دراسة نقدية لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنكليزية للمستشرق ج. م. رودويل
دراسة نقدية لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنكليزية للمستشرق ج. م. رودويل
J.M. Rodwell
د. عبد الله الخطيب
المقدمة
تظهر لنا هذه الدراسة جانبا من جوانب الترجمات الاستشراقية لمعاني القرآن الكريم، وتعد ترجمة المستشرق ج. م. رودويل لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنكليزية التي قام بها عام (1861م) من أهم ترجمات المستشرقين للقرآن الكريم في القرن التاسع عشر. وقد انتشرت ترجمته آنذاك في البيئة النصرانية التي كان رودويل يمثلها أحسن تمثيل؛ حيث كان مستشرقا وقسيسا. تقع الترجمة في حوالي خمسمائة صفحة من القطع المتوسط.
ولما كانت هذه الترجمة متداولة كان لا بد من إيضاح قيمتها العلمية بالتفصيل، وهذا ما يقصد إليه الباحث. وكذلك سيقوم الباحث بإيضاح فكرة إعادة ترتيب المصحف الشريف حسب نزوله ودحض هذه الفكرة. ولهذا ينقسم هذا البحث إلى مقدمة وأربعة مطالب:
المطلب الأول: تعريف بالترجمة وبمنهج المؤلف فيها.
المطلب الثاني: مصدر القرآن الكريم عند المستشرق رودويل.
المطلب الثالث: ترتيب سور القرآن الكريم عند العلماء المسلمين وعند المستشرقين، وعند رودويل.
المطلب الرابع: أمثلة على بعض الأخطاء التي وقعت في نص ترجمة رودويل وفي تعليقاته.
الخاتمة والتوصيات.
وإنني أشكر مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف والقائمين الخيرين عليه وذلك لعقدهم ندوة القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية ولدعوتهم لي للمشاركة في أعماله، سائلا الله تعالى لهم جميعا التوفيق والسداد إنه سميع مجيب.
المطلب الأول
تعريف بالترجمة وبمنهج المؤلف فيها
أولا:اسم المترجم، وعنوان الترجمة، وتاريخ صدورها:
أ- اسم المترجم: جون ميدوز رودويل John Meadows Rodwell.
كان رودويل حائزا على شهادة الماجستير من كلية كيوس Caius College في جامعة كيمبردج. وعمل قسيسا لكنيسة St. Ethelberga في لندن ( ).
ب- عنوان الترجمة: The Koran القرآن. مع ملاحظة تقول:translated from the Arabic the suras arranged in chronological order with notes and index القرآن مترجما عن العربية مرتب السور حسب تاريخ النـزول، بالإضافة إلى الحواشي والفهرس المفصل.
ج- تاريخ الصدور: جاءت ترجمة رودويل بعد ترجمة جورج سيل George Sale التي صدرت عام 1764م بمائة عام تقريباً.( ) وظهرت هذه الترجمة أول مرة بتاريخ 1861م في لندن، وقد طبعت بعدها طبعة منقحة عام 1876م، ثم طبعت طبعات عدة وصلت إلى حوالي 18 طبعة منذ عام 1909م عندما تبنتها دار نشر Everyman،( ) بتحقيق القس مارجليوث G. Margoliouth الذي كتب لها مقدمة ( ). وفي عام 1994م حققها آلان جونز Alan Jones، وهو مدرس للدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد، وقد كتب آلان جونز للترجمة مقدمة، ولم يضع مقدمة رودويل ولا مارجليوث، وأعاد ترتيب السور كما كانت في الأصل العربي، واهتم بالحواشي وغيرها ( ).
والنسخة المعتمدة في هذه الدراسة هي النسخة التي حققها آلان جونز، وتاريخ الطبعة هو 1999م. وكذلك اعتمدت على نسخة أصلية للترجمة مأخوذة عن الانترنت، وهي النسخة التي فيها مقدمة رودويل الأصلية مع مقدمة مارجليوث.
ثانيا: محتويات الترجمة:
في النسخة المعتمدة في هذه الدراسة بلغ عدد الصفحات 509 صفحات، وتحتوي الترجمة على ما يأتي: مقدمة آلان جونز، وقائمة بالمختصرات المستخدمة في النص، وقائمة بكتب يقترح المحقق على القارئ قراءتها ليفهم القرآن، ثم يأتي النص المترجم، فالحواشي فالفهرس المفصل.
ثالثا: منهج المؤلف في الترجمة وأسلوبه فيها:
أ- يصرح رودويل في المقدمة أنه اعتمد في الترجمة على النسخة العربية للقرآن الكريم التي أخرجها جوستافوس فلوجل Gustavus Fluegel عام 1841م. وقد استعان بترجمات عديدة، منها ترجمة سيل، وترجمة الأب ماراسي. وكذلك استعان رودويل في موضوعات السيرة بأعمال كل من ويل وميور وسبرنجر. ولا شك أن رودويل بذل جهدا كبيرا في الترجمة، وكان أسلوبه في الترجمة أسلوب المترجمين في العصر الفكتوري عند ترجمتهم للأعمال الأدبية، وهذا اقتضى منه أن يستخدم الأساليب اللغوية القديمة المهجورة Archization ( )، وأن تكون ترجمته من الترجمات الحرفية Literal Translation، ويقول رودويل: ((كان لدي حرية أكبر أثناء ترجمة الآيات المبكرة القصيرة وذات الطابع الشعري، أما في ترجمة الآيات ذات القضايا التاريخية والنثرية فلم أمارس هذه الحرية، ولكنني حاولت الالتزام بعبارات متعددة كي أنقل معنى النص الأصلي))( ).
ب- أما أسماء الأعلام فقد ترجمها رودويل كما وردت في التوراة والإنجيل باللغة الإنجليزية، لأن القارئ الإنجليزي لن يعرف بسهولة أن المقصود بـ Isa هو Jesus، ولا أن المقصود بـ Nuh هو Noah، ولا أن المقصود بـ Firaun هو Pharaoh، وهكذا دواليك.
ج- أعطى للكلمات والعبارات التي تتكرر كثيرا ترجمات عديدة متنوعة وذلك بهدف ترجمة معانيها كاملة، فمثلا عبارة: أصحاب النار ترجمت بعدة طرق منها inmates، وعبارة أهل الكتاب ترجمت أحيانا بـ people of the Book( )، وأحيانا أخرى ترجمت بـ people of the Scripture( ). وكذلك فعل بكلمة التنـزيل والتي تعني أحيانا الإنزال من الأعلى، وأحيانا أخرى الوحي، وكلمة الذكر التي تعني تذكر الله عز وجل، أو ذكر اسم الله تعالى كعمل يدل على الإخلاص، وكلمة الساعة التي تدل على جزء من أجزاء الزمان، أو يوم الحساب والقيامة.
د-حاول قدر الإمكان أن يضمن في ترجمته الإيقاع الوزني الموجود في الأصل مع التضحية أحيانا بالترجمة الحرفية( )، ولنأخذ مثلا سورة الفاتحة حيث ترجم معانيها بقوله:
Praise be to God, Lord of the worlds
The copassionate , the merciful!
King in the day of reckoning!
Thee only do we worship, and to Thee do we cry for help.
Guide Thou us on the straight path,
The path of those to whom thou hast been gracious. -withwhom thou art not angry, and who go not astray ( ).
رابعا: ترتيب النص المترجم:
لا يوجد مع النص المترجم نص القرآن الكريم، ولم يرقم رودويل الآيات آية آية، إلا أنه رقمها ترقيما عاما، فيضع كل عشر آيات مع بعضها. وطريقته: أنه يذكر رقم السورة ثم اسمها المترجم ثم مكان النـزول ثم
عدد آياتها.
خامسا: الحواشي أو التعليقات والمصادر المعتمدة في الترجمة:
تدور موضوعات التعليقات والحواشي حول إيضاح معنى في النص، أو إحالات إلى آيات أخرى ذات علاقة بالآية، أو إحالات إلى التوراة والإنجيل، أو إحالات لكتب ومصادر اعتمد عليها المترجم في ترجمة النص. وقد أحال كثيرا إلى تفسير البيضاوي، وأحال إلى تفسير الزمخشري، وإلى كتاب المغازي للواقدي وتاريخ الطبري وسيرة ابن هشام وكتاب رحلة ابن بطوطة، وكتاب ألف ليلة وليلة لبورتون، وأحال لكتب الحديث مثل البخاري ومسلم والترمذي وغيرها.
المطلب الثاني
مصدر القرآن الكريم عند المستشرق رودويل
يقول رودويل في مقدمته للترجمة: إن الكلام عن محمد متلازم مع الكلام عن القرآن( )، ولهذا فأي طعن في القرآن هو طعن بالرسول نفسه، وأي طعن بالرسول هو طعن بالقرآن الكريم. ومن هنا فإن البحث عن مصدر القرآن الكريم في أبحاث المستشرقين عموما وفي ترجمة رودويل خصوصا ومقدمته ومقدمة مارجليوث على وجه الخصوص أخذ ثلاثة مناح وهي:
1- التشكيك في مضمون النص القرآني.
2- التشكيك في مصادر الرسول.
3- الكلامُ عن أمانة الرسول صلى الله عليه وسلم وصدقه في دعوى النبوة.
أولا: أما فيما يتعلق بتقويم مضمون النص القرآني، فإن مارجليوث يتفق مع رودويل في أن الكلام عن القرآن متلازمٌ معَ الكلام عن محمد صلى الله عليه وسلم، فهو بزعمهم الذي أَلَّفَ القرآن بعبقريته الفذة، وتقويم القرآن ومحمد يكون حسب المعيار الآتي كما يدعي مارجليوث:
((إن التقدير الصحيح لأي نظام يرتكز على التفكير الديني، ينبغي أن يعتمد على مقاييس ثلاثة:
1- ما يشتمل عليه هذا النظام من حقائق.
2- المستوى الخلقي الذي يطالب معتنقيه باتباعه.
3- المصدر الذي نشأ عنه.
وبالنسبة للأمر الأول، هناك اتجاه واضح متزايد بين الدارسين للتاريخ الديني أن محمداً يمكن أن يعد من الناحية الخلقية نبيا لبعض الحقائق.
وتبعا للمقياس الثاني، فإن القصورَ الواضح في تعاليم القرآن الخلقية كاف في الحكم إذا كان الأساس في المقارنة هو ما عندنا من تعاليم خلقية رفيعة، أما إذا ما قورن بين القرآن وبين ما كان عليه العرب أو أي نوع من أنواع الوثنية فإن الحكم يكون في صالح القرآن.
والطريقة التي اتبعها محمد في نشر القرآن تتطلب التمييزَ في الحكم عليها، فالأجزاء الأولى من الكتاب يبدو فيها الوحي النبوي بوضوح، ولكن محمدا- بعد ذلك – كثيرا ما كان يهبط إلى تلفيق مقصود وبلاغة ماكرة. إنه في الواقع كيّف حاسته الخلقية بالظروف التي أحاطت به وتبعا للدور الذي كان عليه أن يقوم به)).( )
الرد على النقطة الأولى:
إن القرآن الكريم اشتمل على الحقائق التشريعية الكلية الهامة للبشر وأتى خاتمة للتشريعات الإلهية، فهو كتاب فيه كتب قيمة، فكيف يقال بعد ذلك إن هناك قصوراً واضحاً في تعاليم القرآن الخلقية؟! وكفى بالواقع دليلا على أن شريعة الإسلام شملت كل نواحي الحياة، وأن الأخلاق والتعاليم التي هدى إليها القرآن هي أكمل ما يمكن أن يصل إليه الإنسان في تشريعاته وقوانينه، وهذا بالتأكيد معنى قوله تعالى: ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﮊ [المائدة: ٣].
ثم أين القصور في تعاليم الأخلاق الإسلامية إذا ما قورنت بتعاليم الإنجيل مثلا؟ فتعاليم القرآن الكريم جامعة لتعاليم تتعلق بالحاكم والمحكوم، والدولة والإنسان فردا ومجتمعا ومؤسسات، وتعاليم القرآن أشمل من تعاليم الإنجيل.
ثم ليبين لنا رودويل أين يكمن هذا القصور؟ أما إلقاء الكلام بدون دليل فمردود على صاحبه، وللأسف فإن دأب المستشرقين في كتاباتهم عن القرآن وعن الرسول صلى الله عليه وسلم هو هذا، وهو التأكيد بأن الوحي القرآني تسيطر عليه تصورات أخروية بحتة، فلا يؤكد على شيء من القيم الأخلاقية في السلوك والعمل الإنساني( )، وهذا ما أكدته مقدمة الترجمة الفرنسية للقرآن لدنيس ماسون عام 1976م.
ثم إن افتراض التلفيق والمكر في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ـ وقد شهد الأعداء بصدقه وأمانته ـ، وافتراض أنه ألف القرآن هو افتراض رده العقل والتاريخ، أما عقلا فكونه صادقا يمنع أنه كان يكذب على الناس فمن باب أولى أن يكون قد كذب على رب الناس.
لقد تحدى القرآن العرب أن يأتوا بمثله فعجزوا، وتحداهم أن يقلدوه بسورة مثله فعجزوا فثبت أن القرآن هو كلام إلهي لا بشري.
ثانيا: أما فيما يتعلق بالشق الثاني وهو: التشكيك في مصادر الرسول صلى الله عليه وسلم فإن مارجليوث ورودويل وغيرهما من المستشرقين ممن كتبوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم كميور وسبرنجر يستبعدون قضية الوحي الإلهي في القرآن الكريم وينكرونها، ويؤكدون أن القرآن الكريم والإسلام ليسا إلا خليطا من اليهودية والمسيحية، فهو يهودية مجردة عن التكفير (Atonement)، ومسيحية مجردة عن التثليث (the trinity)( )، فهناك قضايا أخذها محمد من الكتاب المقدس كما هي، وهناك قضايا أخرى أخذها ثم حرفها، ولهذا نجد في ترجمة رودويل الإكثار من مقارنات في الحواشي بين النص القرآني وبين نصوص التوراة والإنجيل بهدف إثبات القضية السابقة وهي أن القرآن أخذ عن الكتابين السابقين وحرف مضمونهما. وكذلك نجد في هذه الترجمة وفي ترجمات أخرى للقرآن الكريم قام بها مستشرقون استخدامهم لعبارات ومصطلحات محددة في التوراة والإنجيل، وذلك عند ترجمتهم لآيات العقيدة والشعائر والأحكام الإسلامية وذلك لتأكيد قضية أخذ القرآن من الكتاب المقدس( ).
أما مصادر الرسول في القرآن التي يذكرها كل من آلان جونز ومارجليوث ورودويل في مقدماتهم إضافة لما سبق فهي:
1- الأساطير والقصص السائدة في زمان النبي والمأخوذة عن مرتدين.
2- الشعر العربي.
3- التراث التلمودي اليهودي الذي حرف ليتناسب مع مقصود النبي.
4- التراث السطحي المسيحي عن الجزيرة العربية وسوريا.
5- الزاندافيستا التي ربما أخذ منها وصف الجنة والنار بواسطة سلمان الفارسي.
6- المذهب الغنوسطي( ) المسيحي: أخذ عنه نفي الصلب ليتوافق مع اليهود في ذلك بهدف استدراجهم للإسلام.
7- الصابئة الذين هم الحنفاء.
8- الإبيونايتس وغيرهم.
فمحمد انتقى من كل مذهب ما يراه الأفضل والأحسن، وهذه النظرة هي النظرة العامة لدى معظم المستشرقين. يقول ماكسيم ردونسون: ((لقد أصبح النظر في عدم أصالة الإسلام واعتمـاده على الأديـان السابقـة ديـدنا(vogue) بيـن عموم المستشرقين))( ).
أما الواسطة التي أخذ النبي صلى الله عليه وسلم عنها كل ما يتعلق بأهل الكتاب فقد افترض رودويل أمورا عديدة منها أن النبي:
1- أخذ عن الراهب بحيرا Sergius.
2- أخذ عن عبيد مكة من المسيحيين.
3- أخذ عن أحبار اليهود في الحجاز والمسيحيين العرب الذين وفدوا إلى مكة أو المدينة.
4- أخذ عن زوجه خديجة وابن عمها ورقة بن نوفل المسيحي.
5- أخذ عن النصارى عبر الاطلاع المباشر على طقوس المسيحية الشرقية وذلك عندما سافر إلى بصرى في بلاد الشام.
أما كيفية أخذ النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الكتاب فقد افترض أموراً عديدة:
6- الاتصال المباشر مع اليهود والنصارى والأخذ عنهم مشافهة.
7- أخذ عن يهود العرب كثيرا من المعلومات المحرفة المتعلقة بتاريخ الكتاب المقدس، أخذها عنهم سرا مما سمح له بأن يعلن للعرب بأن الله تعالى قد أوحى إليه الأخبار المتعلقة بالتوراة والإنجيل.
أما الأدلة على أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم عن أحبار اليهود وعن النصارى وغيرهم فإن آلان جونز ورودويل يستدلون بالقرآن نفسه على ذلك، [وهذا أمر عجيب فعلا ويصدق عليهما في ذلك قوله تعالى: ﮋﭸﭹﭺﭻ ﭼﮊ [البقرة: ٨٥]]، وهذه الأدلة هي:
1- أن النص القرآني يشير إلى إيمان الحبر اليهودي عبد الله بن سلام، مما يدل على تواصل النبي معه وصداقته له ولليهود الذين كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم كما يؤكد القرآن، ولوم النبي لليهود في آيات عديدة يؤكد التواصل العميق معهم ( ).
2- يشير النص القرآني إلى دعوى القرشيين عن النبي:
أ- أنه يعلمه بشر في قوله تعالى: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﮊ [النحل: 103].
ب- أنه أخذ معلومات عن معلمين يملون عليه بكرة وأصيلا.
ج- أنه أعانه على كتابة القرآن قوم آخرون.
والقرآن كما يدعي آلان جونز يتجاهل مسألة إعانة الناس للنبي( )، وكما يدعي رودويل فإنه من المستحيل علينا بعد مضي فترة زمنية طويلة من عصر الرسول أن نحقق في هذه القضية الغامضة، ومن المؤكد لدينا ـ كما يدعي ـ أن المعارضة ضد محمد قد أسكتت، إلا أن القرشيين كانوا يعلمون بما فيه الكفاية تاريخ محمد، فهم قد رفضوا نبوته واتهموه بالأخذ عن الآخرين( ). وأن محمدا أخذ كل تلك المعلومات وأعاد صياغتها، وهذا يؤكد لنا بأن القرآن هو صياغة قلم واحد ( ).
ثانيا: يطرح رودويل إشكالا ويطرح حلاً له، أما الإشكال فهو كيف نفسر الأمور الموجودة في القرآن والتي تتوافق مع التوراة والإنجيل؟ يؤكد في الجواب أن النبي لم يقرأ في التوراة ولا في الإنجيل، إذن كان هناك نسخ منهما مترجمة إلى العربية وقد ضاعت هذه النسخ على الأرجح، وهذه النسخ أثرت على النبي عبر التواصل مع اليهود والنصارى ( ).
الرد على النقطة الثانية:
إن قضية أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم عن اليهود والنصارى وعن مصادر أخرى شفهية ومكتوبة حتى التاريخ المعاصر، لم يقم عليها دليل قاطع يعتمد عليه، ولا يمكننا أن نأخذ كل قضية من القضايا السابقة للرد عليها لأن ذلك يجعل البحث طويلا جدا، وإنما نكتفي بالرد على المؤلف بما استدل به من آيات قرآنية كريمة وهي:
قول الله تعالى:
أ- ﮋﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮊ [العنكبوت: ٤٨].
ب-ﮋﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﮊ [النحل: ١٠٣].
إن محمدا صلى الله عليه وسلم بنص القرآن الكريم، وبتصديق التاريخ كان نبيا أميا لم يقرأ كتابا ولم يكتب، والمعلوم وحسب كلام رودويل أن العهد القديم والجديد لم يكونا مترجمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن أقدم ترجمة عربية للعهد القديم ترجع إلى سنة 900م، وأقدم ترجمة عربية للعهد الجديد ترجع إلى سنة 1616م فكيف إذن استقى الرسول صلى الله عليه وسلم معلوماته بدون علم بالقراءة أو بالكتابة، ودون علم باللغة العبرية والسريانية؟
نبين الاحتمال الآخر وهو: أنه علمه بشر، والرد يسيرٌ حسب النص الأصلي:
1- إذا كان علمه بشر فهو إذن أعجمي فكيف يتكلم الأعجمي بكلام عربي معجز؟
2- إذا علمه بشر وكانوا يهودا أو نصارى فكيف لم يفضحوه ولم يعادوه لأنه صلى الله عليه وسلم اعتبر دينهم منسوخا ولا يعمل به ونصوص القرآن تهاجمهم هجوما عنيفا، فهل يعقل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد وصف كتبهم بالتحريف وعلماءهم بكتمان العلم ثم ينقل عنهم بنص ما جاء في كتبهم من أخبار وقصص وتشريع، فالقرآن جاء حارساً أميناً على كتبهم، يصحح ما حرف منها ويكشف ما أدخل إليها، يقول د. عرفان عبد الحميد: ((وإنما وردت الإشارة إلى أن دعوى الاستمداد والأخذ من مصادر أجنبية زعم باطل حتى في صورته الشكلية الظاهرة، لذلـك فإن طبـيعة المسألة تقضي _ عادة _ أن يضفي المقلد الآخذ أسباب الكمال ومعاني الأصالة، وسمات الحق على المصدر الذي استقى منه أصول فكره وعلمه، وأن ينـزل صاحبه منـزلة العدل في الحكم، والنـزاهة في الرأي، والسداد في الفكر والعقيدة.
أما إذا وجدنا الأمر معكوساً فإن المنطق السليم يحتم خلاف ذلك، إذ كيف يجوز لعاقل أن يتصور النبي صلى الله عليه وسلم تلميذاً لأحبار اليهود، ورهبان النصارى، يشكل قرآنه – نعوذ بالله- ويلفق عقيدته من توراتهم وإنجيلهم وسائر مصادرهم، وهو يرى القرآن الكريم يصدر في انتقاده لهذه المصادر عن موقف قوي صريح هو موقف الحاكم المتمكن من الأمر، المتهم لأرباب تلك المصادر، المنتقد لما جاء فيها، وهكذا فإن القرآن الكريم إذ يستعرض آراء اليهود ومعتقدات النصارى لا يصدر عن موقف ضعيف متخاذل وهو ما يتصف به المقلد للغير، بل يتبين الحق في هذه العقائد من باطلها، ويحمل وزر الباطل على أهله.
إنه يتهم اليهود بالتحريف والتبديل: ﮋ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﮊ [النساء: ٤٦]، وبالافتراء وزور القول: ﮋ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﮊ [المائدة: ١٠٣]. والقرآن إذ يستعرض عقيدة المسيح عليه السلام، بالله يبعده عن لوثة التثليث ويعتبر ذلك مسخاً لحقيقة ما بشر به، وتلفيقاً من الرأي نسب إليه: ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮊ [المائدة: ١١٦].
وإذا كان هذا شأن القرآن الكريم من تلك المصادر التي زعم مشركو قريش أسلاف المستشرقين من يهود ونصارى الغرب فليس لعاقل سديد الرأي أن يورد هذا الزعم الباطل)) ( ).
ولم نجد في التاريخ والسيرة أحدا من اليهود والنصارى أو غيرهم يدعي أنه علَّم النبي صلى الله عليه وسلم شيئا مع توافر الدواعي على نقل ذلك.
3- إن استدلال رودويل بإثبات قضية نفاها القرآن لأمر عجيب، فهو إما يؤمن بالقرآن كله أو لا يؤمن به كله، ونحن نعلم أنه لا يؤمن بشيء منه فكيف يحق له أن يستدل به...؟ كيف يستدل بقضية نفاها القرآن على نقيضها؟
ثم كيف يذكر القرآن قضية تكون دليلا على كذب الرسول صلى الله عليه وسلم لو فرضنا أن الرسول ألف القرآن؟... فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى درجات الذكاء فيستحيل أن يذكر في القرآن أشياء تقلل من قيمة القرآن وتظهر اختلاقه وكذبه حاشاه ألف ألف مرة.
بكل ما سبق يسقط كلام رودويل ومزاعمه.
ثالثا: أما فيما يتعلق بالشق الثالث وهو الكلام عن أمانته صلى الله عليه وسلم وصدقه في دعوى النبوة ونسبة القرآن لله تعالى:
فبعد مقدمة رودويل المملوءة بالافتراضات والتخمينات التي لا دليل عليها عن مصادر القرآن يطرح رودويل السؤال التالي: ما مدى صدق محمد وأمانته في دعواه أنه رسول من رسل الله تعالى؟
ويجيب قائلا: ((إن محمدا ً إما كان بالفعل أميا فالقرآن إذن معجزة كما يراه المسلمون. وإما أن يكون القرآن عبارة عن كتاب مؤلف من مصادر عديدة، وعبر مساعدة أناس متعددين، ونشر على أساس أنه وحي، وبهذا يكون مؤلفه مفترياً ومرتكباً لزندقة عظيمة.
مما لدينا من أدلة فإن محمدا كان مخلصا في دعوة قومه لنبذ عبادة الأوثان، وهذه الدعوة أخذت كل روحه وجعلت عنده الغاية تبرر الوسيلة في اختراعه لتلك السور، وأقنع نفسه بأنه يتلقى الوحي الرباني، وأجبرته الأحداث اللاحقة والنجاح المتدرج كي يعتقد بأنه رسول السماء.
وربما كان محمد ضحية خلال حياته ودعوته لخداع ذاتي، وربما كان لولادته من أم غضوبة سبب في تعرضه للهلوسة، والتعرض للاكتئاب، وهذا جعله يحظى لدى الجهلة من قومه بقبولهم لفكرة الوحي إليه، فقد كان من السهل عليه أن يقنع نفسه بأنه خاتم النبيين اخترع دينا جديدا أبطل فيه اليهودية والنصرانية والوثنية، هذا الاقتناع دفعه لتحقيق الغاية التي بررت له استخدام كل الوسائل لتحقيقها))( ). ويصل رودويل إلى نتيجة مفادها: ((إننا نقترب من الحقيقة عندما نقول: إن محمدا كان شخصية عظيمة غير كاملة، أستاذ مخلص ولكنه يخطئ، وكان سبب أخطائه الظروف المحيطة به، وأسباباً أخرى، وكان هناك شيء من الحقيقة والحسن في دعوته وفيما كان المؤلف الوحيد له))( ).
أما الخلاصة السيئة التي توصل إليها رودويل بعد تفكير فقتل كيف
قدر فهي:
((أَتفقُ مع سيل Sale في تفكيره: كم كان محمد صلى الله عليه وسلم مجرما [حاشاه ألف ألف مرة] باختراعه وفرضه على الإنسانية دينا زائفا كاذبا))( )، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصدق الله تعالى الذي قال: ﮋ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﮊ [آل عمران: ١٨٦].
الرد على النقطة الثالثة:
إن الرد المنطقي على هذه الافتراءات هو أنه كيف أقنع الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه بأنه نبي ثم اتخذ الوسائل كلها للوصول إلى ذلك الهدف؟..
وعلى فرض أنه أقنع نفسه بذلك، فكيف لم يكشفه أذكى الناس الذين حوله والذين شهد لهم العالم بذكائهم؟.. فلا حول ولا قوة إلا بالله على هذا الافتراء.
إن الحقيقة أن رودويل وأمثاله لا يؤمنون بالإسلام ولا بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهم يستخدمون مثل هذا الكلام المعسول للتغطية على كفرهم الفظيع، والدليل على ذلك هو الخلاصة السيئة السابقة التي توصل إليها.
وكان حريًّا به بعد أن اعترف بفضل تعاليم الإسلام على إخراج أوروبا من عصور الظلمات إلى عصور التنوير والتكنولوجيا، أن يعترف بامتنان الإنسانية لمحمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور بالهدى الذي جاء به، وأن يعترف برسالته السماوية.
المطلب الثالث
ترتيب سور القرآن الكريم عند العلماء المسلمين وعند المستشرقين
أولا: ترتيب سور القرآن الكريم عند العلماء المسلمين:
ذهب جمهور العلماء إلى أن ترتيب الآيات في السور توقيفي، ومع ذلك رأينا بعض المستشرقين قد حاولوا في عملية إعادة ترتيب السور أن يعيدوا أيضا ترتيب بعض الآيات في السور.
أما ترتيب السور عند العلماء المسلمين ففي ذلك ثلاثة آراء:
الرأي الأول: أنه كان باجتهاد من الصحابة، وممن ذهب إلى هذا الرأي: الإمام مالك والباقلاني في أحد قوليه، والقاضي عياض، ومكي بن أبي طالب وغيرهم ( ).
والرأي الثاني: أن ترتيب السور معظمه بتوقيف وبعضه باجتهاد من الصحابة، وممن ذهب إلى هذا الرأي: البيهقي، وابن عطية، والسيوطي، وابن حجر( ).
والرأي الثالث: أن الترتيب توقيفي، وهو قول جمهور العلماء، وممن ذهب إلى هذا الرأي: أبو جعفر النحاس، والكرماني، وأحد قولي الباقلاني، وأبو بكر بن الأنباري، وابن الحصار، ومن المتأخرين العلامة الفراهي( ).
والذي يَرْجُحُ ـ والله أعلم ـ هو قول الجمهور وذلك لأدلة عديدة ساقوها ( )، ولهذا يقول أبو بكر بن الأنباري: ((اتساق السور كاتساق الآيات والحروف كان عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن قدم سورة أو أخرها فقد أفسد نظم القرآن)) ( )، ونقل السيوطي عن بعضهم القول: ((لترتيب وضع السور في المصحف أسباب تطلع على أنه توقيفي صادر من حكيم))( ).
بالرغم من الاختلاف الذي عرضناه بين العلماء حول الترتيب الحالي للمصحف الشريف وهل كان بتوقيف أم باجتهاد؟ بالرغم من ذلك كله لم نجد عالما واحدا من علماء المسلمين يجيز إعادة الترتيب حسب النـزول، بل كلهم يرون ضرورة الالتزام بالترتيب الموجود في المصحف العثماني لما يترتب على مخالفة ذلك من أمور خطيرة.
لذلك لا عبرة بدعوة من دعا لإعادة الترتيب كما نقل ذلك عن بعض الشيعة قديما وحديثا، وكما طبقه المستشرقون في ترجماتهم لمعاني القرآن الكريم وخلال كتاباتهم عن السيرة النبوية، وكما دعا له بعض المعاصرين من المسلمين.
وممن دعا إلى هذه الفكرة من المسلمين الباحث يوسف راشد، والذي تقدَّم برسالة إلى الأزهر عنوانها: (رتِّبوا القرآن كما أنزله الله)، وقد ردَّ عليه الشيخ حسنين محمد مخلوف في مقالة نشرت في مجلة لواء الإسلام( ).
وقد كتب الدكتور محمد عبد الله دراز ـ أيضاً ـ تقريراً عن هذه الرسالة متضمناً الردَّ على هذه الدعوة.
أ ـ أن ترتيب السور توقيفي على ما يقرره جمهور العلماء، ولم يخالف مسلم في التزام هذا الوضع الذي كان عليه المصحف من أول يوم.
ب ـ أن احترام قدسية الوضع المأثور يقضي بالمحافظة على النسق القائم الآن في الآيات والسور جميعاً، وأن فكرة ترتيب المصحف على حسب النـزول كانت تقضي بتغيير الوضع في السور والآيات جميعاً، بل هي في الآيات كانت أشد اقتضاء ومع ذلك فقد خولفت.
ج ـ أن تغيير الترتيب يفتح مجال الشبهة أمام العصور المقبلة فيقول قائل منهم: إنه لم تبق لنا ثقة بأن هذا الكتاب بقي في كل العصور بعيداً عن كل تبديل؛ لأنه في عصرٍ ما غُيِّرت أوضاعُ السور فيه، فلعله قد أصابته قبل ذلك تعديلات أخرى لم تصل إلينا أنباؤها.
د ـ إن هذه الدعوة خارقة لإجماع المسلمين، ويحرَّف بها الكلم عن مواضعه( ) التي وضعه الله فيها، ولن يكون من ورائها إلا إفساد النسق وتشويه جماله( ).
ثانيا: ترتيب سور القرآن الكريم عند المستشرقين:
حافظ كل من المستشرق جورج سيل وآرثر آربري على الترتيب المصحفي العثماني أثناء ترجمتهم للقرآن الكريم، إلا أن غيرهم من المستشرقين قاموا بإعادة ترتيب سور القرآن الكريم، وهناك اتجاهان رئيسان في ذلك: الاتجاه الأول: اتجاه ينـزع إلى إعادة الترتيب حسب تاريخ النـزول، واتجاه ثان: ينـزع نحو الترتيب الشاعري.
الاتجاه الأول: إعادة ترتيب سور القرآن حسب تاريخ النـزول:
بدأ هذا الاتجاه بالظهور في القرن التاسع عشر واستمر حتى القرن العشرين، وبلغت المحاولات ضمن هذا الاتجاه عشر محاولات أهمها محاولة تيودور نولدكه الذي تأثر به كثيرون ممن قاموا بترجمات للقرآن الكريم مرتبة حسب تاريخ النـزول، ومنهم رودويل وبلاشير وبل. وقد صرح رودويل في مقدمته للترجمة بأنه أخذ بمنهج نولدكه في معظم المراحل. وقد أيد كثيرون من المستشرقين هذا الترتيب ومنهم المستشرق كارل بروكلمان الذي قال: ((السور المدنية تتصل بأحداث معينة نعرفها على وجه الدقة كثيراً أو قليلاً، ومن ثم يمكن ترتيب الجانب الأكبر منها على الأقل ترتيباً تاريخياً متسلسلاً)).( )
وسنذكر محاولات إعادة ترتيب سور القرآن حسب النـزول باختصار مع بعض التفصيل عند الكلام عن محاولة نولدكه:
1- ويل Weil: بدأ ويل محاولته سنة (1844م) ولم تتخذ صورتها النهائية إلا سنة (1872م)، وذلك في كتابه: Mohammed der Prophet، وويل لا يقيم في طريقته وزناً للروايات والأسانيد الإسلامية. وهذا الأمر تبناه بعده كل من نولدكه وبلاشير عند قيامهم بالترتيب الزمني للقرآن الكريم.
وقد اعتمد ويل على ثلاثة معايير رئيسة في ترتيبه: أ-تلميحات القرآن إلى حوادث معروفة. ب-مضمون النص القرآني وعلاقته بالأحداث التي وقعت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. ج-أسلوب النص القرآني.( ) ولهذا فقد قسم المراحل القرآنية إلى أربع مراحل؛ ثلاث في مكة ورابعة في المدينة( ).
2- وليم موير W. Muir: قام ميور بهذه المحاولة عام (1858-1861م) في كتابه حياة محمد صلى الله عليه وسلم Life of Mahomet، فقسم فيه المراحل القرآنية إلى ست، خَمْسٌ في مكة وسادستها في المدينة، واعتمد فيها إلى حدٍّ غير قليل على سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأسانيدها، بعد دراستها دراسة نقدية حشد لها الكثير من معلوماته التاريخية، ولكنه وقع مع ذلك في أخطاء عديدة وأخذ بروايات واهية( )، ولهذا فإن رودويل لم يأخذ بطريقته كما صرح في مقدمة الترجمة.
3- تيودور نولدكه Theodor Noldeke:
يعد نولدكه شيخ المستشرقين الألمان، ويعد كتابه تاريخ القرآن Geschichte des Qorans المصدر الأساس لكل المستشرقين الذين رتبوا القرآن الكريم حسب النـزول.
وقد وضع نولدكه ترتيبا جديدا للسور حسب النـزول متأثرا بمن قبله مثل المستشرق ويل حيث اعتبر نولدكه عمل ويل نقطة الانطلاق في محاولة الترتيب وأخذ منها، وعلى كثير من أسسها بنى دراسته( ). وقد أثنى بلاشير على طريقة نولدكه كثيرا وكذلك فعل رودويل.
4- بالمر E.H. Palmer:
قام بالمر بترجمته عام 1880م، وعنوانها: القرآن The Quran، ونشرت جامعة أكسفورد ترجمته ضمن سلسلة عنوانها: الكتب المقدسة للشرق (The Sacred Books of the East)، وقد أعاد ترتيب السور في ترجمته بناء على تاريخ النـزول وتأثر بكتابات نولدكه. ودعا بالمر للجمع بين دراسة السيرة النبوية ودراسة شاملة لمضمون القرآن الكريم؛ وذلك للوصول إلى ترتيب تاريخي دقيق للقرآن( ).
5- غريم Hubert Grimme: حاول المستشرق غريم ترتيب سور القرآن على حسب تاريخ النـزول معتمداً في ذلك على الروايات والأسانيد التي وردت في ذلك ( ).
6- ريتشارد بل Richard Bell:
قام بهذه الترجمة عام 1937-1939م، وعنوانها: ترجمة القرآن مع دراسة نقدية لإعادة ترتيب السور:
The koran Translated with a Critical Rearrangement of the Surahs ( ) وقد فصل بل آراءه في كتاب له عنوانه: مقدمة للقرآن Introduction to the Quran وقد قام المستشرق مونتغمري واط بإخراجها.
7- ريجيس بلاشير R. Blachere: قام بلاشير في ترجمته للقرآن الكريم عام 1947-1950م بترتيبها ترتيبا حسب تاريخ نزوله، ولم يعتمد بلاشير في تقسيمه للسور القرآنية على السيرة النبوية ولا الروايات متبعا بذلك سلفيه ويل ونولدكه، وقد اعتبر بلاشير هذه الطريقة هي الوحيدة والمستمرة حقاً في فهم القرآن( ). وقد خالف بلاشير نولدكه في بعض المواضع وقبلها في تقسيمه للفترة المكية لثلاث فترات، وقسم السور القرآنية إلى ثلاثة أنواع:
أ-سور مكية مقسمة على ثلاث مراحل كتقسيم نولدكه.
ب-سور مدنية.
ج-سور بين بين ( ).
وهناك محاولات أخرى قام بها مستشرقون وهم: هـ. ديرنبرج، وهيرتوج هيرشفيلد ( ).
فقد تعددت طرق المستشرقين وتناقضت في الترتيب الزمني إلى حد لا يمكن الاعتماد على أي واحدة منها كما رأينا، ومن أهم الأسباب التي أوقعتهم في الأخطاء: قلة اعتماد أعمالهم على ما صح من السنة النبوية الشريفة والسيرة، وضعفهم في التفريق بين ما صح منها وما ضعف، وكذلك ضعفهم في اللغة العربية فلم يفهم بعضهم الموضوعات التي تدور حولها الآيات ففشل في ربطها بما قبلها وما بعدها، وفشل في معرفة الموضوع الرئيس الذي تدور حوله بعض الآيات ( ).
الاتجاه الثاني: الترتيب الشاعري للقرآن الكريم:
المحاولة الوحيدة في هذا الاتجاه هي محاولة ن. ج. داود اليهودي حيث يقول في مقدمة ترجمته( ) للقرآن الكريم:
((لقد تركت الترتيب المعروف والمتبع للسور القرآنية في هذه الترجمة، وبدأت بالسور التوراتية والشعرية، وانتهيت بالسور الأطول فالأطول، التي تركز على موضوع بعينه، وباختصار: فإن الترتيب الجديد يأخذ بعين الاعتبار القارئ المبتدئ الذي بدوره ينفر من سور تتناول موضوعات عادية بسيطة مثل البقرة والنساء)).( )
الرد على هذا الاتجاه:
عندما فتشت عن السبب الرئيس الذي دعا المترجم لتغيير الترتيب وجدت أنه يتعلل بأنه بدأ بسور توراتية وشعرية، وقوله أيضاً: إن القارئ الحالي ينفر من الترتيب المتبع لدى المسلمين لأنه يبدأ بأمور عادية ودنيوية وبسيطة مثل البقرة والنساء.
لقد كشفت عبارات المترجم نفسيته المختبئة وراء هذه الكلمات، وأستطيع أن أقول: إن المترجم قام بترجمة للقرآن الكريم ولكن في الحقيقة والواقع: إن ترجمته للقرآن الكريم هي التي قرأت نفسية هذا المترجم، فقدمت لنا تصوره عن القرآن.
إن العبارات الماضية تكشف بوضوح أن المترجم يريد أن يقول: إن سورة الزلزلة والانفطار والتكوير والإنسان والرحمن والعاديات وغيرها التي صدر بها ترجمته، إن هذه السور مشابهة في مضمونها للتوراة والإنجيل، لذلك فقد أحال القارئ في سورة الرحمن لمقارنتها مع المزمور رقم 136 من التوراة. ويريد أن يقول أيضاً: إن هذه السور هي شعر في معانيها وقوافيها، وهي تصف الأمور بشاعرية بعيدة عن الواقع.
لقد أخر السور الطوال كالبقرة والنساء بدعوى أن القارئ ينفر منها، وفي الحقيقة إنه هو الذي ينفر منها؛ لأنها تفضح أهل الكتاب واليهود خصوصاً الذين حرفوا كتب الله تعالى. وهاتان السورتان تحتويان على قوانين عظيمة تأمر بالعدل والإحسان. وأما سورة النساء فهي تكرم المرأة فتسمى سورة كاملة باسمها، وتبين كيف كرم الإسلام المرأة وأعطاها حقوقها كاملة بعد أن كانت مسلوبة منها. وكأني بالمترجم أراد إبعاد القارئ عن هذه الواقعية الموجودة في القرآن الكريم، فكأنه لا علاقة للقرآن بالواقع بل هو كتاب يعالج قضايا شعرية ويحلق بالصياغة اللغوية غير الواقعية مثل الزلزلة والانفطار والتكوير... وإذا تكلم القرآن عن حقائق فهي حقائق مأخوذة عن التوراة أو الإنجيل كما في سورة مريم ويوسف.
إن علم الترجمة بشكل عام يعلمنا أنه لا يجوز لأي مترجم بأي صورة من الصور أن يتلاعب بأي نص يترجمه تقديماً أو تأخيراً؛ لأن هذا يخرج الترجمة عن وظيفتها الأصلية، ثم إنه يؤدي إلى تغيير جذري في معنى النص وفي مراد الكاتب الأصلي للنص.
ثالثا: ترتيب سور القرآن الكريم عند رودويل:
أعاد رودويل ترتيب السور ترتيبا زمنيا حسب نزول القرآن الكريم وذلك -بزعمه- كي يسهل على القارئ الغربي فهم النص القرآني وكيفية تطور فكر النبي صلى الله عليه وسلم أثناء تأليفه للقرآن الكريم. وقد تأثر في عمله هذا بعمل تيودور نولدكه إلا إذا استثنينا من عمل رودويل تنـزيلات الفترة الأولى في مكة ( ).
ويأسف المرء عندما يكتشف أن هدف هذا المستشرق القسيس كان تشويه صورة القرآن الكريم وإظهاره بصورة كتاب متناثر الأجزاء، لا ترابط في مضمونه ولا تناسب بين آياته، ولهذا فهو يقول:
((إن الحجة التي ينبغي أن يستخدمها المبشر المسيحي في تعامله مع مسلم هي أن لا ينتقد الإسلام على أنه جملة من الأخطاء، بل يثبت بأنه يحتوي على شظايا وأشياء منفصلة (متناثرة) من الحق، ومبنية على المسيحية وعلى اليهودية خصوصا، وأن هذه القضايا قد فهمت فهما جزئيا غير كامل، ومن غير أن يُقَدِّر المبشر قيمتها، وأن يشير في كلامه إلى أن المسيحية هي الشريعة النهائية))( ).
إن رودويل باعتماده هذا الترتيب فإنه يقوم بتحريف واضح للنص القرآني؛ لأنه لا يظهره على صورته الحقيقية التي أجمع عليها المسلمون خلال أربعة عشر قرنا من الزمان، وهو يريد أن يثبت للقارئ بأن القرآن ألفه رجل في الصحراء اسمه محمد صلى الله عليه وسلم -حاشاه ألف ألف مرة- وهو ينطلق من افتراض وهمي وهو أن محمدا صلى الله عليه وسلم ألف القرآن كما ألف شيكسبير مسرحياته، وهذه حماقة ما بعدها حماقة يمكن لمرء أن يتصورها( ). ويزعم رودويل في كثير من الحواشي أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بتعديل السور والآيات من حين لآخر.
وسأقوم بعرض آراء رودويل حول ترتيب السور كما عرضها في مقدمته، ثم أرد عليها.
أ- عرض لآراء رودويل حول ترتيب سور القرآن الكريم:
1- إن الترتيب الحالي للمصحف لا يعتمد على أي حديث صحيح يثبت أن الترتيب كان بأمر من محمد صلى الله عليه وسلم.
2- نشر القرآن بعد وفاة محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك بعد أن كان القرآن في حياته عبارة عن ملاحظات وكلام متفرق، ومحفوظات في صدور الذين استمعوا له( ).
3- نشأت القراءات نتيجة لمصحف أبي بكر مما أدى لاختلاف في القراءات خلال فترة خلافة عثمان( ).
4- قام زيد ومعاونوه بترتيب السور بناء على طول السورة، فوضعوا السور الطوال أولا بعد الفاتحة، وهذه القاعدة ساذجة وغير كافية، مع أنهم أحيانا لم يراعوا هذه القاعدة، ولم يراعوا الترتيب الزمني أبدا. ولهذا السبب رأينا السور المدنية التي نزلت متأخرة متقدمة على السور المكية التي نزلت في مرحلة الدعوة الأولى. ونرى أن السور المكية التي نزلت أولا في مكة موجودة في آخر القرآن. وكذلك فإن الآيات المكية مدمجة مع السور المدنية، والآيات المدنية منتشرة في سور مكية( ). وكأن زيدا رتب القرآن كما كانت تصله السور والآيات، من غير مراعاة لترابط. ويصل رودويل إلى نتيجة مفادها أن هذا النص الذي جمعه زيد حسب الترتيب الحالي نص غير موثوق به لأنه خليط وكشكول متنافر فيما بينه كما يقول كازيميرسكي Kasimirski في مقدمة ترجمته الفرنسية للقرآن الكريم عام 1832م. ويرى رودويل أن هذا الترتيب لا يعطينا أي فكرة عن التطور الذي حدث في فكر مؤسس الإسلام، ولا يعطينا كذلك أي فكرة عن الظروف التي كانت تحيط به وتؤثر عليه. ويمدح رودويل زيد بن ثابت وأمانته في الجمع عندما يقول: ((إن اكتفاء زيد بجمع القرآن بهذه الطريقة دون أن يتدخل أبدا في دمج الآيات بشكل معين، ودون أن يتدخل بتسلسلها الزمني، ودون أن يزيد أي كلمة لملء الهوة الموجودة بين الآيات المتعلقة بموضوع واحد، ودون أن يخفي أي آيات لم تكن في صالح مؤسس الإسلام، كل ذلك يدل على أمانة زيد القصوى ككاتب، وعلى تعظيمه للقرآن المقدس، وإلى حد ما يعطينا ثقة بأن النص القرآني الذي جمعه صحيح ويعتمد عليه))( ). ثم يتأسف رودويل من أن زيدا لم يجمع بين النقد التاريخي للنص القرآني مع أمانته في الجمع، هذه الأمانة التي منعته من العبث بالنص المقدس فلم يحذف الآيات المتناقضة وغير الصحيحة.
5- بعد أن ذكر رودويل مختصرا لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يمكننا أن نحدد السور التي لها علاقة بأحداث بارزة في حياة محمد، إلا أنه من الممكن أن محمدا نفسه بعد فترة متأخرة من حياته ودعوته خلط بين الآيات المتقدمة النـزول والآيات المتأخرة النـزول في السور بهدف تلطيف بعض الآيات التي تتكلم عن قرب وقوع القيامة، وليجعل أتباعه في حال دائم في توقع إتيان الساعة، وليرى في نجاحاته المتأخرة أن ما توقع وقوعه حق، فهو قد استخدم قرب وقوع الساعة ليجذب الناس إلى دعوته))( ).
6- ينتقد التكرار في الآيات وخصوصا ما يتعلق منها بالقصص القرآني، والمقارنة بينها تهدينا إلى تطور فكر مؤلفها، وكيف ألفت أجزاء القرآن.
7- عند كلامه عن مميزات الآيات المكية والسور المكية ومميزات الآيات المدنية والسور المدنية نلاحظ أنه يصف الرسول بأنه كان شاعرا ومجادلا لخصومه ثم انتقل ليكون ناثرا ومشرعا ثم يخلص إلى القول: ((مما يلفت نظري أن السور إجمالا هي عمل شخص بدأ عمله كمفكر يبحث عن الحقيقة، ويؤكدها بأسلوب بلاغي وشعري ليجذب أبناء قومه إليه، وانتقل من معلم قائد إلى سياسي أوجد نظاما وضع قوانينه بناء على الأحداث التي واجهته. ويلاحظ في كل السور أن القصد في تلاوتها كان للسامعين لا للقارئين لأنها تليت علنا للعامة، وأن الأمر كان متروكاً لوضع الذي يقرأ القرآن، ويفسر هذا الأمر وجود جمل غير مكتملة)) ( ).
ب- مصادر رودويل في ترتيب سور القرآن الكريم:
اعتمد رودويل في ترتيبه للقرآن الكريم على المصادر الآتية:
1- اعتمد على الأحاديث النبوية الشريفة. إلا أنه لاحقا يتناقض وينفي إمكانية الاعتماد على الحديث بسبب عدم كتابته في عصر النبي، وبسبب نقل الحديث مشافهة واختلاطه بآراء الرواة وعقائدهم.( ) ثم يقول: ((لا يمكن الاعتماد على الحديث إلا إذا نقل عبر رواة مستقلين ومحايدين ولم تتناقض روايتهم مع القرآن. ويقول: ((يلاحظ القارئ للحديث والتفسير بأن المعجزات والحوادث التاريخية اخترعت بهدف شرح نص معتم ومعقد، ويلاحظ بأن الأحاديث المبكرة منصبغة بالأساطير))( )، وقد وضعت الأحاديث خصوصا لتفسير القرآن بهدف دعم الحكم الأموي والعباسي.
2- اعتمد على القائمة التي أعدها المستشرق ويل بشأن ترتيب سور القرآن حسب النـزول في كتابه: Mohammed der Prophet، الذي سبق ذكر طريقة ويل فيه.
3- رجع إلى القائمة التي أعدها المستشرق وليم موير W. Muir بشأن ترتيب سور القرآن حسب النـزول في كتابه حياة محمد صلى الله عليه وسلم Life of Mahomet، وأوضح رودويل في مقدمة الترجمة بأنه لم يأخذ بطريقة وليم ميور لأنها غير دقيقة.
4- اعتمد على كتاب تيودور نولدكه Theodor Noldeke تاريخ القرآن Geschichte des Qorans يقول رودويل: ((اعتمدت كليا على الترتيب الزمني الذي اعتمده نولدكه بالنسبة للسور التي تأخر نزولها؛ لأن عمل نولدكه عن هذه المرحلة عمل علمي دقيق. وقد رتبت السور المبكرة في النـزول والمجزأة بعد السورتين الأوليين اعتمادا على ترابط موضوعاتهما أكثر من اعتمادي على علاقتهما الزمنية، إلا أن هذا النوع من السور قليل))( ).
ج- الرد على آراء رودويل:
لا يمكن الرد في هذا البحث على كل نقطة أثارها رودويل، وإنما سأكتفي بانتقاء بعض الأمور الرئيسة الهامة:
1- إن الزعم بأن الترتيب الحالي للمصحف لا يعتمد على أي حديث صحيح قول مجانب للصواب؛ لأن جمهور العلماء الذين رجحوا أن ترتيب السور توقيفي اعتمدوا على أحاديث صحيحة وردت عن الترتيب. وقد سبق الكلام عن هذا الموضوع. وإذا كان الترتيب توقيفيا فلا يحق لرودويل ولا لغيره من المستشرقين أن يدعي بأن زيدا ومعاونيه هم الذين رتبوا المصحف حسب هواهم واجتهادهم. فالحق أن زيدا ومن معه من الصحابة الكرام إنما رتبوا المصحف حسبما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- إن الزعم بأن نشأة القراءات في القرآن الكريم أتت نتيجة لمصحف أبي بكر الصديق هو زعم باطل؛ لأن القراءات القرآنية قد أخذها الصحابة الكرام مباشرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومعلوم أيضا أن القرآن إنما أنزل عل سبعة أحرف.
3- ادعاء عدم التناسب بين الآيات في السورة الواحدة ادعاء ينقضه علم المناسبات، والوحدة الموضوعية في كل سورة من سور القرآن الكريم، وقد تكفل ببيان ذلك وتأكيده عشرات التفاسير.
4- لقد أكد الله تعالى أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم ليس بشاعر ولا كاهن ﮋ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﮊ [يس: ٦٩]، ومع ذلك يزعم المستشرقون ومنهم رودويل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شاعرا، والمشكلة الأساسية هي عدم إيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا فهم يلقون أقوالهم بلا دليل, ويزعمون أنه صلى الله عليه وسلم مارس الشعر أو قاله.
5- قد أثبت علماء البيان والبلاغة أن هناك إعجازا بيانيا في تكرار القصص القرآني، ففي كل تكرار في القرآن حكمة، يدركها العالمون وتغيب عن أذهان الجاهلين( )، وبهذا يسقط انتقاد رودويل السابق عن تكرار القصة.
المطلب الرابع
أمثلة على بعض الأخطاء التي وقعت في نص ترجمة رودويل وفي تعليقاته
أولا: أمثلة على بعض الأخطاء التي وقعت في نص ترجمة رودويل:
أعرض هنا بعض الأمثلة على أخطاء وقعت في نص الترجمة:
1- قال الله تعالى: ﮋ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮊ [الكهف: ٢٢].
ترجمها رودويل بقوله:
Therefore be clear in thy discussions about them and ask not any Christian concerning them ( ).
فقد ترجم الضمير في (منهم) في قوله تعالى: ﮋ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮊ ، بقوله: ولا تسـأل أحدا من النصارى عنهم، فتخصيص النصارى فيه قصور لأن المقصود هم أهل الكتاب عامة أو اليهود خاصة كما دلت الروايات على ذلك، لأن اليهود هم الذين طلبوا من المشركين أن يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن أهل الكهف( ).
2- يخطئ رودويل في ترجمة قوله تعالى: ﮋ ﯪ ﯫ ﯬ ﮊ [الكهف: ٢٦]، ويترجمها بقوله:
Look thou and hearken unto Him alone( ) يعني: انظر أنت واستمع، مع أن معنى الآية هو: التعجب من كمال بصر الله تعالى وسمعه وإحاطته بكل شيء، قال قتادة: ((لا أحد أبصر من الله ولا أسمع، لأنه يدرك ألطف الأشياء وأصغرها كما يدرك أكبرها حجماً وأكثفها جرماً، ويدرك البواطن كما يدرك الظواهر))( )، وقد أصاب محمد مهر علي عندما ترجم الآية بقوله:
How best He sees it, and how best He hears.( )
3- ترجم كلمة السجود في قوله تعالى: ﮋ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮊ بقوله:
And when we said to the angels ((Bow down and worship Adam)) the angles then worshipped they all, save Eblis.
ترجم رودويل كلمة اسجدوا بما يفيد معنى العبادة، وهذا غير صحيح فقد قال:
Bow down and worship Adam
أي اسجدوا سجود عبادة. وقد اتفق المفسرون على أن هذا السجود كان سجود إكرام لآدم عليه السلام وإظهاراً لفضله( )، ولم يكن سجود عبادة قال الطبري: ((وكان سجود الملائكة لآدم تكرمة لآدم وطاعة لله لا عبادة لآدم))( ). والسجود لا يكون لغير الله تعالى لأنه عبادة، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عنه لأحد من الخلق، فقد نهى معاذ بن جبل عندما أراد أن يسجد له وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تفعل فإني لو كنت آمراً بشراً أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)) ( ).
وفي تعليقه على قوله تعالى: ﮋ ﮭﮊ يقول: إن هناك أثراً للتراث المسيحي والتلمودي في قصة آدم وإبليس وفي تعظيمه آدم ( ).
ولا شك أن في هذا الكلام مغالطة تصب ضمن دعواه السابقة أن القرآن الكريم أخذ عن الكتاب المقدس والتلمود وغيرهما. وقد أثبت العلماء إثباتا قاطعا أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو نبي أمي، ولو تعلم عند أهل الكتاب لفضحوه وبينوا كذبه حاشاه، وقد سبقت مناقشة هذا الموضوع.
4- يترجم رودويل قوله تعالى: ﮋﯢﯣﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﮊ [الأنعام: ١٥١] بقوله:
And that ye slay not your children, because of poverty for them and for you will we provide ( ).17: 150.
فصارت الترجمة: نحن نرزقهم وإياكم، وليس كما في الآية حيث قدم ضمير الأولاد على ضمير المخاطبين وعكس رودويل النص القرآني.
أما في سورة الإسراء فالله تعالى يقول: ﮋ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮊ [الإسراء: ٣١].
Kill not your children for fear of want: for them and for you will we provide.( ).
وقد أصاب هنا رودويل في ترجمة الضمير فأبقاه كما هو في الآية، أما في آية الأنعام فلم يصب.
والفرق بين الآيتين وترتيب الضميرين فيهما هو أن: ((آية الأنعام تنهى عن قتل الأولاد بسبب الفقر الواقع فعلا فاقتضى المقام تذكير الآباء بأن رزقهم الذي هم فيه – رغم قلته في نظرهم – ورزق أولادهم مكفول من الله. أما في سورة الإسراء فإن الآية تنهى عن قتل الأولاد خوف الفقر المتوقع لهم في مستقبلهم إذا استمروا أحياء فاقتضى المقام تقرير أن رزق الأولاد مكفول كرزقهم الذي يعيشون فيه))( ).
فرودويل لم يفهم الفرق بين الآيتين ففسرهما بطريقة واحدة فوقع في الخطأ في سورة الأنعام.
5- في قوله تعالى: ﮋ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ...ﮊ [القصص: ٦٨]، يخطئ رودويل في ترجمة الضمير في (لهم) حيث يعيده إلى الآلهة وليس إلى الناس الذين يتكلم القرآن عنهم، ومما يدل على ذلك هو سياق الآيات التي تلي هذه الآية فقد قال تعالى: ﮋ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﮊ [القصص: ٦٩]، فأخبر سبحانه أنه يعلم من عباده السرائر والظواهر ويصطفي لنفسه ويختار لطاعته من قد علم منه السريرة الصالحة والعلانية الرضية( ). وقال الألوسي: ((والكلام مسوق لتجهيل المشركين في اختيارهم ما أشركوه واصطفائهم إياه للعبادة والشفاعة لهم يوم القيامة كما يرمز إليه ﮋ ﮔ ﮕ ﮊ [القصص: ٦٤]، وللتعبير بـ (ما) وجه ظاهر، والمعنى: وربك لا غيره ينتقي ويصطفي ما يشاء انتقاءه واصطفاءه فيصطفي مما يخلقه شفعاء ويختارهم للشفاعة ويميز بعض مخلوقاته تعالى على بعض))( ).
فقد كانت ترجمة رودويل كما يلي:
But they, the false gods, have no power to choose ( ).
وما كان للآلهة الباطلة أن يختاروا.
بينما نرى مهر علي يترجم الآية كما يلي:
It is not for them the making of choice ( ).
6- ترجم قوله تعالى: ﮋ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﮊ [الماعون: ٥]، بقوله:
But in their prayer are careless( ).
والصواب أن تترجم:
Who are of their prayers unmindful( ).
Who are neglectful of their prayers( ).
والخطأ في ترجمة رودويل هو أنه فسر (عن) بمعنى (في) والفرق كبير بين الأمرين..
وهو كذلك لم يترجم الاسم الموصول ((والذين)) ولا الضمير التالي له ((هم)) وهما أداة الربط بين الآية السابقة والآية التي نتكلم عنها، واستعاض عنهما بكلمة But وهي تفيد الاستثناء (لكن) أو (إلا)، وبذلك ضعف الربط المقصود من النص( ).
ثانيا: أمثلة على بعض الأخطاء التي وقعت أثناء الحواشي والتعليقات في ترجمة رودويل:
لقد ملئت تعليقات رودويل على النص القرآني بالافتراءات والأكاذيب عن القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، وسأضرب على ذلك أمثلة عديدة تثبت هذه الحقيقة دون شك:
1- عند تعليق رودويل على قوله تعالى: ﮋ ﮭ ﮮ ﮯ * ﮱ ﯓ ﯔ ﮊ [النجم: ١٩ - ٢٠]، قال:
((لما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قراءة هذه الآيات عند قراءته لهذه السورة في أول مرة تابع قائلا: تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهم ترتجى، فأعجب الوثنيون بهذه الآيات، إلا أن محمدا صلى الله عليه وسلم رفض هذه الآيات بعد أيام، واعتبرها آيات شيطانية، واستبدلت بالآيات التي تلي هذه الآيات حاليا. والاحتمال الوارد هو أنه أراد -بناء على الصعوبات التي واجهها- أن يحاول التقريب فيما بينه وبين المشركين، ولكنه سرعان ما ندم على ذلك. ويبدو أن رفض الأوثان في السور التي تلي هذه السورة جلي وواضح وقوي))( ).
ويرد على رودويل بأنه تأثر في قصة الغرانيق بوليم ميور، وقد أكد كثير من المستشرقين هذه القصة طعنا منهم بالقرآن الكريم مثل بروكلمان( ).
وإن الدليل على فساد قول رودويل هذا هو ما نقله العلماء المحققون الذين رفضوا الروايات التي تقول إن النبي صلى الله عليه وسلم قد زاد شيئا في القرآن ثم تراجع عنه، يقول عياض: ((هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم)). قلت: الأمر كذلك؛ فإن غالب هؤلاء مثل الطرقية والقصاص، وليس عندهم تمييز يخبطون خبط عشواء ويمشون في ظلمة ظلماء وكيف يقال مثل هذا والإجماع منعقد على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة، ولو وقعت هذه القصة لوجدت قريش على المسلمين بها الصولة ولأقامت عليهم اليهود بها الحجة كما علم من عادة المنافقين وعناد المشركين كما وقع في قصة الإسراء حتى كانت في ذلك لبعض الضعفاء ردة. وقال ابن العربي: ((ذكر الطبري في ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل لها))، وقال القاضي عياض أيضاً: ((ومن حملت عنه هذه القصة من التابعين والمفسرين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم في ذلك ضعيفة واهية))، وقال ابن حجر العسقلاني ـ بعد نقله كلام هذين الإمامين ـ: ((هذا الذي ذكره ابن العربي وعياض لا يتمشى على القواعد؛ فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلاً))( ). وقد رد العيني صاحب ((عمدة القاري)) كلام ابن حجر فقال: ((الذي ذكره عياض وأبو بكر بن العربي هو اللائق بجلالة قدر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه قد قامت الحجة واجتمعت الأمة على عصمته صلى الله عليه وسلم ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة، وحاشاه عن أن يجري على قلبه أو لسانه شيء من ذلك لا عمداً ولا سهواً، أو يكون للشيطان عليه سبيل أو أن يتقول على الله عز وجل لا عمداً ولا سهواً، والنظر والعرف أيضاً يحيلان ذلك، ولو وقع لارتد كثير ممن أسلم، ولم ينقل ذلك ولا كان يخفى على من كان بحضرته من المسلمين))( ).
وقال الفخر الرازي بعد الكلام معلقا على هذه القصة: ((يعلم أن من قال إن الشيطان ألقى قوله تلك الغرانيق العلا في أثناء الوحي فقد قال قولاً عظيماً، وطَرَّق الطعن والتهمة إلى القرآن))( )، قال: ((وهذا رواية عامة المفسرين الظاهريين، أما أهل التحقيق فقد قالوا: هذه الرواية باطلة موضوعة واحتجوا عليه بالقرآن والسنة والمعقول))( )، فساق الفخر الرازي أدلة عديدة من القرآن ومن السنة ثم قال: ((وأما السنة فهي ما روي عن محمد بن إسحق بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا وضع من الزنادقة وصنف فيه كتاباً، وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، ثم أخذ يتكلم في أن رواة هذه القصة مطعون فيهم، وأيضاً فقد روى البخاري في صحيحه أن النبي عليه السلام قرأ سورة النجم وسجد فيها المسلمون والمشركون والإنس والجن وليس فيه حديث الغرانيق، وروي هذا الحديث من طرق كثيرة وليس فيها ألبتة حديث الغرانيق))( )، وقال ابن كثير: ((ذكر كثير من المفسرين قصة الغرانيق ولكنها من طرق مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح، والله أعلم)). وبعد أن سرد عددا من الروايات قال في آخرها: ((وكلها مرسلات منقطعات والله أعلم))( ). ويقول الفخر الرازي عن رد هذه القصة عقلا بأنه ((من وجوه، أحدها: أن من جوز على الرسول صلى الله عليه وسلم تعظيم الأوثان فقد كفر؛ لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان في نفي الأوثان. وثانيها: أنه عليه السلام ما كان يمكنه في أول الأمر أن يصلي ويقرأ القرآن عند الكعبة آمناً أذى المشركين له حتى كانوا ربما مدوا أيديهم إليه وإنما كان يصلي إذا لم يحضروها ليلاً أو في أوقات خلوة وذلك يبطل قولهم))( ). ثم قال: ((وخامسها: ـ وهو أقوى الوجوه ـ أنا لو جوزنا ذلك ارتفع الأمان عن شرعه وجوزنا في كل واحد من الأحكام والشرائع أن يكون كذلك ويبطله قوله تعالى: ﮋ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮊ [المائدة: ٦٧] فإنه لا فرق في العقل بين النقصان عن الوحي وبين الزيادة فيه. فبهذه الوجوه عرفنا على سبيل الإجمال أن هذه القصة موضوعة، أكثر ما في الباب أن جمعاً من المفسرين ذكروها لكنهم ما بلغوا حد التواتر، وخبر الواحد لا يعارض الدلائل النقلية والعقلية المتواترة))( ).
وبهذا يعلم بطلان قول كل من تمسك بهذه الحادثة وبطلان ما افتراه رودويل من أن النبي صلى الله عليه وسلم زاد في القرآن من عنده.
2- عند كلام رودويل عن سورة العلق يعلق عليها بزعمه أن محمدا صلى الله عليه وسلم في الفترة التي توقف فيها الوحي عنه كان يشك في الوحي، واطلع خلال تلك الفترة اطلاعا أكبر على كتب اليهود والنصارى، وكان يقوم بتأملات عميقة، وكان ذهنه المتوقد يريد الوصول إلى الحقيقة وتعليم المكيين الوثنيين التوحيد، كل هذا يوضح لنا حالة التردد التي سادت في (الفترة)، ولكنه كان ما زال مخدوع النفس بأنه صار نبيا، ويمكننا الاستنتاج من السورة 2: 123( ) الفكرة الأساسية التي كانت تدير فكر محمد صلى الله عليه وسلم))( ).
3- نجد في الحواشي الإحالات الصريحة إلى كل من التوراة والإنجيل والتلمود، ويصرح في بعض هذه الحواشي أن هذه الآية أو تلك أخذت من تلك الكتب أو من أحدها، كل ذلك ليثبت ما زعمه سابقا من أن القرآن الكريم كتاب ألف وجمع من تلك الكتب ثم حرف عنها( )، ويصرح آلان جونز في مقدمته لترجمة رودويل وفي بداية كلامه عن التعليقات أن ما يميز هذه الترجمة هو المقارنات في الحواشي بين القرآن وبين التوراة والإنجيل التي هي ضرورية لفهم القرآن، وأن هذه الحواشي تعبر عن آراء قس مسيحي عاش في العصر الفكتوري من القرن الثامن عشر ( ).
فانظر مثلا كلامه( ) عن قوله تعالى: ﮋ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﮊ [البقرة: ٢٩]، حيث يعلق على عبارة سبع سموات قائلا: ((إن عدد السموات السبع مأخوذ عن التلمود أو من التراث المأخوذ عن التلمود، ولكن الفكرة الأساسية ربما يوجد لها جذور في تعبير الكتاب المقدس: السموات السبع))، ويؤكد رودويل في تعليقه على قصة آدم وإبليس في سورة البقرة أن أجزاء من القصة أخذت عن كتب النصارى والتلمود ( ).
وفي أثناء تعليقه على قوله تعالى: ﮋﯘﯙﯚﯛﯜ ﯝ ﯞ ...ﮊ [البقرة: ١٣٣]، يقارن النص القرآني بنص توراتي( )، وهو بذلك قد أكد ما أراد نفيه، فهو كان يريد أن ينفي أن القرآن كلام الله تعالى، وعند المقارنة مع النص التوراتي تبين أن هناك تشابها بين النصين من حيث مضمون الآية وهذا يؤكد أن القرآن قد تلقاه محمد الأمي صلى الله عليه وسلم من الله العليم الحكيم، لأن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يقرأ ولم يكتب ولم يتلق العلم مـن أحـد، فكيـف علـم مضمـون التـوراة التي لم تكـن مترجمة في عصره؟
4- يتجاوز رودويل كل الحدود عندما يقلل من شأن القرآن الكريم بافتراءاته التي وضعها في الحواشي ضد نبي الإسلام والقرآن الكريم بتعمد( ).
أ- عند تعليقه على قوله تعالى: ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﮊ [البقرة: ٦١]، يقول: ((يدل هذا النص على الجهل الكبير لنبي العرب صلى الله عليه وسلم))( ) ـ حاشاه ألف ألف مرة _.
5- يقول في تعليقه على الآيات في بداية سورة الروم ﮋ ﮫ * ﮭ ﮮ * ﮰ ﮱ ﯓ ...ﮊ: ((تتكلم هذه الآيات عن هزيمة الفرس على يد هرقل عام 625م، ويلجأ المسلمون إلى هذه الآيات لإثبات تلقي نبيهم الوحي، ولكن من الجدير ذكره الإشارة إلى أن هذه الآيات لم تكن مشكولة وقتذاك، وكان يمكن للقارئ أن يجعل الفعل في الاية مبنيا للمعلوم أو للمجهول، فيكون التنبؤ صحيحا، أو أن الفقرة ألفت بطريقة تكون صحيحة في أية حال من الأحوال))،( ) وقد علق الحاج حافظ غلام سرور على هذا الرأي بأنه من أسوأ تعليقاته على القرآن الكريم ( ).
الرد على مزاعم رودويل حول آية الروم:
1-5 إن قوله: ((ويلجأ المسلمون إلى هذه الآيات لإثبات تلقي نبيهم الوحي))، هو قول يرده الواقع من وجوه: أ-اتفقت معظم الروايات على أن هذه السورة مكية وأن بدايات السورة نزلت في مكة، وتثبت الروايات أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه راهن المشركين مؤكدا وقوع غلبة الروم على الفرس في بضع سنين وكسب الرهان، وقد أقدم أبو بكر الصديق على هذا الرهان بعدما نزلت هذه الآيات وسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن مضمونها فأكد له نصر الروم على الفرس في بضع سنين وطلب صلى الله عليه وسلم من أبي بكر أن يبالغ في الرهان قبل أن يحرم الرهان وينسخ بتحريم القمار ( )، فخرج أبو بكر الصديق يصيح في نواحي مكة ﮋ ﮫ * ﮭ ﮮ * ﮰ ﮱ ﯓ ...ﮊ فلما دخلت السنة السابعة من نزول الآية ظهرت الروم على فارس.. وأسلم عند ذلك ناس كثير كما روى الترمذي( ). فهذا الخبر وأمثاله من أخبار الغيوب التي لا يقف عليها إلا رب العالمين، أو من أوقفه عليها رب العالمين، فدل على أن الله تعالى قد أوقف عليها رسوله صلى الله عليه وسلم لتكون دلالة على صدقه( )، يقول الزمخشري عند تفسيره لهذه الآية: ((وهذه الآية من الآيات البينة الشاهدة على صحة النبوة، وأن القرآن من عند الله تعالى؛ لأنها إنباء عن علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله))( )، فسبحان الله الهادي والمضل اهتدى بهذه الآيات أقوام وضل بها أقوام عميت أبصارهم عن الحق.
2-5 قوله: ((هذه الآيات لم تكن مشكولة وقتذاك)) ينبئ عن جهل عميق بالقرآن الكريم وبأدنى قواعد نطق اللغة العربية، فكيف يتصور أن يصدر كلام عربي بدون إعراب؟ وعندما كان ينـزل القرآن الكريم كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلوه فورا على أصحابه ويعلمهم إياه، وعندما نزلت هذه الآيات تعلمها الصحابة واستبشروا بها وفرحوا بنصر الله الموعود، وتحدوا بمضمونها المشركين وربحوا الرهان عليهم بعد حين، فكيف يقال مثل هذا الكلام بعد ذلك؟
3-5 أورد علماء التفسير قراءتين لهذه الآية في كلمة (غلبت)، بضم الغين وفتحها، فمن ضم الغين فيها فتح الياء في (سيغلبون)، ومن فتح الغين في (غلبت) ضم الياء في (سيغلبون) فيكون معناه: وهم من بعد غلبتهم فارس سيغلبهم المسلمون حتى يصح معنى الكلام، وإلا لم يكن للكلام كبير معنى إن فتحت الياء؛ لأن الخبر عما قد كان يصير للخبر عن أنه سيكون، وذلك إفساد أحد الخبرين بالآخر. ولكن الطبري ومعظم المفسرين رجحوا قراءة الضم على الفتح، ولهذا قال الطبري: ((والصواب من القراءة في ذلك عندنا الذي لا يجوز غيره (الم غلبت الروم) بضم الغين لإجماع الحجة من القراء عليه))( )، وقد أكد ذلك القرطبي واعتبر أن القراءة بفتح غين (غلبت) ضعيف وقال: ((وفي هذه القراءة قلب للمعنى الذي تظاهرت الروايات به))( ). فالعلماء تنبهوا لتعدد القراءات ووجهوا الآيات توجيها صحيحا منطقيا ورجحوا بين القراءات، لا كما فعل رودويل بزعمه الباطل غير المنطقي أن الآيات لم تكن مشكولة، بل هي كانت مشكولة نطقا لا كتابة، وإلا فأين التحدي في الآيات؟ وأين وجه الإعجاز في الآيات إذا هي كانت تسرد حدثا علم به الجميع: المسلمون والمشركون في مكة؟
6- عندما فسر قوله تعالى: ﮋ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏﮊ
[الإسراء: ١١٠]، وترتيب السورة الأصلي هو (17)، وعند رودويل هو (67)، علق قائلا: ((إن محمدا صلى الله عليه وسلم أراد ربط اسم (الرحمن) باسم (الله) فرأى أن المشركين يظنون أنهما إلاهان فحذف (الرحمن) من بقية السور))( ).
لقد أخطأ رودويل في هذا الرأي من وجوه:
1-6 جعل رودويل ترتيب سورة الإسراء رقم (67)، مع أن رقمها حسب الترتيب الأصلي هو (17)، ومع ذلك ذكرت كلمة (الرحمن) في 46 سورة من أصل 47 سورة تلت سورة الإسراء حسب ترتيب رودويل، وذلك في بدايات كل سورة حيث تبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم( ). بالرغم من هذه الحقيقة وهي ورود اسم (الرحمن) في 46 سورة بعد سورة الإسراء، فقد زعم رودويل أن النبي صلى الله عليه وسلم حذف اسم (الرحمن) من هذه السورة!!
2-6 إن سورة النمل التي يجعل رودويل رقمها 68، أي بعد سورة الإسراء مباشرة، نجد في هذه السورة الآية التالية: ﮋ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮊ [النمل: ٣٠]، فسبحان الله كيف لم يتنبه لذلك رودويل؟ فهو لو قلب الصفحة لوجد اسم (الرحمن) مقابلا للكلام الذي ينفي فيه وجود هذا الاسم الكريم المبارك بعد سورة الإسراء( ).
3-6 نجد في سور عديدة جعلها رودويل بعد سورة الإسراء ذكرا صريحا لاسم (الرحمن) وذلك في مثل:
1-3-6 سورة فصلت ورقمها 71 حسب ترتيب رودويل، وترتيبها الأصلي هو41، نجد قوله تعالى: ﮋ ﭑ* ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﮊ [فصلت: ١ – ٢].
2-3-6 في سورة الرعد ورقمها (90) حسب ترتيب رودويل، وترتيبها الأصلي هو 13، نجد قوله تعالى: ﮋ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﮊ [الرعد: ٣٠].
3-3-6 في سورة البقرة التي يجعل رودويل ترتيبها 91، وهي حسب الترتيب الأصلي رقم 2، نجد اسم (الرحمن) في قوله تعالى: ﮋ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﮊ [البقرة: ١٦٣].
يقول محمد مهر علي معلقا على زعم رودويل حول حذف اسم (الرحمن) من السور التي تلي سورة الإسراء:
((في كل هذه الأماكن ـ أي التي ذكرت فيه كلمة (الرحمن) ـ يترجم رودويل الكلمة God of Mercy أو Compassionate، هذا إضافة إلى البسملة على رأس كل سورة بعد سورة الإسراء التي يترجمها في كل مكان. والحقيقة هي أن رودويل لم يتمكن من التعرف على تناقضه وكذبه، وذلك من شدة رغبته في تشويه القرآن))( ).
يتبين مما سبق أن كلام رودويل لا تؤيده الحجة والبرهان، وإنما هو مدفوع بسوء نيته وعدائه للإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الله يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون والكافرون.
الخاتمة والتوصيات
يمكننا بعد أن عرضنا لترجمة رودويل أن نختم بالقول:
1- إن التلاعب بترتيب السور القرآنية خلافاً لما أجمع عليه المسلمون في الدنيا كلها (منذ 14 قرنا) وأولهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهو أمر خطير جداً، وترتيب سور المصحف على الأرجح توقيفي وهذا ما رجحه العلماء المحققون كما أوضحنا سابقا. ولهذا لا يجوز لرودويل ولا لغيره أن يتلاعب بترتيب المصحف أثناء الترجمة، ويجب منع أي ترجمة تقوم على هذا الأساس ولو كان مضمون الترجمة صحيحا؛ لأن في ذلك مخالفة لما أجمع عليه المسلمون، ولا تجتمع أمة الرسول صلى الله عليه وسلم على ضلالة.
2- مهما قال المستشرقون عن مصدر القرآن وأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو الذي ألفه فإن ذلك لا يقوم على دليل ولا على حجة، وهم إنما لجؤوا لهذا الأسلوب بسبب عدائهـم للإسلام ونبي الإسلام، وصدق الله تعالى القائل: ﮋ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞﯟﯠﮊ [الأنعام: ٣٣].
إن الأمثلة التي سقتها عن الأخطاء العديدة في ترجمة رودويل تؤكد أنه لا يجوز لغير المسلم ولا غير المتبحر في العربية أن يقوم بترجمة القرآن الكريم.
وفي الختام فإنه قد بان للقارئ المنصف قيمة ترجمة رودويل للقرآن الكريم، فالتلاعب بترتيب النص القرآني، والمقدمة المملوءة بالأخطاء والافتراءات والجهالات عن الإسلام والنبي، مع الأخطاء الكثيرة في ترجمة النص القرآني، كل هذا يجعل هذه الترجمة من الناحية العلمية ترجمة ضعيفة وليست ذات قيمة. ومما يوصي به الباحث ضرورة منع هذه الترجمة من التدوال، وأن تعمل الأمة جهدا جماعيا لإخراج ترجمة جماعية للقرآن الكريم باللغة الإنجليزية، وإن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف قد قام بجهود يشكر عليها في هذا المجال نسأل الله تعالى أن تتم.
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المصادر والمراجع
أ- المصادر والمراجع العربية:
أبو شهبة، محمد، المدخل لدراسة القرآن الكريم، (القاهرة: 1972م).
الألوسي، محمود، روح المعاني، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، دت.).
البقاعي، إبراهيم بن عمر الرباط، تفسير نظم الدرر في تناسب الآي والسور، (حيدر آباد، 1398ﻫ/1969م)، ط 1.
ابن عطية، عبد الحق بن غالب، المحرر الوجيز، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1413ﻫ/1993م)، ط1.
بني عامر، محمد أمين حسن محمد، المستشرقون والقرآن الكريم، (إربد: دار الأمل للنشر والتوزيع، 2003م)، ط1.
الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي، تحقيق أحمد محمد شاكر وآخرون، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، دت).
الحميدان، عبد الله بن حمد عبد الجواد بن توفيق، بعض المحاذير اللغوية الواجب مراعاتها عند ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية، ندوة ترجمة معاني القرآن الكريم، تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل، 10-12 صفر 1423ﻫ الموافق 23-25 أبريل 2002م، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، المدينة المنورة.
الخطيب، عبد الله، دراسة نقدية لترجمة ن ج داود للقرآن إلى الإنجليزية، مجلة التجديد، الجامعة الإسلامية العالمية- ماليزيا - السنة السادسة، العدد الحادي والعشرين، فبراير-2001م.
الخطيب، عبد الله، ومسلم، مصطفى، المناسبات وأثرها على تفسير القرآن، مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والإنسانية، المجلد2، العدد2، ربيع الثاني 1426ﻫ، يونيو 2005م.
الرازي، فخر الدين محمد بن عمر، التفسير الكبير، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1421ﻫ/2000م)، ط1.
رضوان، عمر بن إبراهيم، آراء المستشرقين في التفسير، دراسة ونقد، رسالة دكتوراه، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1410/1411ﻫ.
الرومي، فهد بن عبد الرحمن، دراسات في علوم القرآن الكريم، الرياض: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، 1422ﻫ/2001م، ط10.
الزرقاني، محمد عبد العظيم، مناهل العرفان في علوم القرآن، حققه فواز أحمد زمرلي، (بيروت: دار الكتاب العربي، 1417ﻫ/1996م)، ط2، ج: 1.
الزركشي، محمد بن بهادر بن عبد الله، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، (بيروت: دار المعرفة، 1391ﻫ).
الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف، تحقيق عبد الرزاق مهدي، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، دت).
السامرائي، فاضل، التعبير القرآني، (عمان: دار عمار، 1418ﻫ/ 1998م) ط1.
السندي، عبد القيوم بن عبد الغفور، صفحات في علوم القرآن، (بيروت: دار البشائر الإسلامية، 1422ﻫ/2001م)، ط2.
السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، الإتقان في علوم القرآن، تحقيق سعيد المندوب، (بيروت: دار الفكر، 1416ﻫ/1996م)، ط1.
الصالح، صبحي، مباحث في علوم القرآن، (بيروت: دار العلم للملايين، 1997م)، ط20.
الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان، (بيروت: دار الفكر، 1405ﻫ).
عباس، فضل حسن، إتقان البرهان في علوم القرآن، (عمان: دار الفرقان، 1997م)، ط1.
العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، فتح الباري، تحقيق محب الدين الخطيب، (بيروت: دار المعرفة، دت. ).
العيني، محمود بن أحمد، عمدة القاري، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، دت).
فرحات، أحمد حسن، في علوم القرآن- عرض ونقد وتحقيق، (عمان: دار عمار للنشر والتوزيع، 2000م).
القضاة، أحمد محمد مفلح، دراسات في علوم القرآن والتفسير، (عمان: 2005م)، ط1، ص: 71.
القطان، مناع، مباحث في علوم القرآن، (الرياض: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، 1417ﻫ/1996م)، ط2.
القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، (القاهرة: دار الشعب، د تاريخ، د مكان طبع).
مقدمتان في علوم القرآن، مقدمة ابن عطية، ومقدمة كتاب المباني، تحقيق آرثر جفري وتصويب عبدالله إسماعيل الصاوي، (القاهرة، 1972م).
ابن محمد، عبد المحسن عبد الراضي، مناهج المستشرقين في ترجمات معاني القرآن الكريم، ندوة ترجمة معاني القرآن الكريم، تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل، 10-12 صفر 1423ﻫ الموافق 23-25 أبريل 2002م، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، المدينة المنورة.
مهر علي، محمد، ترجمة معاني القرآن الكريم والمستشرقون-لمحات تاريخية وتحليلية، ندوة ترجمة معاني القرآن الكريم، تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل، 10-12 صفر 1423ﻫ الموافق 23-25 أبريل 2002م، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، المدينة المنورة.
مهنا، أحمد إبراهيم، دراسة حول ترجمة القرآن الكريم، (القاهرة: مطبوعات الشعب، 1978م).
نخبة من العلماء، التفسير الميسر، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف (المدينة المنورة، 1419ﻫ).
النورسي، سعيد، المكتوبات، ترجمة إحسان قاسم الصالحي، (القاهرة: دار سوزلر للنشر، 1413ﻫ/1992م).
ب- المصادر والمراجع الأجنبية: References
Binark, Ismat, and Eren, Halet, World Bibliography of Translations of the Meanings of the Holy Quran Printed Translations 1515-1980, (Istanbul: Renkler Matbaasi, 1406/1989), Research Centre for Islamic History, Art and Culture.
Dawood, N. J., The Koran Translated, (London: Penguin Books, 1993).
Khan, Mofakhar Hussain, ((English Translations of the Holy Quran: A Bio-Bibliographic Study)), in The Islamic Quarterly, (1986), London, 30, (2).
Mohar Ali, Mohammad, A Word for Word Meaning of the Qur'an, (Ipswich: Jam'iyyat Ihyaa Minhaj al-Sunnah, 2003), 1st. ed..
Palmer, E. H., The Quran, in The Sacred Books of the East, ed. F. Max Muller, (Oxford: Clarendon Press, 1880).
Rodwell, J. M., The Quran, ed. Alan Jones, (London: Everyman, 1999).
Sale, George, The Koran, Translated into English from the Original Arabic, ed. by Wherry E. M., (London: Kegan Paul Trench, Trubner and Co Limited, 1896).
Sarwar, Al-Hafiz Ghulam, Translation of the Holy Quran, from the Original Arabic Text with Critical Essays, (Surry, n.d), 1st ed.
Watt, W. Montgomery, Bells Introduction to the Quran, (Edinburgh: Edinburgh University Press, 1997.
Woolworth, Wm. Sage, ((A Bibliography of Koran Texts and Translations)), in Muslim World, 17, (1927).
Yusuf Ali, Abdullah, The Holy Quran, Text, Translation and Commentary, (New York: Tahrike Tarsile Qur'an, Inc, 1987).