تيّارات الفكر الإسلاميّ المعاصر من الانتحار إلى الاعتدال

ناجح إبراهيم
التيارات الفكريّة الإسلاميّة تحتاج إلى من يرصدها ويدرسها، لتطوير الإيجابيّ منها، ونقد وتصحيح السلبيّ فيها، ويمكن تقسيمها إلى خمس تيارات رئيسية أوجزها فيما يلى:

1. تيّار الانتحار: وهو يبدأ بالتّكفير وينتهى بالتّفجير، ولا يؤمن بالتعددية الفقهية أو السياسية؛ وكلّ خلاف في الرأي معه هو «كفر وإيمان».. مع أن الخلاف في الفرعيّات كان عند الصّحابة والسلف هو «راجح ومرجوح». وهذا التيار أقام قطيعة مع مجتمعه المسلم.. ويعتقد أنّه يعيش في جاهليّة محضة، وليس له دواء إلا إشهار السيف.. لا يفرّق بين مسالم ومحارب، ولا بين أبي جهل وأبي طالب.. يحوّل الجهاد من وسيلة إلى غاية.. ويضع السيف دوماً في المكان والزمان الخطأ.

2. تيّار الاجترار: وهو يريد أن يعيش في الماضي وحده وينكفئ عليه، ويعتقد أن الرّشد قد انتهى عند السلف، وأنّه ما ترك الأول للآخر شيئاً.. يهتمّ بالواجب غافلاً عن قراءة واقعه.. يقبع في الماضي دون أن يقرأ الحاضر أو يستشرف المستقبل.. ينسى أن الإسلام وعلماءه يعطون في كلّ عصر ومصر، ولا يتوقف عطاؤه عند جيل واحد، فلكلّ زمن علماؤه وقادته الذين يحلّون مشاكله.. ينسون قول الله تعالى: «ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَقليلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ» الذي يذكّرنا بأنّ العطاء ليس مقصوراً على الأوّلين.

3. تيّار الاشتجار: وهو الذى يبحث دوماً عن المختلَف فيه، ويُعظّم من شأنه، ويُقلّل من شأن المتَّفق عليه، ويعقد على المختلف عليه رايات الولاء والبراء، ويُضيّق على الأمّة ما وسّعه الله عليها، ويُخالف قول السلف بأنّ الحقّ يتعدّد في الفرعيّات، ويدّعي أنّ رأيه في الفرعيّات هو كبد الحقيقة.. لا يراعي آداب الاختلاف.. يهيل التراب على كلّ مَن اختلف ، حتّى لو كان عالما عظيماً أو فقيهاً متميّزاً.. ينسى أنّ المتّفق عليه أكثر من المختلف فيه.

تجد منهم من ينصب الفاعل ويرفع المفعول، ويسبّ.... العلماء قائلاً «هم رجالٌ ونحن رجالٌ»، وكأنّنا في معركة على الذكورة والفحولة.

4. تيّار الانبهار: وهو الذي انبهر بحضارة الغرب، فلا يرى الخير إلا فيها.. يأخذ منها الصّالح والطالح، حتّى الذي أثبت علماء الغرب ضرره وفشله.. يقلّد الغرب في فصل الدين عن الحياة، وحصر الدين في المساجد والعبادات، ويأخذ السلبيّ منهم، في الوقت الذي لا يصنع فيه سيّارة ولا طائرة ولا صاروخاً.. لا يأخذ منهم العدل مع شعوبهم، أو قوّة جيوشهم، أو تقدّمهم العلميّ، وصدق إقبال فى قوله عنهم: «إنّهم أشبه بمن يُريد أن يُجدّد الكعبة فيجلب لها الحجارة من أوروبا«.

5. تيّار الاعتدال: وهو الذي أخذ بالوسطية الإسلاميّة فرفض الإفراط والتفريط.. والغلو والتقصير وجمع بين الواجب الشرعيّ والواقع العمليّ جمعاً لا يخلّ بأحدهما، وبيّن حاكميّة الله وحاكميّة البشر الراشدة المنبثقة من حاكميّة الله، يبشّر ولا ينفّر، يدعو ولا يقسو، يصدع بالحقّ ويرحم الخلق، يستفيد من الكتاب المسطور «القرآن» و«المنظور» الكون، يحترم حريّات الناس.. يقيم العدالة الاجتماعيّة.. يُعطي للأديان الأخرى حريّة العقيدة والعبادة والشعائر حتّى لو كانت تُخالف عقيدته.

المصدر: جريدة اليوم السابع.

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك