلاف الاضطراب والحركة (سكن)( ).
ويتفرع عن هذا الأصل اشتقاقات كثيرة: سكن يسكن سكونًا، فهو ساكن، ومسكون، وهو مسكين، وهذا سكن وإسكان، وهم سكان... إلخ.
إن هذا الاشتقاق يدل على أصالة اللفظة عربيًا.
2 ـ لفظة ((فرقان)) من أصل لغوي واحد يدل على تميز بين شيئين أو أكثر( )، ويتفرع من هذا الأصل اشتقاقات كثيرة، منها:
فرق يفرق فرقًا وفرقانًا، فهو فارق ومفارق وفاروق، وفرَّق يفرِّق تفريقًا، فهو مفرِّق ومفرَّق، وتفرق يتفرق تفرقًا، فهو متفرق ـ وانفرق، والفرقة، والفِرْق، والفِرَق، والفريق، والمَفْرَق، وافترق افتراقاً فهو مفترِق ومفترَق... إلخ.
فهل في اللغة التي زعم النقل عنها مثل هذا الاتساع في الاشتقاق؟
ولو أخذت أي لفظة غير عربية، سواء أكانت من اللغات القديمة أم من اللغات المعاصرة، وأدخلتها في العربية فإنك لا تجد فيها مثل هذا التصرف الاشتقاقي الذي تلقاه لأغلب كلمات اللغة العربية.
وهذا الأسلوب في التحليل قرينة قوية في بيان الكلمات عربية الأصول، من الكلمات الدخيلة.
ثالثًا: بعض الألفاظ القرآنية التي ذكر المستشرق نولدكه في كتابه (تاريخ القرآن):
تعرض نولدكه في كتابه (تاريخ القرآن) ـ وكذا تلميذه شفالي الذي قام بتعديلات لكتاب أستاذه ـ لمجموعة من الكلمات العربية، وزعما أنها مأخوذة من لغات قديمة، وسأذكر بعض نصوصهم في هذا:
1 ـ في تحية الإسلام، قال: ((بيَّن جولدتسيهر أنّ تحية الإسلام كانت معروفة قبل الإسلام بزمن طويل، لكن هذه التحية لا يمكن أن تكون سامية قديمة، وما نجده في القرآن من كلمات أجنبية يعود في جزء منه إلى استعارات قديمة، ولعل محمدًا لم يضف إليه إلا القليل الجديد))( ).
وقد سبق التنبيه على هذه التحية، وما عندنا ـ نحن المسلمين ـ من آثارٍ فيها، ولا يخفى مأخذها من مادة (سلم)، وهي مادة لغوية عربية واضحة لا تحتاج إلى بيان، ولم يقدم أي دليل على نفي أن تكون هذه التحية سامية قديمة، على فرض قبول مصطلح السامية.
2 ـ في كلمة النبي، يقول: ((... أود أن أذكر أن كل اللغات السامية الأخرى تشتق كلمة (نبي) من الكلمة العبرية)).
ولك أن تعجب من هذا التعميم في قوله: (كل اللغات السامية) مع أن من المعروف أن بعضها سابقٌ للعبرية، فكيف يأخذ السابق عمن لم يوجد بعد؟!
3 ـ في كلمتي دين وملة، قال: ((فيما أن الكلمتين العامتين (دين) فارسية، و(ملة) آرامية، هما من أصل أجنبي يتصف الوصف الخاص (إسلام)... بأنه عربي أصيل، وقد وضعه محمد صلى الله عليه وسلم نفسه لدينه، إلى جانب الاستعمال المطلق (15 مرة) للفعل (أسلم) توجد عبارة (وجه الله) (4مرات) أو مع (لرب العالمين) (4 مرات)، أما ما خطر لـ د. س. مارغليوت بأن اسم مسلم إنما كان يعني أصلاً أتباع النبي مسيلمة... فقد دحضه ليلا شارلز. وربما كانت (أسلم) مأخوذة عن الآرامية...))( ).
4 ـ في كلمة ((قرأ))، قال: ((قرأ تعني في القرآن (أدَّى)، (تلا)... و(أملى)... وبما أن كلمةً حضاريةً مثل (قرأ) لا يمكن أن تكون سامية قديمة، يجوز لنا أن الافتراض أنها انتقلت إلى بلاد العرب من الشمال على الأرجح، حيث يبدو أن معنى الكلمة الأصيل (نادى) ما زال حيًّا في اللغتين العبرية والآرامية.
اللغة العربية لا تعرف الكلمة بهذا المعنى، وبالرغم من أن هذا المعنى ما زال محفوظًا في العبارة المعروفة (قرأ على فلان السلام)، و (قرأ فلانًا السلام)، فإن الارتباط الوثيق القائم هنا بين (قرأ) وكلمة التحية... (شالوم) بالآرامية (بالعبرية...) يشجع على الظن أن العبارة كلها مأخوذ من هناك حتى لو كان وجودها لم يثبت في اللغة الآرامية القديمة حتى الآن، وإذا كانت كلمة (اقرأ) في سورة العلق 96: 1 تعني فعلاً: (عِظ!) فالحكم نفسه ينطبق عليها أيضًا. وحيث إن اللغة السريانية تعرف إلى جانب الفعل... (قرأ) أيضًا الاسم (قِرْيانا)، وذلك بالمعنى المضاعف... فإن الاحتمال يُقوِّي بأن يكون المصطلح (قرآن) لم يتطور داخل اللغة العربية من المصدر المشابه في المعنى، بل أن تكون الكلمة مأخوذة عن تلك الكلمة السريانية، ومطبقة في الوقت نفسه على وزن فُعلان))( ).
ولا يخفى ما في هذا النص من المغالطات، كما يظهر الحرص على نسبة ألفاظ واضحة العربية إلى لغات قديمة، وكأن لغة القرآن تفتقر إلى المفردات، وتذهب تطلبها من هذه اللغات بزعمهم!
ودلالة مادة (قرأ) على التلاوة ظاهرة في لغة العرب لا تحتاج إلى بيان، كما أن نفي أن تكون مادة (قرأ) سامية من دون برهان ولا دليل غير مقبولٍ في البحث العلمي، فكيف بالافتراض المبني على الشكِّ والظنِّ في قوله: ((يجوز لنا أن الافتراض أنها انتقلت إلى بلاد العرب من الشمال على الأرجح))، وفي قوله: ((يشجع على الظن أن العبارة كلها مأخوذ من هناك حتى لو كان وجودها لم يثبت في اللغة الآرامية القديمة حتى الآن))، فهل هذا هو البحث العلمي المنصف والجاد، إذ إنه يلوي عنق المعلومة ليًّا، حتى لو كانت غير موجودة في اللغات القديمة، فإن الكلمة العربية مأخوذة منها، وهذا في منتهى العجب.
وهناك كلمات كثيرة في كتاب (تاريخ القرآن) زعموا نسبتها إلى لغات قديمة، مثل: أمِّي (حاشية ص3)، أساطير (حاشية ص 14)، فرقان (حاشية ص: 32)، النسخ (ص: 48)، منافق (حاشية ص 80)، الرحمن (حاشية ص: 100)، مثاني (ص: 102 ـ 103).... إلخ.
وهذه اللغات التي أطلقوا عليها (لغات سامية) هي في حقيقتها ذات أصل واحد، وهي تنبع من لغة اشتقاقية استخدمت عددًا من الأحرف، أكملها ثمانية وعشرون حرفًا، كما هو في لغة التنـزيل، وقد قصرت بعض اللغات في بعض الأحرف حتى لا تكاد تكون فيها؛ مثل: (ح، ض، ط، ظ، ع، خ)، فهذه الأحرف الموجودة في لغة الاشتقاق الأولى، وهي التي بقيت في لغة التنـزيل تنقلب عند الأعجمي إلى أحرف أخرى على حسب قضايا صوتية مرتبطة باللغة التي يتكلم بها الأعجمي؛ كصفات تلك الحروف ومخارجها.
وأغلب مواد هذه اللغة الاشتقاقية الأولى يتكون منها ثنائي أو ثلاثي هو أصل الكلام المنطوق به، فانظر، كم يتركب من الكلام في الثمانية والعشرين حرفًا من جهة الثنائية والثلاثية؟
ثم انظر، كم يتركب من تقليب الأحرف (الاشتقاق الأكبر) من الكلمات؟
إن هذه اللغة التي بقيت أصولها محفوظة في لغة عرب التنـزيل مرت بأطوار متعددة، حييت فيها كلمات، وماتت فيها كلمات، وبقيت بعض كلماتها في جزء من بلاد العرب، وماتت أو كادت تتلاشى في جزء آخر منها، وهذا هو شأن اللغة الحية التي تنمو وتتوالد في وسط هذه الأحرف الثمانية والعشرين، فيبقى منها ما يبقى، ويموت ما يموت، ويحيا ما يحيا، وشواهد هذا كثيرة، واستقراؤها يطول، لكن يكفي أن نعرف أن بعض علماء العربية أشار إلى هذه الفكرة، وأكتفي بمثال في هذه القضية تدل على أن الدلالة اللغوية تكاد تنقرض بعد كثرة استخدام.
في قوله تعالى: ﮋ ﮮﮊ ]البقرة: 61[ قال الفراء (ت: 207): ((فإن الفوم فيما ذكروا لغة قديمة، وهي الحنطة والخبز جميعًا قد ذُكرا.
قال بعضهم: سمعنا العرب من أهل هذه اللغة يقولون: فَوِّموا لنا بالتشديد لا غير؛ يريدون: اختبزوا...))( ).
وإذا كان هذا هو الشأن في اللغة الاشتقاقية الحية، فأيُّ لغات تلك المنطقة بقيت فيها صفة اللغة الأم؟
أقول ـ بلا شك ـ: إنها لغة عربية التنـزيل، وذلك ما يقول به الباحثون المنصفون من المستشرقين وغيرهم من غير المسلمين، ولست أقول ذلك تعاطفًا، بل هذا هو الواقع، فالذين يدرسون اللُّقى، والأحافير والرسومات القديمة لا يمكنهم أن يأتوا بما يقنع إن لم يكن لهم إلمامٌ بعربية التنـزيل، وإن كان بعضهم يخفي علاقة تلك اللُّقى بالعرب قصدًا وعمدًا، إلا أن هناك من كشف عن ذلك وأزاح الستار عن تلك الغشاوات والتعميات.
والمنصف في هذه الدراسات اللغوية لا يمكنه تجاهل لغة التنـزيل، بل لا يمكنه أن يتجاهل أنها أصل أصيل في معرفة تلك اللغات التي هي عبارة عن لهجات عربية قديمة مات منها ما مات، وبقي منها ما بقي.
ومن أدلِّ الأدلة على ذلك ما يأتي:
1 ـ أن الاشتقاق الذي هو أصل في هذه اللهجات العربية القديمة لا تزال تحتفظ به لغة عربية التنـزيل.
2 ـ سعة لغة عربية التنـزيل الاشتقاقية التي ساعدت على فكِّ كثير من ألفاظ اللهجات العربية القديمة التي وجدها الباحثون.
3 ـ كثرة استخدام اللفظ ومشتقاته في كلام العرب.
4 ـ كون لغة عربية التنـزيل مدونه ومحفوظة، وذلك مما لا جدال فيه، فهذه دواوين العرب في بيان لغتهم لا يقاربهم فيها أهل أي لغة.
5 ـ سعة الصوتيات وتنوعها في لهجات العرب، حيث ظهرت حروف شوائب معتمدة على المزج بين الحروف والحركات أو التبديل، كإشمام الصاد زايًا في لفظ (الصراط)، وغيرها من الصوتيات المتعددة.
والبحوث العلمية العادلة أثبتت أن لغة العرب هي اللغة التي يُعتمد عليها في فكِّ طلاسم هذه اللغات القديمة التي كان يتحدث بها أهل المنطقة العربية، وهذا بخلاف كثير من الدراسات الاستشراقية التي جعلت العبرية وثقافة الأسفار أصلا يعتمدونه في فك كتاباتهم عن الشعوب السامية( ).
مسألة تتعلق بحكم بعض السلف على بعض الألفاظ بنُزولها بلغات أخرى
قد يقول قائل: إن المستشرقين مسبوقون بمثل هذه الأحكام ممن هم عمدة عندنا من مفسري السلف، ومن أمثلة ذلك:
في قوله تعالى: ﮋ ﭖ ﭗ ﮊ ]الواقعة: 18[، قال الضحاك: ((الأكواب: جرار ليست لها عرى، وهي بالنبطية كوبا))( )، فكيف الحكم بعملهم؟
والجواب: إن هؤلاء السلف رحمهم الله لم ينفوا عن هذه الكلمات عربيتها، وإنما ذكروا أنها توافق لغة أخرى، وغالب اللغات التي ذكروها ثبت أنها عربية الجذور؛ كالنبطية والآرامية والحبشية وغيرها( ).
فالنبطية لغة من اللغات العربية الشمالية، وهي مرتبطة بالآرامية، وقد نبَّه أصحاب قاموس الكتاب المقدس لذلك، وسموها: الآرامية النبطية( ).
ولفظ (كوبا) الآرامي = الكوب، وهو لفظ عربي، وهذا يعني أن اللغة الآرامية والنبطية مرتبطة باللغة الاشتقاقية التي بقيت في لغة العرب التي نزل بها القرآن.
يقول الدكتور محمد بهجت قبيسي في كتابه (ملامح فقه اللهجات العربيات) ـ ضمن فقرة (أهم ملامح اللهجة العربية الآرامية): ((عَرَفت اللاحقة الألف كأداة تعريف؛ مثل (حرستا) بمعنى (الحارسة)، وقاديشا، بمعنى القادوس: التقديس))( ).
ولعلك إن استغربت وضع (أل) التعريف الذي جاء ألفًا لاحقة للاسم، فإنك لا تستغرب أن بعض العرب يجعل (أم) بدل (أل)، وفي هذه اللهجة جاء الحديث المشهور (ليس أم بر أم صيام في أم سفر)، وأصله في الصحيح بلفظ (ليس من البر الصيام في السفر)( )، وهذه اللهجة لا تزال يُتحدَّث بها في بعض قبائل جنوب الجزيرة العربية، فإذا كان هناك أكثر من صيغة لأل التعريف، فلا تستبعد أن تكون تلك من الصيغ التاريخية لهذه اللغة، لكنها ماتت، فلا تُستعمل، وبقيت آثارها شاهدة عليها.
وما ورد عن السلف فإن توجيه العلماء فيه معروف على اختلاف بينهم في ذلك، ومن أقربها إلى ما أطرحه ما ذهب إليه ابن جرير الطبري، قال: ((القول في البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم: قال أبو جعفر: إن سألنا سائل فقال: إنك ذكرت أنه غير جائز أن يخاطب الله تعالى ذكره أحدًا من خلقه إلا بما يفهمه، وأن يرسل إليه رسالة إلا باللسان الذي يفقهه، فما أنت قائل فيما حدثكم به محمد بن حميد الرازي قال: حدثنا حكام بن سلم قال: حدثنا عنبسة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن أبي موسى: ﮋ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﮊ ]الحديد: 28[ قال: الكفلان: ضعفان من الأجر بلسان الحبشة....)).
ثم ذكر جملة من الآثار، ثم قال: ((وفيما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول بذكرها الكتاب مما يدل على أن فيه من غير لسان العرب؟
قيل له: إن الذي قالوه من ذلك غير خارج من معنى ما قلنا من أجل أنهم لم يقولوا: هذه الأحرف وما أشبهها لم تكن للعرب كلاماً، ولا كان ذاك لها منطقًا قبل نزول القرآن، ولا كانت بها العرب عارفة قبل مجيء الفرقان، فيكون ذلك قولاً لقولنا خلافًا.
وإنما قال بعضهم: حرف كذا بلسان الحبشة معناه كذا، وحرف كذا بلسان العجم معناه كذا، ولم نستنكر أن يكون من الكلام ما يتفق فيه ألفاظ جميع أجناس الأمم المختلفة الألسن بمعنى واحد، فكيف بجنسين منها؟ كما قد وجدنا اتفاق كثير منه فيما قد علمناه من الألسن المختلفة، وذلك كالدرهم والدينار والدواة والقلم والقرطاس وغير ذلك مما يُتعِب إحصاؤه ويُمِلُّ تعداده؛ كرهنا إطالة الكتاب بذكره مما اتفقت فيه الفارسية والعربية باللفظ والمعنى، ولعل ذلك كذلك في سائر الألسن التي نجهل منطقها ولا نعرف كلامها.
فلو أن قائلاً قال ـ فيما ذكرنا من الأشياء التي عددنا وأخبرنا اتفاقه في اللفظ والمعنى بالفارسية والعربية وما أشبه ذلك مما سكتنا عن ذكره ـ: ذلك كله فارسي لا عربي.
أو ذلك كله عربي لا فارسي.
أو قال: بعضه عربي وبعضه فارسي.
أو قال: كان مخرج أصله من عند العرب فوقع إلى العجم فنطقوا به.
أو قال: كان مخرج أصله من عند الفرس فوقع إلى العرب فأعربته = كان مستجهلاً؛ لأن العرب ليست بأولى أن تكون كان مخرج أصل ذلك منها إلى العجم، ولا العجم أحق أن تكون كان مخرج أصل ذلك منها إلى العرب؛ إذ كان استعمال ذلك بلفظ واحد ومعنى واحد موجوداً في الجنسين.
وإذا كان ذلك موجوداً على ما وصفنا في الجنسين، فليس أحد الجنسين أولى بأن يكون أصل ذلك كان من عنده من الجنس الآخر.
والمدعي أن مخرج أصل ذلك إنما كان من أحد الجنسين إلى الآخر مدع أمرًا لا يوصل إلى حقيقة صحته إلا بخبر يوجب العلم ويزيل الشك ويقطع العذر صحته.
بل الصواب في ذلك عندنا: أن يسمى: عربيًا أعجميًا أو حبشيًا عربيًا إذ كانت الأمتان له مستعملتين في بيانها ومنطقها استعمال سائر منطقها وبيانها، فليس غير ذلك من كلام كل أمة منهما بأولى أن يكون إليها منسوباً منه.
فكذلك سبيل كل كلمة واسم اتفقت ألفاظ أجناس أمم فيها وفي معناها، ووجد ذلك مستعملا في كل جنس منها استعمال سائر منطقهم، فسبيل إضافته إلى كل جنس منها سبيل ما وصفنا من الدرهم والدينار والدواة والقلم التي اتفقت ألسن الفرس والعرب فيها بالألفاظ الواحدة والمعنى الواحد في أنه مستحق إضافته إلى كل جنس من تلك الأجناس اجتماع واقتران، وذلك هو معنى من روينا عنه القول في الأحرف التي مضت في صدر هذا الباب؛ من نسبة بعضهم بعض ذلك إلى لسان الحبشة، ونسبة بعضهم بعض ذلك إلى لسان الفرس، ونسبة بعضهم بعض ذلك إلى لسان الروم؛ لأنَّ مَنْ نسب شيئًا من ذلك إلى ما نسبه إليه لم ينف بنسبته إياه إلى ما نسبه إليه أن يكون عربياً، ولا من قال منهم: هو عربي نفى ذلك أن يكون مستحقاً النسبة إلى من هو من كلامه من سائر أجناس الأمم غيرها، وإنما يكون الإثبات دليلاً على النفي فيما لا يجوز اجتماعه من المعاني؛ كقول القائل: فلان قائم، فيكون بذلك من قوله دالاً على أنه غير قاعد، ونحو ذلك مما يمتنع اجتماعه لتنافيهما، فأما ما جاز اجتماعه فهو خارج من هذا المعنى، وذلك كقول القائل: فلان قائم مكلم فلانًا، فليس في تثبيت القيام له ما دل على نفي كلام آخر؛ لجواز اجتماع ذلك في حال واحد من شخص واحد، فقائل ذلك صادق إذا كان صاحبه على ما وصفه به...))( ).
وما ذهب إليه الطبري (ت: 310) من استدلال عقلي في نسبة هذه الكلمات صحيح، لكن جاء من العلم بعده ما يثبت عربية هذه الألفاظ؛ لأجل عربية الأقوام الذين نطقوا بها.
والمتأمل في حكم السلف يعلم أنهم لم يقولوا إن القرآن استعار هذه الكلمات من لغة أخرى كما يذهب إليه المستشرقون، وإنما قصارى الأمر ما ذهب إليه الطبري (ت: 310) من اتفاق اللغات، فبان بذلك الاختلاف بين المذهبين، والله أعلم.
وأخيرًا، فإن الموضوع أطول من أن يكتب فيه مثل هذا المقال، وإنما هو لأجل فتح الأذهان لهذا الموضوع الذي يحتاج إلى أكثر من طرح، وأختصر هنا بعض الأفكار في الموضوع، فأقول:
1 ـ إن لغة آدم عليه السلام لغة اشتقاق، وقد استمرت تشق طريقها في أبنائه، فاندثرت عند بعضهم، وبقيت عند آخرين، وكان عرب الجزيرة من أسعدهم حظًّا في ذلك.
2 ـ إن العرب ولغتهم سابقون لليهود وأسفارهم، فأنبياء الله العرب ـ كصالح وهود وشعيب عليهم السلام ـ قبل إبراهيم عليه السلام، وإبراهيم ـ بلا ريب ـ قبل أسفار موسى وما جاء بعدها.
3 ـ إن نسب كلمة إلى لغة، ثم الزعم بأن غيرها أخذها منها يحتاج إلى معرفة تاريخ اللغات، والدلالة اللغوية في كل لغة، وطريقة نطق الألفاظ، وذلك أمر فيه صعوبة بالغة.
4 ـ إن الموازنة بين هذه اللغات لا تكون إلا على أصل، وليس ثمة لغة حُفظت أصولها، وتكاملت رسومها مثل لغة التنـزيل.
5 ـ إن كثرة تصرفات الكلمة واستعمالاتها مما ينفي عنها العجمة أو الأخذ من لغة سابقة.
6 ـ ليس ثمة تراكيب أو أساليب كلامية غير عربية في لغة التنـزيل، بل الموجود ـ إن اتفق على عجمته ـ لا يعدو أن يكون في أسماء ذوات، وليس في المعاني.
7 ـ إن نسبة الدخيل قليلة جدًّا، حتى لو أُدخل فيه ما يزعمه المستشرقون؛ لأن لغة العرب من أوسع اللغات في الألفاظ والدلالات.
أهم المراجع
1 ـ تاريخ القرآن، للمستشرق نولدكه، تعديل شفالي، تعريب د. جورج تامر، ط1 بيروت 2004 مؤسسة كونراد ـ أدناور.
2 ـ تفسير الطبري، نشر مكتبة البابي الحلبي، ط3 / 1388ﻫ 1968م.
3 ـ التطور النحوي للغة العربية، للمستشرق برجشتراسر، ترجمة الدكتور رمضان عبد التواب، نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط3 / 1417ﻫ ـ 1997م.
4 ـ التفسير التطبيقي للكتاب المقدس، مجموعة من النصارى، دار الثقافة بالقاهرة، ط1.
5 ـ جمهرة اللغة، لابن دريد، تحقيق رمزي بعلبكي، نشر دار العلم للملايين، ط1 / 1978م.
6 ـ دائرة المعارف الكتابية، مجموعة من النصارى، نشر دار الثقافة بالقاهرة، ط1.
7 ـ العلم الأعجمي في القرآن مفسرًا بالقرآن، رؤوف أبو سعدة، دار الهلال، ط1.
8 ـ قاموس الكتاب المقدس، مجموعة من النصارى، دار الثقافة بالقاهرة، ط1.
9 ـ معاني القرآن، للفراء، تحقيق محمد علي النجار وأحمد يوسف نجاتي، نشر عالم الكتب ببيروت، ط3 / 1401ﻫ.
10 ـ معرب القرآن عربي أصيل، للدكتور جاسر أبو صفية، ط1، دار أجا.
11 ـ ملامح في فقه اللهجات العربيات من الأكادية والكنعانية وحتى السبئية والعدنانية، للدكتور محمد بهجت قبيسي، نشر دار شمأل، ط2 / 2000م.
12 ـ موسوعة المستشرقين، للدكتور عبدالرحمن بدوي نشر المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط4 / 2003م.