مناهج المستشرقين البحثية في دراسة القرآن الكريم
مناهج المستشرقين البحثية في دراسة القرآن الكريم
للدكتور حسن عزوزي
مقدمة في طبيعة مناهج المستشرقين
في دراسة القرآن الكريم
يسعى هذا البحث إلى تأكيد أن طرائق المستشرقين ومناهجهم في دراسة القرآن الكريم تختلف عن تلكم الموظفة في علوم أخرى، ذلك أن المنهج الاستشراقي العام في دراسة تاريخ القرآن وعلومه يكاد يكون غير علميّ، ومفصولاً عن سياق الموضوعية والحياد المطلوبين في كل بحث، وبالتالي في كل منهج علمي. لقد اهتم المستشرقون بدراسة علوم القرآن والتفسير اهتماماً بالغاً على اعتبار كونها علوماً خادمة للقرآن ومعينة على فهم مقاصده وأغراضه، ولاشك أن القرآنيات تشكل المجال الخصب الذي تواردت عليه أقلام كثير من المستشرقين سواء بالدراسة والبحث أو بالتحليل والنقد. ولقد بات من المألوف أن كل ما تعلق بالقرآن في دراسات القوم لا يمكن الاعتداد به ألبتة؛ لأنه لا مَحَالة محطم للمُسَلمات التي يجزم بها المسلمون، ومشكّك في البدهيات التي يؤمنون بها، وأصبح في حكم اليقين أن عالم المشرقيات عندما يتأهب لدراسة القرآن الكريم يضع نصب عينيه دعوى بشرية القرآن؛ محتملاً أن يكون مصدره من كل جهة إلا من السماء، وبالتالي، وبناء على هذا الاعتقاد الذي يصبح عند الرجل مُسَلَّمة بديهية، تأتي كل أبحاثه وجميع دراساته قد استوت على أساس غير صحيح، وانحرفت عن المنهج الصائب الذي يفرض نوعاً من التعاطف، أو على الأقل نوعاً من الاحترام النسبي للمصدر الغَيْبِي الذي ينبني عليه الوحي القرآني. إلا أن هذا لا يمنع من الاطلاع على ما يقال في حق القرآن الكريم، وبالتالي تبيُّن مناهج وآليات البحث لدى القوم.
إننا بالمقابل لا ننكر تغير المنهج الاستشراقي في هذا المجال نحو الأفضل والأحسن، فثمة فرق بين الاستشراق القديم والاستشراق المعاصر، لكنه فرق في الدرجة فقط وليس في النوع، لقد أضحى الاستشراق المعاصر أقدر على تفهم واستيعاب بعض قضايا ومسائل علوم القرآن وإيحاءاتها عكس ما كان سائداً قبل مطلع القرن العشرين؛ حيث كانت أبحاث المستشرقين القرآنية يطبعها منهج سافر يوجَّه من خلاله الشتم والسب في حق القرآن الكريم، والنبي عليه الصلاة والسلام.
ولا نُخفي أنه بعد الاجتهاد في الأمر والنظر ملياً في اتجاهات الاستشراق وتحولاته، تبين أن رجلاً لُقّب بشيخ المستشرقين في الدراسات القرآنية، كان يمثل فعلاً حلقة وصل بين المنهج الاستشراقي القديم والمنهج الاستشراقي المعاصر، ويمثل فكر الرجل الذي هو تيودورنولدكه (ت 1931م) Th Noldeke في هذا المجال كتابه الشهير ((تاريخ القرآن)) Geschichte des Qorans ( ) الذي يعد دستور المستشرقين في معرفة تاريخ القرآن، حتى أضحى الكتاب أبرز المصادر التي لا يستغني عنها الباحثون الغربيون في ميدان القرآنيات، فهو عرض تاريخي مفصل لكل المسائل والموضوعات التي تتصل بتاريخ القرآن الكريم وعلومه ومختلف مباحثه وقضاياه، منذ نزول الوحي إلى عصر المؤلف.
ومن أسباب شهرة الكتاب وتسنُّم صاحبه لمجد أثيل في أوربا – نرى معشر الباحثين المسلمين أنه لا يستحقه- اتِّباع نولدكه لطريقة في التأليف استرعت انتباه زملائه المتخصصين في سائر معاقل الاستشراق في أوربا وأمريكا؛ فقد حرص على إبراز سائر وجهات النظر الثابتة في مسألة من مسائل علوم القرآن؛ معتمداً في ذلك على استقصاء مختلف الآراء من مصادر عربية وأجنبية شهيرة ومغمورة، مخطوطة ومطبوعة على حد سواء، كما أنه اتبع في عملية الاستقصاء والاستقراء، ثم الاستدلال منهجاً أكاديميا صارماً لم يكن معهودا من قبل، وبذلك أمكن القول بأن نولدكه قد وضع منهجاً جديداً في الدراسات القرآنية. لعـل أبرز معالمـه الرجـوع مباشرة إلى المصنفات العربية اللصيقة بمجال القرآنيات، في الوقت الذي كان فيه المنهج الاستشراقي القديم يخلط بين شيء قليل مما هو مبثوث في المصادر، وما كانت تمليه تخيلات وتكهنات المستشرقين.
بيد أن الحقيقة المتمثلة في استعمال نولدكه لأدوات بحث جديدة، ولمنهج صارم في الدراسة والتحليل لا يمكنها أن تحجبنا عن استبصار حقائق أخرى تتمثل في سوء توظيف تلك الأدوات البحثية على نحو مبيَّت، فضلا عن القصور والخلل في المنهج المطروق.
ويمكن اعتبار كتاب نولدكه منعطفا بارزا في سياق البحث الاستشراقي في الدراسات القرآنية، ومما زاد تكريس هذا الأمر اهتمامُ المستشرقين المتأخرين كافة بالكتاب، واتكاؤهم عليه في أبحاثهم ودراساتهم، حتى إنه لا يكاد يخلو مؤلف في الموضوع من الاعتماد على الكتاب ومتابعة صاحبه فيما ذهب إليه من آراء ومواقف( )، ولا يمكن أن ننسى بهذا الصدد دور مدرسة نولدكه الألمانية في حقل القرآنيات، وهي مدرسة اشتهرت وَبزَّت غيرها من المدارس الأوروبية؛ حيث برز فيها ثلاثة رواد رابعهم شيخهم نولدكه الذي عهد إلى هؤلاء التلامذة شفالي Schwally، وأوتو برتزل O.Pretzel، وبرجشتراسر Bergstrasser مهمة تنقيح الكتاب والتعليق عليه، وهو ما حصل فعلاً عندما تم إخراج جزأين منه عام 1919م، في حين تم إصدار الجزء الثالث عام 1926م ( ).
لقد فتح نولدكه بكتابه هذا باباً وَلَجَه كثير من المستشرقين النـزاعين إلى دراسة القرآن الكريم، على نحو يرى أن الدراسات القرآنية لا يمكن أن تُبحث بمعـزل عـن الدراسات اللغوية والمناهج الفلولوجية واعتماد المصادر القديمة. ويمكن القول بأن كتاب نولدكه كان فصلاً فاصلاً بين عهد كان يدرس فيه القرآن على أساس أنه هرطقة ومجموعة من التخيلات والتصورات جاء بها نبي مزيف، وبين عهد أخذ ينظر فيه إلى القرآن بقدر _ ولو ضئيل _ من الاحترام على أساس أنه كتاب المسلمين المقدس، الذي يجب أن يدرس أسلوبه وتبحث مضامينه وينقب عن حلقاته. غير أن المستشرق الذي يدرس القرآن ولا يؤمن بكونه من عند الله تعالى مهما حاول التجرد من الهوى والتزام شيء من الموضوعية والحياد، فإنه واقع لا محالة في أخطاء فظيعة ونظريات واهية تتأرجح بين سوء الفهم تارة، وسوء النية تارة أخرى، فهذا نولدكه نفسه لا يتردد في الحكم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله _ وبئس القول _: ((صائغ غير موهوب لسور قرآنية مشوشة الأسلوب)) ( ).
لكن يمكن الاعتراف بأن المستشرقين المعاصرين لنا ابتداء من النصف الثاني من (ق 20م) هم أقدر على تحاشي أساليب الطعن والتجريح في حق القرآن الكريم ونبينا عليه الصلاة والسلام، فقد فرضت علاقات هؤلاء بالدول العربية والإسلامية وبشخصياتها العلمية قدراً من الاحترام والتعاطف، مما أمكن معه القول بأن قصور المناهج الاستشراقية المعاصرة في مجال القرآنيات أمر قد لا يظهر جلياً لغير القلة من المتخصصين في علوم القرآن ممن يستطيعون اكتشاف مواطن الخطأ والضعف في إنتاجات المستشرقين في هذا الميدان.
فهذا مونتغمري وات Watt يقول في مقدمة كتابه ((محمد في مكة)) وهو يوضح منهجه وطريقته في التعامل مع القرآن الكريم: ((فيما يتعلق بالمسائل الكلامية التي أثيرت بين المسيحية والإسلام، فقد جهدت في اتخاذ موقف محايد منها، وهكذا وبصدد معرفة ما إذا كان القرآن كلام الله أو ليس كلامه امتنعت عن استعمال تعبير مثل (قال تعالى) أو (قال محمد) في كل مرة أستشهد فيها بالقرآن، بل أقول بكل بساطة: (يقول القرآن). وأقول لقرائي المسلمين شيئا مماثلا، فقد ألزمت نفسي، برغم إخلاصي لمعطيات العلم التاريخي المكرس في الغرب ألا أقول أي شيء يمكن أن يتعارض مع معتقدات الإسلام الأساسية))( ).
فالرجل إذن تجاوز طريقة المستشرقين القدامى الذين كانوا ينسبون حديث القرآن ومعطياته إلى محمد صلى الله عليه وسلم بقولهم ( قال محمد أو ذكر محمد...)، لكنه في الوقت نفسه لا يستطيع أن يقول: (قال الله تعالى)؛ لأنه لا يؤمن بأن القرآن كلام الله. يقول المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون M.Rodinson (ت2004م): ((لو سايرت المسلمين في إيمانهم، ولو أخفيت عنهم حقيقة رأيي حول القرآن لكان ذلك أدعى لي إلى ربط علاقة وطيدة بيني وبين المسلمين وبين الحكومات الإسلامية، ولكنني لا أريد أن أخدع أحداً، وبإمكان المسلمين الامتناع عن قراءة كتابي ( يقصد كتابه عن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم)، والاطلاع على تفكير غير المسلم حول هذه القضية ولهم الحق في ذلك.....، فأنا لا أعتقد طبعاً أن القرآن هو كتاب الله، إذ لو كان الأمر كذلك لأصبحت مسلما.....))( ).
من جهة ثانية لا بد من الإشارة إلى أن هناك فئة من المستشرقين ممن تبين لهم عقم هذا المنهج التاريخي البالي وانسداد طرقه وعدم جدواه قد نحوا منحى جديداً في دراساتهم مستخدمين طرائق العلوم الإنسانية المعاصرة والمناهج التحليلية في نقد النصوص.
وهذه المحاولات قليلة ونادرة لا تتجاوز بعـض الكتب والأبحـاث المنشـورة في مجلات المستشرقين العالمية؛ لذلك يصعب الحكم مبكراً على مدى جديتها وجدواها. ويبقى أن حصيلة الدراسات القرآنية المعاصرة التي أنجبتها معاقل الاستشراق الغربية والتي تكفل لنا تكوين نظرة عامة عن مناهج المستشرقين المعاصرين في الدراسات القرآنية لا تتعدى كتب كبار المستشرقين التي اهتمت بالحديث عن تاريخ القرآن وعلومه، أو بموضوعات لها علاقة لصيقة بذلك.
من جهة أخرى لا نخفي ونحن نحاول استقراء مختلف مناهج المستشرقين المعاصرين في دراسة علوم القرآن وتاريخه صعوبة استبانة طرائق المعالجة وآليات المنهج الموظف والمطروق؛ نظراً لتباين الخلفيات الفكرية التي ينطلق منها القوم، وكذا تنوع مداخـل وطرق البحث المطبقة، ولهذا فإن الأمر يحتاج بالتأكيد إلى كثير من التنقيب والبحث واستعمال الحس النقدي الكفيل بمتابعة المستشرق في عمله خطوة بعد خطوة؛ من أجل الوقوف على معالم المنهج المتبع، ومواطن الخلل والضعف التي قد تطالها.
إن تناول المستشرقين لحقل القرآنيات شديد التعقيد والتداخل لا يمكن حصره وتصنيفه بيسر؛ لاختلاف مناهج المستشرقين وخلفياتهم الفكرية والثقافية التي ينطلقون منها في دراساتهم، وترجع صعوبة التصنيف أيضاً إلى تنوع مداخل وطرق تناول الموضوعات المرتبطة بالقرآن حسب تطبيقهم لها في الزمان والمكان.
إننا بقدر ما ننوي استعراض مناهج القوم في دراسة القرآن الكريم والتي تعتبر إلى حد بعيد مخلة بقواعد المنهج العلمي الصحيح، نرمي إلى تجاوز الإشارة إلى بعض الأعمال المفيدة التي قدمها زمرة من المستشرقين في مجال تحقيق ونشر النصوص المتعلقة بالدراسات القرآنية، مثل نشر ((التيسير)) و((المقنع)) وكلاهما للداني (ت444ﻫ)( ) وغاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري (ت833ﻫ)( ) وبعض كتب شـواذ القراءات ومعاني القرآن وغيرها. ويرجع لتلامذة نولدكه الألمان أكبر الفضل في ارتياد تحقيق النصوص القرآنية ونشرها، وهو ما كان يمثل بالنسبة إليهم جزءاً من مشروع ضخم شرع فيه هؤلاء بتأسيس معهد للأبحاث القرآنية بمدينة ميونيخ، وقد اهتموا بجمع كل المصادر المطبوعة والمخطوطة المتعلقة بالقرآن الكريم وعلومه مع الشروع في إنجاز أوسع وأضخم تفسير للقرآن يتمثل في وضع كل آية من آيات القرآن في علبة خاصة تجمع فيها تفسيرات الآية حسب مفسري القرآن منذ عهد الصحابة إلى عصرنا هذا.ورتبوا تلك الاقتباسات حسب زمن المفسر الأقدم فالأقدم، فكان من الممكن أن يعرف تطور التفسير لكل لفظة ولكل آية من القرآن. غير أن هذا المعهد الذي احتضن المشروع قد وقعت عليه قنابل الحرب العالمية الثانية فدمرته وأتلفت المشروع.
إن مثل هذه الأعمال الإيجابية لن نقف عندها؛ لأن مهمتنا في هذا البحث تقتضي الكشف عن مناهج هؤلاء المستشرقين في دراسة القرآن وعلومه والتي نؤكد مرة أخرى أن المستشرق مهما حاول أن يكون على درجة من الحيادية والتزام الموضوعية في أبحاثه القرآنية، فإنه لن يفلح في ذلك؛ لأن دراسات المستشرقين في مجال القرآنيات ليست كغيرها، لا لشيء إلا لكونها تنصبُّ على موضوع يرتبط بمسألة الوحي المحمدي الذي لا يؤمن به الباحث الغربي، ولا يمكن أن يتعاطف معه مبدئياً، وبالتالي لا بد أن تؤثر فيه قناعاته الدينية وخلفياته الفكرية في مجال البحث، كما أن المسائل القرآنية ترتبط بعالم الغيب الذي ليس بمقدور الحس أو العقل أن يدلي بكلمة فيها إلا بمقدار، إذ إن رؤية المستشرق العقلية والمادية لابد أن تمارس نوعا من التكسير والتجريح في حق القرآن الكريم وعلومه، فترتطم بذلك بالبدهيات والمسَلَّمات.
وننتقل الآن إلى استعراض بعض أبرز المناهج الاستشراقية في بحث علوم القرآن وقضاياه.
المبحث الأول: منهج التشكيك فيما هو قطعي
لقد انساق المستشرقون المعاصرون مع أسلافهم في اتباع منهج الشك والمبالغة في إثارة الشكوك حول الوقائع التاريخية الثابتة، والروايات الصحيحة المرتبطة بتاريخ القرآن وعلومه، واعتمدوا في ذلك على عملية الانتقاء بطريقة مغرضة وهادفة إلى ما يصبون إليه من نتائج عكسية، كما أن عدم ثقتهم في صحة النص القرآني دفعهم إلى الشك في أمانة نقله وسلامة تبليغه، إضافة إلى الشك في جمعه وترتيبه، وهكذا يدعي كثير من المستشرقين أن النص القرآني الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم قد نالته - بعد إفضائه به إلى الناس - تعديلات بالزيادة والنقصان خاصة في صورته المكتوبة ( )، ووجدوا في موضوع اختلاف المصاحف الخاصة التي كانت بأيدي بعض الصحابة ميداناً يخبُّون فيه ليشفوا رغبة في صدورهم: هي زلزلة العقيدة وفتح أبواب الشكوك والارتياب، فهؤلاء المستشرقون يعرفون أن الشك في نص يوجب الشك في آخر؛ ولذلك فهم يلحون في طلب روايات الاختلاف، وينقلونها في غير تحرز، ويؤيدونها غالباً، ولا يمتحنون أسانيدها، ولا يلتفتون إلى آراء علماء المسلمين فيها.
وقد جمع المستشرق الإنجليزي آرثر جفري Arthur Jeffery( ) الاختلافات المنسوبة إلى المصاحف الفردية لبعض الصحابة أمثال:
ابن مسعود، وأبي بن كعب، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس، وأبي موسى الأشعري، وحفصة، وأنس بن مالك، وزيد بن ثابت، وغيرهم، كما جمع الاختلافات المنسوبة إلى بعض مصاحف التابعين، وقد جمع ذلك من مختلف المصادر القديمة التي احتفظت بالروايات الآحاد والشاذة المنسوبة إليهـم، وبخاصة تفسير الطبري الذي استقصى الشيء الكثير من ذلك.
ومع أن بعضهم لا يجدون مناصاً من الاعتراف بأن بعض الاختلافات تبدو مستحيلة من الناحية اللغوية، وبعضها الآخر يشعر أنها مما اخترعه بعض اللغويين الذين نسبوها لهؤلاء الصحابة والتابعين، فإنهم يصفون مصحف عثمان (رضي الله عنه) بأنه أقرب المصاحف إلى الأصل ( )، ولا يقولون إنه الأصل الموثوق به نفسه، فهم يتحاشون الاعتراف بأن القرآن الكريم قد جُمع وفق منهج علمي رصين قوامه التوثيق والدقة والتثبت، وقد أجمع الصحابة على صحة هذا الجمع وتلقوه بالقبول والعناية، وأخذوا بما تضمنه من الأوجه والقراءات( )، ومن ضمن هؤلاء الصحابة _ بطبيعة الحال _ جميع الصحابة الذين حشد لهم آرثر جفري مصاحف خاصة تتضمن بعض الاختلافات، ومنهم علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) الذي قال: ((أعظم الناس في المصاحف أجراً أبو بكر فإنه أول من جمع ما بين اللوحين)) ( ).
كما أن زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير اللذين ذكر لهما جفري مصحفين خاصين كانا ضمن اللجنة الرباعية التي شكّلها عثمان بن عفان (رضي الله عنه) لجمع القرآن في عهده.
لقد أدرك المسلمون منذ قديم أن هذه المصاحف الخاصة التي أمر الخليفة عثمان (رضي الله عنه) بإحراقها على ملأ من الصحابة، وبموافقتهم _ ولم يبق منها شيء _ قد كتبها أصحابها لأنفسهم، وأنها عبارة عن تقييدات خاصة تضمنت ما كانت روايته آحاداً أو شاذة، وما نسخت تلاوته، فضلاً عن مختلف التفسيرات والشروح التي كانوا يسمعونها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحرصون على تقييدها للاستعانة بها في استيعاب مضامين الآيات القرآنية.
لقد وجد المستشرق ولش Welch كاتب مادة ((القرآن)) في دائرة المعارف الإسلامية في طبعتها الجديدة ( ) في انفراد ابن مسعود (رضي الله عنه) بمصحف خاص خال من ذكر المعوذتين( ) باباً يلجه كما ولجه غيره للتشكيك في مدى تواتر السورتين، وبالتالي التشكيك في مدى موثوقية القرآن الكريم، لقد حاول الرجل تدعيم ما ذهب إليه بنصوص منقطعة وضعيفة تصيدها من كتاب ((المصاحف)) لابن أبي داود وغيره من الكتب التي لم تتحر الصحة في النقل. ولا شك في أن الرأي المنسوب إلى ابن مسعود (رضي الله عنه) باطل من أساسه، وقد ردَّه كثير من العلماء منهم الإمام الباقلاني (ت 403ﻫ) في كتابه ((إعجاز القرآن)) فقال ( ): ((.....ولو كان قد أنكر السورتين على ما ادعوا لكانت الصحابة تناظره على ذلك وكان يظهر وينتشر، فقد تناظروا في أقل من هذا. وهذا أمر يوجب التكفير والتضليل، فكيف يجوز أن يقع التخفيف فيه؟ وقد علمنا إجماعهم على ما جمعوه في المصحف...)) ثم بين كيف أن الرواية المنقولة بهذا الصدد لا تعدو أن تكون خبر آحاد لا يسكن إليه، ولا يعول عليه. كما كذَّب الإمام النووي هذه الرواية فقال: ((أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة وسائر السور المكتوبة في المصحف قرآن، وأن من جحد شيئا منها كفر، وما نقل عن ابن مسعود _ في الفاتحة والمعوذتين _ باطل وليس بصحيح عنه)) ( ) وينقل النووي أيضا عن المازري قوله في تعليل هذه الرواية فيما لو كانت صحيحة: ((ويحتمل مما روي من إسقـاط المعوذتـين من مصحف ابن مسعـود أنه اعتقـد أنه لا يلزمه كَتب كل القرآن وكَتَب ما سواهما وتركهما لشهرتهما عنده وعند الناس)) ( ).
ولعل أبرز دليل على أن عدم كتابة المعوذتين في مصحف ابن مسعود لا تعني عدم حفظه لهما أن الفاتحة هي بدورها ليست في مصحفه، فهل يعقل أن ينكر ابن مسعود السورة التي لا صلاة لمن لم يقرأ بها.
فالمستشرقون إذن بالرغم من اقتناعهم بتواتر جميع سور القرآن جيلاً بعد جيل، ولاسيما أن التاريخ لم يذكر لنا تبني أية طائفة من المسلمين لهذا الرأي الباطل المنسوب إلى ابن مسعود، فإنهم يسعون إلى التشكيك فيما هو قطعي ومتواتر، وتنطق به ملايين النسخ من المصاحف المطبوعة في مختلف بقاع العالم. إضافة إلى خصيصة الحفظ في الصدور التي تميز الأمة الإسلامية، والتي تؤكد أن حفظ القرآن عن ظهر قلب بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر دليل على موثوقية النص القرآني وحفظه من كل زيادة أو نقصان.
المبحث الثاني: منهج الانتقاء في استعمال المصادر
لا شك أن فعالية المنهج المتبع في أية دراسة، تتوقف على قيمة المصادر والروافد المعتمدة؛ إذ هي القاعدة المغذية والمادة الخام التي ترتكز عليها الدراسة، فكلما كانت المصادر رئيسة وأصيلة وذات علاقة مباشرة بالموضوع، كانت الدراسة أقرب إلى حصول المراد المنشود والمبتغى المقصود من طرف الباحث.
وفي إطار البحث الاستشراقي يتبين أن المنهج المتبع في انتقاء المصادر المعينة على بحث الموضوعات المرتبطة بالقرآنيات يتنوع ويختلف تبعاً لطبيعة الموضوعات المطروقة من جهة، ولمدى موضوعية المستشرق وأمانته العلمية أو حياده على الأقل في توظيف تلك المصادر والنقل عنها من جهة ثانية.
وسنتحدث فيما يلي عن بعض النقاط التي تبرز لنا نوع الخلل المنهجي الذي ينال أحيانا بعض دراسات المستشرقين في هذا المضمار؛ إيماناً منا بأن دراسات المستشرقين في مجال القرآنيات ليست كغيرها _ لا لشيء _ إلا لكونها منصبَّة على موضوع يرتبط بمسألة الوحي المنَزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لايؤمن به الباحث، ولا يمكن أن يتعاطف معه مبدئياً، وبالتالي لابد من أن تؤثر فيه قناعاته الدينية في مجال البحث، ولعل أبرز مواطن الخلل التي يمكن الإشارة إليها ما يلي:
المطلب الأول: اعتماد عدد معين ومحدود من مصنفات علوم القرآن دون غيرها
وهذا أمر يمكن أن يلاحظه كل من تتبع بدقة بعض دراسات القوم في مجال القرآنيات، فعدد المصنفات العربية المتعلقة بعلوم القرآن المعتمدة من طرف المستشرقين محدود جداً، وهي في معظمها كتب جامعة لم تتحر الصحة والنقد والرواية السليمة( ) وهكذا نجد أن نولدكه، وبيل، وبلاشير، وبورتون في مجال جمـع القرآن الكريم لا يتجاوزون كتب المصاحف لابن أبي داود، والإتقان للسيوطي، والفهرست لابن النديم، في حين لا نجد عندهم اعتمادا يذكر على الروايات الصحيحة الواردة في كتب الصحاح والسنن أو في مقدمات المفسرين القرآنية (مقدمة ابن عطية _ مقدمة ابن جزي _ ومقدمة القرطبي وغيرها): كما لا نجد إشارة إلى كتاب أبي شامة المقدسي (ت 665ﻫ): المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بكتاب الله العزيز، أو كتاب ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (ت 794ﻫ) أوكتاب ((التبيان)) للنووي (ت 643ﻫ) أو كتاب ابن الجوزي ((فنون الأفنان في عجائب علوم القرآن)) أو ما جاء في فتح الباري لابن حجر(ت852) وغيره من شراح كتب الصحاح والسنن.
من جهة أخرى يلاحظ أن المصنفات المعتمدة لدى المستشرقين المعاصرين هي نفسها التي كان يعتمدها أسلافهم من المستشرقين القدامى، وذلك بالرغم من صدور كثير من الكتب الموثوق بها والمعتمدة في علوم القرآن، وهذا أمر يسهل التأكد منه من خلال الاطلاع على لوائح المراجع المعتمدة لدى المستشرقين المعاصرين مقارنة بما جاء لدى القدامى منهم. وبذلك يمكن القول بأن حصر المصادر ونوعيتها يكاد يكون تقليداً في البحث الاستشراقي، وهو يرمي إلى الإبقاء على الشبهات والافتراءات نفسها التي نسجها المستشرقون الأوائل، وذلك عن طريق الإشارة إلى الاقتباسات والإحالات ذاتها ثم الاستنتاجات والافتراضات نفسها، وهذا ما يلاحظ من خلال مادة ((القرآن)) التي حررها A.T.Welch في دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية في طبعتها الثانية. وهي مادة مطولة وجامعة لأبرز علوم القرآن التي درج المستشرقون على الخوض فيها ودراستها. والشيء نفسه يمكن ملاحظته في كتاب نولدكه ((تاريخ القرآن)) وكتاب جفري ((مواد من أجل دراسة تاريخ النص القرآني)) وكتاب جون بورتون ((جمع القرآن)) وكتاب بلاشير ((مدخل إلى القرآن)).
ومن نواحي الضعف المنهجية التي تدخل في السياق نفسه محاولة دراسة اتجاه معين في التفسير أو تيار معين في مجال من مجالات علوم القرآن من خلال نموذج أو نموذجين يتم اختيارهما، والوقوف عندهما دون غيرهما. مثال ذلك ما اعتمده جولدزيهر في كتابه ((مذاهب التفسير الإسلامي)) ( ) فقد كان يرمي إلى تحقيق افتراض بعينه اعتنقه مقدماً واعتسف من المقدمات واختار من الوسائل والأمثلة في تاريخ التفسير ما يوصله إلى ذلك الغرض، ويحقق له تلك النتيجة بعينها، فاقتصر على دراسة تفسيرين: تفسير الطبري، وتفسير المنار، وقد يكون من حق المؤلف أن يلتزم منهجا يسعف على تصوير افتراض يتخيله، ولكن ليس من الحق أن يقال إن جهده في هذا الصدد كشف صادق عن حقيقة التفسير عند المسلمين. لقد تخير جولدزيهر من مناهج المفسرين ما يخدم فكرته ويكشف عن أثر الالتزام المذهبي في توجيه النص وإنطاقه بمبادئ المذهب وعقائده، فاقتصر على دراسة تفاسير محددة (الطبري – الزمخشري-ابن عربي...) ولم يستقص بيان مذاهب التفسير كلها( )، وقد يكون من حق الباحث أن يسلك أي الطرق المنهجية في بحثه لكي يصبح من الواجب عليه حينئذ أن يلتزم أصول هذا الطريق طوال بحثه، وألا يؤمن ببعض المنهج ويكفر بالبعض الآخر، ولو فعل المستشرق ذلك واستقصى جوانب التفسير المذهبي كلها من تشريعية فقهية، إلى لغوية نحوية، أو أثرية موسوعية من خلال جميع كتب التفسير التي كانت – على الأقل- في وقته لتكشَّفت له حقيقة مغايرة، وهي أن النص القرآني نص خصيب متجدد وثري. فليس سهواً إذن أن يغفل جولدزيهر عن آثار أخرى في التفسير، وإنما هو التجاهل المتعمد ليبدو محصول المسلمين من التفسير في النهاية رذاذاً متناثراً فرقته الأهواء الحزبية والفكرية( ).
المطلب الثاني: انتقاء الروايات الضعيفة والمنقطعة من مصادر علوم القرآن.
يكاد يتفق منهج المستشرقين العام في الدراسات القرآنية على تعمد اختيار الأخبار الضعيفة والروايات المنقطعة في بطون المصادر العربية قصد بناء أحكامهم عليها، والتدليل بها على مقاصد وأغراض معينة.
ولقد وجد المستشرقون في كتب معينة ما أفادهم في ضرب بعض الروايات ببعض قصد التشكيك في مصداقية النص القرآني، كما أنهم قد يعتمدون بعض الروايات المنقطعة التي ترمي إلى نقض ما هو مشهور ومعروف لدى المسلمين عن تاريخ النص القرآني، إن ولش كاتب مادة ((القرآن)) في دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية( ) قد وجد فيما أورده السيوطي في إتقانه( ) من روايات مختلفة ومتباينة عن أول من جمع القرآن الكريم باباً يَلِجه، لكي يعرض أمام القراء جملة من الروايات الضعيفة التي تسند الأولية في جمع القرآن تارة إلى عمر رضي الله عنه، وتارة إلى علي رضي الله عنه، وينقل عن ابن أبي داود أيضا رواية مفادها أن أبا بكر رضي الله عنه بدأ بالجمع، ثم أكمل ذلك عمر رضي الله عنه، وينقل أيضاً رواية عن ابن سعد في طبقاته( ) مفادها أن عمر رضي الله عنه توفي ولم يكمل جَمْع القرآن.
فمختلف هذه الروايات الضعيفة والمنقطعة تتعارض مع ما جاء في صحيح البخاري من أن أول مَنْ جَمَعَ القرآن هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ( ). وقد وجد معظم المستشرقين في كتاب "المصاحف" لابن أبي داود (ت 316ﻫ) ضالتهم المنشودة، ومعروف عن ابن أبي داود أنه كان يجمع كل ما بلغه في شأن جمع القرآن واختلاف مصاحف الصحابة دون تمحيص أو تثبت.
المطلب الثالث: توليد النصوص والشواهد بتصيدها من كتب الأدب والتاريخ وغيرها
يختلف البحث الاستشراقي في حقل القرآنيات عن المنهج الإسلامي المؤسس على ضرورة اعتماد الموثوق من المصادر والمشهود له بالأولية والتميز، فالمصادر القرآنية الموثوقة ليس فيها ما يسعف القوم في تسويغ ما يَصْبون إلى تأكيده من أحكام مغرضة، واستنتاجات مغلوطة وخاطئة أريد لها أن تكون كذلك، ولهذا يلتجئ القوم إلى مصادر أخرى بحثاً عما يعينهم على بلوغ مأمولهم فيجدون بغيتهم في كتب الأدب والتاريخ وغيرها دون أدنى اكتراث بما يشكله اعتماد تلك المصادر في قضايا جوهرية ترتبط بالدراسات القرآنية من خلل منهجي كبير، ربما كان المستشرقون أول من نبهوا لخطورته وعواره في أبحاثهم الأخرى.
وهكذا مثلا يتم الاعتماد على كتاب مروج الذهب للمسعودي، وكتاب الأغاني للأصفهاني، وكتاب الفهرست لابن النديم، وكتاب الإحياء للغزالي، وكتاب الحيوان للدميري وغيرها( ) في دراسة علوم القرآن والتفسير.
وقد يهدف المستشرق من وراء ذلك إلى افتعال نوع من التشويش والبلبلة في الأذهان، كما فعل الفرنسي بلاشير في معرض حديثه عن عدد السور المكية والمدنية؛ حيث أحال في أحد الحواشي على كتاب ((الإتقان)) ثم قال بعد ذلك: ((حسب رواية يقدمها لنا ابن النديم في كتابه ((الفهرست)) فإن عدد السور المكية 85 وعدد السور المدنية 28))، ثم يعقب بقوله: ((لاحظوا فالمجموع 113 سورة!! ))( ) وهنا نجد الرجل الذي عرف بمنهجه الصارم وحسه النقدي في البحث لم يجرؤ على أن يقول: ((ربما وقع سهو في كلام ابن النديم أو أن العدد 86 تحول إلى 85 خطأً أثناء النسخ أو شيء من هذا القبيل ما دام إجماع الأمة الإسلامية، وكذا ما تنطق به الملايين من المصاحف المطبوعة على أن عدد سور القرآن 114 سورة.
والواقع أن كثيراً من المستشرقين ودعاة التغريب قد ألحوا على اعتماد مثل هذه الكتب، وأولَوها الاهتمام البالغ وأعادوا طبعها وأذاعوا بها، وحرضوا الباحثين من التغريبيين على اعتمادها مصادر ومراجع؛ وذلك لأنها تفسد الحقائق وترسم صوراً غير صحيحة ولا موثوقة عن واقع الأمور.
المطلب الرابع: إهمال المصادر القرآنية الأصيلة والاحتفاء بدراسات المستشرقين السالفة.
يبدو أن من أخطاء منهج المستشرقين في اعتماد مصادر ومراجع معينة تعمُّد عدم الاكتراث بموثوقيتها وأولوية بعضها؛ لهذا نجد أن المستشرق الذي يسعى إلى فرض فكرة معينة وتكريسها لا يلقي بالاً إلى المصادر التي ترمي مضامينها إلى نقيض ما يذهب إليه، وهو يعمد في الغالب إلى تقديم كتب ثانوية وغير موثوقة على ما هو معروف من كتب موثوقة ومعوَّل عليها، وهذا المنهج الخاطئ كفيل بأن يؤدي إلى نتائج مغلوطة وخاطئة أريد لها أن تكون كذلك.
ويبدو أن من أعظم أخطاء هذا المنهج المتمثل في عدم ترتيب المصادر حسب موثوقيتها وقيمتها تقديم كتب المستشرقين على غيرها من كتب العلماء المسلمين الأوائل في نقل الروايات، والنصوص القديمة.
إن بلاشير الفرنسي مثلاً لا يتوانى في الإحالة على كتاب ((تاريخ القرآن)) للمستشرق الألماني نولدكه كلما تعلق الأمر بذكر أحاديث نبوية أو روايات مأثورة( ) تختص بمسألة جمع القرآن - مثلا - والتي نقلها العلماء المسلمون في كتبهم، والمثير للغرابة أن يلجأ بلاشير في حاشية واحدة إلى الإحالة على كتاب نولدكه أولا، ثم يتبعه بكتاب الواحدي في أسباب النُّزول وتفسير أبي حيان، ثم الإتقان للسيوطي ( ). والمستشرق ولش في مادة ((القرآن))( ) يقول: ((لاشيء في القرآن يدل على أن معنى (الأمي) الذي لا يقرأ ولا يكتب، وبدل الرجوع إلى كتب التفسير يحيل مباشرة بعد قوله هذا على (نولدكه) في تاريخ القرآن (1/14)، وبيل في كتابه (ص33)، وبلاشير في مدخله (ص 6- 12).
ويعد لجوء المستشرقين إلى الإحالة على كتب زملائهم السابقين أولاً، ثم الإشارة بعد ذلك إلى المصادر العربية الأصيلة أمراً يكاد يكون مطرداً.
والأدهى من ذلك أن نعثر في كتاب بلاشير على حاشية يحيل فيها على كتاب نولدكه ثم يضع بين قوسين إشارة إلى أن نولدكه قد أسند نقله إلى الطبري في تفسيره، لكن تبين لبلاشير أن الإحالة غير صحيحة ونص عليها، ومع ذلك نجد الرجل لا يعير المسألة أدنى اهتمام، بل يمضي قدماً ويستشهد بما ذكره سلفه من نقول أو روايات تخدم هدفه ومرماه( ) إضافة إلى كل هذا فإن الترجمة من المصادر الأجنبية كثيرا ما يغير بها لفظ الشيء المترجم، وبخاصة إذا كان اسم مكان أو اسم شخص غريب لا علم للمترجم به، فلا ينفع في هذه الحالة إلا الرجوع إلى المصادر الأصيلة.
المبحث الثالث: منهج الأثر والتأثر
هذا المنهج يعني الأخذ بالنَّزعة التأثيرية، وهي نزعة دراسية يأخذ بها معظم المستشرقين الذين اعتادوا رد كل عناصر منظومة الإسلام بعد تجزئتها إلى اليهودية والنصرانية.
لقد كان المستشرقون القدامى أكثر اهتماماً بهذه النـزعة في كتاباتهم، حتى إن أحدهم وهو اليهودي أبراهام غايغر A.Geiger أصدر عام 1833م كتابا يحمل عنوانا مثيرا هو: ((ماذا أخذ القرآن عن اليهودية؟))( ) وقد كان هذا الكتاب إيذاناً ببداية حقبة جديدة في البحث الاستشراقي تهدف إلى التنقيب عن كل ما قد يبدو للمستشرقين في القرآن منقولاً ومستقى من اليهودية، وقد أقبلت أبحاث هؤلاء تفكك مضامين القرآن الكريم؛ لتردها إلى عناصر توراتية _ يهودية مزعومة.
ومما لاشك فيه أن الأحكام التعسفية المرتبطة بهذا المنهج تكون حاضرة في كتابات المستشرقين كلما وجد تشابه بين الموضوعات القرآنية والموضوعات المبثوثة في الإنجيل أو التوراة. وهكذا تكون القصص القرآنية مأخوذة _ في زعمهم _ عن القصص اليهودية والنصرانية. فرجيس بلاشير _ على الرغم من اعتداله في أحكامه _ يتحدث في كتابه ((معضلة محمد))( ) عن مصدر القصص القرآنية ذاكراً بالخصوص أنَّ مما لفت انتباه المستشرقين التشابه الحاصل بين هذه القصص والقصص اليهودية والنصرانية فيقول مثلا: ((إن التأثير النصراني كان واضحاً في السور المكية الأولى؛ إذ كثيرا ما تكشف مقارنة بالنصوص غير الرسمية كإنجيل الطفولة الذي كان سائداً في ذلك العهد عن شبه قوي)) ويعرض في هذا الصدد آراء بعض الباحثين مبيناً رأيه فيما يستنتج من العلاقات المستمرة التي كانت تربط بين مؤسس الإسلام والفقراء النصارى بمكة حسب زعمه.
ويذهب بعض المستشرقين إلى أن كثيراً من الأعلام الواردة في القرآن ذات أصل عبراني، حتى إن أحدهم وهو المستشرق الفرنسي اليهودي أندري شوراكي A.Chouraqui قد أصدر منذ أكثر من عشر سنوات ترجمة لمعاني القرآن انتقدها المستشرقون قبل غيرهم من المسلمين، وقد احتفظ فيها بالأصول العربية لبعض الألفاظ من غير ترجمة؛ إمعاناً منه في بيان أصلها العبراني كما يزعم ( ).
كما أنه يعطي كثيراً من الألفاظ القرآنية دلالات غريبة باللغة الفرنسية، وعند البحث العميق يتبين أن الرجل يريد القفز على المعاني المعروفة والمتداولة - والتي اتفق عليها مترجمو معاني القرآن - إلى معان شاذة هي في الأصل إحدى المعاني اللغوية لأصل اللفظة، لكن لا يصلح استعمالها لكي تؤدي وظيفة الترجمة المناسبة للفظة القرآنية.
إن شوراكي يذهب في مقدمة ترجمته لمعاني القرآن التي تقع في ثلاث وعشرين صفحة إلى أن لغة القرآن تكاد تكون أقرب إلى العبرية التوراتية منها إلى العربية المعاصرة ( )، وهو في ذلك يرمي بشكل غريب إلى أن معظم الألفاظ القرآنية لها ما يقابلها في لغته الأم، وبالتالي فإن مصدر القرآن الرئيسي هو التوراة، وهذا ما يبالغ في تأكيده في تعليقاته وحواشيه الكثيرة التي يمكن القول بأن معظمها إنما وضع أساساً لبيان أصول الألفاظ القرآنية – حسب زعمه - في التوراة ( ).
فعبارة (رب العالمين) يترجمها بـ Rabb des univers فيترك لفظة Rabb كما هي، لأنها تعني في العربية - كما يقول - نفس ما تعنيه في العبرية، ولفظة الشيطان يتركها كما هي Shaitan ويقول إنما هي مرادفة للمعنى التوراتي.
ولفظة الأمن يترجمها شوراكي بـ L’amen وهي - كما يقول - لفظة (توراتيـة) تدل على الملجأ والملاذ، ولذلك ترجم قوله تعالى: ﮋ ﯠ ﯡ ﯢ ﮊ [البقرة: ١٢٥ ] بقوله en lieu de retour et d'amen ولاشك أن القارئ الذي يجهل أصل كلمة amen التوراتي لا يستطيع أن يربط بين المعنيين.
إن هذا المنهج الذي يجعل القرآن متأثراً ومقتبساً من التوراة والإنجيل، ينفي بطبيعة الحال كل أصالة للدين الإسلامي ولربانية المصدر القرآني.والمستشرقون عندما يطبقون هذا المنهج على القرآن فإنهم يرجعون أسسه ومبادئه ومضامينه إلى أصول يهودية ونصرانية.
فهذا المستشرق المجري إجناس جولدزيهر I.Goldziher (ت1921م) يقول بشيء من التحايل والدهاء وهو يحاول النفاذ إلى القرآن بحثاً عن عناصر أجنبية يشده بها إلى أصولها المدعاة: ((القرآن مصدق لما سبق من الرسالات الدينية، وقد استصفى منها بعد فترة من الرسل ما هو من جوهر الدين)). ثم يحاول أن يعتسف من الأدلة ما يعزز دعواه فيقول: ((شعيرة الصلاة التي كانت بصورتها الأولى من قيام وقراءة وبما فيها من ركوع وسجود وبما يسبقها من وضوء تتصل بالنصرانية الشرقية. والصوم الذي جعل أولاً في يوم عاشوراء محاكاة للصوم اليهودي الأكبر، وفيما يتعلق بشعائر الحج التي نظمها الإسلام أو بالأحرى احتفظ بها من بين تقاليد العرب الوثنية جعل محمد صلى الله عليه وسلم أهمية كبرى لنية التقوى التي يجب أن تصحب هذه الشعيرة حين يقول: ((لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم))( ).
وهكذا يكون القرآن في نظر هذا المستشرق وغيره من زملائه اليهود قد تأثر بأفكار يهودية تسربت إليه، وتضمن مصطلحات وشعائر دينية يهودية اقتبست من التوراة، كما أن قصص الأنبياء وأسماءهم إنما أخذت عن اليهود، إنهم يريدون أن يلجؤوا إلى هذا المنهج الخطير الذي يزعم تأثر القرآن بغيره من الكتب السماوية لكي ينفوا ربانية المصدر القرآني، ولكي يثبتوا اختراق النصرانية واليهودية على وجه الخصوص للقرآن وتعاليمه.
إن تشبع المستشرقين بمنهج الأثر والتأثر راجع إلى كون هذا المنهج قد طبق بصورة صارمة في بيئتهم، ذلك أن النهضة الأوروبية قد تأسست على الحضارة اليونانية التي تعدُّ الميراث القديم للفكر الغربي، وهكذا كلما أنشئ مذهب فكري وديني جديد وجد له نظير في الحضارة اليونانية القديمة، ومن خلال هذا تم تطبيق هذا المنهج على كل معطيات التراث الإسلامي ومنها حقل القرآنيات، وذلك من غير اكتراث بأصالة التراث الإسلامي ذي الأصول والأسس الواضحة المؤسسة على معايير دينية أصيلة، مستمدة مباشرة من الوحي الإلهي المنَزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
المبحث الرابع: المنهج الافتراضي
إذا كان المستشرقون في منهجهم التشكيكي في الوقائع القطعية يشككون-كما سبق أن رأينا- فيما هو أدنى إلى الصدق، فإنهم في أخذهم بالمنهج الافتراضي يصدقون ما هو أدنى وأقرب إلى الكذب.
ولعل أبرز حقل قرآني مارس فيه القوم هذا المنهج هو ما تعلق بترتيب الآيات والسور في القرآن، إذ نجد معظم المستشرقين قد أبدوا في مسألة ترتيب الآيات على وجه الخصوص موقفاً مخالفاً لما هو مقرر لدى المسلمين من كون ترتيب الآيات أمراً توقيفياً لا خلاف فيه( ) فهم إذن، وانطلاقاً من منهجهم التاريخي الذي يفترض ترتيباً منطقياً يقبله العقل البشري، حاولوا افتراض ترتيبات جديدة يحكمها الهوى المجرد، وهذا الترتيب الجديد الذي قادهم إليه سلوكهم للمنهج التاريخي قد علق عليه المستشرقون أخطر النتائج في حقل القرآنيات، واتخذوه أكبر مدخل للطعن في صحة القرآن، وتضارُب أحكامه وخضوعه إلى الظروف الزمانية والمكانية.
فالمستشرق الانجليزي آرثر جفري يأتي مثلاً بفرضية حول سورة الجن فيقول: ((إن الآيات الخاتمة للسورة تختلف كثيراً في الشكل والأسلوب، وتظهر وكأنها قطعة غريبة وضعها جامعو القرآن أو كتبته)) ( ).
فجفري يريد أن يؤكد للقارئ وجود اختلاف وعدم تناسب وتناسق بين الآيات الخاتمة (يرمي بدون شك إلى الآيات 19 فما بعدها من السورة) والتي قبلها من خلال التلميح _ بشكل عرضي وكأنه أمر طبيعي _ إلى أن كتبة الوحي هم الذين أضافوا المقطع الذي لا يتناسب –حسب زعم الرجل- مع الآيات السابقة، وهذه طريقة معروفة لدى المستشرقين في مخاطبة قرائهم. ولو رجع جفري إلى كتب التفسير، وكتب علم التناسب القرآني؛ لتبين له أن لا اضطراب ولا اختلاف بين طرفي السورة، يقول الإمام برهان الدين البقاعي (ت 885ﻫ) في آخر حديثه عن سورة الجن: ((لقد التقى أول السورة وآخرها، فدل آخرها على الأول المجمل وأولها على الآخر المفصل، وذلك أن أول السورة بين عظمة الوحي؛ بسبب الجن، ثم بين في أثنائها حفظه من مسترقي السمع، وختم بتأكيد حفظه وحفظ جميع كلماته...))( ) أما الإمام ابن الزبير الغرناطي (ت 708ﻫ) فبعد أن بين تناسب آي سورة الجن ختم حديثه بقوله: ((ثم استمرت الآي ملتحمة المعاني معتضدة المباني إلى آخر السورة ))( ) .
وهذا رودويل الذي انطلق من كون الآيات التي نزلت مع أول الوحي تتسم بالقصر قد حاول أن يضع على أساسها ترتيباً جديداً للسور المختلفة، فنراه مثلاً يعلق على سورة الملك بقوله: ((من الواضح أن الآيات من (8) إلى (11) قد نزلت متأخرة عن بقية السورة، ثم ألحقت بها؛ لأن كلاً منها أطول من بقية آيات السورة))( ).
إنه بالرجوع إلى سورة الملك لا نجد أن الآيات المشار إليها أطول من غيرها، ولو فرضنا جدلاً أن الأمر حاصل، وهو حاصل فعلاً في كثير من السور (انظر مثلا آية المداينة التي هي أطول آية في القرآن في أواخر سورة البقرة) فإن ذلك دليل على أن ترتيب آي القرآن الكريم توقيفي من عند حكيم عليم، إذ لو كان من ترتيب جُمَّاع القرآن؛ لرتبوا الآيات ترتيباً تاريخياً ومنطقياً وحسب طول الآي والسور وقصرها.
ويستعمل المستشرق الفرنسي أنري ماسيه مصطلح ((الافتراض)) حين ينسب لعثمان بن عفان رضي الله عنه هدفاً سياسياً صبا إليه وهو يأمر بجمع القرآن، فيقول: ((يمكن الافتراض أنه كان لعثمان هدف سياسي بعمله هذا يعادل الهدف الديني، فقد وصل إلى الخلافة بجهد، وكان أن عَزَّز مركزه بإقراره نصاً لا يتغير للكتاب المقدس))( ).
وفي دراسة للمستشرق الفرنسي كلود جيليو الأستاذ بجامعة ((إكس أن بروفانس)) بفرنسا حول الآية الأولى من سورة الإسراء( ) حاول الرجل أن يبرهن أن الآية الأولى المتعلقة بمعجزة الإسراء قد جاءت منفكة ومعزولة عن بقية الآيات، فهي تنتهي بفاصلة مخالفة لتلك السائدة في باقي آيات السورة، كما أن الحديث ينتقل بصورة مفاجئة إلى موضوعات أخرى لا علاقة لها بحدث الإسراء. ويحاول الرجل أن يعزز افتراءه بما سبق أن ذكره بعض المستشرقين السابقين مثل نولدكه في كتابه ((تاريخ القرآن)) الذي رجع بدوره إلى ما أورده سلفه فايل Weil فيقول: ((قد تكون هذه الآيات مختلقة بعد وفاة محمد وأدرجت في القرآن في خلافة أبي بكر؛ لأنه من المستحيل أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم قد ادعى الإسراء به إلى بيت المقدس؛ لأنه كان يصرح دوماً أنه مجرد بشير ونذير، وليس صانع معجزات))( ).
إننا لسنا بحاجة في هذا المقام للرد على هؤلاء المغرضين بأن الآية التي نَعَتوها بالدمج المتأخر قد جاءت مترابطة بدرجة كبيرة، وعلى أسس بلاغية فائقة مع الآيات السابقـة لهـا والتي تأتي بعدها، وهو ما بينه المفسرون أثناء حديثهم عن تناسب مطلع سورة الإسراء لما بعدها( ) والحديث عن صنعة الالتفات الحاصلة بين الآية الأولى (صيغة الغيبة) والآيات التي بعدها (صيغة الحضور) مما استغربه كلود جيليو في بحثه الآنف الذكر.
ويكفي للرد على افتراضاتهم أنه إذا كانت تلك الآيات لم تنْزل في الوقت الذي أنزلت فيه بقية السورة، فما هو إلا دليل صريح على أن ما جـاء في المصحف من ترتيب للآيات على غير الترتيب التنْزيلي إنما هو من عند الله الحكيم الخبير، وكفى.
إنه مما لا شك فيه أن طريقة المستشرقين في ترتيب الآيات ترتيباً زمنياً تنمُّ عن تعسف في إطلاق الأحكام واتباع الهوى وحب الافتراض والتخمين، وفي ذلك تجاهل لقيمة الرواية الصحيحة التي تعدُّ الطريقة الوحيدة في ترتيب القرآن ترتيباً دقيقاً وحكيماً ( ).
والجدير بالإشارة أن بعض المستشرقين المعاصرين قد وصلوا إلى نتيجة مفادها استحالة هذا الترتيب وعدم تحقيقه لنتيجة مرضية؛ ولهذا اقتنع نولدكه في آخر حياته بهذا الأمر حين سئل مرة إن كان يشعر بالندم، لأنه لم يمض تلك العقود من السنين في دراسة تعود بالفائدة على الجنس البشري كالطب والكيمياء أو أي فرع آخر غير الدين واللغات والفلسفة؟ فأجاب بقوله: ((إذا كان من ندم فلأنني درست علوماً لم أظفر منها في النهاية بنتائج قاطعة وحاسمة)) ( ).
وجاء بعد نولدكه ريجس بلاشير الذي كان قد ترجم معاني القرآن وفق ترتيب نزولي للسور عام 1949م، ثم تراجع عن ذلك لدى إعادة طبع الترجمة عام 1957م ( ).
ومن أغرب الافتراضات التي وضعها المستشرقون في حقل الدراسات القرآنية ما تعلق بعدم جمع الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن جمعاً رسمياً، فيقول بلاشير: ((إن ميل الرسول وأصحابه إلى ترك الأمور على ما هي عليه يؤيده ما اشتهر به العرب من أنهم لا يفكرون إلا في الحاضر، ولا يهمهم المستقبل، وهذا الميل يقف وراء عزوف المسلمين عن جمع القرآن في عهده))( ).
إن مثل هذه الأحكام التي لا تستند إلى أي دليل تثير الاستغراب والتعجب؛ إذ من ذا الذي يملك دليلاً يدين به أمة كاملة بأنها لا تفكر إلا في الحاضر؟ وهل مجرد الفرض الخيالي يكفي في نظر العلم الصحيح أن يكون دليلاً؟
وقد سبق بول كازانوفا إلى إثارة مثل هذه الشبهات القائمة على مجرد التخمين والافتراض، وذلك حين ذهب إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان مؤمناً بأن العالم لن يستمر بعد وفاته، وأن الساعة ستقوم قبل موته أو بعده مباشرة لم يجمع القرآن الكريم ولم يعيِّنْ من يخلفه، وقد استند في افتراضه الغريب هذا إلى فهمٍ غريب مفاده أن الرسول عليه السلام كان يعتقد بأن نهاية العالم قريبة، وذلك استناداً إلى قوله ((بُعثت أنا والساعة كهاتين)) قال: وضمَّ السبابة والوسطى( ).
ولا شك أن الردَّ على مثل هذه الافتراضات والتصورات لا يحتاج إلى جهد كبير، ولاسيما أنها قد بلغت من الشذوذ إلى حد إنكارها واستغرابها من قبل المستشرقين قبل غيرهم من المسلمين. بل لقد تصدى لكازانوفا في آرائه الغريبة المبنية على الخيال والافتراض والتخمين كثير من زملائه فكفى الله المؤمنين القتال. فبلاشير في كتابه ((مدخل إلى القرآن الكريم))( ) أكد غرابة الرأي وتطرفه مبيناً أن كازانوفا لم يكن غرضه البحث عن أسباب عدم جمع القرآن في العهد النبوي وإنما إبراز نوع من الجرأة والوقاحة hardiesse.
أمّا المستشرق الفرنسي المسلم ناصر الدين دينيه فاستعرض في كتابه الذي خصصه للردِّ على كلٍ من أنري لامنس البلجيكي وبول كازانوفا الفرنسي، جملةً من الأدلة التي تعارض طَرْحَ كازانوفا، منها ذِكْرُ الآيات القرآنية التي تنفي عن الرسول صلى الله عليه وسلم عِلْمَه بالساعة متى تقوم، والكتب التي بعثها عليه الصلاة والسلام إلى ملوك الدول والإمبراطوريات المجاورة، والسرايا والغزوات الصعبة التي غزاها مع أصحابه في آخر حياته، ومنها السرية التي هَمَّ بإرسالها إلى الشام وهو طريح الفراش إلى غير ذلك من الأدلة التي ساقها المؤلف في كتابه ( ).
أما عن أسباب عدم جمع القرآن الكريم في العهد النبوي رداً على الشبهة السابقة فيمكن تلخيصها فيما يلي:
أ) كان التعويل في صدر الإسلام على الحفظ أكثر من الكتابة، كما أن أدوات الكتابة ووسائلها لم تكن ميسورة، وبالتالي فلم يكن هناك داع قوي لجمع القرآن، كما أن حياة المسلمين وقتئذ كانت محدودة بمكة والمدينة وما جاورهما؛ حيث لم يتفرق الصحابة في الأمصار، والإسلام لم يستبحر عمرانه بعد، مما جعل فتنة الاختلاف وحدوث الالتباس في أمر القرآن مأمونة وغير مطروحة، وقد ساعد على ذلك كثرة الحفاظ والقراء الذين كانوا يتدارسون القرآن في كل وقت وحين ويحرصون على استظهاره ( ).
ب) أن القرآن الكريم لم ينزل جملة واحدة، بل نزل مفرقاً على مدى ثلاث وعشرين سنة، وبالتالي لم يكن من الممكن جمعه إلا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حين توقف نزول الوحي.
ت) أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يترقب دائماً نزول الوحي بنسخ ما شاء الله من آية أو آيات، ومع إمكان ورود الناسخ تعذر جمع القرآن بصورة عملية مأمونة، وإلا كان القرآن المجموع عرضة للتغيير والتبديل كلما نزل ناسخ أو حدث سبب موجب لذلك، وقد كان الأمر في ذلك الوقت صعباً، ولاسيما في ظل ظروف لا تساعد على تيسير أمر الكتابة والتدوين.
ث) أن ترتيب الآيات والسور على ترتيب النُّزول، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم كلما نزل عليه شيء من القرآن دعا من يكتبه وقال له: ((ضع آية كذا في موضع كذا..)) ولذلك فإن الاعتبارات التي دعت إلى ترتيب القرآن لم تكن تسمح بجمع القرآن في صحف أو مصاحف.
ونختم حديثنا عن المنهج الافتراضي لدى القوم بذكر مثال مثير للغرابة، فالمستشرق الإنجليزي المعاصر منتغمري وات M.Watt وقف عند أمر القرآن للمؤمنين بالاستئذان قبل الدخول لبيوت غير بيوتهم ( ) فلم يجد تفسيراً لذلك إلا أن يقول إن ذلك دليل على انحطاط في مستوى الأخلاق كان النبي صلى الله عليه وسلم بحاجة إلى السمو به في نفوس أصحابه( )، فمن أين أتى الرجل بهذا الافتراض والاستنتاج؟ وهل هذا يعني أن الأخلاق لو كانت غير منحطة لسمح ذلك للناس بولوج بيوت الآخرين من غير استئذان؟ إن مسألة الاستئذان ليست خاصة بالإسلام، فهي لكونها تستند إلى بواعث الفطرة الإنسانية السليمة قررتها مختلف الأديان، وتواضعت عليها مختلف الأعراف والآداب العامة، بل إن المجتمعات الغربية التي ينتمي إليها وات _ بالرغم من تحررها - لا زالت تحتفظ بقيمة الاستئذان قبل دخول بيوت الآخرين، فلماذا إذن هذا الافتراض الذي لا أساس له من الصحة.
إن مما لا شك فيه أن للمستشرقين في كل موضوع من موضوعات القرآن التي يناقشونها ويدرسونها هدفاً وغاية يدور فلكها حول الهدف الأكبر الذي هو إثبات بشرية القرآن بكل الوسائل. وإزاء موضوع ترتيب آي وسور القرآن، يتضح أن هدفهم من افتراض ترتيبات جديدة ومحاولات مبتكرة على بساط البحث والدرس يرمي إلى إظهار التناقض المزعوم في القرآن سواء من حيث الموضوع أو من حيث الأسلوب.
المبحث الخامس: المنهج الإسقاطي
تفسير الوقائع والنصوص بالإسقاط أمر دأب المستشرقون على توظيفه في أبحاثهم القرآنية، ونعني بالمنهج الإسقاطي إسقاط الواقع المعيش على الحوادث والوقائع التاريخية، إنه تصور الذات في الحدث أو الواقعة التاريخية.
وهكذا يتم تفسير تلك الوقائع وفق المشاعر الإنسانية الخاصة والانطباعات التي تتركها بيئة ثقافية معينة، فالمستشرق الباحث عندما يضع في ذهنه صورة معينة يحاول إسقاطها على صور ووقائع معينة يخضعها إلى ما ارتضته مخيلته وانطباعاته.
ومن أمثلة المنهج الإسقاطي لدى المستشرقين ما أورده بلاشير في سياق البحث عن أسباب عدم جمع القرآن في مصحف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من أنه عليه الصلاة والسلام وأصحابه كانوا يميلون إلى تَرْك الأمور على ما هي عليه، لأن العرب في جملتهم لا يفكرون إلا في الحاضر ولا يهمهم المستقبل، وهذا الميل يقف وراء عزوف المسلمين عن جمع القرآن في عهده صلى الله عليه وسلم ( ).
ولا شك أن هذا التفسير الإسقاطي الفاسد لا يستند إلى أدنى دليل علمي أو منطق عقلي، فهو منهج يخضع لهوى المستشرق وأحكامه السابقة مما تنتج عنه أحكام تعسفية وجائرة؛ إذ من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحث على حفظ القرآن وكتابته خوفاً عليه من الضياع، وقد بلغ الحرص على كتابته وتدوينه في مختلف الوسائل التي كانت متاحة وقتئذ أن نهى أصحابه أول الأمر عن كتابة الحديث حتى لا يختلط بالقرآن، كما أنه عليه السلام كان يستدعي كتبته الذين فاق عددهم الأربعين ويأمرهم بكتابة جميع ما ينْزل عليه من القرآن، ويشير إلى مواضع الآيات من السور، وهو ما يشير إليه زيد بن ثابت (رضي الله عنه) بقوله: ((كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع))( ) فكل هذا يدل على أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته كانوا يفكرون في حفظ القرآن مدوناً ومكتوباً لمن يأتي بعدهم، غير أن جمعه في مصحف لم يكن ممكناً آنئذ؛ لأنه عليه السلام كان ينْزل عليه القرآن منجماً طوال ثلاث وعشرين سنة، فكان يترقب كل مرة ورود زيادة أو نسخ لبعض الأحكام أو التلاوة.
ومن أمثلة هذا المنهج الإسقاطي أيضاً ما ذهب إليه بعضهم من أن تمايز أسلوب القرآن المكي عن الأسلوب المدني يرجع إلى بيئة قريش المنحطة وبيئة المدينة المتقدمة والمتحضرة، فإذا كانت الآيات المكية قصيرة فلأن معظم أهالي مكة أميون جاهلون، وإذا كانت الآيات المدنية طويلة وواضحة فلأن البيئة المدنية مثقفة واعية ومتأثرة بالنفوذ اليهودي المهيمن عليها.
ومن المستشرقين من قال: ((إن اختلاف الأسلوب بين العهد المكي والعهد المدني يُعدُّ انعكاساً واضحاً للبيئة التي وجد فيها، فالنصوص القرآنية تعكس طبيعة وبيئة وظروف كل مكان وكل زمان ـ فالأسلوب القرآني يمتاز في مكة بالشدة والعنف؛ لأن أهلها أجلاف بينما يمتاز في المدينة باللين والوضوح والصفح؛ لأن أهلها مستنيرون))( ).
لا شك أن هدف المستشرقين من هذا الكلام الذي يرمي إلى إثبات دعوى تأثر القرآن وأسلوبه بالبيئة التي نزل فيها هو القول بأن القرآن من كلام محمد صلى الله عليه وسلم لا كلام الله تعالى. ويتجاهل المغالطون من المستشرقين الذين يعلمون جيداً مراحل تطور الدعوة الإسلامية من مكة إلى المدينة أن خطاب أهل المدينة لا يمكن أن يكون مماثلاً لخطاب أهل مكة، فتأسيس الدولة الإسلامية في المدينة في ظل بيئة جديدة قد أصبح يستدعي التفصيل في التشريع وبناء المجتمـع الجديد، فلا غرو إذن أن يطنب القرآن بعدما كان يوجز، ويفصل بعدما كان يجمل. أما في مكة فقد كانت الآيات التي تنْزل تشتد في تسفيه أحلام المشركين ومقارعتهم بالحجج وتحديهم. فالأمر كان يتعلق بتأسيس أسس العقيدة الصحيحة وتدمير معالم العقائد الوثنية السائدة.كما أن طبيعة الأسلوب القرآني قد اختلفت من مكة إلى المدينة؛ نظراً لمراعاة حال الدعوة وتدرجها وليس في ذلك أدنى مراعاة لمدى تحضر أو تخلف الأقوام المخاطبين، كما رمى إلى ذلك زمرة المغالطين والمغرضين من المستشرقين.
يضاف إلى هذا أن القرآن المكي لم يتفرد وحده بالعنف والشدة، فالقرآن المدني يحتوي على هذه الخصائص في العديد من آياته كتلك التي تحرم الربا وتهدد أهل الكفر بالنار وسوء العذاب. بالمقابل، فإن كثيراً من السور المكية تشتمل على آيات كثيرة تنجلي منها عبارات الصفح واللين والعفو، منها قوله تعالى في سورة فصلت المكية: ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮊ [فصلت: ٣٣ ] وقوله في سورة الزمر المكية: ﮋ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ [الزمر: ٥٣].
والحاصل أن سور القرآن وآياته ليس فيها أي تناقض أو تباين في الأسلوب، وهي ليست خاضعة للظروف ومتغيرات البيئة كما يزعم المستشرقون، ولكنها قائمة على رعاية حال المخاطبين، فهي تشتد تارة وتلين أخرى، وتَعد تارة، وتتوعد أخرى؛ تبعاً لما يقتضيه الحال والمقام ( ).
المبحث السادس: التركيز على المرحلة التأسيسية
للحقل القرآني ( )
إن من أبرز ما تميز به الاستشراق المعاصر عن الاستشراق القديم اهتمامه بشكل دقيق ومفصل بالمرحلة التأسيسية للعلوم القرآنية وعلى رأسها علم التفسير، فبعد الاهتمام البالغ بمراحل جمع القرآن وتكوين مصحف إمام، أخذ الاهتمام الاستشراقي يتوجه إلى بحث البدايات الأولى لظهور علم التفسير مع جيلي الصحابة والتابعين، ويبدو الهدف الرئيسي من كل ذلك تحطيم أسس العلوم القرآنية وركائزها المتمثلة في المرويات المتصلة بالصحابة والتابعين؛ قصدَ الخلوص إلى نتيجة مفادها أن التراث التفسيري لم يدون إلا في مرحلة متأخرة عن العصور الأولى. وقد نهج المستشرقون في كل ذلك طرائق عدة تمثلت في التشكيك في الروايات الصحيحة والتقليل من أهمية أعلام علم التفسير ومكانتهم، كابن عباس ومجاهد، ورواد الجمع القرآني، كزيد بن ثابت وأبي بكر وعثمان رضي الله عنهم.
لقد تبين لهؤلاء المستشرقين أن العلوم الإسلامية وعلى رأسها العلوم القرآنية قد استوت معالمها ومرتكزاتها على أساس وبناء صَرح المرحلة التأسيسية في عهد الصحابة والتابعين؛ من أجل ذلك تفتقت أذهان القوم على التفكير في إعادة بحث ودراسة تلك المرحلة التي يرتكز عليها تاريخ القرآن بكل أطواره بصورة تهدف إلى تحطيم أسسها وإثارة مختلف الشبهات حولها.
أما فيما يتعلق بجمع القرآن فإن المستشرقين المعاصرين لم يتركوا مرحلة من مراحله الثلاث إلا ونسجوا حولها سياجاً من الافتراءات، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يجمع القرآن في مصحف؛ لأنه لم يكن يفكر إلا في الحاضر، ولأنه أيضاً كان يتوقع قرب قيام الساعة فلا داعي إذاً لجمعه ( )، وزيد بن ثابت (رضي الله عنه) لم يكن ذلكم الرجل المؤهل والموثوق بأمانته في مهمة جمع القرآن في عهد أبي بكر (رضي الله عنه)، ومصاحف الصحابة الخاصة التي انفردوا فيها بقراءات شاذة كانت أكبر دليل على عدم تواتر القرآن وموثوقيته إلى غير ذلك من الشبهات ( ).
أما ما وُجِّه إلى زيد بن ثابت من اتهام فلا أساس له من الصحة، إذ لا يخفى مدى ما بلغه من الثقة والضبط منذ أن كان كاتباً للوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن توفي رضي الله عنه عام (45ﻫ)، وقد شهد كثير من الصحابة بفضله وجلالة قدره.
فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين الجمع الثاني، يجزم بالثقة العالية التي يضعها فيه الصحابة قائلاً: ((إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم))( ). وعلاوة على ذلك فإن زيداً رضي الله عنه قد شهد العرضة الأخيرة للقرآن في حياته صلى الله عليه وسلم، كما أنه كان من أشهر الصحابة إتقاناً لحفظ القرآن ووعياً لحروفه وأداءً لقراءاته. أما مصاحف الصحابة الخاصة فقد كانت مخالفة لسواد المصاحف التي أجمعت عليها الأمة خلال الجمع العثماني، وكان أصحابها واعين لتلك القراءات الشاذة والتفسيرات المدرجة؛ لأن تلك المصاحف كانت بمنْزلة تقييدات خاصة تتضمن شروحا وتفسيرات، وقد أوضح ذلك ابن الجزري (ت 833ﻫ) فقال: ((وربما يدخلون التفسير في القراءات إيضاحاً وبياناً؛ لأنهم محققون لما تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم قرآنا، فهم آمنون من الالتباس وربما كان بعضهم يكتبه معه))( ).
أما في علم التفسير فابن عباس (رضي الله عنهما) كان شخصية أسطورية حسب عنوان بحث نشره كلود جيليو( ) ((Le portrait mythique)) d'Ibn Abbas ويبدو أن الرجل قد تأثر بما سبق أن افتراه سبرنجر (Sprenger) في أواسط القرن التاسع عشر من أن ابن عباس (رضي الله عنهما) كان كاذباً، وأن معظم الروايات التي تتصل به متناقضة ومكذوبة، وأنه أخذ الشيء الكثير عن مَسلَمة اليهود دون روية، ولم يجد جيليو ما يعزز به كلامه سوى الرجوع إلى ما أثر عن بعض الصحابة والتابعين من أقوال تدل على تورعهم وامتناعهم من الخوض في التفسير، وكأن المستشرق الفرنسي أمام هذا العزوف عن القول في التفسير الذي أبداه بعض رجال السلف ممن خشوا القول بالرأي في التفسير استرعاه القدر الهائل من المرويات _ وقد وصفها بالعدد الذي لا يحصى Nombre incalculable _ التي تستند إلى حبر الأمة الذي دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ((اللهم فَقِّهه في الدين وعلمه التأويل))( )، ولم يكن في وسع الرجل ولا في مقدوره أن يعيَ جيداً بركة هذا الدعاء النبوي، كما أنه تجاهل معايير وموازين النقد الحديثي للمرويات التي كانت تفرض على العلماء والنقاد قبول ما كان صحيحاً واستبعاد ما كان ضعيفاً أو مختلقاً.
لقد حاول الرجل أن يبرهن أيضاً على دعوى أن كثرة الأحاديث والروايات المنسوبة إلى ابن عباس كان الهدف منها إعطاء سند مرجعي موثوق لتلك الأحاديث التي كانت تخدم أغراض المذاهب السياسية والفقهية وغيرها. ويمكن القول بأن افتراءات المستشرق الفرنسي في حق ابن عباس (رضي الله عنهما) كأكبر رموز علم التفسير هي نفس الافتراءات التي أبداها جولدزيهر( ) وشاخت( ) فيما قبل في حق أبي هريرة (رضي الله عنه) كأكبر رواة علم الحديث، فإذا كان هذان المستشرقان قد تظافرت جهودهما من أجل العمل على تدمير الثقة في راوية الإسـلام فإن ذلكم المستشرق الفرنسي قد ولَّى وجهته نحو ميدان علم التفسير ووضع نصب عينيه مهمة توهين الثقة في ترجمان القرآن ابن عباس (رضي الله عنهما) وتحطيم الاعتقاد السائد لدى المسلمين بريادة ابن عباس وغيره من كبار الصحابة والتابعين في وضع أسس علم التفسير، ويبدو أن وصفه له بالأسطورة قد أخذه عن جولدزيهر في كتابه ((مذاهب التفسير الإسلامي))( ) ولاشك أن الرد على هذا المستشرق فيما افتراه على ابن عباس في مجال علم التفسير وما ادَّعاه مما لا أساس له من الصحة يحتاج إلى وقفات طويلة للرد على ما ضمنه أطروحته للدكتوراه حول تفسير ابن جرير الطبري ( ) وبحثين له حول ابن عباس والبدايات الأولى لظهور علم التفسير ( ). ويمكن القول بهذا الصدد أنه يصعب على مستشرق يند عنه الفهم الروحاني أن يستوعب معنى بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما، ففي كتاب المناقب من سنن الترمذي عن ابن عباس قال: ضمَّني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم علِّمه الحكمة، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ثم إنه كان يقال له الحبر والبحر؛ لكثرة علمه.
أما ما اتهم به من كثرة الرواية والرجوع إلى مسلمة أهل الكتاب فإنه كان يرجع إليهم في حدود اتفاق القرآن مع التوراة والإنجيل خاصة في المواضع التي أجملت في القرآن وفصلت في التوراة والإنجيل، ولكن ذلك في دائرة محدودة ضيقة، ثم كيف يعقل أن يستبيح ابن عباس رضي الله عنهما لنفسه كثرة الأخذ عن مَسلَمة أهل الكتاب وهو القائل كما في صحيح البخاري: ((يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدثُ الأخبار بالله تقرؤونه لم يُشَب؟... الحديث))( ).
المبحث السابع: منهج النفي
يعد هذا المنهج معلماً بارزاً في كثير من أبحاث المستشرقين التي تتناول المرويات الصحيحة المرتبطة بالدراسات القرآنية وعلوم القرآن على وجه الخصوص، ثم إنهم ينفون العديد من الروايات لهذا السبب أو ذاك، بينما نجدهم يتشبثون –بالمقابل- بكل ما هو ضعيف شاذ، ويشير أحد أبناء جلدتهم وهو المستشرق الفرنسي إميل درمنغهم Emile Dermenghem إلى هذا الأمر قائلاً: ((من المؤسف حقاً أن يكون قد غالى بعض هؤلاء المتخصصين من أمثال موير ومرجليوت ونولدكه وسبرنجر ودوزي وغريم وجولدزيهر وغيرهم في النقد أحياناً، فلم تزل كتبهم عامل هدم ونفي على الخصوص، ولا تزال النتائج التي انتهى إليها المستشرقون سلبية ناقصة....))( ).
إن منهج النفي يهدف إلى نفي الحقائق القرآنية والوقائع التاريخية المرتبطة بنُزوله وجمعه وغير ذلك، ويتم ذلك من خلال إثارة الشكوك والمبالغة في النقد إلى حد الإلغاء والنفي الكيفي لكل ما يتعارض مع وجهات النظر الاستشراقية.
إن سبرنجر Sprenger مثلاً يرى أن اسم النبي صلى الله عليه وسلم قد ورد في أربع سور من القرآن هي آل عمران والأحزاب ومحمد والفتح، وهي جميعها سور مدنية، ومن ثم فإن لفظة (محمد) لم تكن اسم علم للرسول قبل الهجرة.
وبهذا ينفي الرجل ويُلْغي بسهولة كل الروايات التاريخية والسنن المأثورة التي ورد فيها ذكر اسم محمد صلى الله عليه وسلم في الفترة المكية، لا لشيء إلا لكون الاسم لم يرد في القرآن المكي( )، ومعلوم أن كثيراً من المستشرقين ينفون أحداثاً ووقائع معينة من السيرة النبوية ما دامت لم ترد في القرآن الكريم، وكأن القرآن كتاب تاريخي خاص بتفاصيل حياة النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا ما مكنهم من عملية انتقاء متعسفة ذات طابع هدمي وإقصائي يرمي إلى نفي كل رواية أو واقعة لا يرد ذكرها أو الإشارة إليها في القرآن الكريم.
ومن علوم القرآن التي لم يَحْلُ للمستشرقين أن تكون منقولة إلينا بالتواتر والنقل الصحيح علم القراءات القرآنية الذي مارسوا في بحثه ودراسته كل أنواع التجريح والتكسير مع النفي التام لكل المرويات الصحيحة المرتبطة باختلاف القراءات وتنوعها ونفي ربانية مصدرها، ويذهب معظم المستشرقين مذهب جولدزيهر الذي اشتهر بفكرته الخاطئة عن أسباب اختلاف القراءات والتي يرجعها بطريقة ساذجة إلى خصوصية الخط العربي، يقول جولدزيهر: ((وترجع نشأة قسم كبير من هذه الاختلافات إلى خصوصية الخط العربي الذي يقدم هيكله المرسوم مقادير صوتية مختلفةً؛ تبعاً لاختلاف النقاط الموضوعة فوق هذا الهيكل أو تحته وعدد تلك النقاط...))( ).
ويستشهد جولدزيهر بالآية 48 من سورة الأعراف: ﮋ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮊ [الأعراف: ٤٨]. حيث قرأ بعضهم بدلا من ((تستكبرون)) بالباء الموحدة ((تستكثرون)) بالثاء المثلثة، ثم استشهد أيضا بقوله تعالى ﮋ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﮊ [الأعراف: ٥٧ ] قرئ أيضا نشرا بالنون بدل الباء ( ).
ويبدو أن مثل هذين الاستشهادين يردان على افتراء جولدزيهر ولا يخدمان قوله بخصوصية الخط العربي التي أنضجت وأفرزت مختلف القراءات، ذلك أن قراءة ((تستكثرون)) في النموذج الأول، لم تُعتمد سواء في القراءات السبع أو العشر أو حتى الأربع عشرة، بل هي منكرة، ولا يعرف على وجه التحديد من قرأ بذلك، وهذا دليل على أن هيكل الكلمة المرسوم تبعا للنقاط الموضوعة فوقه أوتحته لم يكن العمدة في صحة القراءة، وذلك بعكس النموذج الثاني الذي يثبت القراءة بالوجهين على سبيل التواتر (نشرا) (بشرا) فالأولى التي هي بضم النون وسكون الشين قرأ بها ابن عامر، وبضم النون والشين قرأ بها نافع وابن كثير وأبو عمرو بن العلاء، وقرأ حمزة والكسائي بنون مفتوحة وسكون الشين، في حين قرأ عاصم بباء مضمومة وسكون الشين( )، وبذلك يتبين أن مبنى ذلك هو تواتر الرواية التي نفاها جولدزيهر ومن لف لفه، وليس هيئة الرسم كما يزعمون.
إن ما أراد أن يرمي إليه جولدزيهر وغيره من المستشرقين هو الزعم بأن اختلاف القراءات إنما كان عن هوى ورأي واختيار من القراء لا عن توقيف وسند ورواية. ولا شك أن تنازع الصحابة في القراءة ورجوعهم إليه صلى الله عليه وسلم كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة( ) لأوضح برهان على أن القراءة ليست موكولة إلى أهوائهم، كما أن عثمان (رضي الله عنه) عندما نسخ المصاحف وبعث بها إلى الأمصار، أرسل مع كل مصحف عالماً من علماء القراءة حتى يتم أخذ القراءة من أفواه الأئمة، وهو أكبر دليل على أن القراءة إنما تعتمد على التلقي والنقل والرواية، لا على الخط والرسم والكتابة.
وهكذا يمكن القول بأن منهج النفي الاعتباطي الذي مارسه المستشرقون على علم القراءات القرآنية دفعهم إلى إلغاء وإقصاء كل الروايات والأسانيد الصحيحة التي تكتنِزها كتب القراءات، والتي تفصل بين ما هو متواتر يجب على كل مسلم قبوله ويكفر من أنكر ذلك، وبين ما هو غير صحيح. ولا شك أن عدم استيعاب جولدزيهر لهذا الأمر هو الذي دفعه إلى أن يقول: ((وتجاه هذه القراءات الموثوق بها يسود الميل إلى التسامح في اختلافها))( ). ومن غريب صنيع الرجل وهو يستعرض اختلاف القراءات نفيه لقراءة متواترة هي قوله تعالى: ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﮊ [البقرة: ١٠٦ ]، فقد ذكر أنه نقل عن بعض العلماء (بهذا التمويه البالغ دون تحديد من يقصد ببعض العلماء) أنه استبعد قراءة (ننسها) مع أنها قراءة متواترة، ثم ذكر في الآية ثلاث قراءات أخرى، واحدة منها متواترة: (نَنْسَأْها) والأخريان (تنسَاها) (ننسَاها) ليستا بقراءتين، لا في الصحيح ولا في الشاذ ( ).
من جهة أخرى يعمد كثير من المستشرقين إلى تجاوز ونفي الوقائع التاريخية المرتبطة بعلوم القرآن والتي أجمع عليها علماء الإسلام وذلك من خلال اقتناص وتصيد روايات ضعيفة ومنقطعة وبناء أحكام باطلة عليها، ولا شك أن الوقوف عند الروايات الضعيفة التي لا تتفق مع الروايات والوقائع الصحيحة يكون مدعاة لنفي ونقض ما هو صحيح وثابت أو إدخال الشك والارتياب _ على الأقل _ في النفوس من خلال المبالغة في نقد الصحيح إلى حد إلغائه ونفيه.
ومما يدلُّ على ذلك إثارتهم الخلاف حول أول من جمع القرآن، وذلك بالاستناد إلى روايات منقطعة، يقول كاتب مادة ((القرآن)) المشار إليها أعلاه: ((حسب بعض الأحاديث المروية يكون عمر قد سأل عن آية من كتاب الله فقيل له: كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة، فقال عمر: ((إنا لله)) وأمر بالقرآن فجمع، فكأن أول من جمعه في ((المصحف)) وهذه الرواية اقتنصها المستشرق ويلش من كتاب ((المصاحف)) لابن أبي داود( )، وهي رواية ضعيفة جداً رويت من طريق الحسن البصري حكم الحافظ ابن حجر (ت 852ﻫ) بضعفها قائلا: ((وهذا منقطع، فإن كان محفوظا حمل على أن المراد بقوله: ((فكان أول من جمعه)) أي أشار بجمعه في خلافة أبي بكر فنسب الجمع إليه لذلك))( ). ثم إن المستشرق كاتب المادة لم يقنع بهذا بل استدرك عليه بروايات أخرى يستنتج منها مجدداً أن أبا بكر هو الذي بدأ بجمع القرآن وأن عمر هو الذي أنهى ذلك الجمع، أو أن أبا بكر هو أول من جمع في صحف وعمر هو أول من جمعه في مصحف( ). وهكذا ينتهي الأمر إلى حلقات من الافتراضات المتلاحقة التي لا تثمر إلا ظنوناً في أمر هو في حقيقته على درجة عالية من الوضوح، وتتوافر في حقه جملة كبيرة من الشهادات المثمرة لليقين، ومنها ما جاء في كتاب المصاحف نفسه بإسناد حسن عن عبد خير حيث قال: سمعت علياً يقول: ((أعظم الناس في المصاحف أجراً أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر، هو أول من جمع كتاب الله))( ) وقد حَسَّن الرواية الحافظ ابن حجر في فتحه في الجزء والصفحة أنفسهما المشار إليهما أعلاه.
وقد يعمدون إلى ضرب بعض الروايات ببعض؛ قصد كشف تناقضها وتعارضها حسب زعمهم، وبالتالي التشكيك في مصداقية النص القرآني.
وفي سبيل ذلك يستند المستشرقون إلى بعض الأحاديث الضعيفة من أجل استنتاج كون القرآن قد سقطت منه بعض الآيات أثناء كتابة وجمع القرآن، كما في الرواية السابقة، وقد يسعون إلى إحداث نوع من البلبلة والتشويش من خلال استعراض مختلف الروايات الضعيفة في الموضوع الواحد كما هو الشـأن في أول من جمـع القرآن، حيث يمكن الرجوع إلى كتابي المصاحف لابن أبي داود( ) والإتقان للسيوطي( )؛ لكي تتوافر لدينا روايات ضعيفة ومنقطعة مفادها أن أول من جمع القرآن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفي رواية: سالم مولى أبي حذيفة، وفي رواية: عمر بن الخطاب رضي الله عنه. واعتماد المستشرقين على مثل هذه الروايات من الضعيف والموضوع في نسج الأحكام وبنائها يدل على سوء النية وقصد تحطيم المسلَّمات والبدهيات التي يؤمن بها المسلمون، وهذا أمر يشين مناهجهم البحثية ويعيبها على عدة مستويات.
ولا شك أن كثرة اعتماد ورجوع بعض المستشرقين أمثال نولدكه وبلاشير وولش إلى الكتب التي تَعُج بالروايات الضعيفة والمنقطعة والمتناقضة( )، تبين لنا طبيعة المنهج المسلوك لدى المستشرقين الذي يتجلى في تصيّد ما يخدم آراءهم؛ من أجل نفي ما هو صحيح ومجمَع عليه.
نتائــج وتوصيـــات
هكذا إذن يتبين لنا عقم المناهج الاستشراقية في دراسة القرآن الكريم وعلومه؛ لأنها مناهج تعالج الظواهر والوقائع وفق منظور مادي وعقلي محض، وهذا ما لا يتناسب ودراسة القرآن الكريم التي لا تخضع لمنهج التجربة ولا يمكن أن تطوع لأحكام العقل. وإذا كان علماء الأديان الغربيون قد درسوا التوراة والأناجيل وفق تلك المناهج المادية في إطار من الدراسات الدينية المقارنة فإن أمر القرآن الكريم يختلف عن ذلك، فهو وحي إلهي لم تمسه تحريفات الإنسان أو تغييرات الزمان، لذلك وجب على من يدرسه ويحلل قضاياه أن يدرسه بعقلية تؤمن بالغيب ومـا يترتب على ذلك. وليس من المتاح لفئات المستشرقين قدامى كانوا أو معاصرين التخلص من خلفياتهم الفكرية التي نسجتها بيئات معينة وظروف خاصة، ولا من رؤاهم المادية والتغريبية التي أملتها في البحث والتحليل.
وبعد دراسة بعض تلك المناهج التي نرى أن المستشرقين يعتمدون عليها يمكن الخلوص إلى جملة من النتائج والتوصيات نوجزها فيما يلي:
* أن الناظر المتأمل والفاحص في كتب المستشرقين المرتبطة بعلوم القرآن يظهر له أنه قد أضحى من المألوف أن يكون كل ما تعلق بالقرآن في دراسات القوم لا يمكن الاعتداد به ألبتة؛ لأنه لا محالة مُحطم للمُسَلمات التي يجزم بها المسلمون، ومشكك في البداهات التي يؤمنون بها.
* يجب عدم الانخداع بما قد يظهره بعض المستشرقين من تعاطف بالغ مع قضايا الإسلام، ومن ذلك استشهادهم بنصوص قرآنية مُسْندين إياها إلى الله تعالى، فالأمر لا يعدو أن يكون مظهراً جمالياً وحضارياً يسعى المستشرق من ورائه إلى التقرب إلى المسلمين وكسب مودتهم.
* يجب أن نعلم جيداً أن الباحث الغربي ما دام مستشرقاً يدرس الإسلام من زاوية خارجية ووفق منظور تغريبي، فلا ينتظر منه أن يؤمن بما نؤمن به وإلا لدخل في الإسلام.
* إن الاتجاه السائد لدى المستشرقين المعاصرين اعتماد طرائق العلوم المعاصرة، ومناهج البحث الحديثة مع الاستفادة من تقدم العلوم الإنسانية: تاريخ العلوم وفلسفة العلوم وعلى الأخص توظيف المنهج التحليلي في نقد النصوص، وهذا عكس المستشرقين القدامى الذين كانوا يركزون على مسألة الجمع والتدقيق في الجزئيات مرددين ما سبق لغيرهم أن بحثوه ودرسوه.
* ينبغي رصد ومتابعة كل ما يكتب عن القرآن الكريم في معاقل الاستشراق الحديثة من أبحاث ودراسات بمختلف اللغات الأجنبية، ثم القيام بالرد عليها ونشرها في المجتمعات الغربية عن طريق المراكز الثقافية الإسلامية والجمعيات والمنظمات (يجب الاعتراف بصعوبة النشر والتسويق لما هو إسلامي في الغرب).
* يُقترح على مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف أن يتبنى القيام بترجمة مادة ((قرآن)) في دائرة المعارف الإسلامية في طبعتها الثانية (مادة ضخمة جدا) وإسناد التعليق والرد عليها من قبل أحد المهتمين من الأساتذة والعلماء وتعميم نشرها، فالمادة تعبر من أولها إلى آخرها عن أبرز القضايا والمسائل المرتبطة بتاريخ القرآن وعلومه، والتي خاض فيها المستشرقون على اختلاف توجهاتهم.
فهرس المراجع ( العربية)
_ ابن أبي داود: كتاب المصاحف، نشر أرثر جفري 1937م.
_ أحمد (الإمام): المسند، طبعة دار صادر ببيروت.
_ الباقلاني (أبو بكر): إعجاز القرآن، طبعة عالم الكتب ببيروت 1988م.
_ البخاري، الصحيح، طبع المكتبة الثقافية ببيروت بدون تاريخ.
_ غلاب ( د محمد) نظرات استشراقية، طبعة دار الكتاب العربي بالقاهرة، بدون تاريخ.
_ بلاشير (رجيس) القرآن، ترجمة رضا سعادة طبعة بيروت 1974م.
_ جولدزيهر (إجناس): العقيدة والشريعة في الإسلام، ترجمة د محمد يوسف موسى وزميليه طبعة مصر 1948م.
_ جولدزيهر (إجناس): مذاهب التفسير الإسلامي، ترجمة د عبد الحليم النجار طبعة دار اقرأ بيروت 1983م.
_ الحاكم: المستدرك، تحقيق د. يوسف المرعشلي، دار المعرفة، بيروت لبنان.
_ ابن حجر (الحافظ)، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، طبعة دار الفكر ببيروت 1993م.
_ درمنغهم (إميل): حياة محمد، ترجمة عادل زعيتر، الطبعة الثانية، دار إحياء الكتب العربية –القاهرة 1949م.
_ الرازي (فخر الدين): التفسير الكبير، طبعة دار الفكر ببيروت 1981م.
_ الزرقاني (عبد العظيم): مناهل العرفان في علوم القرآن، طبع دار الفكر ببيروت 1988م.
_ السعيد (د لبيب): الجمع الصوتي الأول للقرآن، طبعة دار المعارف بالقاهرة 1978م.
_ السيوطي (جلال الدين): الإتقان في علوم القرآن، طبعة دار الكتب العلمية ببيروت.
_ الصالح (د صبحي) مباحث في علوم القرآن، الطبعة الثامنة، دار العلم للملايين ببيروت 1974م.
_ عزوزي (د حسن): دراسات في الاستشراق ومناهجه، الطبعة الأولى – فاس 1999م.
_ عزوزي (د حسن): مدخل إلى دراسة علوم القرآن والتفسير، الطبعة الأولى، مطبعة أنفوبرانت – فاس 1998م.
_ علي (د جواد): تاريخ العرب في الإسلام، بغداد 1961م.
_ مسلم (النيسابوري): الصحيح، عناية محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء الكتب العربية بيروت 1955م.
_ وات (منتغمري): محمد في مكة، تعريب شعبان بركات، المكتبة العصرية ببيروت.
فهرس المراجع (الأجنبية)
- Blachère (Régis): Introduction au Coran Paris 1977.
- Blachère (Régis): le problème de Mohammet PUF–Paris 1952.
-Casanova (Paul): Mahomet et la fin du Monde Paris 1912.
- Chouraqui (André ): l'Appel, traduction du Coran ,ed Robert Laffont –Paris 1991.
-Encyclopédie de l'Islam ,Meisonneuvre et Larose, Leiden (Tome 5) 1985.
-Gilliot (Claude): Coran, Isra 1, dans la recherche occidentale in: Le voyage initiatique en terre d'Islam Paris 1996.
-Gilliot (C): Exégése,langue et theologie en Islam,Paris 1990.
-Golziiher: (I) études sur la tradition Islamique traduction lèon Bercher, Paris 1952.
- Jeffery (Arthur), Materials for the History of the Text of the Quran, Istanbul 1937.
-Massé (Henri) ,L'Islam.
-Noldeke (Théodor); Gechischte des Qorans Leipzig 1926.
-Rodinson (Maxime); Mahommet, Paris 1961.
-Schacht (J): Introduction au droit musulman , Paris 1983.
-Wansbough ; Quranic Studies.