مشكلتنا تبدأ من العقل وتنتهي إليه..

قبل فترة ناقشنا في غرفة صغيرة على شبكة البالتوك العالمية مسألة عجز البلدان العربية على النهوض، وتنكب مشروع التحديث الذي تبنته الانظمة العربية، قام  البعض بالقاء اللوم على الاستعمار والتبعية للخارج، فيما راح آخرون الى تأكيد وجود تخلف داخلي ساهم بشكل واخر في افشال المشروع النهضوي العربي، داعين الى تبني سلسلة اجراءات لتحقيق النهضة الزراعية اولا، ومن ثم بقية الجوانب الاخرى للنهضة  كتحديث الصناعات،  والنهوض بالواقع العربي علميا وتقنيا وثقافيا.
طرحت رؤية ربما مغايرة لاراء الاخرين بعض الشئ، حيث اكدت على ان المشكلة في جوهرها وحقيقتها نابعة من العقل تبدأ به وتنتهي اليه، وان جميع التفاصيل الاخرى ربما تنبع من هذه النقطة، وان نظرية التخلف والتبعية المطروحة منذ أمد طويل لاتزال على قوتها الا ان المشكلة تتاكد وتتمركز في زاوية النظرة للاستعمار الخارجي، حيث نعمل ونجتهد على تطوير القابليات العقلية وتطوير الامكانات المتاحة ولكن بعد بلوغ مستوى معين نصطدم بجدار صلب يعيدنا الى المربع الاول، ويحول دون امتلاكنا لمؤسسات مستقرة لنؤسس عليها قواعد التنمية الصحيحة والمستدامة، والنهوض بواقعنا نحو الافضل.
المشكلة مزدوجة حيث داخليا نمط التفكير لدينا يعيد انتاج التخلف والعامل الخارجي يستغل نقاط الخلل هذه لارهاقنا واخضاعنا للاستسلام الكامل له، وتستمر هذه الدائرة المغلقة ضمن مدار تاريخي مغلق ان صح التعبير، ونبقى نردد الفتنة كانت نائمة لعن الله من ايقظها ونجهل او بالاحرى نتجاهل ان الفتنة في عقولنا قبل ان يفكر الاخر باستغلالها لصالحه.
ان هذه الشرنقة التاريخية التي نعيشها لابد من اعادة النظر بشكل جدي فيها لاكتشاف سبل الخروج منها، وهو مايتطلب اعادة النظر في جميع ارجاء المشكلة، وتحديد نقاط القصور او التقصير بدقة، واذا كانت المشكلة في العقل، وفي الية التفكير والاستنتاج فكيف يمكن ايجاد الحل، بمعنى اذا كان العقل ونمط الفكر الذي يحمله هو الذي يعيدنا الى القهقري ولايدعنا نتقدم باضطراد فضلا عن قوى اكبر منا تستغل هذا البؤس لدينا وتجعلنا نسبح في دائرة مغلقة يحتاج الى عملية فرمتة مثل الكمبيوتر واعادة نصب الوندوز لكي يستطيع ان يفكر تفكيرا مجديا ومنتجا؟ وبعبارة اخرى اذا طالت الامور علينا لقرون الا يستدعي ذلك اعادة النظر في مجمل قواعد التفكير المعتمدة، وتجريب الشئ وعكسه، فما لايحل بطريقة رحمانية يمكن ان يجد الحل بطريقة شيطانية، علما ان اكثر المشكلات التي تعيشها البشرية يتم حلها باساليب الشيطنة والمكر والخداع اكثر مما لدى القوى الرحمانية من اساليب الحل.
ان العقل الاميركي الذي اهتز بقوة بفعل ضربة 11 سبتمبر وجعله يعيد حساباته ليحدد اين الخلل، فتوصل الى ان استمرار الفجوة والبون الشاسع بين الشمال المتقدم والجنوب المتخلف سيخلق كوارث ربما امر واشد من كارثة ضربة سبتمبر، الامر الذي جعله يتخذ قرارات سريعة وجوهرية وحدث ماحدث، اليس من الاجدر بعقولنا ان تهتز بشكل اعمق من جراء الاحتلال.
يقول علي الوردي اني عاصرت العراق منذ ركوب الحمير الى ركوب طائرات الجمبو، وشهدت مسار هذا الانتقال الكبير حضاريا، الا ان شيئا واحدا بقي بعيدا عن ملامسة التغيير له وهو العقل العراقي الذي يأبى الا ان يبقى ضمن نمطه الموروث.
 ماجرى في العراق من فوضى خلاقة استهدفت بشكل اساس من خلال البرنامج الاميركي لمنازلة الارهاب في العراق ان واشنطن حرصت على ان تكون المنازلة في العراق حيث الارض خصبة لاثارة الفتنة وديمومتها، واعادة تشكيل العقل العراقي من خلال تعريضه الى صدمات قوية يعيد النظر في متبنياته وقواعده وجعله اكثر انفتاحا وقبولا للاخر .
لقد آن الأوان لاعادة النظر في مفهوم العزة والكرامة المترافق مع الفقر والدمار، وليكن مفهومه من يأتي برغيف الخبز، ويعيد البسمة الى وجه الانسان العراقي الذي ناله الكثير وبشعارات فضفاضة، وآن له ان يعيش بعد اليوم لنفسه، وان يكرس المفهوم السياسي للامة والوطن وليس المفاهيم الاخرى التي اتت بالويلات عليه، وان الفرصة المتاحة اليوم للنهوض بالواقع العراقي قد لاتتكرر في وقت اخر وحتى لزمن بعيد، فالمهم وكما يقول المثل ليس اين نحن وانما المهم ان نسير بالاتجاه الصحيح، فهل نحن نسير بالاتجاه الصحيح بالفعل؟
.

المصدر: http://albadee.net/news/5256/%D9%85%D8%B4%D9%83%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%A7-%D8%AA%D8%A8%D8%AF%D8%A3-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%84-%D9%88%D8%AA%D9%86%D8%AA%D9%87%D9%8A-%D8%A5%D9%84%D9%8A%D9%87..-

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك