تحوّلات الفكر الإسلاميّ المُعاصر: المرجعيّات، المناهج، أسئلة التجديد
مع عصر النّهضة و«تخليص الإبريز في تلخيص باريز» لرفاعة الطّهطاوي، وما قام به الأفغاني وغيره من جهود، طرأ تحوّل جديد اقترن بحالة ذهولٍ حيال وافدٍ فكريٍّ رافق الغزاة الشّماليين، معبراً عن عصر العلم الحديث في الغرب من جهةٍ، ومؤذناً بتحدّياتٍ جديدةٍ سيواجهها العقل المسلم من جهة أخرى. فوجدنا أنفسنا أمام الوضعيّة العلميّة والتيّار الماديّ الماركسيّ بكلّ ما في جعبتيهما من تساؤلاتٍ وإثاراتٍ وأنماط لم نألفها من التفكير، وبدأت مرحلة التّعرّف والاستيعاب لمعطيات الوعي الإنسانيّ الحديث.
وقد أدّت متغيّرات عديدة دوراً في صياغة مختلف الصّدمات السّابقة على شكل جرحٍ نرجسيٍّ كبيرٍ (حسب التّعبير المفضّل لدى فرويد)، يستجمع، في نسيجه، سائر جراحنا التاريخية. وهو ما أدّى إلى ظهور اتّجاه أخذ يُعيد النّظر بجدية في نظامه الثقافيّ، ويُحاول أن يأخذ الدرس من كبوات العقل في الماضي، فاقترن العقد الماضي بتكوين ملامح لنظام ثقافيّ جديدٍ ألقى بظلاله على ما يُنتجه الفكر العربيّ والإسلاميّ. ويمكن القول: إنّنا ما فتئنا نلمح، في العقدين الأخيرين، نماذج لمرحلةٍ فكريّةٍ جديدةٍ تتباين مع سابقاتها، إذ تبلورت جهود عديدة حاولت إعادة النظر في موقفنا الفكريّ الراهن على مستوى مرجعيّاته ومناهجه وما تطرحه علينا هموم التجديد من أسئلة.
· دوائر التحولات
تتحرّك تلك التحوّلات الفكريّة في ثلاث دوائر مترابطة عضويّاً هي: المرجعيّات والمناهج وأسئلة التجديد أو الحداثة. وهذه المحاور هي بمثابة خارطة، أو بالأحرى قسم محدود من خارطة، تُحاول رسم ما يطرأ من تحوّلٍ وتجدّدٍ واستحداثٍ في تلك الدوائر الثلاث.
لا شكّ في أنّ المرجعيات عامل قسري في تطور المعرفة، إذ إنّ الفكر حركة من المبادئ إلى النتائج، والمبادئ معطيات ووعي وقناعات تمثل رؤية الإنسان حيال الأشياء وما يمتلك حولها من انطباعات. وفي ضوء هذا، يظلّ الفكر رهيناً بمجموعة المبادئ التي ينبثق منها. وبقدر ما ينفتح المرء على عالمه ويستوعب ما حوله يتّسع نطاق مرجعيّاته وتُتاح له آفاق أوسع في عمليّة التفكير.
ويقودنا حديث المناهج نحو مجالات غاية في التعقيد تعنى بها فلسفات العلم بما شهدته من تقدم كبير منذ ثلاثة قرون. والمنهج يستوعب ما هو أوسع بكثير من ادوات البحث وآلياته، إذ هنالك أهمية كبيرة لزاوية الملاحظة والعناصر التي يتكوّن منها موضوع الدراسة والصلاحية التي يمنحها العقل لنفسه أثناء التوظيف المنهجي.
وقد فرضت التحديات التي واجهناها في العصر الحديث أن يعود حديث المنهج ثانية بعد ما غاب منذ توقف الجدل في منطق المعرفة عند إشارات ابن سينا وشفائه وبرهانه، واقتصرت الجهود على الشرح والتعليق والتنقيح وتفكيك الأحاجي المنطقية والولع بتعداد ضروب الأشكال المنتجة في القياس الأرسطيّ.
نعم، عاد حديث المنهج اليوم لا ليستأنف المكرر من الأدوات، بل ليبحث عن جديد يمتلك تاهيلاً للتعاطي مع أسئلة العصر. ومع أنّنا لا نكاد نشاهد بلورة إبداعية متماسكة تخطّت الاختبار حتى الآن، سوى ما أسعفتنا الجرأة على استعارته من جوانب تمّ اقتطاعها من المناهج الحديثة، غير أننا نلمح إشارة هنا ومحاولة هناك ربّما ستتمخّض عن إسهامٍ منهجيٍّ في مجال فلسفة العلم.
ويمثل سؤال التجديد، او الحداثة، على تشعبه، المنطلق الرئيسي للتحول المنشود، فالسؤال هو التعبير الأكثر منطقية عن الحاجات الحقيقية، ومن المؤكد أن الامة التي تخفق في صياغة أسئلتها لن تكون قادرة على الحركة، ذلك أنّها لن تتمكّن حينئذ من معرفة ما تُريد بالضبط، كما ستعجز عن رسم طموحاتها. (هل استطعنا، حقا، حتى الآن، أن نُحدّد طموحاتنا أو أنّنا لا نزال نستنسخ مقاربة تقليدية للأمل تنطوي على عناصر الأزمة نفسها؟ ولعلّ هذا ما يُفسّر الإخفاقات المريعة التي مُنيت بها محاولاتنا في التّغيير وطرح البدائل).
وفي ما يتّصل بأسئلة الفكر ثمة سؤال مرجعي يحيلنا إلى التعامل معها بشكل مغاير لما جرت عليه العادة لدينا. ما الذي يدفعنا إلى تكوين إجابة حيال السّؤال؟ هل تمثل الإجابات تصوّراً نهائيّاً يُعالج ما يتضمّنه من إشكاليّةٍ أو أنّ الجواب لا يعدو كونه عمليّة إعادة إنتاج للتساؤل وصياغة متجددة للاستفهامات توسع إطارها وتستوعب أبعاداً أكثر في موضوعها؟ وعلى هذا الأساس ليس من الضروريّ أن ننتظر إجابات ترضي فينا روح الحسم والنهائية حيال أسئلة التجديد، وهي تتزايد يوماً بعد آخر. كما أنّه من المفترض أن يحملنا هذا التصوّر على التّعامل بقدر أقلّ من الحساسيّة مع الإجابات الجديدة التي ربما لم تكن سوى إعادة بناء للتساؤل نفسه في كثيرٍ من الأحيان.
· خطاب تقليديّ
على الصّعيد المعرفيّ سادت، في الخطاب العربيّ الإسلاميّ، محددات تقليدية لمفاهيم «الحقيقة والعلم واليقين»، وبالطبع فإنّها تجاوزت إطارها الإبستمولوجيّ لتلقي بتأثيراتها على نماذج التّحليل والتّنظير والولاءات والمواقف. فالحقيقة ليست شيئاً آخر سوى الرؤية التي تحملها الأنا أو تحتكرها، ولا يعبر العلم إلّا عن عمليّة كشف صارمة لقوانين أزليّة تربط مفردات الواقع، بينما اليقين ظاهرة يفرزها منهج يحمل طابعاً رياضيّاً معصوماً نمتلكه بوصفه أداة طيّعة في إنتاج المعرفة. وفي تكوينه للوعي التاريخي وجدنا الخطاب هذا وفي مستويات ليست بعديمة الأهمية يتشبّث مصرّاً بعنصرالمؤامرة في تكوينه للحقيقة التاريخيّة، فنراه يعزو سائر مظاهر الخلل التي تكتنف تجربته التاريخيّة إلى مؤامراتٍ يدبّرها الخصوم، ويسرف في اللجوء إلى هذا العنصر ليُدير من خلاله مختلف السّجالات والمعارك لينتج وعياً دسائسيّاً للتاريخ. وفي ما يرتبط بالنّظام السياسيّ، فما زلنا حتى هذه اللحظة نجد من يرى في الحكم إمارة يكون فيها النّاس عبيداً ورعيّةً، وتتمثل مشروعيّته بأساسٍ يخوّل «الأمير» صلاحيات تمنع مساءلته، وتحول دون خطئه أو سهوه، بل يبلغ الأمر ببعضهم إلى القول: إنّ وجهات نظر «الأمير» تُشكّل جزءاً من الشّريعة الإلهيّة، ما يعني أنّ الحديث عن تطابق آرائه ومواقفه أو تنافيها مع الشريعة ومصالح الإنسانية، هو شأن يفتقد أساسه المنطقي.
وحين نتخذ من هذه العينات نقطة لتحديد ما يجري من تحول، فإنّنا سنلاحظ اتّجاهاً حاول استيعاب الراهن الفكريّ الإنسانيّ كي يبلور من خلاله موقف الوعي بالذات والكون والحياة، رغم أنّ انفتاح الفكر العربي الإسلامي على المعطيات المعرفيّة الحديثة، لا يعني أنّه قد وظفها على الدوام في اتّجاهٍ هادفٍ يتوخى إعادة النظر في القناعات الموروثة واستجلائها نقدياً، وبناء موقف جديد يلبي الحاجات الملحة، بل كثيراً ما جرى توظيفها بشكل يؤدي إلى انتهاك منطقها الداخلي وآفاقها المنظورة.
· خطاب نقدي
وبالرغم من ذلك كله، فقد راح اتجاه التحولات (كما يحلو لي أن أسمّيه) يدرك مستويات متعددة للوعي بالحقيقة، وينفتح على طيفٍ فكريٍّ واسعٍ ومتنوّعٍ، فلا يُهرطق ما لم يألفه من صور الأشياء، كما يذعن بأنّ العلم لا يمثل بالضرورة أداة كشفٍ صارمةٍ بقدر ما هو فعل إنساني كثيراً ما يُمارس ولو بشكلٍ لا شعوريٍّ منح الانحيازات والميول شكلها المنطقيّ ليقدّمها بصورة نتائج مبرهنة. فلا يترشّح مفهوم اليقين لدى هذا الاتجاه عن هيكل حديدي من الوثوق لا يقبل الانخرام، بل يحافظ ازاءه على درجات من وعي الحقيقة وادراك تاريخية المعرفة، وهو ما يترك مسوغا لإمكانية المراجعة والنقد والحوار والاختلاف في وجهات النظر. كما لا تمثل قراءات السلف لديه مرجعية نهائية تجعله يستقيل فكريا ويسلم عقله ومنطقه الى اجتهاداتهم، بل يسعى الى مراجعتها والوقوف عندها لاسترجاعها بحاسة فاحصة نقدية. وليس هذا التصورللمعرفة والحقيقة والمرجعيات العلمية بشاذ عن ارثنا الحضاري؛ اذ نجد ان القرآن قدتناول اشكالية المنهج في بناء الايمان والعقيدة وتكوين الوعي، فجرى في آيات عديدة نقد المنهج الذي ساد قديما في الواقع العربي وغيره لدى اولئك الذين سوغوا بشكل لا منطقي تمسكهم بالارث العقيدي (واذا قيل لهم تعالوا الى ما انزل الله والى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا)، (بل قالوا انا وجدنا آباءنا على امة وانا على آثارهم مهتدون). والقرآن يستعرض هذا المنهج بوصفه تقليدا لا عقلانيا ويعيب عليهم التمسك بالثابت وما تم الاجماع عليه وما كان محل اتفاق الجمهور! اضافة الى اتهامهم الانبياءوالمصلحين وتيارات التنوير بتجاوز الثوابت العقيدية التي اجمع عليها الاباء والاجدادوتخط ي اصول الديانة التي قررتها اجيال من كهنة المعابد.
في وجه هؤلاء جميعهم، ينادي القرآن برفيع صوته: (ان يتبعون الا الظن وان هم الايخرصون)، (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين). ولم يقف القرآن عند ذلك، بل طرح منهجا بديلا لبناء العقيدة، فامر بالتدبر في الكون والوجود والنظر فيهما وتعقلهما:(قل سيروا في الارض فانظروا بدء الخلق)، وامر نبيه بالفهم والوعي والقراءة (اقرا باسم ربك الذي خلق... اقرا وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم). ان القرآن في حقيقة الامر لا يبتدع هنا منهجا جديدا في المعرفة، بل ينبه الى بديهيات المنهج الانساني القائم على الفكر والتعقل، وهذا شان العديد من النصوص القرآنية التي جاءت لتظهير حقيقة غيبتها مؤثرات متنوعة، وفي ذلك يقول الامام علي ابن ابي طالب:ان الهدف من بعثة الانبياء هو هذا التنبيه نفسه، وان الله بعث الانبياء للخلق «ليثيروا لهم دفائن العقول...».
· فرق بين الخطابين
وبينما استطاعت هذه الرؤية النقدية المتحررة أن تؤسس لنهضة حضارية وانسانية عظيمة، نجد ان حقبة التراجع العام في الحضارة الاسلامية سرعان ما استعادت شعارالغاء العقل، كان ذلك قدر يلازم حالات التردي والتخلف، فاغلق باب الاجتهادوراجت سوق التقليد للاباء والاجداد، حتى عاش المسلم قطيعة مع عصره الذهبي ايام كان واصل بن عطاء يقف في مسجد البصرة ليختلف علانية مع الحسن البصري، وهوشيخها الكبير، فيؤسس فرقة «تعتزل» مدرسة الاستاذ، وتمارس حقها في القراءة التي امر بها الله نبيه في اول كلمات اوحيت اليه. لقد كرست هذه القطيعة مختلف مظاهرالسقوط الحضاري المؤلم، وراحت تؤدي الى مشاغلة الفكر الاسلامي عن رهاناته الحقيقية وجره الى جدل عقيم قوامه رمي الخصوم بالكفر والهرطقة.
لكننا نجد، في المقابل، ان تيار التحول الاخير اخذ يحرص على وعي المعادلة القرآنية وتلبية دعوته سبحانه الى دين يجري تعقله والايمان به لا ترديده على اللسان اوالتعاطف معه بشكل مجرد، كما حاول انهاء مستويات القطيعة تلك، لا ليستلهم افق واصل بن عطاء وامثاله في اطلاق العقل وعدم التقيد بقراءات السلف وحسب، بل ليقراتلك التجربة من جديد في ضوء وعي العصر، وبما يناسب مختلف التحولات التي طالت الحياة المدنية والعلمية، ويقيم معها قطيعة من لون آخر قوامها الاسترجاع النقدي.وفي هذا الاطار جرى استيعاب الدلالة العميقة التي يرمي اليها قوله تعالى: (لا اكراه في الدين)؛ اذ ان هذا النص، من جهة اولى، تقرير الهي للحرية الانسانية وكرامة العقل وفقاللضرورة التي يحتمها علينا العصر، وهو من جهة اخرى رد منهجي على طريقة المشركين وجميع انصار التيار الظلامي في التعاط ي مع الفكر والعقيدة، وهو ما يلتقي بالتالي مع مبدا اسسه علماء الكلام، وانتقل بعد ذلك الى علم الاصول قبل بضعة قرون ضمن قواعد المستقلات العقلية، واعني به قاعدة «استحالة التكليف بغير المقدور». ذلك ان الافكار والقراءات ظاهرة نفسية وذهنية وعقلية غير خاضعة لاختيار الانسان وارادته، انها بالضبط كدقات القلب وحركة باقي العضلات غير الارادية، التي لا يمكن للمرء ان يتلقى اوامر في ما يتصل بالتحكم بها لان ذلك داخل في التكليف بغير المقدور
وعلى مقربة من المحددات التي تسعى الى ايجاد حالة من التوازن حيال مفاهيم «العقل والحقيقة واليقين»، ثمة شجب للدوغما السياسية، وتوظيف لمعطيات جديدة توفر اشكالا اخرى لمشروعية الحكم ومرتكزاته واولوياته، تاخذ فيه موقعها المناسب مفاهيم اصبحت من مفاتيح انقاذ الموقف الحضاري المتازم، كسيادة الامة ومجتمع القانون اوالمجتمع المدني والتعددية السياسية وحرية التعبير ورفض الوصايات غير المسوغة.. الخ. ليجري اعتماد استراتيجية لطرح الاسئلة الجذرية وممارسة البحث الجريء في عناصر التازم في الاشكاليات التي ظلت عالقة ومطوية في ادراج الحسم الايديولوجي والاطلاقيات المتسرعة، لتناول مفهوم خلافة الانسان في الارض بوصفها هبة الهية وتكريما ربانيا ومسؤولية تقع على عاتق الجميع بشكل متكافى، فينصت بامعان الى الدلالات الكثيفة لنصوص القرآن التي اكدت هذا الموضوع (ثم جعلناكم خلائف في الارض)، بعد ان تم استهلاك هذا «الخليفة» في دائرة الجدل السياسي والاجتماعي،واختزل عبر ادوات كلامية وفلسفية وسياسية خاصة ليصبح «اضافة اشراقية»، ولا يقع طرفا في حركة الكون، وهو ما جعله خاضعا لنماذج الرمز والكاريزما والزعيم الفذ التي صادرت ما جاء به مفهوم الاستخلاف القرآني من حرية، وراحت تجتزى سياسيا الحقيقة القرآنية فلا ترى منها الا ما وقع في سياق «...اولي الامر منكم»!
لا غرو في القول: ان هذا يعبر عن سياق التحول المشار اليه في اطار المقارنة بين تيارين رئيسين، اذ يعبر احدهما عن سعي دؤوب للتطابق مع الذات والتماثل معها بالكامل،واعني بالذات هنا مجمل الموروث الفكري والثقافي والقيمي اضافة الى افرازاته الراهنة نظير قوالب القيم الثورية الراديكالية ومختلف السياقات السلفية التي راجت خلال العقود الماضية. بينما يسعى التيار الاخر الى الدعوة للاختلاف مع الذات بمعنى استرجاع هذا الحشد كله من الموروثات والافرازات واستلهامه بشكل نقدي ومحاولة تطويره وتنقيته وتقويمه.
· صعوبة رصد التّحوّلات
لكنّ جزءاً من صعوبة المهمة في محاولة رصد التحولات الجارية في الفكر الاسلامي، يعود الى ندرة النماذج التي يتجلى فيها التحول، وهذا ما ينشا عن ظروف الانتاج الفكري لدينا التي تحرض على انتاج الجدل (بمعناه المرادف لفن الطوبيقا في المنطق)، وتسعى الى تغييب البرهان بوصفه محاولة اكتشافية، الامر الذي ادى الى تضخم في عدد المكتوب ونقص في ادائه، اذ ان الجدل يرافقه الاطناب، فهو يتطلب الاقناع ولا يتوقف الا حين يحقق هدفه ويتفوق على الخصم، اما البرهان فلا يتوخى سوى عرض دليل معين او تقديم تفسير محدد واضح. ان اجواءنا تزخر بمسوغات الجدل، حيث ان المشتغل في حقل الفكر لدينا هو بمثابة من يتحرك في ساحة معركة تتقاطع فيها الارادات وتتوزع في ضوئها جغرافيا القوة والهيمنة، فهو في الغالب لا يفكرداخل حلقة نقاشية ولا يجلس على طاولة حوار مستديرة.
المصدر: نصوص.