سيكولوجيّةُ الإرهاب

كلارك آر ماكوالي

ترجمة: عبد الله حسين

 

من الضروريّ أن نسأل في الحرب العالمية على الإرهاب، ماذا نعني بالإرهاب؟! التعريف الدارج للإرهاب: هو شيء ما كاستخدام العنف، أو التهديد به، من قبل جماعات صغيرة ضدّ مجموعات كبيرة من المدنيّين. الإرهابُ حربُ الضعفاء، ملاذُ اليائسين، ذلك لعدم حصولهم على مطالبهم بالطرق التقليديّة، لأهداف سياسيّة مصرّح بها. المبدأ الأساسيّ لهذا التعريف هو اتّحاد مجموعات صغيرة لقتل العزّل. لكن ما يجدر بنا ملاحظته أنّ إرهاب الدولة حيال مواطنيها كما فعل ماو، ستالين، هتلر، بول بوت، والعديد من المستبدّين في تحالفات أصغر أودت بحياة الملايين من المدنيّين، في حين أنّ الإرهاب ضدّ الدولة، والذي نركّز عليه عادة، قد أودى بحياة الآلاف.

كان هناك تمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين – بين الأشخاص المنتسبين إلى الجيش وغير المنتسبين إلى الجيش- منذ الثورة الفرنسيّة، حيث أحضرت الثورة نوعاً جديداً من الجيش، «أمّة في حالة حرب» قهرت أفضل الجيوش الجبّارة في أوروبا، منذ ذلك الحين انتصرت الطريقة الأوروبيّة في الحرب، وحدها الأمّة التي تكون في حالة حرب تكون قادرة على هزيمة أمّة في حالة حرب، مغزى هذا التغيير أنّه عندما تكون الأمّة وراء الجيش تؤمّن الهدف الشرعيّ للحرب.

وافقت الولايات المتّحدة على هذا التمييز في حوادث عديدة، ففي الحرب العالميّة الثانية أسقطت الولايات المتّحدة قنابلَ على دريسدن، هامبيرغ، وطوكيو، وقنابل نووية على هيروشيما وناكازاكي، هذه المدن التي كانت تحتوي بشكل نسبيّ على قليل من العسكريّين، فأكثر القتلى كانوا من المسنّين والنساء والأطفال، وعندما قذفت الولايات المتّحدة صربيا ميلوزوفيتش بالقنابل، كانت وسائل النقل والاتصالات ومراكز القوى من بين أهدافها، كما أنّ عديد الجرحى كانوا من غير العسكريّين، وكذلك عندما فرضت الولايات المتّحدة وحلفاؤها حصاراً على العراق في عهد صدّام حسين، ساهم نقص الغذاء والدواء في قتل الأطفال أكثر من العسكريّين.

لا يسمَّى الإرهاب من الأعلى دائماً إرهاباً، كذلك لا يسمَّى الإرهاب من الأدنى دائماً إرهاباً، فعلى الأقلّ لبعض الأمريكيّين، رجال الكونترا لم يكونوا إرهابيّين، كذلك الجيش الجمهوريّ الأيرلنديّ لم يكن إرهابيّاً. يبدو أنّ الولايات المتّحدة لا تريد تمييز الإرهابيّين من المقاتلين الأحرار. ربّما علينا أن نكون صادقين في السعي لمعاقبة ومنع أيّة جماعة كانت وراء هجمات 11 سبتمبر، والتروّي في الحديث عن حرب عالميّة على الإرهاب.

هناك اقتراح عامّّ يقول، إنّه يجب أن تكون هناك علّة ما في الإرهابيّين، يجب أن يكون الإرهابيّون مجانين أو انتحاريّين أو مختلّين عقليّاً، دون مشاعر أخلاقيّة أو دون مشاعر تجاه الآخرين، هذا الاقتراح كان قبل ثلاثين سنة وقد أخذ على محمل الجدّ، لكنّ ثلاثين سنة من البحث كشفت أنّ الاختلال العقليّ واضطرابات الشخصيّة ليست منتشرة بين الإرهابيين أكثر من غير الإرهابيّين من البيئة نفسها.

بعد مقابلات صحفيّة مع إرهابيّين حاليّين وأُخر سابقين، وجدنا في الدليل الإحصائيّ والتشخيصيّ للجمعيّة النفسيّة الأمريكيّة القليل ممّن يعانون من اختلال، وبمقارنة الإرهابيّين مع غير الإرهابيّين ممّن تربّوا في بيئة واحدة وجدنا نسب الاضطرابات النفسيّة متشابهة ومنخفضة في كلا المجموعتين.

هناك طريقة أخرى للتفكير بشأن هذه القضيّة هو تخيّل نفسك إرهابيّاً، تعيش حياة سرّيّة منقطعة عن الخارج إلاّ ممّن يقاسمونك أهدافك، حياتك تعتمد على الآخرين في مجموعتك، هل ترغب أن يعاني أحد الأشخاص في مجموعتك من الاضطرابات النفسيّة إلى حدّ ما؟ شخص ما لا يمكن الاعتماد عليه، شخص ما على غير تماسّ مع الواقع، بالطبع هناك مفجّرو قنابل ورجال مسلّحون، عرضيّون، نادرون، يقتلون لأغراض سياسيّة، وبعض الأفراد ربّما يعاني في الحقيقة من نوع من الاضطرابات النفسيّة، لكنّ الإرهابيّين، خاصّة تلك الجماعات التي تستطيع تنظيم هجمات ناجحة، تكون على الأرجح ضمن سلسلة الشخصيّة السويّة. في الحقيقة كان من المحتمل أن يكون الإرهاب مشكلة بديهيّة لو كان مقتصراً على هؤلاء الإرهابيّين ممّن لديهم نوع من الاضطرابات النفسيّة.

الأجدى، علينا أن نواجه حقيقة أنّ الأشخاص الأسوياء من المحتمَل أن يكونوا إرهابيّين، حتّى نحن أنفسنا لدينا القدرة على القيام بأفعال الإرهابيّين تحت ظروف معيّنة.

هذه الحقيقة تتضمّن الاعتراف بأنّ الجيش والقوّات المسلّحة قادرة بشكل واضح على قتل غير العسكريّين في الإرهاب القادم من الأعلى. يشير البعض إلى أنّ التشكيلة الواسعة من الجيش وقوّات الشرطة المشتركة في مثل هذا النوع من القتل، يجب أن يكون غير سويّ كلّه. كانت هناك اقتراحات منذ الحادي عشر من سبتمبر، بأنّه ربّما تحتاج قوات أمن الولايات المتّحدة إلى استخدام التعذيب للحصول على المعلومات من الإرهابيّين المشتبه بهم.

هذا هو حافّة منحدرٍ زلق، من المُحتمَل أن يؤدّي إلى قتل غير العسكريّين.

ليس هنالك من شخص يستيقظ في أحد الصباحات، ويقرّر أنّ هذا اليوم هو اليوم الذي سيصبح فيه إرهابيّاً، في المنحى الذي يصبح فيه الأشخاص الأسوياء قادرين على عمل أشياء مزعجة يكون عادةً بشكل تدريجيّ، وربّما من المستحيل أن تدرك الفرد. ومن بين الأشياء الأخرى التي تحمل منحىً أخلاقياً، مثل هورويتز حيث وصفهم بعبارات بسيطة في كتابه «الشغب العرقيّ المميت»: الإرهابيّون يقتلون للأسباب نفسها، عندما كانت مجموعاتٌ تقتل مجموعاتٍ أخرى على مدى قرون، يقتلون لأجل القضيّة والرفاق، إنّها كذلك مع توحيد الإيديولوجيّة وديناميكيّات جماعة صغيرة قويّة.

إنّ السبب الذي يستحقّ التضحية والموت لأجله هو سبب شخصيّ، نظرتنا للعالم هي التي تجعلنا نفهم الحياة والموت، وتربط الفرد بنوع ما من الخلود. كلّ شخص سويّ يؤمن بمبدأ ما أكثر أهمّيّة من الحياة، وعلينا أن نعرف أنّنا سوف نموت على خلاف الحيوانات، إنّنا نحتاج شيئاً ما يمكّننا من فهم حياتنا وموتنا، شيئاً ما يجعل موتنا مختلفاً عن موت سنجابٍ ملقىً على الطريق نلمحه عندما نقود سيارتنا، الموت الأقرب والأكثر مباشرة هو الذي نحتاج فيه كثيراً إلى قيم الجماعة التي تعطينا معنى للحياة والموت، هذه القيم تتضمّن قيم الأسرة والدين والعرق والجنسيّة، هي قيم ثقافتنا. أظهرت العديد من التجارب أنّ التفكير بموتنا يقودنا إلى تعقّب قيم ثقافتنا بقوّة أكبر «نظرية إدارة الخوف».

ليس هناك من ارتباط واضح بين الدين والعنف، فعديد الجماعات الإرهابيّة، منذ الحرب العالمية الثانية، قد كانت جماعات راديكاليّة اشتراكيّة دون جذور دينيّة مثل: اللواء الأحمر في إيطاليا، وعصابة البدر مينهوف وعصبة الجيش الأحمر في ألمانيا، والدّرب المضيء في البيرو. فحقوق الحيوان وإنقاذ البيئة يمكن أن تكون من الأسباب التي تبرّر الإرهاب، كذلك كانت الشيوعيّة الإلحاديّة طيلة القرن العشرين أحد تلك الأسباب.

إنّ قيم الجماعة متمثّلة في السبب المركَّز عليه، تبعاً لقوّة الشخصيّة في مجموعة صغيرة من العقول المتشابهة التي تمارس العنف الإرهابيّ. أغلب الأفراد ينتسبون إلى العديد من المجموعات، الأسرة، زملاء العمل، الجوار، البلد وكلّ واحدة من هذه المجموعات لها تأثيرها على اعتقادات الفرد وسلوكه. تميل هذه المجموعات إلى تناول القيم المختلفة، وتنافس القيم يخفّف قوّة أيّة مجموعة على أفرادها، لكنّ أعضاء المجموعة الإرهابيّة السرّيّة يضعون هذه المجموعة أوّلاً في حيَواتهم، يسقطون ويضعفون أيّ اتّصال آخر، قوّة هذه المجموعة هائلة وتمتدّ إلى كلّ نوع من الأحكام الأخلاقيّة والشخصيّة، هذه هي القوّة التي تستطيع أن تجعل العنف ضدّ العدوّ ليس فقط مقبولاً بل ضروريّاً.

كلّ جيش يهدف إلى أن يفعل ما يفعله الإرهابيّ؛ ليربط قضيّة مجموعة أكبر مع ديناميكيّات مجموعة أصغر حيث تستطيع أن تستلم الأفراد للتضحية بهم، كلّ جيش يفصل المتدرّبين عن حياتهم السابقة، ولذلك من الممكن أن يصبح القتال عائلتهم وزملاؤهم الجنودُ إخوةً لهم، يغدو خوفهم من سقوط رفقائهم أكبر من خوفهم من الموت «فالحبّ المثاليّ يطرد الخوف».

إنّ قوّة مجموعة متقوقعة على عناصرها ليست محدودة لتبرير العنف، حيث أنّ العديد من المجموعات غير العنيفة أيضاً تنال القوّة بفصل الأفراد عن المجموعات التي قد تعرض القيم المتنافسة، تستخدم المجموعات هذا التكتيك ضمن الطوائف الدينيّة، ومراكز معالجة مدمني المخدّرات، والمدارس السكنيّة والكلّيات.

باختصار، السيكولوجيّة الموجودة وراء عنف الإرهابيّ هي سيكولوجيّة سويّة، وتكون غير سويّة فقط في قوّة ديناميكيّات الجماعة عند ربط القضيّة مع الرفاق.

يميّز علماء النفس بين نوعين من العدوان، العاطفيّ والآليّ. فالعدوان العاطفيّ مرتبط بالغضب ولا يحسب النتائج الطويلة الأمد، ومجازاة العدوان العاطفيّ هو في إلحاق الأذى بشخص ما قد آذاك، أمّا العدوان الآليّ أكثر تقديراً، حيث استخدام العدوان يكون وسائل لنهايات أخرى. ربّما يتضمّن العدوان الإرهابيّ العدوان العاطفيّ، وخاصة بالنسبة لهؤلاء الذين يقومون بالقتل، لكنّ هؤلاء الذين يخطّطون أفعال الإرهابيّ عادةً يفكّرون فيما يريدون إنجازه، ويهدفون إلى أن يوقعوا بعدوّهم خسائر طويلة الأمد، وكذلك الحصول على فوائد طويلة الأمد لأنفسهم.

إنّ الإرهاب يلحق الضرر المباشر ويدمّر الحيَوات والمادّة، لكنّ الإرهابيين يأملون بأنّ الخسائر الطويلة الأمد ستكون أكبر، إنّهم يريدون أن ينشروا الخوف والقلق إلى ما بعد أولئك الضحايا والمقرّبين إليهم، إنّهم يريدون أن يهدر العدوّ الوقت والمال على الأمن.

يهدفُ الإرهابيّون في الواقع إلى فرض أعباء كبيرة على كلّ جانب في مجتمع العدوّ، أعباء تحوّل الموارد من أهداف إنتاجيّة إلى تدابير أمنيّة معادية للإنتاج. على الأرجح تكون تكاليف الأمن المتزايدة كبيرة وبشكل خاصّ لبلد مثل الولايات المتّحدة، حيث المجتمع المنفتح هو أساس للنجاح الاقتصاديّ ولجيش ذي تقنيّة عالية.

يأملُ الإرهابيّون بشكل خاصّ أن يحصلوا على استجابة عنيفة تساعدهم على تحريك الأناسِ المؤيّدين لهم، تكون المجموعة الإرهابيّة على قمّة هرم المؤيّدين والمتعاطفين، وقاعدة الهرم مؤلّفة من هؤلاء الذين يتعاطفون مع قضية الإرهابيّ حتّى ولو كانوا يرفضون الوسائل العنيفة التي يستخدمها هذا الإرهابيّ.

على سبيل المثال في أيرلندا الشماليّة، قاعدة الهرم مؤلّفة من كلّ من يدعو إلى خروج البريطانيّين، وفي العالم الإسلاميّ قاعدة الهرم مؤلّفة من أولئك الذين يتّفقون على أنّ الولايات المتّحدة هي التي أساءت إلى المسلمين وأذلّتهم على مدى خمسين سنة. الهرم ضروريّ لتأمين التغطية للإرهابيّين وانتساب أعضاء جدد.

يأمل الإرهابيون بتوجيه ضربة خرقاء ومعمّمة أكثر من اللازم ضدّهم، حينها سوف يكتشفون ويهتدون إلى بعض جوانبهم التي لم تتجذّر ولم يتمّ إدارتها بعد، سيوسّعون قاعدتهم من التعاطف، سيحوّلون المتعاطفين إلى فعل وتضحية، سيقوّون منزلتهم في قمّة هذا الهرم. لديهم السبب ليكونوا متفائلين، ففي عام 1986على سبيل المثال حاولت الولايات المتّحدة قصف الزعيم القذّافيّ ردّاً على العمليّة الإرهابيّة التي دعمتها ليبيا، وقد ضلّت الصواريخ مسكن القذّافيّ لكنّها ضربت عمارة سكنيّة قريبة منه وقتلت أعداداً من النساء والأطفال، وقد تمّ تقليل قيمة هذا الخطأ في الولايات المتّحدة، إلاّ أنّ نجاح العلاقات العامّة للجماعات المناهضة للولايات المتحدّة في شمال أفريقيا حال دون ذلك. وفي عام 1998 حاولت الولايات المتّحدة الردّ على الهجمات التي شنّت على سفاراتها بإرسال صواريخ كروز إلى المعسكرات الإرهابيّة في أفغانستان، وإلى مصنع كان من المفترض أنّه للقنابل في الخرطوم، وظهر فيما بعد أنّ مصنع القنابل كان ينتج في الحقيقة التجهيزات الطبّيّة فقط.

إنّ أيّ ردّ عنيف على الإرهاب إذا لم يكن مستهدفاً بشكل جيّد هو نجاح للإرهابيّين، فالطالبانيّون عملوا ما بوسعهم للتركيز على القنابل التي قتلت المدنيّين في أفغانستان.

يأملُ الإرهابيّون أيضاً بردّ فعل التبسيط والإجحاف في القضيّة التي يتمّ رؤية الإرهابيّين فيها كأعضاء مثاليّين لقضيّتهم التي يقولون بأنّهم يناضلون من أجلها.

عادةً يكون الإرهابيّون مجموعة صغيرة منشقة عن الجماعة التي يعتزمون قيادتها، ومعارضتهم الأكثر خطورة هي غالباً من جانبهم، من المعتدلين منهم الذين يرون أنّ هناك بدائلَ للعنف، ولو أنّ الاستجابة إلى هجمة الإرهابيّ هي دمج كلّ الذين يتعاطفون مع القضيّة التي يدّعي أنّه يخدمها، ليروا جماعة عرقيّة أو دينيةّ بالكامل على أنّها خطيرة وعنيفة، حينذاك يضعف المعتدلون وينتصر الإرهابيّون.

إنّ ردّ فعل التبسيط والاستجابة تجاه العرب والمسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة ستحوّلهم من مصادر الدعم ضدّ الإرهاب إلى مصادر إرهاب أخرى، فالوقاحة والشكّ والعداء الموجّه للعرب والمسلمين في الولايات المتحدة هي أخبار سارّة للإرهابيّين، كما أنّ الملاحقات والانتهاكات الأخرى للحقوق المدنيّة للعرب والمسلمين من قبل وكالات أمن الدولة في الولايات المتحدة تساعد على تشجيع التمييز. حيث أنّ العديد من العرب والمسلمين قد سجنوا منذ الحادي عشر من سبتمبر لاشتباههم القيامَ بنشاطات إرهابيّة، وعلى الأرجح أنّهم قد شعروا بالاضطهاد عندما أطلق سراحهم في النهاية.

في سياسة الولايات المتحدة الخارجيّة، من الممكن أن يكون ردّ فعل التهديد والعداء تجاه العرب والمسلمين أكثر خطورة. حيث قولها: «انضمّوا إلى حربنا ضدّ الإرهاب وإلاّ...»، سيتدفّق الخطر المقوّض للحكومات والدول ذات الميل الغربيّ، كـ: المملكة العربيّة السعوديّة، مصر، الأردن، باكستان. حيث المسلمون الأصوليّون يعارضون تعاون حكوماتهم مع الغرب.

إذا ما تمّ النظر إلى ردّ الفعل على الإرهاب كحملة صليبيّة ضدّ المسلمين، فسيكون الإرهابيّون في موضع لقيادة الجهاد الذي يبدأ من المنزل. أحاديث سلسة حول انتقال قوّات الولايات المتّحدة من أفغانستان إلى العراق من الممكن أن تكون قد ساهمت في إثارة مخاوف المسلمين من أنّ هناك حملة صليبيّة قادمة.

منذ الهجوم الأوّل على مركز التجارة العالميّ، تغيّر ردّ فعل الولايات المتّحدة إزاء الإرهاب من العدالة الجنائيّة؛ من إيجاد ومحاكمة ومعاقبة الجناة، إلى شنّ حرب عليهم، هذا التغيير كانت له نتائج نفسيّة.

إنّ تأطير الإرهاب والردّ عليه، يدلّان على انتقالٍ من ملامة الفرد إلى ملامة الجماعة، هذا بالضبط ما يريده الإرهابيّون، يريدون أن تتمّ رؤيتهم على أنّهم يمثلون كلّ من يشعر أنّ الولايات المتّحدة منذ الحرب العالمية الثانية بدأت بالهيمنة والإذلال وعملت على قتل المسلمين، يريدون أن تقع مسؤوليّة أعمالهم على كلّ الذين يتعاطفون مع قضيّتهم. يتحتّم علينا رفض الإرهابيّين كقادة لمليار مسلم، أو بالأحرى علينا أن نقوم بتحقيق في سياسات الولايات المتحدة التي خلقت مشاعر معادية كثيرة جدّاً لأمريكا حول العالم..

يشير التحوّل إلى لغة الحرب أيضاً إلى إمكانيّة اتخاذ تدابير أكثر تطرّفاً وكلفة لمكافحة الإرهاب، ومن هنا لا بدّ من العمل على السياسة الأكثر جدوى لمكافحة الإرهاب. هناك بعض النماذج غير الملائمة من هذا النوع من السياسة الذي ربّما تبدو عليه. فسياستنا الأكثر فاعليّة ضدّ إرهاب الفيت كونغ شملت برنامج العنقاء الذي أرسل القنّاصين وفرق القوّات الخاصّة لاغتيال الناس المشتبه بمشاركتهم في نشاط الفيت كونغ، هذا البرنامج غير ملائم ليس فقط في الاستغناء عن القانون، باعتباره غير ناجح في النهاية.

إنّ حربنا الأحدث، والأكثر فاعليّة، هي الحرب على المخدّرات، ندفع أو نهدّد البلدان الأجنبيّة لإسقاط السموم على مزروعاتهم، حيث يجني المزارعون المحاصيل التي يودّ الأمريكيّون شراءها، نضع المال والتدريب في الجيش وقوات الأمن لهذه البلدان. نحن ندعم عملاء سرّيّين لاختراق عصابات المخدّرات ونفعّل الاستخبارات ضدّهم. انظر إلى فيلم «التهريب» كوجهة نظر حديثة في ما تعنيه هذه الحرب على أرض الواقع، حيث يقدّم تقريراً على نجاحها.

إنّ التكاليف الداخليّة للأمن المتزايد هي تكاليف دولة أكثر مركزيّة تستطيع أن تصبح عدوّاً لشعبها، في الولايات المتحدة الأمريكية فرضت الحكومة سلطات جديدة من دون التشاور مع الكونغرس.

تشير استطلاعات الرأي التي أجريت في السنوات الأخيرة التي تسبق الهجمة الإرهابية في 11 سبتمبر إلى أنّ نصف الأمريكيّين البالغين رأوا أنّ الحكومة الفيدراليّة تشكّل تهديداً على حرّيّات وحقوق الأمريكان العاديّين.

لا شكّ أنّ عدداً أقلّ سوف يقول ذلك على إثر حادثة الهجمات الأخيرة، وسيكون هنالك ميل متناغم مع القول الدارج: «الحربُ صحّة الدولة». فلو استطاع أمن أكثر أن يضمن سلامة الأمّة، لكان الاتّحاد السوفياتيّ معنا حتّى الآن.

من الممكن أن يكون الردّ على الإرهاب أكثر خطورة من الإرهابيّين، كما أنّ المبالغة في حدّة الغضب والحرب ضدّ الإرهاب لن تكون مصدر شرف لأولئك الذين ماتوا في هجمات 11/ 9..

علينا أن نعيد التفكير...!!

المصدر: http://www.almannarah.com/Mobile/NewsDetails.aspx?CatID=7&NewsID=8946

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك