الأثر الاستشراقي في موقف محمد أركون من القرآن الكريم
الأثر الاستشراقي في موقف محمد أركون من القرآن الكريم
إعـــداد
د. محمد بن سعيد السرحاني
مقــدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، وبعد:
فأداءً لواجب المنافحة عن كتاب الله تعالى، وتزكية لعلم درسته في مرحلتي الماجستير والدكتوراه في مناقشة شبهات المستشرقين ومن سار على نهجهم أشارك بهذا البحث لدراسة منهج أحد تلامذة المستشرقين: محمد أركون الجزائري المولد، الفرنسي النشأة والتعليم، الذي تجاوز المستشرقين في موقفه الطاعن في كتاب الله تعالى، وقد قسمت هذا البحث إلى تمهيد وأربعة فصول وخاتمة على النحو الآتي:
التمهيد: التعريف بالاستشراق ومحمد أركون.
الفصل الأول: الاهتمامات الاستشراقية بالدراسات القرآنية.
الفصل الثاني: موقف أركون من القرآن الكريم.
الفصل الثالث: الموقف الاستشراقي المشابه لموقف أركون من القرآن الكريم.
الفصل الرابع: نقد منهج أركون في موقفه من القرآن الكريم.
الخاتمة: وتشمل أبرز النتائج والتوصيات.
وقد عملت على استقراء معظم ما كتبه أركون عن القرآن الكريم، وأتبعت ذلك بنقد لمنهجه دون التركيز على المناقشة التفصيلية لموقفه من القرآن الكريم، وذلك لتشابه موقفه وموقف المستشرقين، وقد أحلت إلى المصادر التي ناقشت تلك الشبهات بالتفصيل لمن أراد التوسع والاستزادة، وأوليت بيان الأثر الاستشراقي في منهج أركون عناية واضحة لبيان منهج أركون ومن سار على منهجه ممن يسعون إلى تضليل القراء المسلمين بنقدهم لمنهج المستشرقين في ظاهرهم، وفي حقيقة أمرهم يرددون شبهات المستشرقين ويسيرون على خطاهم.
سائلاً المولى عز وجل أن يلهمنا الصواب، وأن يجنبنا الزلل، والحمد لله رب العالمين.
أولاً: التعريف بالاستشراق ونبذة من تاريخ الحركة الاستشراقية.
الاستشراق تعريب للكلمة الإنجليزية Orientalism مأخوذ من الاتجاه إلى الشرق.
وكلمة الاستشراق مشتقة من (شرق)، ((يقال شرقت الشمس شروقاً إذا طلعت))( )، وهي تعني مشرق الشمس، وترمز إلى مجال الاهتمام بهذا الحيز المكاني من الكون وهو الشرق.
أما إذا أضيف إليها الألف والسين والتاء والتي تعني طلب الشرق؛ فإن معناها طلب علوم الشرق وآدابه وأديانه بصورة شاملة، ومنهم من يقول: ليس القصد منه الشرق المكاني الجغرافي، وإنما هو الشرق المقترن بالشروق والنور والهداية.
واصطلاحاً: اتجاه فكري يُعنى بدراسة الإسلام والمسلمين ويشمل ذلك كل ما يصدر عن الغربيين من دراسات تتناول قضايا الإسلام والمسلمين في العقيدة والسنة والشريعة والتاريخ، وغيرها من مجالات الدراسات الإسلامية الأخرى.
ويُلحق بالاستشراق ما تبثُّه وسائل الإعلام الغربية من كتابات وبرامج تتناول الإسلام والمسلمين وقضاياهم.
وقريباً من هذا التعريف الشامل يعرِّف ((إدوارد سعيد)) الاستشراق بقوله: ((كل من يقوم بتدريس الشرق أو الكتابة عنه أو بحثه، وسواء كان ذلك المرء مختصاً بعلم الإنسان ((الأنثربولوجيا))، أو بعلم الاجتماع، أو مؤرخاً أو فقيه لغة ((فيلولجيا)) في جوانبه المحدودة والعامة على حد سواء هو ((مستشرق))، وما يقوم به هو أو هي بفعله هو ((استشراق))( ).
نشأة الاستشراق وتطوره:
اختلف الكُتَّاب من مسلمين وغير مسلمين حول تحديد نشأة الاستشراق، وذُكر في ذلك أقوال عدة، ويرتبط تحديد نشأة الاستشراق بتعريف هذا المصطلح وتحديد مفهومه، فمن يعرِّف الاستشراق بأنه دراسة الغرب لأديان الشرق وثقافته دون حصره في دراسة الإسلام، يحدد بداية نشأة الاستشراق بأول اتصال بين الشرق والغرب قبل الميلاد مع بداية الصراع بين الفرس واليونان في القرن السادس ق. م، ثم ما كتبه ((هيرودوتس)) اليوناني عن الشرق، ثم الاكتساح اليوناني بقيادة الإسكندر الأكبر بلاد الشرق إلى أن أشرف على أبواب الصين في القرن الرابع ق.م( ).
وأما من يعرِّف الاستشراق بدراسة الغربيين للإسلام والمجتمعات الإسلامية، فيحدد نشأة الاستشراق:
- بظهور الإسلام وما وقع من جدل وحوار بين المسلمين وأهل الكتاب، ومحاولات اليهود والنصارى للتشكيك في عقيدة المسلمين وفي معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم( ).
ويشير إلى هذه النشأة أحمد عبد الحميد غراب – بعد أن عرَّف الاستشراق بأنه: موقف عقائدي وفكري معاد للإسلام – إذ يقول: ((ولاشك أن هذا الموقف قد اكتسب – وما زال يكتسب – أبعاداً جديدة وخطيرة ((ولاسيما في جوانبه السياسية والثقافية)) منذ الحروب الصليبية حتى اليوم، ولكن هذا الموقف في جوهره النابع من العداوة في العقيدة ليس بجديد، فهو موقف الكافرين موقف الإنكار للرسالة، والتكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم، وإثارة الشبهات حول الإسلام، وحول القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم بوجه خاص؛ لتشكيك المسلمين في دينهم ومحاولة ردهم عنه( ).
- وترسخ هذا الجدل بما كتبه ((يوحنا الدمشقي)) - في بداية القرن الثاني الهجري – من رسائل لمحاورة المسلمين ونصرة إخوانه من النصارى في تلك الفترة( ).
- ومن الباحثين من يحدد نشأة الاستشراق بالفتح الإسلامي للأندلس في بداية القرن الثامن الميلادي؛ إذ شهدت جامعات إشبيلية، وقرطبة، وغرناطة، إقبالاً كبيراً من الأوربيين لدراسة الحضارة الإسلامية، وخصوصاً مع ازدهار حركة ترجمة الكتب العربية إلى اللغات الأوربية في تلك الفترة( ).
- أما مَنْ حدد القرن العاشر الميلادي بداية للاستشراق فأرجعوا ذلك إلى تزايد اهتمام الغرب باللغة العربية وآدابها، وتزايد الاهتمام بحركة الترجمة، وكان من أبرز من اهتم بهذا الاتجاه الراهب الفرنسي ((سلفستر الثاني)) الذي درس في الأندلس ثم تقلد منصب البابوية عام 999م، وأوصى بفتح المدارس وبترجمة التراث الإسلامي إلى اللغات الأوروبية( ).
- ويحدِّدُ المستشرق الألماني ((رودي بارت)) القرن الثاني عشر الميلادي البداية الفعلية للاستشراق مع ظهور أول ترجمة لاتينية لمعاني القرآن الكريم بتوصية من ((بطرس)) الملقب بالمحترم الذي زار الأندلس، وأوصى بإصدار أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللاتينية عام 1143م( ).
- وتعد الحروب الصليبية مع بداية القرن الثالث عشر الميلادي من البدايات القوية لظهور حركة الاستشراق( ).
- ويحدد عدد من الباحثين البداية العلمية لظهور حركة الاستشراق بانعقاد مجمع ((فيينا)) عام 1312م والذي أوصى بإنشاء كراسي اللغة العربية في جامعات ((أكسفورد)) و((كامبردج)) و((بولونيا)) و ((روما)) و((السربون))( ).
- ويُعَدُّ القرنان: التاسع عشر، والعشرون عصري الازدهار الحقيقي للحركة الاستشراقية؛ إذ ظهرت في هذين القرنين الجمعيات الاستشراقية التي نشطت في إصدار المجلات والمطبوعات الاستشراقية، وشهد القرن التاسع عشر بداية المؤتمرات الدولية للمستشرقين؛ إذ عقد أول مؤتمر دولي عام 1873م( ).
- ومع اختلاف الكتاب من المسلمين والمستشرقين في تحديد البدايات الأولى لحركة الاستشراق، إلا أن الرأي الذي نذهب إليه أن الاستشراق بدأ مع ظهور الإسلام ـ وإن لم يحمل هذا المسمى في ذلك الوقت ـ وازداد في الظهور والانتشار عبر العصور حتى يومنا هذا، مع تنامي الهجمات الغربية الاستشراقية والتشويه المتعمد للدين الإسلامي عبر وسائل الإعلام المختلفة في هذا العصر.
ميادين الاستشراق وموقف المستشرقين من الإسلام:
لقد درس المستشرقون كل ما يتصل بالإسلام، وتعددت شبهاتهم في كل ميدان من ميادين الدراسات الإسلامية.
ومن ذلك: موقفهم من العقيدة الإسلامية والفرق،وموقفهم من القرآن الكريم، وموقفهم من السنة، وموقفهم من الشريعة والفقه، ومن السيرة النبوية،ومن التاريخ الإسلامي.
وأما الميدان المتصل ببحثنا فهو موقفهم من القرآن الكريم، والذي سنفصل فيه في الفصول القادمة بإذن الله تعالى.
ثانياً: التعريف بمحمد أركون:
نكتب نبذة مختصرة عن حياة محمد أركون من خلال ما كتبه هو عن نفسه في مراسلته الشخصية للباحثة الفرنسية ((أرزولا غونتر)) والتي كتبت كتاباً عن أركون، ومما ورد في تلك الترجمة مختصراً ما يلي:
ولد محمد أركون في تاوريت ميمون في منطقة القبائل الكبرى بالجزائر عام 1928م من عائلة بربرية، دخل المدرسة الابتدائية، لكنه غادر هذه المنطقة في سن التاسعة ليلتحق بأبيه الذي كان يملك دكاناً للبضائع في منطقة عين العرب (قرية يكثر فيها الفرنسيون بالقرب من مدينة وهران)، ولأن لغته الأصل الأمازيغية اضطر إلى تعلم العربية والفرنسية جنباً إلى جنب، وتأثر بخاله المنتمي لإحدى الطرق الصوفية، وكان يحضر معه مجالس الصوفية في تلك القرية ثم أتم تعليمه الثانوي في مدرسة مسيحية عام 1945م، بعد ذلك دخل الجامعة لدراسة الأدب العربي في جامعة العاصمة الجزائرية ما بين 1950 – 1954م، وفي الأول من نوفمبر عام 1954م دخل جامعة السوربون ليقدم امتحانه في عام 1956م، قدَّم رسالته لدرجة الدكتوراه عن ابن مسكويه عام 1968م، وفي عام 1971م أصبح أستاذاً للفكر الإسلامي في جامعة السوربون، وأستاذاً زائراً في عدد من الجامعات والمعاهد العالمية، ولاسيما معهد الدراسات الإسماعيلية في لندن، وكان له اهتمام واضح بالفكر الباطني، وفي عام 1999م أسس معهداً للدراسات الإسلامية في فرنسا( ).
والمتأمل في هذه النبذة الموجزة لحياة محمد أركون، بجانب عوامل أخرى يجد أن الحياة الاجتماعية وتكوينه العلمي كان لها الأثر الواضح في تكوين خلفيته الفكرية، فقد درس المرحلة الثانوية في مدرسة تنصيرية، وحضر الحلقات الصوفية، ودرس في السوربون على عدد من المستشرقين الفرنسيين، وكان له اهتمام واضح بالفكر الباطني.
الفصل الأول: الاهتمامات الاستشراقية
بالدراسات القرآنية
تنوعت الاهتمامات الاستشراقية بالدراسات الإسلامية عامة، وبالدراسات القرآنية بصفة خاصة، واتخذت مسارات عدة يأتي في مقدمتها: جهودهم في حفظ المخطوطات الإسلامية وتصنيفها، وقد ذكر فؤاد سزكين عدداً من المخطوطات المتعلقة بعلوم القرآن والتفسير المحفوظة في المكتبات الأوروبية( ).
ومن الاهتمامات والجهود الاستشراقية المتعلقة بالقرآن الكريم وعلومه، جهود المستشرقين في تحقيق ونشر كتب التفسير وعلوم القرآن الكريم كتحقيق: أسرار التأويل وأنوار التنـزيل للبيضاوي، تحقيق المستشرق الألماني ((فرايتاج)). والكشاف للزمخشري، تحقيق المستشرق الإنجليزي ((ناسوليز)). والإتقان للسيوطي، نشر المستشرق النمساوي ((شبرنجر)).
ولم تَخْل أهدافهم في معظم تحقيقهم للكتب الإسلامية من الأهداف المشبوهة بتركيزهم على الكتب الشاذة في مجالها، كتحقيق المستشرق الألماني ((برجشتراسر)) لكتاب: القراءات الشاذة في القرآن لابن خالويه، وإبراز الروايات الشاذة في كتاب الإتقان للسيوطي، وكتاب المصاحف لابن أبي داود( ).
وقد بيَّن عدد من المؤلفين والعلماء الأهداف المشبوهة للمستشرقين في تحقيق ونشر الكتب الإسلامية( ).
وأما في مجال المؤلفات الاستشراقية في علوم القرآن الكريم فنذكر الكتب والأبحاث الآتية:
- التطور التاريخي للقرآن، إدوارد سيل، مدراس، الهند، 1898م.
- مدخل تاريخي نقدي إلى القرآن للمستشرق الألماني جوستاف فايل (1808 – 1889م).
- تاريخ القرآن للمستشرق الفرنسي ((بوتيه)) (1800 – 1883م).
- تاريخ النص القرآني، للمستشرق الألماني نولدكه
(1836– 1930م)( ).
- وتاريخ القرآن للمستشرق الفرنسي ((ريجس بلاشير)).
- وتاريخ القرآن للمستشرق الألماني براجشتراسر (1886 – 1993)( ).
- القرآن، فلهاوزن (1844 – 1918م) مقال بالمجلة الشرقية الألمانية عام 1913م.
ومن الكتب والأبحاث المتعلقة بالقصص القرآني التي تركز – على حد زعمهم – على الطعن في ربانية كتاب الله تعالى، وترديد مزاعمهم بالأثر اليهودي في القصص القرآني، من تلك الكتب:
- مصادر القصص الإسلامية في القرآن وقصص الأنبياء، لسايدر سكاي، باريس، 1932م.
- والقصص الكتابي في القرآن، لسباير جريفنا، 1939م.
- قصة أهل الكهف، عام 1907م( ).
- وقصص القرآن، للمستشرق المجري بيرنات هيللر (1857 – 1943م)، مجلة عالم الإسلام، 1994م( ).
- ونجد مؤلفات المستشرقين في هذا المجال منثورة في المعاجم والكتب المهتمة بحصر التراث العربي والإسلامي( ).
- وهناك كتابات وأبحاث بفقه اللغة العربية، منها كتاب: الكلمات الأجنبية في القرآن للمستشرق الألماني ((فرانكيل)).
- وكَتَب المستشرق الألماني ((كارل بيكر))، قواعد لغة القرآن في دراسات نولدكه في مجلة الإسلام عام 1910م.
- ولمارجليوث بحث بعنوان: نصوص القرآن في مجلة العالم الإسلامي 1925م.
- وتحت عنوان القرآن، وردت عدة أبحاث وكتب لعدد من المستشرقين منهم: فلهاوزن، وياكوب بارت، وكاله، وآرثر جفري، ويبقى الأكثر شيوعاً كتاب: المستشرق الفرنسي بلاشير: القرآن، نزوله، تدوينه، ترجمته، تأثيره( ).
ومن الأبحاث والمؤلفات الاستشراقية في مجال التفسير:
- بحث للمستشرق ((هارتمان)) في تفسير القرآن، مجلة الدراسات الشرقية 1924م.
- ونشر الإيطالي ((جويدي)) بحث: شرح المعتزلة للقرآن 1925م.
- ويبقى الأكثر شيوعاً في هذا المجال كتاب: ((مذاهب التفسير الإسلامي)) للمستشرق المجري جولد تسيهر( ).
- وللمستشرق الفرنسي ((هنري كوربان)) عناية خاصة بتفسير الفرق الباطنية.
- والمتتبع لإنتاج المستشرقين في هذا المجال يجدهم يُعْلون من شأن التفسير الشاذ الخاص بالفرق المنتسبة للإسلام( ).
- ولا ننسى دائرة المعارف الإسلامية التي أصدرها المستشرقون وماتحمله من مواد استشراقية للطعن في كتاب الله تعالى، وقد صدرت بعدة لغات في طبعتها الأولى عام 1914م، وفي طبعتها الثانية عام 1954م( ).
- وهناك دائرة معارف متخصصة في القرآن الكريم أصدرتها جامعة ليدن بهولندا، كتب مقدمتها محمد أركون.
- وللمستشرقين اهتمام بترجمة معاني القرآن الكريم، فكانت أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر بدعم من الراهب ((بطرس المبجل))( ).
- ومن تلك الترجمات الاستشراقية الأب ماراتشي 1698م، ثم تلتها ترجمة المستشرق الألماني ((جوستاف فلوجيل)) إلى اللغة اللاتينية( ).
- ومن أشهر الترجمات الإنجليزية ترجمة: ((جورج سيل)) عام 1734م، وترجمة ((آربري)) 1955م، و((بالمر)) عام 1880م، و((بل)) 1939م( ).
- ومن الترجمات الشهيرة إلى اللغة الألمانية ترجمة ((رودي بارت))، وأبرز الترجمات إلى الفرنسية ((كازيميرسكي)) 1832م، و((مونتيه)) 1929م، و((بلاشير)) 1947م( ).
وقد حملت تلك الترجمات أخطاءً لغوية، وطعوناً وشبهاتٍ استشراقيةً أشار إليها عدد ممن حصر ترجمات المستشرقين لمعاني القرآن الكريم( ).
- وفي مجال المعاجم يبقى الأبرز هو: ((المعجم المفهرس للقرآن الكريم)) للمستشرق الألماني جوستاف فلوجل 1802 – 1870م، سَمَّاه: ((نجوم الفرقان في أطراف القرآن))، اعتمد عليه محمد فؤاد عبدالباقي في معجمه المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.
- وفي المجال نفسه يبرز عمل المستشرق الفرنسي ((جول لابوم)) في كتابه: ((تفصيل آيات القرآن الكريم))( )، مع ما في هذين العملين من أخطاء لغوية ومنهجية( ).
الفصل الثاني: موقف أركون من القرآن الكريم
قبل استعراض ما كتبه محمد أركون عن القرآن الكريم ـ بوصفه موضع بحثنا ـ نشير إلى هذا الاتجاه المتأثر بالفكر الاستشراقي بضرب أمثلة لأبرز أولئك المتأثرين، مع ذكر لأشهر كتبهم في هذا المجال ثم ننتقل إلى الحديث عن محمد أركون وموقفه من القرآن الكريم.
- نجد هذا الاتجاه في كتابات العديد من المفكرين العرب المتأثرين بالاستشراق أمثال: الطيب تيزيني في كتابه: ((النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة)).
- وعابد الجابري في كتابه: ((التراث والحداثة)).
- ومترجم كتب محمد أركون: هاشم صالح في: ((القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني)).
- وفي عدد من مؤلفات علي حرب كـ ((نقد النص))، و((نقد الحقيقة)).
- وفي مجموعة من مؤلفات: نصر حامد أبو زيد، مثل: ((الخطاب والتأويل))، و((مفهوم النص)).
- وأدونيس في كتابه: ((الثابت والمتحول)).
- وتركي علي الربيعو في كتابه: ((الإسلام وملحمة الخلق الأسطورة)).
- ورشيد الخيون في كتابه: ((جدل التنـزيل)).
- وتلميذ محمد أركون: رمضان بن رمضان في كتابه: ((خصائص التعامل مع التراث)).
- ومحمد أحمد خلف الله في كتابه: الفن القصصي في القرآن.
- ومحمد شحرور في كتابه: ((الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة)).
- وصادق جلال العظم في كتابه: ((نقد الفكر الديني)).
- وعبدالهادي عبدالرحمن في كتابه: ((سلطة النص)).
- وأمين الخولي في مادة تفسير في دائرة المعارف (الإسلامية).
- وحسن حنفي في كتابيه: دراسات إسلامية، ومفهوم النص.
وبعد هذا العرض الموجز لروَّاد هذا الاتجاه الطاعن في كتاب الله تعالى نبين موقف أركون من القرآن الكريم.
يشوب موقفه من القرآن الكريم الكثير من الغموض والاضطراب، ففي الوقت الذي يشكك في سلامة القرآن واكتمال نزوله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ووصفه بأوصاف الانتقاص، كالأساطير وغيرها من ألفاظ الانتقاص، إلا أنه لا يصرح بما يصرح به العديد من المستشرقين في نفيهم المصدر الإلهي للقرآن الكريم، ومع ذلك يبقى موقفه في الطعن غير المباشر في مصداقية الوحي هو الأخطر؛ لما فيه من التلبيس والتدليس على عموم القراء من المسلمين، وننقل بعض مواقفه من كتاب الله تعالى من خلال ما صرح به في كتبه، ثم نتبع ذلك بالنقد لمنهجه، بإذن الله تعالى، وإليك موقفه في النقاط التالية:
1) دعوى تاريخية (النص) القرآني:
ينظر أركون إلى القرآن بوصفه نصاً تاريخياً – كما يَدَّعي – وكجزء من التراث الذي يستلزم قراءة نقدية، يخضع للنقد التفكيكي وإخضاعه – كما يزعم – إلى محك النقد التاريخي المقارن وللتحليل الألسني التفكيكي( ).
وحتى يسوِّغ دعوته استخدام ما يسميه المنهج التفكيكي في دراسة القرآن الكريم، يقول: ((لننتقل الآن إلى ما يدعوه الناس عموماً بالقرآن، إن هذه الكلمة مشحونة إلى أقصى حد بالعمل اللاهوتي، والممارسة الطقسية الشعائرية الإسلامية منذ مئات السنين، إلى درجة أنه يصعب استخدامها كما هي، فهي تحتاج إلى تفكيك سابق؛ من أجل الكشف عن مستويات من المعنى والدلالة كانت قد طُمست، وكُتبت ونُسيت من قبل التراث التقوي الورع، كما من قبل المنهجية الفيولويجية (اللغوية) النهائية، أو المغرقة في التزامها بحرفية النص))( ).
ولزيادة التمويه على القارئ المسلم يَدَّعي وجود فَرْق في فهم القرآن الكريم بين النص المقروء في زمن نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم، وبين النص المكتوب بين دفتي المصحف، وحتى يتحقق الفهم الصحيح للقرآن يلزم قراءته على أنه نصٌّ تاريخي، بدراسة الظروف التاريخية المحيطة به في كل عصر، فالفهم المعاصر للقرآن يختلف عن التفسير والفهم السابق حين نزوله؛ إذ يجب تسخير المناهج الحديثة كمناهج العلوم الإنسانية والاجتماعية، ومنهج التاريخ المقارن للأديان لفهم النص القرآني في الوقت المعاصر – كما يزعم –.
وينفي قداسة القرآن الكريم زاعماً وجود نوعين من النص القرآني في العهد النبوي وفي العصر الحالي، نافياً القداسة عن القرآن في زمننا الحاضر، إذ يقول: ((ويمكنني أن أقول بأن المقدس الذي نعيش عليه أو معه اليوم لا علاقة له بالمقدس الذي كان للعرب في الكعبة قبل الإسلام، ولا حتى بالمقدس الذي كان سائداً أيام النبي))( ).
وحول فهم الآيات القرآنية والخطاب التشريعي يدَّعي أركون صعوبة فهم الآيات القرآنية في الوقت المعاصر، واستحالة تطبيق تشريعاته في عصرنا، وذلك لأن فهم القرآن يستلزم ربطه بوحدة نصية مرتبطة بسلوك النبي صلى الله عليه وسلم وعلاقة فهم العبارة والتصرف المباشر لقائلها( ).
ويريد أركون أن يصل إلى نتيجة يَدَّعيها، وهي صعوبة فهم الآيات القرآنية في الزمن المعاصر؛ لعدم مشاهدتنا لكيفية وهيئة وتاريخية نطق النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الآيات، وحتى نستطيع – على حد زعمه – فهم هذه الآيات في هذا العصر فيلزم تجريد القرآن عن مصدره، ودراسته في هذا الزمن على أنه نص أدبي تطبق عليه المناهج المختلفة في دراسة النصوص الأدبية والتاريخية، وهذا هو الفرق بين القرآن والظاهرة القرآنية، إذ يقول: ((أما التمييز بين القرآن الكريم والظاهرة القرآنية فأقصد به الفرق بين تغذية الروح الإسلامية بكلام الله تعالى، ودراسة النصوص القرآنية كما ندرس الظاهرة الفيزيائية أو البيولوجية أو الاجتماعية أو الأدبية))( ).
2) دعوى الأسطورة في كتاب الله ومشابهة التوراة والإنجيل:
ويسعى جاهداً إلى إيجاد الصلة بين التوراة والقرآن الكريم مردداً مزاعم أساتذته من المستشرقين، فيقول: ((من الواضح تاريخياً أن التوراة والأناجيل والقرآن كانت قد رسخت شهادات حية خاصة بأحداث ذات أهمية مثالية نموذجية للوجود البشري تحولت هذه الأحداث إلى نصوص، وأصبحت هذه النصوص تقرأ فيما بعد من قبل الأمة المؤمنة ليس كوثائق تاريخية تخص أمم الأزمنة الغابرة، وإنما ككلام حي باستمرار))( ).
وفي السياق نفسه يربط بين القرآن والتوراة بوصفه الخطاب الأسطوري ـ كما يدَّعي ـ فيقول: ((إن الحكايات التوراتية والخطاب القرآني هما نموذجان رائعان من نماذج التعبير الأسطوري))( ).
ويعقد صلة بين القرآن والأناجيل، فيقول: ((إن القرآن كالأناجيل ليس إلا مجازات تتكلم عن الوضع البشري، إن هذه المجازات لا يمكن أن تكوِّن قانوناً واضحاً))( ).
وفي السياق نفسه يرى القرآن الكريم (نصاً أسطورياً) ( ).
ويساوي بين الخطاب القرآني والتوراة، ويصفه بالخطاب الأسطوري – كما يزعم – فيقول: « إن الحكايات التوراتية والخطاب القرآني هما نموذجان رائعان من نماذج التعبير الميثي (الأسطوري) »( ).
بل ومن جرأته على كتاب الله تعالى قوله في تقديمه لترجمة ((كازيمرسكي)) الفرنسية لمعاني القرآن الكريم – كما ينقل ذلك عبدالرزاق هرماس –: ((إن القرآن مدعاة للنفور بعرضه غير المنتظم، واستخدامه غير المعتاد للخطاب، وكثرة إيحاءاته الأسطورية))( ).
ويتلاعب بالألفاظ في جمل غامضة تحمل في طياتها إنكار كون النص القرآني من الله سبحانه بقوله: ((هكذا تشتغل (سيادة الله العليا) بالكثير من النشاط والفعالية على مستوى المخيلة الفردية والجماعية، ما من أحد يقلق أو يتساءل عن شروط إمكانية وجود الوحي ولا عن صحته أو ظهوره أو نقله))( ).
3) نفي المصدر التشريعي للقرآن الكريم:
وينفي كون القرآن الكريم مصدراً للتشريع، فالقرآن في نظره مجرد مجازات أدبية وحكايات أسطورية ليس لها صلة بالواقع كما يدعي، إذ يقول: ((إن القرآن – كما الأناجيل – ليس إلا مجازات عالية تتكلم عن الوضع البشري لا يمكن أن تكون قانوناً واضحاً))( ).
وفي السياق نفسه يقول في موطن آخر من كتبه: ((إن المعطيات الخارقة للطبيعة والحكايات الأسطورية القرآنية سوف تُتلقى بصفتها تعابير أدبية، أي تعابير مُحوَّرة عن مطامح ورؤى، وعواطف حقيقية، يمكن فقط للتحليل التاريخي السيسيولوجي (الاجتماعي) والبسيكولوجي (النفسي) اللغوي – أن يعيها ويكشفها))( ).
ويَفْصِل بين القرآن الكريم ـ الذي يصفه بالخطاب الأسطوري الأدبي المجازي ـ وبين الشريعة، فيقول: ((إنه وهم كبير أن يتوقع الناس علاقة ما بين القرآن والشريعة))( ).
4) التشكيك في القصص القرآني:
وامتداداً لمزاعم أركون بالقول بأسطورية القراءة الإسلامية للتاريخ، وهذا ما يتجلى – على حد زعمه – في قصص الأنبياء يعلق على ما ورد في قوله تعالى: ﮋ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮊ [هود: ١٢٠].
يقول: ((هناك مفهومات خمسة تتيح لنا أن نوضح كيف أن هذه الآية تحيل إلى نوع من الاستخدام الأسطوري للتاريخ، واستخدام تاريخي للأسطورة))( ).
ويتابع أركون في وصفه القرآن تصريحاً أو تعريضاً بالأسطورة أو الفكر الأسطوري، مردداً دعاوى كفار قريش في وصفهم للقرآن الكريم كما ورد في كتاب الله تعالى على لسانهم، قال تعالى: ﮋﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮊ [الفرقان: ٥].
ومما يؤكد أنه يستخدم الأسطورة بمعنى الخبر الذي لا أصل له، مقابلته بين الرؤية الأسطورية في مقابل المعرفة الوضعية، والتي يصفها بالعلمية، فيقول: ((إن اشتداد الضمير غير المجزأ وجهد العقل الذي يرفده مقابلة الإيمان لإنفاذ الشروط النظرية لإحياء التعاليم الصحيحة للرسالة الإلهية والرجوع إليها، ويبقى أن هذا الجهد قد عمل على استمرار الرؤية الأسطورية، على حساب معرفة وضعية بالإنسان وبالتاريخ))( ).
فيقول: ((فلا يمكن نقل كلام ذي بنية أسطورية إلى مجرد كلام دال، بدون افتقار قصي لجملة معقدة من المفاهيم، ومن الضروري المرور بالتحليل الأدبي، الذي يفترض هو ذاته دراسة علمية لدلالات كلام ديني))( ).
ثم يقول: ((إن تأثير هذه القصص على وعي سامعي القرآن مختلف بحسب طريقة التلقي؛ أي أنها إما تتلقى عن طريق الوعي الأسطوري الدوغمائي (الأصولي المنغلق)، أو عن طريق الوعي التاريخي))( ).
وتجده يُثني على عمل محمد أحمد خلف الله في كتابه: ((الفن القصصي في القرآن الكريم))، وما حمل من انحرافات في فهم القصص القرآني( ).
ولم يذهب أركون بعيداً عن الموقف الاستشراقي من القصص القرآني في زعمهم نقلها عن التوراة والإنجيل، ويردد مزاعم من سبقه من المستشرقين، فيقول: ((ننتقل الآن إلى النقطة الثالثة من موضوعنا: وهي التداخلية النصانية بين القرآن والنصوص الأخرى التي سبقته، وهنا نريد أن نقوم بقراءة تاريخية أفقية للخطاب القرآني، وذلك ضمن منظور المدة الطويلة جداً، بحسب تعبير المصطلح الشهير للمؤرخ الفرنسي ((فيرنان بروديل))، وهذه المدة الطويلة جداً سوف تشمل ليس فقط التوراة والإنجيل، وهما المجموعتان النصيتان الكبيرتان اللتان تتمتعان بحضور كثيف في القرآن، أو في الخطاب القرآني، وإنما ينبغي أن تشمل كذلك الذاكرات الجماعية الدينية الثقافية للشرق الأوسط القديم، وبهذا الصدد يمكن القول إن سورة الكهف تشكل مثلاً ساطعاً على ظاهرة التداخلية النصانية الواسعة الموجودة أو الشغالة في الخطاب القرآني، فهناك ثلاث قصص هي: أهل الكهف، وأسطورة غلغاميش [يقصد به: الخضر] ورواية الإسكندر الأكبر [ويقصد: به ذي القرنين] وجميعها تحيلنا إلى المخيال الثقافي المشترك والأقدم لمنطقة الشرق الأوسط القديم))( ).
ويتمادى في انحرافه بالتشكيك في صحة ما ورد في كتاب الله تعالى من أخبار الأمم السالفة، وقصص الأنبياء، ويدعو إلى قيام دراسة نقدية تمحص ـ على حد زعمه ـ تلك الأخبار، إذ يقول: ((ينبغي القيام بنقد تاريخي لتحديد أنواع الخلط والحذف والإضافة والمغالطات التاريخية التي أحدثتها الروايات القرآنية بالقياس إلى معطيات التاريخ الواقعي المحسوس))( ).
5) الطعن في منهج السلف في التفسير:
ومن أجل أن يُسَوِّغ تفلُّته من ضوابط فهم اللغة ودلالاتها وما وضعه الأصوليون من قواعد شرعية في دراستهم للدلالات حسب المفهوم اللغوي يدعو إلى منهج جديد، فيقول: ((إن القرآن لا يمكن اعتباره مجرد وثيقة أدبية وتاريخية، هذا يعني أنه يتوجب علينا بالضرورة قلب المنهج الذي عرف حَظْوة على يد الأصوليين القدامى والشراح والمحدثين))( ).
ومعنى ذلك بأن يفسر القرآن وأن يفهم دلالات النصوص كما يشتهي، وهذا ما يؤكد إعجابه بالتفسير الرمزي الذي لا يتقيد بقواعد اللغة، ولا بأصول الفقه، ولا يعنيه ما وضعه الأصوليون من أصول وضوابط في فهم الآيات القرآنية، والتفريق بين العام والخاص، والمطلق والمقيد( ).
وفي معرض ردِّ التهامي نقرة على مَنْ يمثلون هذا الاتجاه يقول: ((لقد اشتمل القرآن الكريم على صور تمثل الرمزية العربية في الإيجاز والتعبير غير المباشر الذي قد يخفى على غير الأذكياء لا الرمزية التي يتحدث عنها المجددون بأنها فيض من مشاعر ذاتية، شبيهة بالتهويمات والرؤى والأحلام، والغموض، هذه المشاعر كثيراً ما تتحول إلى ألغاز وطلاسم، لا يملك مفاتيحها غير أصحابها. والناس يختلفون في فهم ما تدل عليه الرموز باختلاف مشاعرهم ونوازعهم))( ).
كثيراً ما يكرر مصطلح الرمزية في فهم النص، وهذا وإن كان مما أنتجته الحداثة الغربية المعاصرة في الشعر والأدب، فإن أركون لا يخفي إعجابه بعلم الجفر الشيعي، الذي يقوم على التفسير الرمزي، أو ما يسميه بالرمزية السيميائية (الدلالية) في فهم وتفسير النص( ).
ويمجد أركون بالتفسيرات الباطنية فيقول: ((نجد بهذا الصدد أن القراءات الرمزية للصوفيين، والقراءات المجازية للغنوصيين الباطنيين هي أكثر خصوبة بالمعلومات والدروس تجسيد أو تحيين العجيب المدهش المحتمل وجوده في القرآن))( ).
وفي تعليقه على فهم المسلمين لآيات الجهاد واختلافهم إلى طائفتين: مؤيدة ومعارضة.
فيقول: ((إنهم جميعاً ينكرون تاريخية النص القرآني وتاريخية عصرنا الراهن ويشوهون بواسطة الحركة نفسها من القراءة والممارسات التاريخية كل الشروط الواقعية والموضوعية لدمج الحقيقة في أزمنة متنوعة ومتغايرة))( ).
ثم يدعو إلى ظهور منهج جديد في التفسير يقوم على المنهجية السيميائية (الدلالية)، ثم التاريخية، ثم الأنثربولوجية لفهم الكتابات المقدسة( ).
ويعلق هاشم صالح مترجم الكتاب على هذه المنهجية ويوضح منهج أركون بقوله: ((يهدف أركون عن طريق استخدام المنهجية السيميائية (الدلالية) والألسنية في الصفحات التالية إلى تحرير القارئ المسلم من هيمنة النصوص المقدسة))( ).
6) التشكيك في جمع القرآن الكريم:
وأما موقفه من جمع القرآن الكريم فيذكر الروايات الإسلامية حول كتابة القرآن الكريم في العهد النبوي وجمعه في عهد أبي بكر وعثمان رضوان الله عليهم أجمعين، ثم يعقب بعدم تسليمه بهذه الروايات الإسلامية ويثني على الكتابات الاستشراقية الناقدة لصحة جمع القرآن أمثال كتابات: المستشرق الألماني: نولدكه، في كتابه: تاريخ القرآن، وشوالي، وبيرغستراسير في كتابيهما: جمع القرآن، وتاريخ النص القرآني، والمستشرق الألماني ربيجيس بلاشير( ).
7) الطعن فيما ورد من أخبار الغيب في القرآن الكريم:
وأما موقفه من الغيب فيعرض تحت عنوان: (اقتراحات من أجل قراءة سورة التوبة)( ) ما ورد في هذه السورة من الأمر بجهاد المشركين وما أعدَّه الله من النعيم في الجنة للمجاهدين في سبيل الله ثم يعلق على ذلك ويقول:
((هكذا نجد أن كل الخطاب القرآني يوضع داخل التاريخية الأكثر اعتيادية ويومية، ولكن هذه التاريخية تحوَّر وتُحوَّل إلى نوع من تاريخ الخلاص الأخروي))( ).
ثم يقول: ((ولكن ظاهرة أن الخطاب القرآني قد استطاع بهذه الطريقة (ولا يزال) خلع القدسية والتعالي على التاريخ البشري الأكثر مادية ودنيوية والأكثر عادية وشيوعاً ينبغي ألا تنسينا تلك الآتية والاعتباطية الجذرية للأحداث))( ).
وامتداداً لقراءته لسورة التوبة وما أعده الله للمؤمنين والمؤمنات من النعيم في قوله تعالى: ﮋﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﮊ [التوبة: ٧٢].
يقول: ((ليس الوجه الديني للتوبة إلا عبارة عن مجموع الصور أو التصورات التي تشكل مخيالاً كونياً: أقصد الأنهار التي تجري، والمساكن الطيبة الموجودة في جنات، تستحيل في الزمان التجريـبي المحسوس الذي نعيشه))( ).
ثم يشرح مترجم كتبه، هاشم صالح، موقف أركون من الغيبيات فيقول: ((يقصد أركون بذلك أن وعينا الحديث الراهن يعجز عن تصديق وجود مثل هذه الجنات بشكل مادي محسوس، هذا في حين أن وعي الناس في زمن النبي كان منغمساً بالخيال، ولا يجد أية صعوبة في تصور ذلك، واعتباره حقيقة واقعة، لقد كان الوعي آنذاك غير قادر على التفريق بين الأسطورة والتاريخ أو بين العوامل المثالية التصورية والعوامل الواقعية المادية))( ).
ومن خلال العرض السابق لموقف أركون من القرآن الكريم يتبين لنا موقفه الطاعن في كتاب الله تعالى، والمشكك في مصدره الرباني بأساليب متعددة، وهو لا يخرج عن المسار الاسشتراقي العام من القرآن الكريم، وإن كان عدد من المستشرقين يصرحون بنفيهم للمصدر الإلهي للقرآن فإننا نجد أركون يصل إلى النتيجة نفسها بأساليب مختلفة تعريضاً وتصريحاً، وسيتبين لنا الأثر الاستشراقي الجلي في فكر أركون من خلال عرض تصور المستشرقين المشابه لموقف أركون من القرآن الكريم في الفصل القادم، وسنقتصر على أمثلة من مواقف المستشرقين في المواطن التي تابعهم أركون فيها محاولاً تجنب الإسهاب والإطالة في هذا الموضوع، ثم نتبع ذلك بنقد لمنهج أركون.
الفصل الثالث: الموقف الاستشراقي المشابه لموقف أركون من القرآن الكريم.
يكرر أركون مزاعم عدد من المستشرقين في موقفهم من القرآن الكريم، ومنهم المستشرق الفرنسي ((ريجي بلاشير))، والذي ينفي كتابة القرآن الكريم بمكة قبل الهجرة، وأن مرحلة حفظ القرآن في صدور المسلمين قبل كتابته استمرت عشرين سنة، وأن جمع القرآن – على حد زعمه – حدثت فيه أخطاء كثيرة( ).
ويزعم لبيرتون أن زيداً رضي الله عنه قال: «لقد مات النبي ولم يكن قد تم جمع القرآن في أي مكان»( ).
ويطلق ((بلاشير)) على عملية جمع القرآن الكريم تنقيحاً( ).
ولا يخفى ما يحمله هذا اللفظ من معاني توحي بأن القرآن قابل للزيادة والنقصان والتبديل والتنقيح، كأي جهد بشري –كما يزعم –.
وقد تواردت شبهات عدد من المستشرقين حول جمع القرآن الكريم تشكيكاً في جمعه، وطعناً في فعل أبي بكر وعثمان رضوان الله عليهم جميعاً في مواطن عدة من كتبهم( ).
وحول التشكيك في كتابة القرآن الكريم وجمعه يحمل المستشرق ((جيرو نيياوم)) كتاب الوحي ما حدث –على حد زعمه- من أخطاء في الجمع والترتيب فيقول: ((فالكتاب على ما هو عليه اليوم بين أيدينا ليس هو الكتاب كما أبلغنا إياه محمد، بل الواقع أن كتاباً بأكمله لم يوح إليه قط؛ بل كانت توحى إليه رؤى قصيرة ووصايا وأمثال وقصص ذات مغزى أو أحاديث في أصول العقيدة، ولعله كان ينوي أن يجمع شتات أجزائه المتعددة))( ).
ثم يقول: ((وربط جامعو القرآن عدداً من قصص الأنبياء بعضه مع بعض، فتولد عن ذلك في بعض الأحيان شيء من الرتابة المملة، لم يكن النبي مسؤولاً عنه بأي حال))( ).
ينقل المستشرق ((جرو نيياوم)) قول من سبقه من الغربيين حول كلمات الله تعالى بقوله: ((فإن لغته إيقاعية موزونة وقد مُلِئَتْ موعظة بالترغيب والاستمالة، وشابهت استدلالاته الأساطير))( ).
وأما بالنسبة لموقف أركون من القصص القرآني ومزاعمه في هذا الباب فتتوافق في جوانب عدة مع عدد من المستشرقين من تشكيك في مصدرها، وعقد مقارنة بينها وبين قصص الأنبياء في كتب اليهود والنصارى، وهذا ما يصرح به بلاشير في كتابه: ((معضلة محمد))( ).
ادَّعى كثير من المستشرقين أن قصص الأنبياء في القرآن منقولة عن كتب اليهود والنصارى فيقول جولد تسيهر: ((لقد أفاد محمد من تاريخ العهد القديم، وكان ذلك في أكثر الأحيان عن طريق قصص الأنبياء؛ ليذكر على سبيل الإنذار والتمثيل بمصير الأمم السابقة الذين سخروا من رسلهم ووقفوا في طريقهم))( ).
كما يزعم فنسنك بأن الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة: ((كان يبشر بدين مستمد من اليهودية والنصرانية، ومن ثم كان يردد قصص الأنبياء المذكورين في التوراة والإنجيل لينذر قومه بما حدث لمكذِّبي الرسل قبله وليثبت أتباعه القليلين من حوله))( ).
ويقول جولد تسيهر: ((كان هناك ما ورد في الكتب السابقة من مختلف القصص التي أجملها محمد، وقدمها في منتهى الإيجاز وأحياناً على وجه متداخل))( ).
وأما موقف أركون من منهج علماء السلف في التفسير بالمأثور، وخصوصاً منهج الإمام الطبري فإنما يردد مزاعم أساتذته المستشرقين أمثال المستشرق الفرنسي ((كليمان هوار)) والذي خلص في دراسته: ((وهب بن منبه والتراث اليهودي النصراني باليمن))، إلى أن جامع البيان لابن جرير الطبري لا يعدو كونه نسخة عربية لما تضمنه الكتاب (المقدس) – على حد زعمه –( ).
ومن جانبٍ آخر وافق أركون عدداً من المستشرقين في إعلائهم لمناهج التفسير للفرق المنحرفة كالمعتزلة، والباطنية( ).
وأمَّا دعوى أركون إعادة النظر في مناهج التفسير بدعوى الاستفادة من معطيات العلوم الإنسانية بالغرب فقد تابع في ذلك المنهج الاستشراقي المشابه والذي ظهر ابتداءً من منتصف القرن العشرين( ).
ومع أن أركون ينتقد المنهجية الاستشراقية في كثير من كتاباته، ولكنه لم يخرج عن الإطار العام للفكر الاستشراقي في موقفه من القرآن الكريم، بل إن نقده للفكر الاستشراقي لم يكن دفاعاً عن الإسلام، ولكن ـ على حد قوله ـ لعجز هذا الفكر عن تجاوز الدراسات الوصفية إلى الدراسات النقدية التفكيكية للقرآن الكريم الذي استطاع – على حد ما يتوهم – أن يصل هو إليه، ومع ذلك فإنه يصرح بتأثره بالفكر الاستشراقي وبعدد من المستشرقين في عدد من كتاباته، ولا يستطيع إخفاء إعجابه بهم، ففي معرض شكره لمن ساهم في بناء مسيرته العلمية يقول: «لم يكن هذا العمل لا محالة لينجز، حتى يبلغ حسن مقصده لولا الصداقة الفعالة وغير المكذوبة قط لأساتذتي السادة ((روبير برد نشفيك))، و((شارل بيلا))، و((كلود كاهن))، بثلاثتهم قدموا لي مساندة حاسمة في ظروف شاقة بالخصوص من مجرى حياتي »( ).
ولا نشك أن نقد أركون الاستشراقي للإسلام والقرآن فاق كثيراً من المستشرقين، وهذا ما يؤكده محمد بديش بقوله: « أركون ليس مستشرقاً بالمعنى الذي تعنيه هذه الكلمة في الأدبيات الإسلامية المعاصرة، ولكنه مجدد للفكر الاستشراقي وصاحب نهضة فيه، بل يبدو لنا أن أركون هو من أكبر الرواد لما يمكن تسميته ((بالاستشراق العربي)) »( ).
ولا غرو أن يتأثر أركون بأساتذته المستشرقين في السوربون؛ إذ قضى جُلَّ حياته ينهل من فكرهم، وقد أكد عدد من الباحثين أثر أولئك الأساتذة على تلاميذهم، ومن ذلك ما ذكره في هذا السياق محمود المقداد بقوله: ((ولا شك في أن هؤلاء الأساتذة كانوا يؤثرون تأثيراً عميقاً ومباشراً في طلبتهم))( ).
ويؤكد الدكتور عبد الرزاق هرماس أنَّ محمد أركون من أكثر الباحثين تأثراً بالفكر الاستشراقي – في معرض سرده لأسماء تلاميذ المستشرقين في فرنسا – فيقول: ((ومن نماذج تلاميذ المستشرقين الذين استُبْقوا في الغرب – فرنسا – ويحررون منشوراتهم بالفرنسية: د. محمد أركون، ويهمنا في هذا المطلب ما يتصل من كتاباته بربانية مصدر القرآن، وإن كان هذا الكاتب قد أضحى – عن جدارة – أكثر جرأة من أساتذته على الله وعلى كتابه، وعلى سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – وعلى شريعة الإسلام، وبخصوص كلام أركون عن القرآن الكريم، فالملاحظ أنه في جميع ما كتب عنه ظل وفياً للتراث الاستشراقي، ولا نكاد نجد شيئاً من مطاعن المستشرقين – قديماً وحديثاً – لم يَتَبنه ويدافع عنه، طريقته في ذلك واحدة دائماً: هي التلبيس على تلك المطاعن، بادعاء الاستفادة من ((المناهج المعرفية المعاصرة)) في فهم القرآن، لكن هذه الاستفادة تؤدي دائماً إلى تقرير وتزكية مختلف أراجيف المستشرقين))( ).
ويتبين من خلال هذه الإطلالة على موقف طائفة من المستشرقين من القرآن الكريم التوافق بين الموقف الاستشراقي والأركوني من القرآن الكريم، وقد ظهر لنا بجلاء التأثير الاستشراقي في المسيرة الفكرية لأركون من خلال مسيرة حياته العلمية وتصريحه بفضل أساتذته المستشرقين عليه.
ونختم البحث في الفصل القادم بالمناقشة المنهجية العامة لموقف أركون من القرآن الكريم.
الفصل الرابع: نقد منهج أركون في موقفه
من القرآن الكريم
تنوعت تلك المناهج التي اعتمدها أركون في دراسته، وتباينت مما زاد أسلوبه غموضاً وتعقيداً، وكأنه يمتدح نفسه بمكاثرته بتلك المنهجيات؛ إذ يصرح في أكثر من موطن من كتبه بأنه يُخضع النص القرآني – على حد تعبيره –: «لمحك النقد التاريخي المقارن، وللتحليل الألسني، وللتأمل الفلسفي المتعلق بإنتاج المعنى»( ).
غموض منهج أركون وتناقضه:
ويتأكد عدم ثبات منهجيته بل تناقض تلك المنهجيات وتشعبها إذ يدعي استفادته من منجزات العلوم الإنسانية ومنهجياتها كالألسنية، وعلم الاجتماع وعلم النفس والأنثروبولوجيا والتحليلات الفلسفية الجديدة كالتفكيك عند ((دريدا))، والتحليل الأركيولوجي عند ((ميشيل فوكو))، والذي يثني على منهجه كثيراً( ).
ودائماً ما يمتدح منهجه وأنه استطاع أن يتجاوز في دراسته وتحليلاته حدود غير المفكَّر فيه إلى المستحيل التفكير فيه متأثراً في ذلك بمنهج ((ميشيل فوكو))( ).
ويشوب كتابات أركون الغموض والتناقض كذلك، ويؤكد أنه يعتمد على طائفة كبيرة ومتنوعة من المناهج الغربية في دراسته النقدية للفكر الإسلامي عموماً ولكتاب الله خصوصاً؛ فالمتتبع لكتاباته لا يكاد يظفر بمعالم محددة لمنهجه، ومع تعدد واختلاف تلك المنهجيات التي يعتمدها تبدو كتاباته وكأنها مخزن عام لكل ما أنتجه الغرب من مناهج، فتجده لا يفتأ يُلح على ضرورة استخدام ما أنتجته العلوم الإنسانية والاجتماعية من مناهج بشتى فروعها من التاريخ والأنثربولوجيا وعلم الاجتماع وعلم النفس واللسانيات وعلم الأديان المقارن والفلسفة، وتجد مؤلفاته حافلة بأسماء كثيرة من المفكرين أمثال: ماركس، وفرويد، وستراوس، وباشلار، وألتوسير، وبارث، وفوكو، وديدرا، وبورديو، وريكور، وبروديل، وغويل، وغيرهم كثير.
وبجانب هذه التناقضات والغموض في منهجه تجد الغموض يسري كذلك إلى الألفاظ التي يستخدمها ويرددها، ومنها: الرمزية، الأسطورة، التفكيكية، اللامفكر فيه، التقطيع الميثي، الأنسنة التاريخية، الخطاب السيميائي، الأبستمولوجيا (المعرفية)، إلى غير ذلك من سلسلة طويلة من الألفاظ الغامضة في كتاباته، وزادها غموضاً تعريب مترجم كتبه.
والملاحظ لمنهج أركون ودعوته يجد أنه لم يأت بجديد، وإنما هو ترديد لمقولات دعاة التغريب من قبله، ولكن بثوب جديد مُحَمَّل بطائفة كبيرة من المنهجيات، وفي وسط ركام من المفاهيم والمصطلحات الغامضة ليتفق مع من سبقه في حربهم على الثوابت الشرعية، وعلى كل ما هو غيـبي بدعوى التحرر من سلطة (النص).
أثر منهج نقد الكتاب المقدس في منهج أركون:
ويبدو أن محمد أركون متأثر في مفهومه لتاريخية (النص) بعدة نظريات ومنهجيات، ومن ذلك: منهج النقد التاريخي للكتب المقدسة، والذي يريد أن يطبقه على الإسلام باعتبار أن الغرب لم يتقدم علمياً إلا بعد أن قام بتفكيك نصوصها المقدسة من غيبياتها وإخضاعها للنقد التاريخي وعلى ذلك فهو يدعو إلى أن يطبق المسلمون هذه المنهجية على كتاب الله تعالى، وأن شرط تقدمهم مرهون بتحررهم من قداسة القرآن – على حد زعمه –.
ويبرز في مدرسة نقد الكتاب المقدس التي تبنَّاها محمد أركون الأسماء الاستشراقية التالية: ((ريتشارد سيمون، ويوهان سملر، وجان استروك، وكارل دافيد إيلجن، وهيرمان هونفلد، تيودور نولدكه، وفلهاوزن))( ).
ومن سلبيات منهج النقد التاريخي للكتب المقدسة التي يريد أركون تطبيقه على القرآن الكريم أنه يقوم على نظرية المصادر الإنسانية للعهد القديم وهي النظرية التي طورها المستشرق الألماني ((يوليوس فلهاوزن)) مؤسس علم نقد الكتاب (المقدس) في العصر الحديث( )، وهذا المنهج وإن كان يصح تطبيقه على التوراة والأناجيل؛ لتعرضها للتبديل والتحريف الذي أخبر الله عنه، إلا إنه من الخطأ المنهجي ومن الضلال والانحراف محاولة تطبيقه على كتاب الله تعالى الذي حفظه الله من التدخل البشري، ومن كل تغيير أو تحريف أو تزوير كما أخبر تعالى: ﮋﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮊ [الحجر: ٩].
ويشير الزواوي بغورة إلى غموض منهجية أركون وجمعها بين المنهجيات المتعددة والمتناقضة في جوانب عدة بقوله: ((إن محمد أركون يوظف في الحقيقة سلسلة من المفاهيم والطرائق الحديثة والمعاصرة، أو يمكن القول إنه يشترط في البحث التراثي جاهزية dispostif كاملة من المفاهيم وهو ما يشعر الباحث بنوع من التعقيد والشكلانية والألوية الممنوحة للمنهج على حساب الممارسة والتطبيق الذي بقي إشارات وأمثلة وتحليلات محدودة))( ).
ويصل أركون إلى نتيجة مفادها أن ما جاء به الوحي يمكن أن يقبله كحقيقة تاريخية، ومع ذلك تبقى حقيقة نسبية، إذ يقول: ((وليس في وسع الباحثين أن يكتفوا اليوم في الواقع بالتكرار الورع (للحقائق) الموحى بها في الجزيرة العربية في القرن السادس والتي طرحت منذئذ على أنها بآن واحد، مما يمكن تعريفه واستخدامه وأنها متعالية... وينجم عن ذلك أن المشكلة الجديدة المطروحة على الفكر العربي هي مشكلة (تاريخية الحقيقة المنـزلة) وإذا شئنا (مشكلة تفاعل الوحي والحقيقة التاريخية منذ 622م)، وهذه المشكلة محتومة كما يدل على ذلك مثال الفكر المسيحي، الذي شرع ينظر بعين الجد في الحق إلى النقد الفلسفي لدى أمثال (نيتشه) ))( ).
ويعلق على هذا النص نعمان السامرائي بقوله: ((والذي استطعت فهمه من هذا النص الغامض المضطرب ما يلي:
1- ينبغي عدم الوقوف والاكتفاء بما جاء به الوحي من حقائق وعدم أخذها مُسَلمة، وهذا المعنى يتكرر كثيراً، ويلح عليه الكاتب إلحاحاً.
2- عدم النظر في النصوص – أي القرآن والسنة – على أساس قيمتها الدينية، المتعالية على النقد والتمحيص، بل يمكن تعريفها، ثم استخدامها وفقاً لقواعد اللغة، بعيداً عن صفتها الدينية.
3- إن القرآن والسنة بما حويا من حقائق كانت خاضعة للتاريخ، بمعنى أنها حقائق في وقتها، ولا يشترط أن تبقى كذلك، مع تغير الأزمان، فما كان حقيقة بالأمس، لا يشترط أن يبقى كذلك اليوم.
4- إن هذه القضية مهمة وحتمية؛ لأن الفكر المسيحي مر بهذه التجربة، ونجد مصداق ذلك في نقد نيتشه للمسيحية))( ).
ويبدو متأثراً بالفكر الماركسي في موقفه من الدين: (بأن الدين أفيون الشعوب) –كما يدَّعون –، إذ يصف حال المسلمين في تجاوزهم للنكبات عبر التاريخ بأنه نتيجة اعتقادهم بأن (أسطورة) القرآن لا يمكن أن يكذبه التاريخ، فيقول: ((هذا التأكيد هو الأسطورة الأكثر رسوخاً، والأكثر نجوعاً، والذي أتاح بالفعل للضمير المسلم أن يتجاوز جميع الأزمات بدءاً من 632م))( ).
ويصف أحميدة النيفر منهجية أركون التفكيكية الأنثربولوجية في فهم النص القرآني ويورد على ذلك أمثلة منها: ((تفسير سورة الكهف حيث ينتهي إلى القول بأن قصة الفتية الذين آووا إلى الكهف هي من قبيل القصص الأسطورية، أي القصص التي تعتني بعبقرية التشكيل والتركيب والإبداع، والمقدرة على الإحياء وتقديم العبرة للناس، أكثر من اهتمامها بمطابقة الواقع والتاريخ))( ).
وإذا كان أركون قد ردد في أكثر من موطن من كتاباته استخدامه لمنهج الأنثربولوجيا، ولاسيما الأنثربولوجيا الدينية، فما حقيقة هذا العلم؟
نظرية الأنثربولوجيا الدينية تتلخص في أن الإنسان منذ القدم قد استرعت انتباهه بعض الظواهر مثل الأحلام والرؤى والمرض واليقظة والنوم والموت، فكانت تلك العقائد والطقوس الصورة الأولى للأديان ـ كما يزعمون ـ( ).
والأنثربولوجيا موضوع بحثه: أساطير الجماعات البشرية باعتبار أن الإنسان (البدائي) كما يسمونه اعتنق ديانات بدائية أقرب إلى السحر والأساطير متمادون في زعمهم بأن تلك أولى الصور الدينية التي عرفها الإنسان.
وقد سعى عدد من المستشرقين ومن تابعهم أمثال أركون إلى إسقاط هذا المنهج على مجال الدراسات القرآنية وخصوصاً قصص الأنبياء، وتاريخ الأقوام السابقين الذين ورد الحديث عنهم في القرآن الكريم( ).
ومن المزالق المنهجية في الدراسات الحديثة على آيات القرآن الكريم، استخدام مصطلح [النص] عند الحديث عن القرآن الكريم، وهذا المصطلح بما يحمله من مدلولات منقولة عن الدراسات الأدبية وما يترتب عليه من دراسات نقدية تحكم على الألفاظ كقطعة أدبية معزولة عن مصدرها وإذا طبقت مقاييس النقد الأدبي على النص القرآني فإن النتيجة المتوقعة خضوع القرآن للنقد والتحريف والتبديل، وجعله تابعاً للواقع المادي متأثراً به منفعلاً معه، وهذه هي مقتضيات النظرية المادية الجدلية( ).
وهذا هو ما يردده محمد أركون في كثير من كتاباته، بل وكلمة (النص) أصبحت عنواناً لعدد من الدراسات المنحرفة لممثلي هذا التيار، أمثال: نصر حامد أبو زيد، وحسن حنفي، وعلي حرب، والطيب تيزيني، ومن سار على نهجهم.
وقد ظهرت عدة نظريات غربية لدراسة ما يسمى: (النص) دون التفريق بين الآيات القرآنية والنصوص الأدبية( ).
ومن المفاهيم المغلوطة والمصطلحات المضللة في كتابات محمد أركون ودراساته عن كتاب الله تعالى مصطلح: تاريخية النصوص المقدسة( )، والتي يزعم فيها أن القرآن الكريم خطاب تاريخي يتغير فهمه ومعناه – كما يدعي – مع تغير الزمان والمكان ومعنى ذلك إسقاط النظرية النسبية في الدراسات الأدبية والتاريخية المعاصرة على كتاب الله تعالى، ووصف معانيه بعدم الثبات والخلود إذ قد يفهم منه شخص معنىً مغايراً لما يفهمه الآخر لاختلاف الزمان والمكان، وبناء على ذلك فما جاء فيه من عقائد وشرائع وأوامر ونواهٍ تتغير وتتبدل مع تبدل الزمان والمكان.
وتعود أصول مفهوم (تاريخية النص) في الفكر الغربي إلى ظهور الماركسية الجدلية في القرن الماضي، ثم إلى ظهور مفاهيم علم اجتماع المعرفة والتي تقوم على أن الوجود الاجتماعي للناس هو الذي يحدد وعيهم أو علاقة الفكر بالواقع وهذا ما ينطلق منه أركون في مفهومه لتاريخية النص وخصوصاً بأنه يدعو دوماً إلى استخدام مناهج العلوم الاجتماعية والإنسانية في فهم القرآن ومن ذلك نظريات ومفاهيم علم اجتماع المعرفة.
أثر منهج علم اجتماع المعرفة في دراسته:
ويحسن أن نلقي الضوء على مفهوم منهج علم اجتماع المعرفة الذي يبني عليه أركون فهمه للقرآن ثم نتبع ذلك ببيان لعيوب هذا المنهج.
ترجع البدايات الأولى لعلم اجتماع المعرفة إلى النظرية المادية التاريخية عند ماركس وتحليله للمعرفة وتفسيره للتاريخ وكشفه عن طبيعة الأيدلوجيات والحقائق السائدة في المجتمعات( ).
وقد عَرَّفَتهُ دائرة معارف العلوم الاجتماعية بأنه: ((فرع من علم الاجتماع يهتم بدراسة العلاقة بين الفكر والمجتمع ويهتم أيضاً بدراسة الظروف الاجتماعية أو الوجودية للمعرفة))( ).
وبإيجاز يدرس علم اجتماع المعرفة طرق تأثير الظروف الاجتماعية في المنتجات الذهنية أو المعرفة، وفي حقيقته يُعنى علم اجتماع المعرفة بدراسة الظواهر الاجتماعية المؤثرة في نشوء الأفكار وتطورها، فهذه هي حقيقة هذا العلم الذي يدَّعي أركون بأنه يعتمده في دراسة حقائق الغيب، ومصدر الوحي، وحقيقته الادعاء بأن المجتمع هو أساس كل الظواهر الدينية والمعرفة، وأن المجتمع يتأثر ويؤثر في معطيات تلك المعرفة.
وبهذا المفهوم ليس الدين – على حد زعمهم – إلا حادثاً اجتماعياً، فهذه المنهجية تنكر الغيب ومصدر الوحي، إذ الدين في زعمهم انبثق من المجتمع نفسه( ).
ومن أبرز عيوب هذا المنهج الاجتماعية أنها تنطلق من نظرة مادية تنكر فيها الحقائق الغيبية، بحجة أنها لا تدخل في الحقائق المشاهدة، ووصف الحقائق الغيبية بأنها أساطير، كما ورد في كتابات أركون عن القرآن الكريم.
وينظر مستخدمو هذا المنهج للأديان كحقائق اجتماعية نبعت من المجتمع نفسه مع إنكارهم للغيب( ).
إن الزعم بتبدل معاني القرآن الكريم ودراسته دراسة تاريخية وتطبيق المنهجيات الغربية عليه باعتباره نصاً تاريخياً تطبق عليه المنهجيات النقدية في دراسة النص الأدبي والتاريخي والذي يدعيه محمد أركون، كل ذلك في حقيقته تشكيكٌ في مصداقية تَنَـزُّلِ هذا القرآن الكريم من الله تعالى وتشكيكٌ في كونه كلام الله تعالى ولكن بأساليب ملتوية، وفي ذلك تشكيك ونفي وطعن في الآيات القرآنية التي تدل على أنه نزل به الروح الأمين كما وردت بذلك الآيات المستفيضة التي تبين سند نزوله على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﮋﮓ ﮔ ﮕ ﮖ* ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ * ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮊ [الشعراء: ١٩٢-١٩٤] وقال تعالى: ﮋﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﮊ [آل عمران: ٣]، وقال تعالى: ﮋﭻ ﭼﭽﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗﮊ [النساء: ١٣٦]، وقال تعالى: ﮋﯔﯕﯖﯗﯘ ﯙﯚﯛﯜﮊ [الفرقان: ١]، وقال تعالى: ﮋﭨﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮊ [الزمر: ٢٣].
وقال تعالى: ﮋﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﮊ [البقرة: ٢٣].
ويقول صلاح يعقوب في مَعْرِض رده على من سلك هذا المسلك:
((إن جعل وظيفة اللغة التلقي فقط والتعامل مع النص فضلاً عن أن يكون هذا النص مقدساً من هذا المنطلق يوصلنا إلى أن لسامع النص أن يحمل ألفاظه على ما يشاء من معان يجدها في نفسه؛ حيث انفصل الكلام عن المتكلم وعن منـزله، وأصبح ملكاً للسامع يحمله على ما يشاء فمرةً يجعله أسيراً لأسباب النـزول، والسياق الاجتماعي، ومرة يجعله مخاطباً لأشخاص وأحداث بعينها، ومرة يحمله على التأويل، ومرة على التحريف تحرراً من قاعدة اللغويين والأصوليين من أن الوضع قبل الاستعمال والحمل معاً. ولو جاز لكل باحث وسامع أن يحمل الكلام على ما يشاء من مختلف الدلالات يتخير منها ما يروق له لانتفت قيمة اللغة وفقدت دلالتها، وتاه الناس في مفاهيمها))( ).
أثر البنيوية والتفكيكية في دراسته:
والقارئ لكتابات أركون يجده مشتتاً متأثراً بقدر هائل من النظريات الغربية المندثرة فيها والناشئة، ويتفاخر بترديد مسميات تلك المناهج والنظريات، ومن ذلك دعوته إلى إنشاء دراسة تفكيكية للنصوص المقدسة بما فيها كتاب الله تعالى.
والمتتبع لتاريخ الغرب الفكري يجد أن التفكيكية جاءت ردَّ فعل لانهيار البنيوية في فرنسا بعد أحداث الثورة الطلابية عام 1968م، فهي إفراز طبيعي لحالة الإحباط وإنكار النظريات الشاملة المتماسكة كالبنيوية الماركسية.
ومع دعوة أركون للمنهجية التفكيكية إلا أنه لم يتخلَّ عن أصول البنيوية التي من أصولها قراءة النصوص المقدسة على أنها نصوص تاريخية منفصلة عن مصدرها، أو ما يسمى في البنيوية (بموت المؤلف).
ولقد ظهرت البنيوية في عدد من مجالات العلوم الإنسانية فكان أول استخدام لهذا المنهج في مجال اللغويات مع ((فرديناند دي سوسير)) و((تشومسكي)) ثم انتشر بعد ذلك في كافة العلوم الإنسانية في علم الاجتماع والأنثربولوجيا مع ((كلود ليفي ستروس))، وفي علم السياسة مع ((التوسير))، وفي علم النفس مع ((جان بياجيه)) و((جاك لاكان))، وفي الثقافة وتاريخ العلوم مع ((ميشيل نوكو))( ).
وهذا الأخير الذي يَرِدُ كثيراً في كتابات أركون، ولكن هذه المنهجية البنيوية بفروعها المختلفة بقيت تصوراً ذهنياً بعيداً عن الواقع وثبت فشلها في سائر العلوم الإنسانية فضلاً عن الميادين المتصلة بالغيب كالدراسات القرآنية التي يزعم أركون تطبيقها في دراسته، ولا أدل على فشلها من انتقال الفكر الغربي بعد ذلك من البنيوية إلى التفكيكية والتي يعتنقها أركون، ظُلمات بعضها فوق بعض.
ومن المناهج الغربية المنحرفة التي يرددها محمد أركون ونصر حامد أبو زيد( )، والطبيب تيزيني( )، وعلي حرب( )، وعبد الهادي عبد الرحمن( ). ومن سار على منهجهم في دراستهم للقرآن الكريم مصطلح: (الهيرمنيوطيقا).
وهو مصطلح استخدم في نقد الدراسات الدينية في الغرب، والذي يشير إلى مجموعة القواعد والمعايير التي يتبعها المفسر لفهم النص الديني منقولة عن الدراسات الأدبية عند الناقد الأدبي الأمريكي ((هيرش))( ).
وهذه النظرية في الدراسات الأدبية تقوم على التفرقة بين المعنى والمغزى في النص الأدبي، حيث إن المغزى قد يختلف لكن معناه ثابت، والمغزى يقوم على العلاقة بين النص والواقع، والواقع متجدد ومتغير( ).
من علماء ((الهرمنيوطيقا)) المفكر الألماني ((شلير ماخر))، و((يلهلم ديلش))، و((مارتن هيدجر))، و((جادامر))، وهؤلاء يكرر أركون ذكرهم ويمجدهم في عدد من أطروحاته الفكرية، وهذا اللفظ يعني التفسير والتأويل، تأويل النصوص الدينية بأسلوب خيالي وبطريقة رمزية تبتعد عن المعنى الحرفي المباشر، وتحاول كشف المعاني الخفية وراء النصوص المقدسة – كما يزعمون –.
إن مزاعم أركون ومن وافقه من المعاصرين، في التفريق بين معنى ومغزى النصوص إذ المعنى – على حد قولهم – يمثل الدلالة التاريخية للنصوص في سياق تكونها، والمغزى ذو طابع معاصر بمعنى أنه محصلة قراءة عصر غير عصر النـزول، إن هذه المزاعم وهذا التفريق المزعوم بين المعنى والمغزى يقتضي الطعن المباشر في كتاب الله والحكم عليه باعتباره (نصوصاً) تاريخية.
وهذه المزاعم تنافي كل أصول وقواعد فهم دلالات الآيات القرآنية، وإن فهم دلالات القرآن لابد وأن يكون بدلالات ألفاظه في عصر الوحي، وليس بالدلالات التي طرأت على الألفاظ بعد عصر التنـزيل، والقرآن الكريم نزل بلسان عربي، قال تعالى: ﮋﮩﮪﮫ ﮬ ﮭﮮﮊ [يوسف: ٢]، وقال تعالى:ﮋﮣ ﮤ ﮥﮊ [الشعراء: ١٩٥]، وقال تعالى: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﮊ [النحل: ١٠٣]، وقال تعالى:ﮋﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﮊ [فصلت: ٤٤].
فمن أراد تفهمه من جهة لسان العرب يفهمه، ولا سبيل إلى تطلب فهمه من غير هذه الجهة( ).
ولقد حظيت الألفاظ ومعانيها ودلالاتها باهتمام كبير لدى علماء الأصول لما لدلالة الألفاظ من أهمية في فهم الأحكام الشرعية، فَتَـتَبَّع العلماء اللفظ مفرداً ومركباً ومطلقاً ومقيداً، خاصاً وعاماً، وقَعَّدوا لذلك القواعد والأصول( ).
ولا خلاف بين الأصوليين في صحة اعتبار المعنى الأصلي في الدلالة على الأحكام كما يقرر الشاطبي( ).
وهل الزعم باختلاف المعنى باختلاف الزمن إلا طعن في حفظ الله لكتابه، في قوله تعالى: ﮋﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮊ [الحجر: ٩]. فلا معنى لهذه الآية وغيرها من الآيات الدالة على حفظ الله لكتابه إن كان الحفظ حفظاً للألفاظ إذا كانت تلك الألفاظ قد فقدت معانيها ودلالاتها بانتهاء عصر النبوة – كما يدَّعي أركون – في كتاباته.
أثر المنهج الباطني والرمزي في دراسته:
لقد وافق أركون التأويلات الباطنية للفرق المنحرفة( ).
وكيف يُسوِّغُ أركون لنفسه تبديل معاني ألفاظ القرآن مع مرور الزمان والمكان، والله قد حظر على نبيه أن يُبَدِّل شيئاً من القرآن من تلقاء نفسه قال تعالى: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ *ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐﮊ [يونس: ١٥–١٦].
والتفسيرات الرمزية لدى أركون امتدادٌ لمذهب الرمزية لدى فرويد، وماركس، ونيتشه، والتي ترى أن الرمز حقيقة زائفة لا يجب الوثوق به بل يجب إزالتها وصولاً إلى المعنى المختبئ وراءها.
فهي مجرد وسيلة إلحادية للثورة على كل غيـبي مقدس، وأن الوحي الإلهي – كما يزعمون – مجرد أسطورة لا حقيقة له.
وفي معرض رد التهامي نقرة على من زعم وجود الرمزية والخيالية في القرآن يبدأ بإيضاح مفهوم الرمزية في الأدب الحديث فيقول: ((الرمزية في الاصطلاح الأدبي الحديث جعل الكلمة كالصدى الآتي من بعيد، فهي لا تقصد لذاتها ولا تستعمل للمعنى الذي وضعت له، ولكن لعلاقتها بحقيقة أخرى تثيرها هذه الكلمة في النفس.
وقد جعل الرمزيون لكل ظاهرة نفسية أو فزيولوجية علاقة بالعالم المثالي، فالنهر يرمز إلى القدر، والشمس الغاربة ترمز إلى المجد الغارق وهكذا... فالرمزية في مفهومها الحديث هي المثالية والغموض أقرب منها إلى الواقعية والوضوح، وهي بهذا الاعتبار تتجاوز عقول الذين جاء القرآن لهدايتهم، وخاطبهم بما يفهمون))( ).
يذكر الله سبحانه شبهة من وصفوا القرآن الكريم بالأساطير ويرد عليهم في مواطن عدة قال تعالى: ﮋﭺﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ *ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮊ [الفرقان: ٥ – ٦].
قال تعالى: ﮋﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮊ [فصلت: ٤٢].
وأصل الأسطورة الخرافة والكذب والوهم كما بَيَّنها التهامي نقرة بقوله: ((وأصل الأسطورة خرافة اخترعها خيال الإنسان لتفسير العلاقة التي تربطه بالوجود، وتعليل ما يجري فيه من بعض الظواهر التي عجز عقله عن معرفة أسبابها الحقيقة فانساق مع الأوهام))( ).
وممن زعم وجود الأساطير في القرآن وأن قصص الأنبياء في القرآن ليست على حقيقتها وإنما هي من باب الحكايات الأسطورية التي قد تصدق وقد لا تصدق. ممن زعم ذلك وسبق فيه أركون، وطه حسين( )، ومحمد أحمد خلف الله( ).
ويرد على هذا الاتجاه التهامي نقره فيقول: ((إن الفن القصصي في الأدب لا يصح أن تحكم مقاييسه بصورة آلية مطلقة في القرآن، فهو ليس كتاب أدب وقد ابتدع فيه الخالق منطقه، كما ابتدع فنه، والقصص القرآني لا يمكن النظر إليه من زاوية أدبية صرفة))( ).
ويقارن مالك بن نبي قصة يوسف بين القرآن والتوراة ويخلص إلى تميز ما ورد في كتاب الله تعالى: ((إذ الرواية في القرآن تنغمر باستمرار في مناخ روحاني، بينما الرواية التوراتية يظهر فيها السرد التاريخي ويتأكد فيها التدخل البشري في التوراة في صياغة أحداث هذه القصة))، وأورد على ذلك استشهادات عدة تثبت الوضع البشري في مواطن عدة من هذه القصة( ).
ويبين التهامي نقرة بعض مميزات الأسلوب القصصي في القرآن مقارنة بالقصص في التوراة والإنجيل في نقاط عدة منها:
1) التركيز في القصص القرآني على أصل هذا الدين وهو الدعوة إلى التوحيد، وما فيها من الدعوة إلى الخلق القويم والنهي عن الشرك والفساد.
2) البعد عن السرد التاريخي المطنب للقصة والتركيز على الجوانب الإيمانية فيها.
3) تعرض القصة القرآنية بصورة شائقة حية كأن أحداثها ماثلة أمام قارئها مباشرة، كقصة أصحاب الكهف، وإغراق قوم نوح عليه السلام، وقصة نبي الله لوط مع قومه، ومجادلة إبراهيم لقومه.
4) ما ورد من إيجاز لأخبار الأمم السالفة والاقتصار على ذكر من نزل عليهم العذاب، دون التعرض غالباً إلى أسماء أنبيائهم وما ورد بينهم من حوار.
5) تميز القصص القرآني بالتركيز على عرض الدروس والعبر من القصة والإنذار والترهيب من خلال ما حدث من عذاب للمكذبين ـ من الأمم السالفة ـ بأنبيائهم.
6) ومن مقاصد القصص القرآني تثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على الحق، وإقامة الحجة على المعاندين.
7) ذكر الأنبياء عليهم السلام بأحسن الألفاظ وأجمل الأوصاف بعكس ما ورد في التوراة من تَجنٍّ وانتقاص وإلصاق التهم الشنيعة والأوصاف القبيحة بأنبياء الله في التوراة( ).
8) ومن محاسن القصة في القرآن الكريم ما ورد من تكرار لمفاصل من قصص الأنبياء؛ لما لذلك من تأثير نفسي في نفس قارئها مع التركيز على ما يكون موجهاً إلى صميم العقيدة أكثر من سواها، فتكرار القصة في عدة سور بأساليب مختلفة إنما يهدف إلى تمكين هذه العقيدة في النفس وتثبيتها في القلب( ). إلى غير ذلك من المزايا التي تختلف فيها قصص الأنبياء في القرآن الكريم عن قصصهم في التوراة.
وإتماماً لنقدنا لمنهج أركون في تبنِّيه لمناهج العلوم الاجتماعية والإنسانية يشير نبيل السمالوطي إلى أزمة المفاهيم في علم الاجتماع، فيقول: ((يعاني علم الاجتماع من أزمات في تحديد المفاهيم والفهم والتفسير والتحليل، فقد ظهرت اتجاهات متصارعة، منها الاتجاهات الوضعية والوظيفية، والاتجاهات الراديكالية، والنقدية، والفينومينولوجية))( ).
وهذا ما ينطبق على سائر مناهج العلوم الإنسانية والاجتماعية التي اعتمدها أركون في دراسته.
وقد رَدَّ عدد من الباحثين المسلمين على مزاعم المستشرقين ومن تابعهم ممن طعنوا في كتاب الله تعالى( ).
وأركون في اعتماده على مناهج العلوم الإنسانية والاجتماعية في دراسته كالمستجير من الرمضاء بالنار؛ إذ كثيراً ما يشكو رواد هذه العلوم الإنسانية من الأزمة التي تمر بها تلك المناهج والتناقض بين تلك المناهج المتعددة.
الخاتمة
وأختم هذا البحث بالنتائج الآتية:
أولاً: تبين لي من خلال الإعداد لهذا البحث كثرة الطاعنين في كتاب الله تعالى، وفي دينه ممن ينتسبون للإسلام في هذا العصر مع اختلاف مشاربهم ومناهجهم وكان من أبرزهم انحرافاً محمد أركون.
ثانياً: حاول محمد أركون ومن سار على منهجه استخدام أساليب متعددة في الطعن في كتاب الله تعالى، زاعمين حمل لواء التجديد في التفسير والفهم لكتاب الله تعالى، مدعين الوصول إلى مناهج جديدة في التفسير والتأويل لم يصل إليها أحد من قبلهم، ناقمين على مناهج المستشرقين، وفي حقيقة أمرهم لم يخرجوا عن منهج المستشرقين الطاعنين في كتاب الله تعالى قيد أنملة، وإنما يرددون ما سمعوه وتلقَّوه عنهم.
ثالثاً: إذا كان عِداء المستشرقين واضحاً وجلياً في مواقفهم من الإسلام، فإن خطورة من سار على نهجهم من تلامذتهم ممن ينتسبون للإسلام كمحمد أركون أشد خطراً وأكثر أثراً.
رابعاً: تبيَّن من خلال البحث الأثر الجلي لمناهج المستشرقين في تكوين الخلفية الفكرية لمحمد أركون مع كونه ينقم عليهم قِدم منهجياتهم في دراستهم للإسلام.
خامساً: اتضح لنا فقدان أركون للمنهج العلمي، وتخبطه وتشتته في المنهجيات التي يزعم استخدامها ويمتدح نفسه دائماً بسردها، مع فشل تلك المناهج في مجالها الذي تطبق فيه في مسار العلوم الاجتماعية واللغوية والإنسانية.
وبعد، فهذا ما يسره الله لي وأعانني عليه، فالحمد لله أولاً وآخراً، ولعلي أكون قد أديت جزءاً من واجبي في المنافحة عن هذا الدين، ورد كيد الطاعنين.
ولعلي قد وُفقت في التحذير من منهج هؤلاء الطاعنين في كتاب الله تعالى، ممن ينتسبون للإسلام أمثال أركون، وقد بينت بعض الأخطاء المنهجية التي وقع فيها في دراسته للقرآن الكريم، وحسبي أنني قد بذلت في هذا البحث ما يسَّره الله لي من جهد.
فهرس المصادر والمراجع
1- إبراهيم رضوان، آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره، دار طيبة، الرياض، ط1، 1413هـ/1992م.
2- ابن حزم، أبو محمد علي بن محمد، إحكام الأحكام في أصول الأحكام، دار السعادة، مصر.
3- ابن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، دار التراث، القاهرة، ط2، 1393هـ/1973م.
4- ابن قيم الجوزية، أعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت، ط2، 1397هـ-1977م.
5- إجناتس جولد تسيهر، العقيدة والشريعة في الإسلام، ترجمة: محمد يوسف موسى، وعلي حسن عبد القادر، وعبد العزيز عبد الحق، دار الكتب الحديثة، القاهرة، ومكتبة المثنى، بغداد، ط2.
6- أحمد الخشاب، الاجتماع الديني، مكتبة القاهرة الحديثة، القاهرة.
7- أحمد سمايلوفتش، فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر، دار المعارف، القاهرة.
8- أحمد غراب، رؤية إسلامية للاستشراق، المنتدى الإسلامي، لندن، 1411هـ.
9- أحميدة النيفرة، النص الديني والتراث الإسلامي قراءة نقدية، دار الهدى، بيروت، ط1 1425/2004م.
10- إدوارد سعيد، الاستشراق، المعرفة – السلطة – الإنشاء، ترجمة: كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، ط2، 1984م.
11- أرزولا غونتر، محمد أركون ناقد معاصر للعقل الإسلامي، دار النشر إيرغون، عام 2004م.
12- براين تيرنر، علم الاجتماع والإسلام، دراسة نقدية لفكر ((ماكس فيير))، ترجمة: أبو بكر أحمد باقادر، دار القلم، بيروت، ط1، 1407هـ 1987م.
13- بسام داود عجك، التراث الإسلامي والاستشراق، مجلة كلية الدعوة الإسلامية، طرابلس، ليبيا، العدد السابع، 1990م
14- التهامي نقرة، سيكولوجية القصة، الشركة التونسية للتوزيع، تونس، 1974م.
15- جولد تسيهر، مذاهب التفسير الإسلامي، ترجمة: علي حسن عبد القادر، مطبعة العلوم، القاهرة، ط1، 1944م.
16- جيرو نيباوم، حضارة الإسلام، ترجمة: عبد العزيز توفيق جاويد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1994م.
17- حسن حنفي، التراث والتجديد، دار التنوير للطباعة والنشر، الطبعة العربية الأولى، 1981م.
18- دراسات استشراقية وحضارية، كتاب دوري محكم، مركز الدراسات الاستشراقية والحضارية، كلية الدعوة – بالمدينة المنورة، العدد الأول، 1413هـ - 1993م.
19- رودي بارت، الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، ترجمة: د. مصطفى ماهر، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، القاهرة.
20- رودي بارت، محمد والقرآن، تاريخ النبي العربي ودعوته، دار Kohlhammer ألمانيا.
21- الزواوي بغورة، من مشكلات وقضايا الفكر المغربي المعاصر، مجلة إبداع، العددان (5 – 6)، 2002م
22- زينب عبد العزيز، ترجمات القرآن إلى أين؟ وجهان لجاك بيرك، دار الهداية للطباعة والنشر، ط2، 1414هـ/ 1994م.
23- ساسي سالم الحاج، الظاهرة الاستشراقية، مركز دراسات العالم الإسلامي، ط1، 1991م.
24- السيد أحمد فرج، الاستشراق (الذرائع – النشأة – المحتوى)، دار طويق للنشر والتوزيع، ط1، 1414هـ - 1994م.
25- الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق: محمد عبد القادر الفاضلي، المكتبة العصرية، بيروت، 1423ﻫ/ 2003م.
26- صلاح يعقوب، العلمانيون والقرآن، رسالة دكتوراه، جامعة الأزهر، كلية الدعوة وأصول الدين.
27- طه نجم، علم اجتماع المعرفة، دار المعرفة الجامعية، القاهرة، 1996م.
28- عائشة عبد الرحمن، تراثنا بين ماض وحاضر، دار المعارف، مصر.
29- عاطف وصفي، الأنثربولوجيا الاجتماعية، دار النهضة العربية، بيروت، ط3، 1981م.
30- عبد الراضي محمد عبد المحسن، الغارة التنصيرية على أصالة القرآن الكريم، من ضمن بحوث ندوة: عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن الكريم وعلومه، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة.
31- عبد الرزاق هرماس، تفسير القرآن الكريم في كتابات المستشرقين، مجلة البحوث الإسلامية، إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، العدد 67.
32- عبد الرزاق هرماس، مطاعن المستشرقين في ربانية القرآن، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، السنة الرابعة عشر، العدد الثامن والثلاثون، ربيع الآخر 1420هـ، أغسطس 1999م، ص74.
33- عبد الستار الحلوجي، جهود المستشرقين في مجال التكشيف الإسلامي، مجلة كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية، جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية، العدد 6، 1396/ 1976م.
34- عبد العظيم الديب، المستشرقون والتراث، مكتبة ابن تيمية، المحرق، البحرين، ط1، 1406 – 1986م.
35- عبد العظيم المطعني، الإسلام في مواجهة الاستشراق العالمي، دار الوفاء، المنصورة، مصر، ط1، 1407هـ-1987م.
36- عبد العظيم المطعني، افتراءات المستشرقين على الإسلام، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1413هـ، ط1، 1405هـ.
37- عبدالله الصديق، الإحسان في تعقب الإتقان، دار الأنصار، القاهرة.
38- علاء الدين مصطفى أنور، أزمة المنهج في العلوم الإنسانية، مجلة المسلم المعاصر، عدد (55 – 56) السنة الرابعة عشر، 1990م.
39- عمر إبراهيم رضوان، آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره، دار طيبة، الرياض.
40- فولفجانج هانيه مان، مدخل إلى علم لغة النص، ترجمة: حسن بحيري، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، 2004م، ط1.
41- فيليب حتي، الإسلام منهج حياة، ترجمة: عمر فروخ، دار العلم للملايين.
42- كارل بروكلمان، تاريخ الأدب العربي، ترجمة عبد الحليم النجار، دار المعارف، القاهرة،1962م.
43- مالك بن نبي، الظاهرة القرآنية، ترجمة: عبدالصبور شاهين، دار الفكر.
44- مالك بن نبي، إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث، القاهرة، مطبعة دار البيان، 1970م.
45- مجلة العلوم الاجتماعية، كلية الآداب، جامعة الكويت، خريف 1989م، العدد 25.
46- مجلة الفكر العربي، بيروت، العدد 31، يناير-مارس 1983م، السنة الخامسة. معهد الإنماء العربي، بيروت.
47- مجلة الهداية، عدد247، سنة 21 رمضان 1418هـ يناير 1998م.
48- مجلة كلية الدعوة الإسلامية، طرابلس - ليبيا، العدد الثالث 1986م.
49- مجلة كلية العلوم الاجتماعية، الكويت، رجب 1407هـ – 1987م. العدد 52.
50- محجوب كردي، منهجية علم الاجتماع المعرفي في كتابات بعض المستشرقين عن العقيدة الإسلامية، ضمن كتاب: دراسات استشراقية وحضارية، مركز الدراسات الاستشراقية والحضارية، كلية الدعوة بالمدينة المنورة، فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد الأول 1413هـ/ 1993م.
51- محمد أحمد خلف الله، الفن القصص في القرآن الكريم، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط2، 1957م..
52- محمد أحمد دياب، أضواء على الاستشراق والمستشرقين، دار المنار، القاهرة، ط1، 1410هـ - 1989م.
53- محمد أركون حول الأنثروبولوجيا الدينية – نحو تقييم واستلهام جديدين للفكر الإسلامي، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 29، 1984م.
54- محمد أركون، الفكر الإسلامي، قراءة علمية، ترجمة: هاشم صالح، مركز الإنماء القومي، بيروت، والمركز العربي، الدار البيضاء، ط2، 1996م
55- محمد أركون، الفكر الإسلامي، نقد واجتهاد، ترجمة هاشم صالح، دار الساقي، ط3 1998م
56- محمد أركون، الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، ترجمة وتعليق هاشم صالح، دار الساقي، ط2 2002م
57- محمد أركون، تاريخية الفكر العربي الإسلامي، ترجمة: هاشم صالح، مركز الإنماء القومي، بيروت، والمركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط2، 1996م.
58- محمد أركون، حول الأنثروبولوجيا الدينية – نحو إسلاميات تطبيقية، مجلة الفكر العربي المعاصر، العددان 6 – 7، 1980م، ص27.
59- محمد البهي، الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط12، 1411هـ - 1991م.
60- محمد المقداد، تاريخ الدراسات العربية في فرنسا، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.
61- محمد حسين أبو العلا، القرآن وأوهام مستشرق، المكتب العربي للمعارف، القاهرة، 1991م.
62- محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون، دار الكتب الحديثة، القاهرة، ط2، 1396هـ.
63- محمد حسين علي الصغير، المستشرقون والدراسات القرآنية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط2، 1406هـ-1986م
64- محمد خليفة حسن أحمد، تاريخ الديانة اليهودية، دار قباء للطباعة والنشر، القاهرة، ط1، 1998م.
65- محمد خليفة حسن أحمد، مدخل نقدي إلى أسفار العهد القديم، القاهرة 1417هـ-1996م.
66- محمد خليفة، الاستشراق والقرآن العظيم. ترجمة: مروان عبد الصبور شاهين، دار الاعتصام، القاهرة، ط1، 1414هـ -1994م.
67- محمد دراز، النبأ العظيم، نظرات جديدة في القرآن، دار إحياء التراث الإسلامي، قطر، 1405هـ-1985م.
68- محمد صالح البنداق، المستشرقون وترجمة القرآن الكريم، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط2، 1403هـ/ 1983م.
69- محمد عوني عبدالرؤوف، جهود المستشرقين في التراث العربي بين التحقيق والترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، 2004م، ط1، القاهرة.
70- محمود حمدي زقزوق، الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري.
71- المعجم الوسيط لإبراهيم أنيس وآخرين.
72- ميشال جحا، الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا، معهد الإنماء العربي، بيروت، ط1، 1982م.
73- نبيل السمالوطي، التوجيه الإسلامي وصراع المنطلقات والنظريات في علم الاجتماع، دراسة نقدية في علم اجتماع المعرفة، دار المعرفة الجامعية، القاهرة، 1996م.
74- نبيل السمالوطي، المنهج الإسلامي في دراسة المجتمع. دار الشروق، جدة، ط2، 1406هـ/1985م.
75- نبيل رمزي، علم اجتماع المعرفة، المدخل والمنظورات، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، ط1، 1991م.
76- نجيب العقيقي، المستشرقون، دار المعارف، القاهرة، ط4.
77- نعمان عبدالرزاق السامرائي، الفكر العربي والفكر الاستشراقي بين محمد أركون وإدوارد سعيد.
78- هنري ماسيه، الإسلام، ترجمة: بهيج شعبان، منشورات عويدات، بيروت.
79- ول ديورانت، قصة الحضارة، ترجمة: محمد بدران، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1964م.