موقف الأئمة الفقهاء من نظرائهم السنة والشيعة

هاني فحص

إن الإمامة والفقاهة علم معياري ومن معاييره الاحترام والمودة للعالم الآخر، وخلافاتنا الفقهية لا تغطي صراعاتنا، ومن لا يحترم الفقيه في المذهب الآخر، يصعب عليه أن يحترم الفقيه الآخر من مذهبه.

وفي قرون الازدهار العلمي، في القرن الرابع الهجري مثلاً، كان علماء الشيعة تلاميذ لعلماء السنة كما كان علماء السنة تلاميذ لعلماء الشيعة.
ومن هنا أمكن أن تتسع مساحة الحوار الفكري والفقهي لتعود هذه الحركة لتنتكس عندما قرر السلطان العباسي –القادر- في الربع الأول من القرن الخامس الهجري، سدّ باب الاجتهاد لضرورات السلطة وليس لضرورات الدين، ولا أدري ما إذا كان قد استطاع أن يقفل؟ لا أحد يستطيع أن يقفله، لكن يستطيع أن يعيقه، فقد أعاقه حتى جاء السلطان السلجوقي وتراجع الفكر والفقه على مدى قرنين الى أوائل القرن الثامن الهجري فأقلع من جديد.
وإذا اردنا أن نقدم شواهد على نمط علاقة الفقهاء في ما بينهم وما تنجزه العلاقة الإيجابية نتذكر أن الشيخ المرحوم محمود شلتوت شيخ الأزهر الذي اسهم في حركة دار التقريب قد أفتى بجواز العمل بالمذهب الشيعي، واتخذ قرار تدريس الفقه الشيعي في الأزهر، في حين كانت النجف منفتحة على الفقه المقارن، والذي ازدهر منذ أواخر الخمسينيات على يد مؤسسي كلية الفقه (الشيخ محمد رضا المظفر والسيد محمد تقي الحكيم)، ما أدى الى شراكة أساتذة من جامعة بغداد ومن الأزهر والقاهرة وعين شمس في التدريس في النجف، والى رحلات علمية من النجف الى الرباط والقاهرة وباكستان والهند، والى النجف من سائر الأقطار، ودخول علماء شيعة كبار مثل الشيخ محمد رضا الشيبي والسيد محمد تقي الحكيم في المجامع العلمية واللغوية العربية في القاهرة ودمشق وعمان وغيرها.
ولتمكين هذه الذاكرة نذكر شراكة علماء النجف مع علماء بغداد مع علماء طهران في الثورة الدستورية (1910-1906) وأجمل تعبير عنها رسالة الملا محمد كاظم الخراساني مرجع النجف وكبير أساتذة الحوزة موقّعة بإسمه واسماء عشرة من مجتهدي النجف الى السلطان العثماني محمد رشاد، فيها تأييد ومبايعة له بإسم الشيعة في كل مكان بناء على ما وعد به من تطبيق الدستور مع رسالة مماثلة ومختلفة اللهجة فيها ادانة وتهديد للشاه القاجاري محمد علي الذي تراجع عن وعده بتطبيق الدستور.

ما دام بقي الفقهاء خارج إغراءات السلطة وإملاءاتها، فإن المودة والإحترام المتبادلين والتكامل العلمي ستسود صفوفهم، وهذا ليس دعوة الى نقض الدولة، لأن السلطة غير الدولة، وعندما تكون السلطة مسؤولة وعادلة تلغي المسافة بين السلطة والدولة.

المصدر: http://www.husseinalsader.org/inp/view.asp?ID=5744

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك