السلفيّة الشيعيّة في لبنان: حقيقة أم تضخيم؟

رنة جوني

"السلفية"، حالة مرضية ولدت على أرض كلمات مضطربة، ما يجعل من المستحيل فرض تعريف مفهومي إصطلاحي لها، رغم أن إنزلاقاتها تزداد وتتشدد، قد تكون كشكول ينطوي على وقائع ومواقف متناقضة، جاهزة وقابلة لكل المساومات "التشرذمية" بإسم الدين، علما أن ضواحي "السلفية" ترتكز على "قشرة تزييف" واضحة للعيان، تنفذ أجندة غربية مهمتها وضع العالم الإسلامي تحت سطوة القوى الامبريالية التي تقوم على توظيفها في شتى الايديولوجيات، وها هي اليوم تتمدد بقوة في الأرض السنية الخصبة، فيما ينفتح السجال على مصراعيه هل هناك "سلفية شيعية" في جنوب لبنان أم لا؟

 

هذا التناحر في المعنى الموزون حول السلف والسلفية والاصولية، يندرج ضمن مهاترة سياسية هجومية للانتقاص من استقرار الشيعية وقد يكون لها وجهةً سلبية، ولكن كيف يتم قراءة السلفية الشيعية اليوم وفي الجنوب تحديدا؟ بل كيف يجري تدوير كل زوايا هذه الحلقة المفرغة التي يرفض كثر الاقرار بها هل هي موجدة؟ واين؟ وكيف يجري تنقيح الطائفة منها؟

 

قد يعتقد البعض ان المغالاة في تنفيذ الشعائر الدينية سلفية، وقد يرى البعض الآخر أن التشدد المطرّد من قبل بعض الاحزاب الشيعية "سلفية"، في حين يذهب البعض الآخر إلى إعتبار أن السلفية "ما هي إلا هجمة جديدة على "الشيعية" لتصويرها على أنهم "بعبع" كي يسهل تفتيتها ووضعها في "شرنقة" اتهامها بـ(إصولية)، ذات عقد فكرية متشددة، أقرب إلى السلفية السنية.

 

السؤال وحده كفيل أحيانا بجلاء الصورة، في محاولة لتفكيك ألغام هذا "العدو الآخر" الذي بدأ هجومه على الطائفة تحت عنوان "السلفية الشيعية". وكيف يقرأ الشارع الجنوبي "السلفية الشيعية"؟

 

السلفية من منظار علماء شيعة

ماذا عن السلفية الشيعية"هل هي موجودة أم مجرد بدعة؟ وهل "المغالاة في إظهار الشعائر الدينية "سلفية"؟

يرى إمام أحد مساجد النبطية الشيخ أحمد صادق أن لا سلفية شيعية ولا أصولية، بل هي بدعة حتى عند السنّة أيضاً، معتبراً أن "عنوان السلفية" وضعه الغرب، وهذه المسميّات الجديدة لا علاقة لا للدين ولا للشيعة بها. نحن نتبّع  مذهب أهل البيت أي الإثنا عشرية، بغضّ النظر عن المذاهب الأخرى الاسماعلية وغيرها"..

 

ومن المؤكد أن السلفيّة وضعت من قبل أناس أرادوا التفرقة بين المسلمين ولا أثر لها ولكن "لا يخفى على الجميع بروز خلافات بين المذهب" إنما من خلال الأمور الدينية والأحكام التكليفية".

ولكن من يُسعّرها هم "الحكام الذين يستغلونها". السلفيّة هي مشروع للتفرقة بين المسلمين، والحكام هم من يضعونها للتفرقة من اجل حفظ مناصبهم.

 

يحاول صادق أن يخرج بمقاربة واضحة تدحض فكرة "تعشش" السلفية داخل بيت "الشيعية" فهو يقيم مواربة تاريخية ينطلق فيها من " تعدد المذاهب منذ الخلافة الإسلامية، زمن خلفاء بني أمية وبني العباس "الحنفي، الشافعي، العلوي وغيرها..

 

أما الطائفة الشيعية فهي مذهب واحد منذ زمن النبي محمد(ص)، مستشهدا بقول للرسول للإمام علي(ع) "أنت وشيعتك الفائزون بالجنة". فالشيعة متمسكون بالأئمة الذين ذكرت أسمائهم في كتب السنّة والشيعة.

 

ويقف صادق عند عتبة الشعائر الحسينية حيث يصف بالمغالاة في إحيائها، إن لجهة التطبير، أو اللطم و إستمرار احيائها حتى الأربعين، قائلا أن "ممارسة الشعائر الدينية والحسينيّة على وجه التحديد تُقام منذ قديم الزمان، وهي تقوى وتضعف بحسب الوضع السياسي القائم، ولسنا نغالي بها"، مقراً "أن الإختلاف في هذه الشعائر يكمن في تطبيقها العملي فقط. كل واحد يعبر ويحزن على طريقته، كل مجموعة تواسيه بما تحمل من حبّ له، فمنهم من يضرب رأسه بالسيف، والبعض يكتفي باللطم، والبعض يتخذه" كعنوان للعزة والكرامة".

 

أما أستاذ حوزة الإمام الحجة"عج" في بلدة البياضة السيد عبد الله فحص فيؤكد أن " لا يوجد سلفية عند الشيعة، بل هذه تهمة أكثر مما هي حقيقة، بل بدعة تندرج في باب الحرب على الشيعة وإحداث الشرخ وتقسيمهم الى سلفيين ومعتدلين ومتطرفين. ومن يقرأ التاريخ المعاصر يعرف ان قضاياهم وهمومهم مشتركة مع كل الطوائف، لا يوجد حالة انفصالية سلفية تصطدم بالشرائح الآخرى، معتبراً أن "السلفية مشروع حكّام لإثبات وجودهم".

 

فهؤلاء الحكام "يحاولون أن يصوروا الإسلام "فوبيا" تحت مصطلح جديد غير مألوف يثير الرعب والقشعريرة، ويساهم في تعزيز إنتشارها الإعلامي".

 

لا ينفي فحص وجود من هو متطرف بكلامه "ولكن هذا لا يشكل حالة ولا ظاهرة، بل فكر شخصي لا تأثير له"، إذ " هناك ميزان ومن يتجاوزه يجد نفسه وحيدا، فهناك ضوابط تقدّمها المرجعية، على عكس السلفيّة السنيّة حيث الأسس متوفرة.

 

فنحن تاريخيا وبحسب الروايات لا يوجد للسلفيّة أسس عندنا، ضارباً المثل بظاهرة الشيخ أحمد الأسير السنيّ التي لها أسس لها فكر سلفي ولها منظرين، ومبادئ معينة غير متوفرة عند الشيعة.

 

إذا لا سلفية شيعية، ولا تزمت ديني، رغم انه هناك قراءة واضحة تصوّب سهام السلفيّة المتطرفة الفكرية ناحية "الشيرازيين" الذين لا يندرجون في أطر سلفية وإنما يتبعون إسلوب التحريض الفكري ولعن الصحابة، ويستعملون عبارات صارمة ولاذعة، ولهؤلاء حضورهم شبه الضيئل على ساحات الجنوب، ويظهرون تشدداً محكماً الإقفال، يصعب على أحد إختراقه بالنظر الى التزمت الديني الذي يبرز من خلال الخطب أو الأفكار الذين يبثونها بين أتباعهم، ولا يخفي على البعض بروز جمعيات تعمل تحت إطار الثقافة والفكر، ولكن لها أهداف مبطنّة مضمرة، وتنفّذ أجندة خارجية بإسم "الدين".

 

اما الشيخ عادل حريري فيحاول أن يقف عند هذه الرؤية بالقول "البعض يحاول تشويه صورة جميلة تتناسب مع مبادئنا وقيمنا وأخلاقياتنا وديننا بأساليب وصور معينة، أما الواقع فمغاير على الإطلاق".

 

لا ينفي حريري "وجود بعض الشواذ الذي يظهر في الأحزاب والتنظيمات والجمعيات، ولكن لا تبنى عليه حالة عامة، كما أن مصطلح سلفيّة لا حضور له أبدا، إلا أن الأعداء الذين يتربصون بالأمة الإسلامية الشر، يحاولون زرع التفرقة وبذور الفتنة والفرقة بين الناس، بل يحاولون ادراج مصطلحات وتلبيسها لنا بما يخدم مصالحهم، لحجز شرخ في الطائفة. ولكن هذا الأمر محال، بل هو أمر بعيد المنال لأن أرض الشيعة ليست خصبة لهذه المندرجات التطرفية، ولأن للشيعة مرجعية، والرأي الذي يعبّرعنها ليس جميعة أو فرد أو تنظيم، وإنما المرجع الأعلى لها والذي يمتد في العالم الإسلامي عبر وكلائه في كل منطقة، وهذا سبب قوتنا.

 

يتضح جليا مما سبق أن "الكل يرفض فكرة السلفية الشيعية، ويقرون أنها هجمة "خارجية" لتصوير الشيعة على أنهم "بعبع"، وبالتالي يجب القضاء عليها، وهنا يرى حريري " أن من يسوّق للسلفية الشيعية ما هو إلا إعلام يريد أن يظَهر هذه الشعائر الحسينية على أنها تطرف ومغالاة، ولكن يمكن التأكيد أن السلفية إن حطت رحالها داخل وكر الشيعية فذاك يعني أن هناك حرباً ضروسا ستنشأ بين معسكرين خارجي، وجد له أرضية خصبة داخل أرض الخصم وهم "الشيعة"، وأتباع الشيعة أنفسهم الذين يرفضون هذه المقولة.

 

وبين الإثنين يبقى السؤال المحيّر:هل استفحلت "السلفية الشيعية"عبر أفكار متزمتة قد تتلاقى في بعضها مع "السلفيّة السنيّة"؟

 

سؤال، على رغم أنه ما زال مبهما، لكن يرى البعض أن السياسة المتبعة من قبل بعض الأحزاب قد تعرّضه ليكون "سلفيا".

المصدر: http://www.husseinalsader.org/inp/view.asp?ID=6047

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك